محمد عبد العزيز: الجمهور العربي عبء على الرواية والتشكيل والسينما

محمد عبد العزيز, مخرج, سورية, مسلسلات, موقع / مواقع التصوير

15 ديسمبر 2013

أنجز المخرج محمد عبد العزيز المراحل الفنية الأخيرة لفيلمه الأحدث «ليلى والذئاب»إ، وهو الأول الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما في سورية منذ ما يقارب الستين عاماً من عمرها في فن الميوزيكال.
يروي الفيلم قصة ليلى الفتاة التي تعشق الفن والرقص، وتعيش في قرية وادعة وتحلم بحياة المدينة فتلجأ إليها من الريف، حيث الذئاب التي تحيط بها. تعمل خادمة في أكاديمية للفنون، وبعد فترة تعمل فيها راقصة في عرض كبير نتيجة جهدها وتفانيها في العمل.
تتشعب
الأحداث وتتوالى لتكتشف أن هناك ذئاباً أيضاً في المدينة أشد شراسة من ذئاب القرية. حول خصوصية «ليلى والذئاب» وشروط نجاح فيلم يندرج ضمن إطار أفلام الميوزيكال بكل ما تحتاجه من غناء وموسيقى ورقص وحركة وإبهار... وعن رؤيته لواقع السينما العربية ولأفلامه السابقة... كان لنا معه هذا اللقاء:


- ما العوامل والشروط التي ينبغي أن تتوافر لنجاح أفلام الميوزيكال؟
 لا أميل إلى صنع هذا النوع من الأفلام، لكن في الوقت نفسه لدي القدرة على صناعتها وفق الظرف المتاح بأفضل ما يمكن، فالمسألة لا تتعلق بشرط إنجاز فيلم ميوزيكال وإنما في الشروط الصعبة لصناعة فيلم سينمائي.
فهناك جهة واحدة تنتج أفلاماً سينمائية في سورية، وأي فيلم نقدمه وكأنك تقدم أول فيلم في البلد لأنه ليس هناك إرث تتكئ عليه، فالسينما ليست فيلماً فقط وإنما هي مناخ تتنفس ضمنه كسينمائي إن كنت مخرجاً أو ممثلاً أو ناقداً أو فنياً، وهذا الشرط غير متوافر لدينا، الأمر الذي يصعّب أكثر فكرة الذهاب في اتجاه إنجاز فيلم «ميوزيكال» له طابع استعراضي لا يتوافر أي شرط من شروطه باستثناء الأفراد.
لكن اللافت أن المؤسسة العامة للسينما كجهة حكومية أقدمت على إنتاجه في تجربة قد تخفق وقد تنجح.

- تقول إن المؤسسة هي الجهة الوحيدة اليوم في الإنتاج رغم إنجاز تجارب عدة في القطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة، حتى أنك قدمت كمخرج سينمائي أكثر من فيلم من إنتاج القطاع الخاص.
إنها جهة إنتاجية واحدة في القطاع الخاص هي «شركة الشرق»، أما الجهات الإنتاجية الأخرى فكانت خليجية ممولة من «أوربيت»، وبالتالي لم يكن هناك خطة ممنهجة تنتج سينما سورية وتتقدم خطوات. وفي النهاية أي رأس مال أجنبي ليس له ضمان للاستمرار، وبالفعل هذا ما حصل فقد توقفت التجربة، وبالتالي القطاع الخاص لم يكن المنتج وإنما منفذ الإنتاج.
المؤسسة العامة للسينما هي الوحيدة التي كانت تنتج، وقبل أعوام لم يكن يتعدى إنتاجها فيلمين في السنة، ولكنها اليوم باتت تنتج خمسة أفلام سنوياً وهو مؤشر إيجابي، لكن ينبغي أن يكون لدينا عشرة أو عشرون فيلماً في السنة.

- عندما أتكلم عن شروط فيلم ميوزيكال كنت أقصد الشرط المالي الذي يساهم في تحقيق حالة الإبهار والتي تنسحب على مختلف الأصعدة؟
الشروط التقنية كانت متوافرة سواء على مستوى الكاميرات أو الاضاءة أو التقنيات المختلفة. لكن ما نحتاج إليه اليوم المختبرات واستديوهات التصوير والصوت، إلا أن الكلام عن هذه الشروط في الظرف الحالي أظن أنه لا يثير اهتمام أحد، لا القيمون على السينما ولا الجمهور، فالجميع في مزاج آخر تماماً.

- هل أتى الغناء بالصوت الحقيقي لأبطال الفيلم؟
الغناء كان بصوت الاشخاص الذين جسدوا شخصيات الفيلم.

