مكان يشبه عرزال خمس نجوم!

أثاث, أكسسوارات, أزهار / زهور, صالون إستقبال, جمال ورفاهية, تجنب الألوان الكثيرة, مسحوق نيسكافيه, جوزيف كرم, الإمارات العربية المتحدة, قاعة /صالة / غرفة نوم, كريستينا أندينا, قاعة /صالة / غرفة الحمام

31 أغسطس 2009

تبقى أضواء الأبيض المتوسط وأجواؤه مصدر إلهام وينبوع ثراء لمخيلة مهندسي الديكور. وإذا كان صحيحاً أن اللون الأبيض يعكس هذه الأضواء والأجواء، فإنه وحده ليس كافياً  للتعبير عنها. فثمة روحية خاصة لا يمكن تجاهلها، وهي لا ترتبط بالألوان فقط، ولكنها تتعدى ذلك لتصل الى منطقة الشفافية البالغة.

وإذا كان يصعب توصيف هذه المسائل، فإن معرفتها ليست بالمسألة المعقدة.. وأبناء المتوسط أكثر من يعرفونها.

عند حوض كورنيش مدينة نيس في الجنوب الفرنسي، اختار مهندس الديكور اللبناني جوزيف كرم بيتاً صغيراً كان في ما مضى يشكل نقطة عبور الى ممتلكات قديمة. أعد كرم هذا المكان كموطىء قدم له في الجنوب الفرنسي، يمضي فيه بعض الأيام التي يعمل فيها هناك في مكتبه الفرعي بنيس، للاشراف على الورش العديدة وإدارة أعماله التي تشمل عشرات الدور التي هي في طور التجديد والتوسيع. كانت الفكرة إعداد مكان بطريقة جناح فندق ساحر، على شاطىء المتوسط.

«أحب هذه المنطقة» يقول جوزيف كرم، ويضيف: «نورها، بحرها، سماؤها، ونباتاتها التي تذكرني بلبنان، موطني الأصلي الذي غادرته قبل ٣٠ عاماً تحت زخات رصاص الكلاشنكوف».

وإذا كان من الممتع أن ننظر الى هذا المكان الناصع من خلال لونه الأبيض الطاغي، والذي يشكل تباينا واضحاً مع لونه الخارحي، فإن المتعة الأكبر حين ندخل في التفاصيل، لنرصد الدقيق منها، بدءا من مطارق الأبواب ومفاتيحها وإنتهاء بتلك الاكسسوارات التي يعكس إختيارها وتنسيقها شفافية بالغة وعيناً فنية فاحصة. فهي وإن بالغت في عنايتها بالراحة والرفاهية، فإنها لا تعدم دورها ووظيفتها العملية.

مسألة توازن، تناغم وملاءمة. وحين نتحدث عن الشفافية فإننا سنلاحظها هنا في كل التفاتة. في اختيار قطع الأثاث البسيطة التي تتوسط المساحات، فإذا هي مخرمة تشبه الدانتيل، ومحلاة بوسائد من الكتان الأبيض الطبيعي. وسنلاحظها أيضاً في خيارات الزجاج للطاولات المرتفعة والمنخفضة. وسنلاحظها أيضاَ في ذلك التشكيل اللافت الذي يغطي جداراً بكامله - للغرافير من القرن الثامن عشر، والتي تبدو في اطرها البسيطة الزجاحية وكأنها نافذة تطل على التواريخ.

وليس هذا فحسب، بل سنلاحظها، بل سنتوقف عندها طويلاً أمام تلك الفتحة الكبيرة في أرضية غرفة النوم في الطابق الأول والتي عمد جوزيف كرم الى الزجاج لكي يجعل منها تأكيداً لروحية الشفافية، ويوفر من خلالها اطلالة بديعة على الصالون. فكأننا هنا في قلب التضاريس  المتوسطية التي توفر اطلالات نادرة وخلابة من فوق صخورها الخالدة.

ولأن الأبيض المتوسط هو أيضاً مجال رؤية وإنفتاح ووضوح، فإن حضور اللون الأسود من خلال بعض قطع الأثاث، كان خياراً يؤكد تلك الصرامة التي تشكل طبيعة ثانية في  الروحية المتوسطية.

صرامة، لم يعبر عنها كرم من خلال التباين الحاد بين الأبيض والأسود، ولكن أيضاً من خلال اختياره للرخام في أرضيات الدور الأول وللدرج المؤدي الى الطابق الأول ولصالة الحمام. وهو خيار- وإن بدا طبيعياً في منزل على شاطيء المتوسط - إلا انه يشكل امتداداً للصرامة التي تصل الى حد الصلابة. وهي صفة عامة في أبناء الأبيض المتوسط. صلابة وشفافية. يمكن أن تختصر لنا ليس طبيعة الطبيعة ولكن طبيعة البشر أيضاً.

ولكسر حدة قطع الأثاث السوداء عمد كرم الى توزيع اكسسواراته عليها.وهذه الاكسسوارات تتفاوت في خياراتها، فمن أقنعة فرعونية، مروراً بقوارير السيراميك  باللونين الأبيض والأسود وصولاً الى الأواني الفخارية الفينيقية.

ولا يمكن إهمال الزهور والنباتات التي توزعت في الأرجاء، فكانت نقاطاً ملونة أضفت حيوية ملحوظة على المكان.

ولعل نقطة القوة في التنسيق العام لهذا المنزل، تكمن في بساطته رغم حشد التفاصيل. وفي مقابل ذلك، سنجد هذه التفاصيل تتراجع، حتى تكاد تنعدم، في غرفة النوم في الطابق الأول، ليحل محلها لون بالغ العمق والحيوية، وهو «الأوكر» المائل الى الاحمرار قليلاً، وهو اللون التوأم للأبيض في لوحة ألوان المتوسط. وفي غرفة النوم سرير كبير  من دون أي إضافات، وكرسيان وثيران بينهما طاولة متوسطة الارتفاع وكلها مغطاة بقماش الكتان الأبيض الطبيعي. وفوق السرير مباشرة، فتحتان مزججتان تتيحان رؤية السماء الصافية في الليالي الصيفية البديعة. فبدت غرفة النوم على أناقتها أشبه بعرزال معلق بين الأرض والسماء.  أثاث المطبخ في غاية البساطة والأناقة، وهو من تصميم وتنفيذ «ج جي ك» GJK أما زجاج النوافذ المشغولة فهو من تنفيذ «ديديه» Didier.

وأشغال الحمام، من تصميم ورخام ودوش ومرايا، فهي من أعمال «كريستينا أندينا».