أوزبكستان طريق الحرير مرّ...

مدارس, الإسلام وحوار الثقافات, الهندسة المعمارية, المتاجر, المقاهي, قارة آسيا, الأساطير, أسطورة سيزيف, لجنة التعليم والعلوم بالبرلمان الأذري, التسوق, أوزبكستان

04 نوفمبر 2011

بين نهري آمو داريا وسيرداريا تمتد طريق الحرير التي تناحرت جيوش الأرض عليها منذ آلاف السنين. إنها أوزبكستان بلاد الإمام البخاري وعالم الجبر الخوارزمي.
لم تتغيّر جغرافيتها وتاريخها، ولكن الزمان تغيّر فهجرها ولم يعد يلحظ وجودها بين سطوره، لتتحوّل إلى بلاد تنتظر على عتبة أبوابه علّها تجد مفتاحًا يعيد إليها مجدها.
وفي التاريخ أن الإسكندر احتلها وتزوّج ابنة والي سمرقند، ثم جاء العرب المسلمون ونشروا فيها الإسلام، فخرج من مدينتي بخارى الإمام البخاري، ومن كيفا Khiva التي كانت تعرف بخوارزم العالم الرياضي ومؤسس الجبر الخوارزمي.
لتخضع في القرن العشرين لسلطة الجيش الأحمر الشيوعي وتكون ضمن ما كان يُعرف بالاتحاد السوفياتي.
ومهما فعل التاريخ وبدّلت السياسة أيديولوجياتها أحوال أوزبكستان، فهي لا تزال بلاداً جميلة تسكن آسيا الوسطى وتفتخر بأن طريق الحرير مرّ ولا يزال يمرّ من هنا.
إنها مهد الحضارات وثقافاتها منذ أكثر من ألفي سنة وتحتفظ بأجمل المعالم المعمارية الإسلامية في العالم. تنقلك مدنها سمرقند وبخارى وكيفا إلى طريق الحرير المعبّد بالتاريخ.


طشقند العاصمة
رغم أن طشقند عاصمة البلاد ورابعة مدن عهد الاتحاد السيوفاتي، فإنها لم تستطع الاحتفاظ بمعالمها التاريخية التي تعود إلى ألفي سنة بسبب هزة أرضية ضربتها عام 1966.
وما تبقى من التاريخ الإسلامي في المدينة العتيقة التي تعرف بأيسكي شاهار مدرسة كوكلداش، وهي مدرسة إسلامية جميلة تعود إلى القرن السادس عشر، يجاورها مسجد جمعة الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، وتحوّل محترفًا للتعدين خلال الحقبة السوفياتية.
وعلى مقربة من المدرسة يمتد سوق بازار كورسو Bazar Chorsu وهو سوق شعبي تتوجه قبة خضراء.
في هذا الشارع تدخل عالم أوزبكستان فيخدّر حواسك بكل تفاصيله وعطوره.
هنا يحتشد الباعة الجوّالة والمتاجر والمقاهي الشعبية فتختلط ألوان الأقمشة والتذكارات الأوزبكية بروائح المطبخ التقليدي للبلاد.
وتقع شمال المدينة ساحة خاص إمام Khast Imam، وهي مركز ديني رسمي انتهت أعمال ترميمه عام 2010.
وتضم الساحة مويي مبارك Moyie Mubarak وهي مكتبة ومتحف، ومن أهم القطع التي تضمها مخطوطة مصحف الخليفة عثمان بن عفان الذي يعدّ أقدم مصحف في العالم.

سمرقند
سمرقند مدينة أسطورة تشغل المخيلة بطريقها الحريرية التي مرّت بها جيوش الإسكندر والمغول والعرب والترك والإنكليز والروس للسيطرة عليها، مما جعلها أسطورة من أساطير التاريخ تروى حكاياتها في قصص ألف ليلة ولية.

وها هي اليوم لا تزال تحتفظ بسحرها وجمالها وتستريح بخفر وتضع خمار الحرير الذي يختبئ وراءه ماضٍ عريق للمدينة تجسد في روائع التيموريين (نسبة إلى القائد المغولي تيمورلنك) والأسواق المحتشدة بكل ألوان الطبيعة مما يجعل زيارة وسطها التاريخي رحلة في عالم من المتاهات الطبيعية والمعمارية تتمنى لو أنك لا تخرج منها.

بنى غالبية المعالم التاريخية الموجودة في سمرقند، تيمورلنك، فيما جعل حفيده أولوغ بيغ والأوزبكيون الشايبانيد من المدينة مركزًا للعلوم والإقتصاد والثقافة في آسيا الوسطى من القرن الرابع عشر حتى الخامس عشر.

