حوار التواريخ تحت سقف قوطي

فسيفساء, قاعة /صالة / غرفة طعام, قاعة /صالة / غرفة نوم, الحرير , المطبخ اللبناني, قاعة /صالة / غرفة إستقبال, الرخام, شمعدان, الثلاجة, قطع الأثاث, الأينوكس, القناة الأرضية السورية, خشب الوينغي, حوض إستحمام, كتاب النوافذ المفتوحة, قاعة /صالة / غرفة ال

23 فبراير 2010

إذا كان لكل مكان تاريخ، فإن لهذه الشقة تواريخ عديدة. واحد من هذه التواريخ يعود الى عام ١٨٩٠، ففي ذلك العام عمد أحد المهندسين الى تفكيك جناح كامل من قصر قوطي ليعيد تركيبه داخل هذه الشقة بنجاح مثير للاعجاب. ومنذ ذلك الوقت بقيت هذه الشقة دون تغييرات كبيرة عليها رغم تعاقب المالكين، وكان أشهرهم أندريه سيتروان الذي عاش فيها عام ١٩٣٠، وحول الصالون الشتوي فيها الى مأوى للنمر الذي الذي كان يقتنيه!

اليوم، يقدم جوزيف كرم من خلال هذه الشقة التي تشغل طبقتين من مبنى بورجوازي قديم في حي التروكاديرو الباريسي الراقي، سيناريو جديداً لمفهوم الديكور. هذا السيناريو يتيح للساكنين التنقل من مكان الى مكان دون وسيلة سفر، اذ يكفي لذلك تجاوز عتبة أي من أبواب الشقة. ومن المشاهد الزخرفية المتنوعة أعاد كرم صياغة فضاءات المكان، ليكرس التعايش بين الطرز والانسجام بين الأساليب القديمة والحديثة. وحصل ذلك بمعالجات بارعة وروحية عصرية، مما منح هذا المكان أناقة مثيرة للدهشة. هناك خيارات كثيرة من المواد النبيلة وقطع الأثاث البسيطة والرصينة، بعضها يحمل توقيع جوزيف كرم وآخر من تصميم مبدعين آخرين في الديزاين وجدت مبتكراتهم مكانها في المشهد الزخرفي الذي تميز بالرشاقة والبراعة والشاعرية.

ورغم اختلاف الطرز من فضاء الى آخر، فإن جوا من الرخاء والجاذبية يشيع في المكان ويزيده اناقة وتميزا ورونقاً.
وقد عمد كرم الى ايجاد حلول زخرفية تتوافق مع هندسة المكان وميول صاحبته ومزاجها. فابتكر سلسلة من الأجواء التي تتوالى على امتداد ٢٥٠ متراً مربعاً هي مساحة هذه الشقة، لاعباً بمهارة ملحوظة، والى اقصى الحدود، ورقة التصادم والأنسجام.

والشقة التي لم يتغير شيء في طابعها الهندسي منذ ترميمها، بدءاً من النوافذ المصممة على شكل رأس حربة والتي تعود بتاريخها الى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، اضافة الى المدفأة الضخمة المزينة بالنقوش والتي يلمح بعضها الى الخطايا السبع المحفورة فوق خلفية من الصلصال. فهذه المدفأة تعود في الأساس الى قصر اساقفة «لنجر».

وصالة الاستقبال التي تميزها الأعمدة القوطية ومنحنياتها العليا البديعة، تكاملت مع جلسة حول طاولة منخفضة من قصب «البامبو»، محاطة بمجموعة من الأرائك الوثيرة المغطاة باقمشة من الحرير والطنافس من تصمي ادوار رامبو. يقابلها من الجانب الآخر بوفيه انيق من الخش تعلوه لوحة كبيرة تحمل توقيع جوكسوا دو مات، بينما يحتل الزاوية المجاورة  عمود للاضاءة هو عبارة عن شمعدان طويل بسطح ممتلىء بالرمل تثبت فوقه الشموع. وهو من تصميم جوزيف كرم. ان رحابة المكان وخصوصيته الزخرفية سمحت للديكور بتجاوزات غير مألوفة.

