شاهد حيّ على ٤٠٠ سنة من التراث

أكسسوارات, قاعة /صالة / غرفة طعام, منازل تراثية, قاعة /صالة / غرفة جلوس, فنون زخرفية, قاعة /صالة / غرفة نوم, قاعة /صالة / غرفة إستقبال, قاعة /صالة / غرفة مكتبة, القناطر, نافورة ماء / مياه, لوحات زيتية, الفن العثماني, جدرانيات, كوّة حجرية, حجر مقصب

04 مايو 2009

في كفرحي التي ترتفع ٤٠٠ متر عن سطح البحر في شمال لبنان، كل شيء حي. ولعلّ قصر البروفسور رزق الله فريفر خير مثال على ذلك. من الطبيعة الجبلية حيث المثلث الجبلي الذي تحيطه سبع تلال، يستمدّ صلابته، ومن قدم الصنوبر والزيتون واللوز والتين يستوحي عراقته. القناطر المكللة بالقرميد تستقبل الزائر بأبّهة يصعب وصفها.

العمارة التي تشبه قلعة متراصة شيدت عام ١٧١١، تدخل بعد سنتين مئويتها الرابعة. تحت هذا السقف تأتلف الفنون الهندسية العربية والاندلسية والعثمانية والايطالية.
في الطبقة السفلى، تقع الأقبية على متدرجات متفاوتة الأحجام، وجميعها مصممة بعقود من الحجر المنحوت. وقد شيد كل قبو بحلة متمايزة، وتلألأت المحتويات بزخرفات وأشكال فريدة، من ثريات كريستالية عريقة ترقى الى قرون خلت.
لا تشبه الصالونات هنا أي صالونات أخرى. فقد حافظ عليها المالك بعد ترميم المنزل لما لها من قيمة تاريخية عريقة. بعضها من الخشب المطعم بالعاج تزينه صوانات أو كونسول بالنقشة نفسها. ولعل أبرز الصالونات واحد بالقماش الأحمر الصارخ، وآخر تحلو فيه الجلسة الديوانية العربية.
صعوداً الى الطبقة العلوية، تطالعنا القناطر والأبواب الخارجية المصفحة بالحديد والفولاذ والتي أعطت الفيلا طابع قلعة محصنة، وقد ارتفعت القناطر على أعمدة منحونة، نقشت على بعضها كتابات ورسوم وإشارات من قرون ضاربة في القدم.

هذه الطبقة كناية عن بهو كبير من الحجر المقصب، يعلوه سقف ذو هندسة رائعة من خشب القطران، يعمر آلاف السنين. وينتهي البهو بقنطرة تطل على صحن دار مكشوف، تتوسّط حائطه بركة مياه من حجر مزدان بالرسوم، ذي ثلاث مستويات لتوزيع الماء الذي يصب في جرن كبير من الحجر المقصوب.

يمينا، ندخل صالون الإستقبال الرسمي حيث تتوزّع الزرقة بخفر. السقف من خشب القطران والأثاث ذو طابع عثماني وشامي قديم مرصع بطلاء خزفي. وعلى أحد جدرانه تستريح مرآة إطارها من الخشب المنحوت على قواعد خشب تعود الى مئتي عام.

أما الجدران، فارتدت حلة من اللوحات الزيتية لكبار الرسامين، من بينهم داود القرم، عائدة الى وجهاء العائلة، إضافة الى لوحات لرسامين لبنانيين مشاهير حافظ عليها أهل البيت على مر الاجيال.

ومن الصالون ننفذ الى شرفة ميزتها أعمدة ضخمة تحمل ثقل العقد والقناطر والدوائر الحجر التي ترمز الى تحديد الوقت طوال النهار، ومنها تتسلّل أشعة الشمس الذهبية.

كل المنظر البانورامي الجميل يمكن اختصاره من هذه الشرفة حيث تنكشف الجبال الشامخة، وأهمها الأرز. ومن الجهة الاخرى، تنبسط حديقة غناء تحيط بالمنزل، مزروعة أشجاراً وزهوراً متنوّعة.

ولا تخطئ العين الأبواب الخارجية من الحديد المزخرف باللون الأزرق، لتكتمل اللوحة متناغمة مع الحجر البيج.

وبالعودة الى الصحن الدائري، نجد أنفسنا بين غرف نوم يشرف بعضها على الجهة الغربية، وبعضها الآخر على ساحة كبيرة ميزتها بركة ونافورة مياه ضاربة في القدم. أما الى يسار الصحن، فنرى صالونات وغرفاً صغيرة أثاثها قديم العهد، من منتصف القرن الماضي، وهي كناية عن فن زخرفي ممزوج بالفن العثماني. وتدلت من السقف ثريات ضخمة يزيد عمرها عن ٢٥٠ عاماً، استقدمت من إيطاليا.

ووسط كل هذا المشهد التراثي، تكثر الجدرانيات والأكسسوارات القديمة ذات الطابع اللبناني والعربي العريق، إضافة الى الكوّات الحجرية التي زينت الجدران.

حبّ هذا المنزل، تماما كحجارته، ينتقل من الآباء الى الأبناء حاملاً عبق التاريخ وأصالة الفن المعماري وتعلّق اللبناني بأرضه.
ولا عجب بعد ذلك أن يردّد المالك قولاً للكاتب أنيس فريحة علّق في ذهنه: «كومة من حجار ولا خرج ذهب».