واللافت أن كل المعالم تلك الحقبة لا تزال على سيرتها المعمارية الأولى الرائعة، وكأن الزمن خشي أن يحفر تجاعيده في هذه المدينة.
ويعتبر معلم رجيستان تحفة معمارية لا تضاهيها أي تحفة أخرى في العالم الآسيوي، وهو مؤلف من مجموعة مدارس رائعة تُمتع العين بفيض من الخزف الإيطالي والفيسيفساء اللازوردية وأحجام معمارية متناسقة بشكل فريد.
أما جامع بيبي خانوم فرغم أن ما بقي منه أطلال فإنه يدهش من يتجوّل بين أطلاله.
ومن الروائع الموجودة في سمرقند شارع شاه إي زند Chah-i-zindeحيث توجد مدافن عائلة تيمورلنك وحفيده أولوغ بيغ، وبحسب أهل المدينة أن أحد القبور تعود إلى ابن عمة الرسول محمد (صلعم)، وقد زينت قبور العائلة بالخزف الإيطالي.

يجاور هذا الشارع السوق الرئيسي لسمرقند حيث الحركة تتماوج بألوان الحرير، فهنا يتعرّف السائح إلى أسلوب حياة أهل المدينة من ألفه إلى يائه لا سيما المنطقة المجاورة لمسجد بيبي خانوم.

بخارى
يكفي أن يعرف المرء أنها مدينة الإمام البخاري أهم علماء الحديث عند أهل السُنّة والجماعة، وصاحب كتاب الجامع الصحيح الذي يعرف بأنه أصحّ الكتب عند أهل السنة بعد كتاب الله، حتى تصبح زيارتها متعة للروح والذاكرة.
لا تزال بخارى تحتفظ بمعالمها التاريخية التي تعود إلى أكثر من ألفي سنة أجملها لياب إي حاووز، وهو ساحة تعود إلى القرن السابع عشر شيّدت حول حوض، وتتألف من ثلاث قبب، وهي منارة قالون التي ترتفع 47 مترًا ويعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر وهي أعلى منارة في آسيا، ومصلّى إسماعيل سمعاني البناء الأقدم في المدينة يعود إلى عام 905 وهو من أروع الأبنية في آسيا الوسطى.
وتشتهر بخارى راهنًا بالسجاد البخاري الذي يحاك ويصنع في تركمستان التي كانت في ما مضى تابعة لخان بخارى.

كيفا
كيفا Khiva كانت تعرف باسم خوارزم وهي المدينة التي وُلد فيها العالم الرياضي ومؤسس الجبر الخوارزمي.
يقال إن كيفا شُيدت عندما اكتشف سام ابن نوح بئر ماء في هذه المنطقة.
ولكن مما شك فيه أن هذه المدينة موجودة منذ القرن الثامن وكانت المركز التجاري للقوافل التي كانت تعبر طريق الحرير المؤدية إلى بحر قزوين ونهر الفولغا.
ومع بداية القرن السادس عشر أصبحت عاصمة الإمبراطورية التيمورية، ولعبت دور سوق النخاسة والمركز السطحي للخانات خلال القرون الثلاثة اللاحقة.
تختلف كيفا عن غيرها من مدن آسيا الوسطى، فوسطها التاريخي جُعل موضوع حماية متكاملة. واللافت أنه يتميز بالنظافة الأقرب إلى النظافة الطبية، وإن تجوّل زائره في الأحياء المكتظة.
وفيما اللازوري يطغى على سمرقند، والبني على بخارى فإن كيفا يطغى عليها الفيروزي ببهاء غريب. فهذه المدينة تشبه المتحف الإسلامي المتناثرة معالمه في هواء آسيا الوسطى الطلق.
ومن بين أهم معالم المدينة منارة كالطا مينور التي تبهر الناظر إليها بزينة من المربعات الفيروزية، يساندها في الإبهار الـ 218 عمود الخشب لمسجد جمعة، وقلعة كوهنا أرق، وقصر طوشهوفلي المزخرف بشكل يعجز البصر عن إدراكه، ومدرسة حجة الإسلام بمنارتها الفريدة ومصلى باهلافون محمود المزخرف بشكل رائع والمزين بخزف جميل.
وإذا أراد زائر المدينة أن يسجل في ذاكرته مشهداً عز نظيره في العالم فعليه تأمل واجهات كيفا عند الغروب لا سيّما تلك الموجّهة نحو الشرق، ليجدها تسبح في ضياء الأرجوان لحظة مغيب الشمس.
هذه هي أوزبكستان، بلاد تضم مدنًا عاندت الزمن واحتفظت بمعالم تنطق تاريخًا تقاطعت فيه الأساطير والواقع، لتروي حكايات مدوّنة لحضارات شعوب مرّت بها. وطريق الحرير لا تزال هناك تراقب الزمن العامر بأسرار التاريخ التي لا تنتهي.