ويبدو هذا الأمر واضحاً في الصالة المجاورة لصالة الاستقبال الرئيسية، حيث عمد سكان الشقة في ما مضى الى حجب نوافذها وتحويلها الى غرفة نوم. وقد أعاد كرم لهذه الصالة وظيفتها الأولى وتم تحويلها الى صالة طعام، يفصلها عن الصالة الرئيسية حاجز من الحديد المطرق بتخاريم زخرفية تحيلنا الى إسبانيا القرن السابع عشر.

ومن أجل تجذير المفارقة، اقترح كرم على صاحبة المكان تصميم صالة الطعام بأسلوب ينتمي الى اجواء المطاعم، فوافقت على الفور، بل و شاركت بحيوية ونشاط في اختيار بعض المواد وقطع الأثاث الخاصة بها. ثم طلبت الجدران والسقف بألوان هي تقليد لنسيج الستائر من ماركة زيمر رود.

ونسقت طاولات المائدة بتدرجات اللون الخوخي مع أطباق من اللون الرمادي يتدلى فوقها «اباجور» زجاجي للإضاءة من تصميم جوزيف كرم. وهكذا تتوالى المشاهد الزخرفية في هذه الشقة باساليب مختلفة تتناغم وتتصادم في ما بينها بانسجام ورشاقته. فحين ندلف على سبيل المثال من الصالة الواسعة - بأعمدتها وخطوطها القوطية- الى المطبخ، سنجد أنفسنا داخل مساحة رائعة مغرقة بالحداثة. وقد سلطت الأضواء فيه على موقد رائع من ماركة «اجا» الفاخرة، مما خفف من حضور باقي العناصر، واستعمل لهذه الغاية نوعا من تدرجات الطلاء الرمادي، الذي غطى الأرضية والجدران وخزائن المطبخ، بينما تفردت الثلاجة ومسرب البخار فوق الطباخ بالأينوكس.

اما سطح البار الذي يلعب صلة الوصل بين المطبخ والصالة التابعة له فقد نسق برف من الخشب «الوينغي»، و زين الجدار بلوحات للفنانة كلوديا سورباك. بينما تدلت من السقف عناصر إضاءة من تصميم الفرنسي ارنو دو بتي فيل. أما أجواء الحمام فتعيدنا الى الطرز اليونانية والرومانية القديمة، مما يبعث احساسا بالسفر الى تلك الأزمنة عبر هذه الباقة من الأجواء الزخرفية المثيرة. في الطابق العلوي من الشقة غرفة المكتب التي كسو جدرانها وعناصر اثاثها ايقاعات متدرجة من اللون الرمادي تدعو الى الهدوء والراحة. وفي غرفة النوم الرئيسية جلسة حميمة يحتلها مقعدان ملبسان بالمخمل، ويتسلل الى هذه الغرفة النور من خلال الستائر التي تزين النوافذ والمنفذة من الحرير والموهير الناعم.

حوض الاستحمام في الحمام الرئيسي مصاغ بأسلوب مميز، فهو مغطى تماماً بالرخام والفسيفساء القديمة، وقد راعى التصميم بين الراحة والرفاهية في كل التفاصيل، حتى الدقيقة منها. أما غرفة الضيوف، فلا شيء يفصلها عن حمامها المكسو بالموزاييك الأسود والأينوكس الذي يتعايش بانسجام مع هذا الجو. وفي غرفة نوم أخرى جدرانها ملبسة بالخشب، وتحمل طابع الطراز الريجنسي من بدايات القرن الثامن عشر، عمل كرم على الاستفادة من الأعمدة المستطيلة الناتئة في الجدران محولا أحدها الى رأس للسرير، بعد تلبيسه بالحرير.استطاع كرم من خلال مشروعه هذا، ايجاد نمط جديد من المواجهة بين الثقافات من خلال سيناريوهات زخرفيه بارعة، أبدع في ابتكارها على امتداد أجواء هذه الشقة التي جمع فيها بين الطراز القوطي وروح الأسلوب المعاصر.