شقة المهندسة ميرييل بويكس في مرسيليا

أثاث, المطبخ اللبناني, مهندسة ديكور, تصميم ديكور, قاعة /صالة / غرفة نوم, ورق الجدران, كتاب نوافذ صغيرة, مساحة الحرق / حروق, ميرييل بويكس, مرسيليا, لوفت, مساحة مفتوحة, أشعّة الضوء, محمد نور, هياكل معدنية, زجاج شفاف, ضوء الشمس, شفاف

17 سبتمبر 2009

شقة «لوفت» حديثة في مبنى قديم. مسألة ربما تثير الحيرة، ولكن هذه الحيرة سرعان ما تتبدد حين نعرف أن صاحبة اللوفت هي مهندسة.  في أحد أحياء مرسيليا عاصمة الجنوب الفرنسي، يقع هذا المبنى القديم الذي إختارت المهندسة الشابة ميرييل بويكس الطبقة الأخيرة منه مكاناً تقيم فيه و تمنحه الكثير من شخصيتها.
لم يكن الأمر يتطلب منذ البداية مجرد عملية تجميل بسيطة، بل جراحة معقدة تستدعي الكثير من المهارة والكفاءة والخيال. وكانت تعرف ذلك بحكم مهنتها، فلم تأبه لكل التعقيدات التقنية التي واجهتها، وتجاوزت كل الصعاب الوظيفية التي برزت أمامها.  كانت تريد شقة من دون جدران...
بمعنى آخر، كانت تبحث عن مساحة مفتوحة تلجأ اليها بعد العمل، فتشعر بأنها سافرت من مكان الى آخر، فكان لها ما أرادت. وزيارة هذه الشقة تؤكد ذلك.

مباشرة بعد تجاوز باب المدخل، نصير في عالم آخر يختلف تماماً عن المبنى والحي معاً. عالم رحب مفتوح يسبح في الضوء ويستحم بالنور المتسرب من كل مكان.

ومن أجل الوصول الى هذا الهدف وحيازة هذه النتيجة الرائعة، كان على ميرييل بوكيس أن تغير كل شيء، بدءاً من إزالة الجدران وإنتهاءً بالتشطيبات التي صبغت وجه المكان بمسحة هي مزيج مميز من الرصانة والحداثة.

وأمتد العمل ليشمل بعض نواحي السقف، فأزالته واستبدلته بتشكيلات من هياكل معدنية يعلوها زجاج شفاف يتيح دخول ضوء الشمس ويجعل السكن هنا أشبه بالسكن في مركبة تسبح في الفضاء اللامتناهي.

كل ما في هذه الشقة شفاف وهادىء ومريح. وقد أضاف الطلاء باللون الأبيض للجدران، المزروعة بنوافذ عملاقة في كل مكان، جواً سحرياً إلى المكان، وأعطى قيمة مضافة للمساحة، لدرجة يصعب معها التحديد ما إذا كنا في الداخل أم في الخارج. وقد تخلت عن الستائر نهائياً.

الأثاث إختير عملياً ومنسجماً مع روحية المكان، بحيث يبدوان وكأنهما - المكان والأثاث - قد ولدا في اللحظة ذاتها. وكان على ميرييل لكي تؤكد هذه النتيجة أن تبتعد تماماً عن التكلف أو المبالغة. فالهدف الأول إبقاء المساحات حرة طليقة، فالتفاصيل لا مكان لها هنا، بل أن الشقة كلها تبدو وكأنها هي نفسها التفصيل الأبرز.

وصياغة تنسيق داخلي بهذه الرؤية لا تقل صعوبة عن إختيار أسلوب مناسب وملائم ومنسجم مع طبيعة المكان وفضائه. لذا لم يكن الهم الأول هو إبراز أسلوب محدد في الديكور بقدر ما كان الخروج على نمطية الأساليب وقواعدها ومعاييرها الصارمة.


ومن هذا المنظور فقد إختفت تقريباً الحدود التقليدية التي تفصل عادة بين المساحات المختلفة في الشقة، تبعاً لوظائفها وإستخداماتها.
وقد ذهبت صاحبة الشقة بعيداً في هذا المسار، وبلمسات خفية ربطت المساحات المختلفة بعضها ببعض. فنجد سجادة حديثة متوسطة المقاس تتمدّد في المدخل الذي تنتصب في وسطه آنية كبيرة لورود حمراء متفتحة بجذوع نحيفة، لتشكل مع العمل الفني المعدني (من أعمال الفنان الأميركي كالدر) المعلق بلونه الأحمر وحدة جمالية لا تبدو دخيلة على المكان.