- لماذا لجأت إلى الوجوه الجديدة؟ وهل جاء اعتمادك عليها مغامرة أم أنها خطوة محسوبة النتائج؟
أميل في أفلامي إلى أن أسند 95 في المئة من الأدوار إلى وجوه شابة، لا بل الشخصيات الخمسينية أوزعها على الوجوه غير المتداولة بالمعنى المعروف للكلمة.

- أهو الهروب من فكرة الوجوه التي يتكرّر ظهورها على الشاشة؟
جزء منه هو هكذا، ففي النهاية ليس لدينا جمهور يذهب إلى صالة سينما من أجل رؤية فنان معين، وأرتاح أكثر مع الوجه الجديد غير المتداول وأشعر بأنه شريك في صناعة الفيلم أكثر من الشخص المعروف.

- ولكن شارك في أفلامك السابقة نجوم، فهل لمست الفرق بين التجربتين؟
هذا الأسلوب توصلت إليه في فيلمي قبل الأخير «المهاجران»، وهو من إنتاج القطاع الخاص (شركة الشرق) ولم يعرض بعد... لقد استعنت في أفلامي الأولى بوجوه معروفة وهذا أمر طبيعي، ولكن مع الوقت بت أميل إلى الوجوه غير المتداولة في التلفزيون، وفي أفلامي الثلاثة الأخيرة وفي فيلمي الذي أصوره حالياً أسندت نسبة 95 في المئة من الأدوار لشخصيات غير معروفة كثيراً بالمعنى المتداول للكلمة.


بين الشرقي والغربي

- إلى أي مدى تدخّلت في الاستعراض في «ليلى والذئاب»؟ وهل توجهت فيه نحو النمط الغربي أم الشرقي؟
هناك مزج وتنوّع ما بين الشرقي والغربي، ولكن السمة الطاغية الشرقي السوري الذي يحمل هوية سورية. أما بالنسبة إلى الراقصين فتدخلت ضمن الحدود المقبولة مع مصمم الرقص معتز ملاطيلي فغيّرت بعض الأمور.

- قدم القطاع الخاص قبل سنوات تجربة فيلم ميوزيكال، فهل حاولت الابتعاد عن نمط تلك التجربة أم الاقتراب منها؟
لا أريد المقارنة بين الفيلمين، فذلك الفيلم عرض في وقت كان فيه جمهور للسينما أما اليوم فمزاج الناس مختلف، ولا أعرف كيف يمكن أن يتقبلوا فيلم ميوزيكال، وبصراحة ليس لدي هاجس أن يثير أو لا يثير هذا الفيلم أو غيره من أفلامي اهتمام الجمهور.

- ألا يهمك الجمهور؟
ليس كثيراً، فالجمهور العربي عبء... إنه عبء على الرواية والتشكيل والسينما، وإن أردت أن تشتغل للجمهور فأظن أنك لن تغادر الحفرة، وستبقى تهرول في المكان نفسه حتى تحفر قبرك برجليك.

- هل يمكن القول أنك تقدّم ما في داخلك وتعبر عنه بطريقتك ومن ثم لكل أن يتقبله كما يريد؟
هذا صحيح، فالمشكلة أننا في منطقة تقع الثقافة فيها في آخر سلم الاهتمامات، فهناك قطاع محدود جداً يهتم ويعود ليحرض المبتكر للشكل الإبداعي ليذهب في اتجاهات أخرى، ومن هنا قلت أن الجمهور عبء ويصبح ثقلاً على كتفيك عوضاً عن أن يكون دافعاً لك.
وذلك لم ينتج شيئاً لافتاً على مستوى العالم العربي لا بالرواية ولا بالسينما وبالتشكيل، بينما الشعر له إرث عربي بعيد، ولكن بكل الاشكال الإبداعية الجديدة (من مئة سنة) كان نتاج العرب متواضعاً.

- أليس هناك تجنٍ في كلامك؟
هذه الحقيقة، فإن جمعت السينما العربية ككتلة واحدة ووضعتها إلى جانب أي تجربة سينمائية أخرى كاللاتينية أو الإيرانية أو الأوروبية... سنظهر متواضعين جداً أمامهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرواية والمسرح والموسيقى والغناء.


ارتباط العنوان بالفيلم

- «ليلى والذئاب» يتقاطع كعنوان مع رواية شهيرة للأطفال، فما وجه القُربى بينهما؟
إنها رؤية كاتب لكن ليس هناك أي تقاطع مع الفيلم، وقد عرضت على الكاتب قبل التصوير فكرة تغيير العنوان لأن ليس له علاقة بمضمون الفيلم الذي لا يتقاطع مع القصة ذات الطابع الشعبي (ليلى والذئب)، وأصارحك أنه حتى الآن لدي حساسية تجاه العنوان، فهو يأخذك إلى أماكن الفيلم بعيد عنها.

