منزل سيرج برونست في بيروت

أكسسوارات, قاعة /صالة / غرفة طعام, كريستال, لوحة / لوحات زيتية, طبيب الجلد, ثريا الشهري, كنبة, النحاسيات, الصالونات

28 يوليو 2010

يقال إن الصورة تعادل عشرة آلاف كلمة، فكيف إذا كان المنزل مجموعة من الصور ترقى إلى القرن التاسع عشر؟  في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، وتحديداً في منطقة الجميزة، إختار المهندس اللبناني سيرج برونست قبل 25 عاماً هذه المساحة الجمالية التراثية من القرن التاسع عشر، وأبدع في تأهيلها ورسم معالمها والتفنن في تفاصيلها، حتى باتت لوحة في منزل وتحفة في إطار، ولا يزال يتطلع الى المزيد: «عندما يقتني المرء بيتاً قديماً لا يتوقف عن تأهيله». هذه هي فلسفته التي انطلق منها ليسكب كلّ ما حباه الله من موهبة في منزله.

العنوان العريض الذي يصلح لهذا المكان هو الإبتكار. فقد تعمّد مهندسه ومالكه الإبتعاد قدر الإمكان عن النمطية والإبتذال، فجاء كلّ شيء لصيقاً بشخصيته، ومتماهياً مع تفكيره. ويقول في هذا الإطار: «إن سحر البيت يأتي من التناغم بينه وبين صاحبه».
من الخارج يبدو المنزل كحلم يعود من حقبة ماضية ليدغدغ مشاعر محبّي التراث والأصالة. سقفه السماء وسياجه الأشجار الوارفة والأخضر الجميل. من نوافذه نطلّ على ذاكرة ترتاح فيها أجمل الذكريات، ومن بابه نعبر الى ماضٍ أبى المالك أن يدعه يرحل، فاستضافه وأكرم وفادته وألبسه أجمل حلة، حتى أنّ من يدلف إلى هذا التاريخ الآتي من ماض غابر، تحلو له الإقامة ولا يعود يفكّر في المغادرة.

أما وقد اجتزنا العتبة، فإن أوّل ما يلفتنا هو السقف الشاهق الإرتفاع والقناطر الجميلة والثريات الضخمة المتدلية.
في الصالونات يطغى اللون الدافئ الذي غلب عليه البني. ويبدو واضحاً أن المالك طاف في أكثر من بلد حول العالم لتنسيق الأثاث. ولم يكتف بذلك، بل لجأ الى بيوت لبنانية تراثية، منها في منطقة شملان في جبل لبنان، وأسواق تعرض مقتنياتٍ قديمة، ليعيد تأهيلَ بعض القطع ويغيّر لونها بما يتناسب وألوان المنزل. ومثالٌ على ذلك، صندوق أبيض حوّله إلى البني الغامق ليصبح «كونسول»، زيّن به إحدى زوايا الصالونات.
واللافت أن المالك استفاد من علوّ السقف ليتفنّن في هندسته، حيث تقاطع الجبس الأبيض المزخرف مع قطع مستطيلة من الخشب المعتّق، انبعثت منها الأنارة  المباشرة وغير المباشرة. وقابل الفنّ في السقف تفنّن على الجدران. ونظراً إلى إرتفاعها، طلي نصفها الأسفل بلون معيّن بما يتلاءم والأثاث. مثلاً، في أحد الصالونات مال اللون إلى الزهري، وفي الآخر إلى البيج، وفي جلسة ثالثة إلى الفستقي. أما الجزء الأعلى فلبس حلّة بيضاء في قسم منه، والقسم الآخر زيّنته اللوحات الزيتية بشكلها المستطيل، ووضعت فوق الباب أو النافذة لتذكرّ بالطراز الباروكي.
ولأنّ المنزل تراثي بإمتياز، لعبت القناطر المزخرفة بالحديد الأبيض دوراً أساسياً في إظهار القيمة التاريخية إلى جانب الأقبية والجدران الحجر المعتّقة، التي احتضنت غرفة الطعام بطاولتها الخشب المربعة وكراسيها الكلاسيكية. وازدانت الطاولة والدروسوار المقابل لها بأكثر من شمعدان من الفضة.

وجمالية الجدران إكتملت مع تناثر اللوحات الزيتية عليها، منها بورتريهات لوالدته وأخرى تحف نادرة إحداها لمهراجا هندي، أعجب بها خلال رحلة له إلى الهند، فاشتراها لجعلها قطعة نابضة في بيته، إلى جانب السجاد الفاخر والنادر المخصّص للجدران الذي علّق خصوصاً في الصالون من الحجر المعقود.
ولم تقتصر الزينة على السقف، بل لبست الأرض أيضاً حلّة من الرخام المقّطع إلى مربّعات باللون الرمادي الزاهي، إطارها مكحّل باللون الأسود. وافترش  الأرض سجاد فاخر من الحجم الكبير.
وللأكسسوار حصة كبيرة إلى جانب اللوحات، وهو نتيجة بحث دؤوب سعى المهندس برونست إلى جمعه بدقة وعناية ووضعه في المكان المناسب. وفي هذا الإطار، أتى بمجموعات متميّزة من الزجاجات «ديكوش» و«تومباك»، مفضّلاً إياها على الكريستال، وقد إختارها من النوع النادر، وخصوصاً من تركيا.
وبما أنّه يهوى الجمع بين سحر الشرق وفنّ الغرب، فقد إختار أثاثاً هو مزيج من الإثنين، فإلى جانب القماش الشرقي لبعض الأثاث والستائر، وضع كنبة إنكليزية من الجلد البني مخرّمة بمسامير تراثية.
وإنطلاقا من التلازم بين التراث والثقافة، أتى المهندس بمكتبة ضخمة من طبقات عدة على طول أحد الجدران، تتخللها نافذة. وقد استراحت فيها كتب ودواوين من أكثر من حقبة. ولم يهمل برونست الجانب الفني، إذ إنه عندما يدعو أصدقاءه الى الغداء أو العشاء، تصدح في أرجاء المنزل نغمات معزوفات لموزارت أو صوت أم كلثوم أو ماريا كالاس اللتين يعشق صوتيهما.

وللراحة ركن خاص أراده المالك في الحديقة التي زنّرت المنزل من كلّ اتجاه. الجلسة هنا لها نكهة مميزة في ظلال الأشجار الوارفة والأزهار المتنوعة، لكأن المكان في الريف، علماً أنه في قلب العاصمة المكتظة.
ومن العرائش المتداخلة والملتفة، تدلّت أكثر من ثريا تراثية من النحاس، أضفت جواً من الرومانسية الخالصة.
يخرج الزائر من هذا المنزل معطّراً بعبق التاريخ ومذهولاً بإلتقاء الحضارات، وينسلخ، على مضض، عن روعة المكان.