هذه العناصر سنجد ما يذكرنا بها حين نصل الى الصالون، بكنباته البيضاء، تتوسطها طاولة زجاجية تظهر من تحتها سجادة حمراء مشابهة لتلك التي في المدخل. ولإضفاء حركة أنيقة على الجو في الصالون، كان لا بد من الأستعانة ببعض الوسائد الحمراء التي تم توزيعها بين الوسائد البيضاء والرمادية التي تحلي الكنبات. وكذلك تمت الأستعانة ببعض المقتنيات باللون الأحمر لوضعها على الأرفف المدمجة بالحائط والتي أفسحت بعضها المجال لأجهزة الموسيقى.

وبوصولنا الى المساحة المخصصة للطعام سنجد طاولة بقوائم معدنية بيضاء تحمل لوحاً زجاجياً كبيراً، مربع الشكل، نصفه باللون الأحمر الذي يشبه سجادة المدخل وسجادة الصالون، ونصفه الثاني شفاف، تتوسطه آنية ورد من الكريستال.
و يحيط بهذه الطاولة الجريئة مجموعة من الكراسي المعدنية التي تعود الى عشرينات القرن الماضي، من أعمال جماعة الباهاوس. وتربض طاولة الطعام مباشرة تحت السقف الزجاجي الكبير و المقام فوق هيكل معدني، يذكر بمفهوم «الباسيو» في بيوت حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي تشكل مدينة مرسيليا درته المتلألئة.

المطبخ الذي يتصل بالمساحة المخصصة للطعام من خلال حائط نصفي بُني بقرميد يعلوه حاجز زجاجي بسيط يتيح إضاءة طبيعية للمطبخ من خلال السقف الزجاجي. ومن المطبخ إختفت كل أدوات وأجهزة المطابخ خلف خزائن خشبية غطت الحائط بكامله. وخلف الجدار القرميدي النصفي، نصبت طاولة تتصل بالحائط لتناول الفطور أو الوجبات السريعة، ومن على هذه الطاولة تتاح رؤية الفضاء الخارجي أيضاً، بطريقة بارعة.

أما غرفة النوم فتشكل محور المفاجأة في هذه الشقة الخاصة جداً. فقد قامت المهندسة ميرييل باللعب على مستويات الأرضية فإستحدثت مستويين تربطهما درجتان تشكلان الفاصل الطبيعي بين المساحة المخصصة للنوم والمساحة المخصصة للحمام. وتوسط السرير المساحة الأولى، لينتهي رأسه عند الدرجة الأولى، وأقامت عنده هيكلاً خشبياً عملاقاً يفصله عن حوض الاستحمام الدائري في المستوى المرتفع الثاني.

هذا الهيكل يبدو وكأنه عملاً فنياً حديثاً، فهو من ناحية يمنح المكان مظهراً جمالياً مدهشاً ومن ناحية ثانية يسمح للضوء بالدخول دون أدنى تردد، وذلك من خلال نوافذ زجاجية كبيرة تجعل المكان وكأنه معلق بين الأرض والسماء.

وجاءت المرايا التي تعلو عناصر أثاث خشبية باللون الأيبض على طول الجدار المقابل والتي نصبت عليها مغاسل مستديرة لا تظهر إلا عند الاقتراب منها. ولكي تحمي السرير من رذاذ ماء الحوض الملاصق لرأس السرير، نصبت عنصراً زجاجياً أسطوانياً وينتهي بتكويرة تشبه تكويرات الحمامات الشرقية.

في الجدار المقابل للنوافذ في المساحة المخصصة للنوم، أقامت على مساحة الجدار خزائن كبيرة للملابس مطلية باللون الأسود لتقيم صلة منطقية وجمالية بينها وبين الهيكل الأسود الفاصل بين السرير وحوض الأستحمام . وهكذا إستطاعت هذه المهندسة أن تقدم لنا نموذجاً فريداً في الحلول الممكنة، لإيجاد مساحة عملية ولكنها في الوقت نفسه مساحة تختزن كل مظاهر الأناقة والجمال.