- لدى إخراجك لفيلم ميوزيكال إلى أي مدى استفدت من بدايات عملك في الفيديو كليب؟
استفدت من ذلك بتصوير أغاني الفيلم من ناحية التكنيك، فهناك طريقة معينة في تصوير الأغاني، خاصة أن الكليب له الطابع المرتبط بالاستعراض وقد احترفت هذا المجال وأحبه كثيراً، وبالنسبة إلي مهما كانت الأغنية مبتذلة فإن صناعة الصورة لها هي بدرجة صناعة أي فيلم وبقيمتها.

- صرحت في أكثر من مناسبة أنك لا تؤمن بفكرة أن الفيلم يحمل رسالة، فماذا الذي يحمله؟
عندما أنجز الأفلام لا أضمّنها رسائل، وحتى إن ضمنتها ستجد من لا يستطيع تفكيك الفيلم وقراءة رسالته. وأظن أن الفيلم هو كيف يتلقاه الجمهور على المستوى الفردي وكيف يراه بمنطقه الجمالي والمعرفي، فالفيلم يحمل ما يعتقده متلقيه، فإن رأى أنه يحمل رسالة فهو كذلك.

- هل يمكن للفيلم أن يحمل مستويات عدة من القراءة؟
كل شيء يُقرأ وفق أوجه ومستويات متعددة سواء كان فيلماً أو غيره، وذلك مرتبط بالمخزون المعرفي لكل فرد وكيف يعيد صَوغ ما يتلقاه مع هذا المخزون، سواء كان على مستوى الضوء أو الكادر أو الحدوتة العامة أو الطبيعة السردية أو الجماليات.


جدلية «الفيلم الوثيقة»

- كيف تفهم مقولة أن الفيلم السينمائي بكل ما يحمل من موضوعات وطروحات يمكن أن يلعب دور الوثيقة عن فترة تاريخية معينة؟
أرى أن مفهوم «الفيلم الوثيقة» عن المكان والزمان والشخوص هو أمر تجاوزناه بمجرد أن باتت أنواع الكاميرات كلها متداولة بين عامة الناس، وقد فقدت السينما أداتها لأن توثق بهذا المعنى، فاليوم من خلال كاميرا الهاتف المحمول (الموبايل) يمكن تصوير ما توثقه أي كاميرا أخرى، ولكن الفرق هنا: ما الذي ستقوله؟


الميكانيكي والمخرج التلفزيوني

- سبق أن وصفت الفرق بين المخرج السينمائي والمخرج التلفزيوني بأنه مثل الفرق بين الشاعر والميكانيكي ... فما علاقة الشاعر بالميكانيكي؟
هي مثل العلاقة بين كتلة متحركة ومرنة وقابلة للتدوير وبين كتلة أخرى صلبة ومحدودة جداً، وعندما قلت ذلك الكلام لم أقصد به مخرجي التلفزيون بشكل عام وإنما تكلمت عما يصنعونه، فتشعر بأنه محدود وصلب ومباشر وسهل أن تستغني عنه، بينما في السينما فكيفما كان الفيلم فإنه يحمل من الدلالات والإشارات ما هو أعمق وأدهى من أي مسلسل انتشر كالنار في الهشيم.
وبالتالي لم يكن كلامي عن أفراد وإنما عن الفكرة ما بين الفيلم السينمائي والعمل التلفزيوني، وأظن أن المسلسل التلفزيوني لعب دوراً كبيراً في تلويث ذائقة المتلقي.

- سبق أن قلت إن كل الأفلام التي أخرجتها لم تكن السينما التي تود تحقيقها... فهل أفلامك المقبلة هي ما تود تحقيقه وهي طموحك؟
الفيلم الذي انجزه حالياً يشبه ما أود تحقيقه، لكن لم يحن الوقت للإعلان عنه.

- كتبت سيناريوهات أفلامك باستثناء فيلمي «المهاجران» و«ليلى والذئاب». فهل ترى أن ما تكتبه هو الأقرب إليك وتستطيع التعبير عنه بشكل أفضل؟
عندما يأتيني نص بغض النظر عمن كتبه ولكنه يتقاطع مع ما بذهني آخذ به، إلا أنني أميل حالياً إلى وضع سيناريوهاتي مع الاستعانة بمستشارين أثق بهم، كما أنه لم يعرض علي نصوص ولم أقرأ شيئاً لافتاً، ولكني أشعر بأنني أتنفس داخل نصي بشكل أقل وطأة مما لو كان النص لغيري...