حكاية الشاب الذي عاد من الموت!

مشكلة / مشاكل إجتماعية, جائزة الأسرة العربية, مستشفيات, عنف أسري, مستشفى, أقسام الشرطة, مراكز الشرطة

22 أبريل 2009

 هي قصة أغرب من الخيال لكن وقائعها حدثت بالفعل. وترصدها الأوراق الرسمية، وسجلات النيابة، والمشهد الأخير فيها هو الأغرب، ويحتاج إلى أبرع مخرجي الدراما لتجسيده.حكايته مثيرة وغريبة، اعتقد البعض أنها قصة أسطورية أو شائعة يتناولها بعض روّاد المقاهى، فهو الميت الذي عاد إلى الحياة بعد دفنه بأربعة أشهر كاملة، وكان الله في عون أسرته وأقاربه، وجيرانه حينما عاشوا هذا المشهد الصعب.. مشهد عودته إليهم من جديد. قبل أربعة شهور دفنت أسرة الفتى علي ابنها بعد أن لقي حتفه في حادث سيارة، ومنذ أيام فوجئت أمه بمن يجري نحوها وهو يناديها: «أنا عدت يا أمي» وأُغشي على الأم حينما اكتشفت أنها أمام ابنها بشحمه ولحمه..

عقارب الساعة تجاوزت الخامسة عصراً، أتجه فتى في الخامسة عشر من عمره إلى مقهى شعبي وجلس على أحد المقاعد، ونادى على النادل، وسلّم عليه. كسى الذهول ملامح النادل الذي سقطت من يديه صينية المشروبات، وظل يصرخ:

«الحقوني.. عفريت».

ظهر القلق على وجه الفتى علي الذي ظن أن النادل عم مصطفى قد أصابته لوثة عقلية، ولمح الفتى أحد اصدقائه فنادى عليه ليسأله عما أصاب نادل المقهى لكن عدوى الذعر انتقلت أيضاً إلى سمير، صديق علي، صرخ بقوة وظل يجري بأقصى سرعة متجهاً إلى منزله.

لم يصدق علي ما يحدث أمامه، ظن أن الجميع قد أصابتهم لوثة، قرر أن يتجه إلى منزله ليحصل على قسط من الراحة بعد أربعة أشهر عاشها بعيداً عن أسرته،  كانت التساؤلات تهاجمه، «ترى هل سيسامحه والده على فعلته؟ أم أنه سينال علقة ساخنة؟».
وهو في طريقه إلى منزله لاحظ الفتى أن، سكان الشارع جميعاً كانوا يحدقون الى وجهه ويتهامسون، التقطت أذنيه كلمات:

«هل هذا معقول.. كيف عاد إلى الحياة؟»

«ابتسم الفتى وهو يردد:

«يبدو أن الجميع قد أصابهم الجنون».

وصل علي إلى منزله، طرق الباب قبل أن يسمع صوت أمه وهي تسأل عن الطارق، لم ينطق بكلمة واحدة، وفتحت أمه الباب وشهقت بقوة حينما شاهدته وسقطت مغشياً عليها فازداد ذهول علي. لم تمض لحظات حتى وجد الفتى والده أمامه تراجع للوراء، ظن أن والده سيضربه بقسوة عقاباً على فعلته لكن الأب تسّمر في مكانه، وسالت الدموع من عيني الأب وهو يحتضن ابنه الذي لم يكن يحمل تفسيراً لما حدث.

في المشرحة
كانت البداية منذ أربعة أشهر، خرج علي كعادته  كل صباح متجهاً إلى عمله، ولكنه لم يعد في موعده،  انتصف الليل دون أن يظهر للفتى أي أثر، أصاب القلق الأب والأم، فلم يتعود ابنهما الغياب عن منزله كل هذا الوقت.

غلب النعاس الأب والأم، واستيقظا مع ظهور خيوط الصباح واكتشفا أن علي لم يعد بعد، أدرك الأب أن ابنه أصابه مكروه،  لأنه لا يبيت مطلقاً خارج منزله، خرجت الأسرة كلها للبحث عنه في كل مكان ولكن بلا جدوى، أتجه الأب إلى المحل الذي يعمل فيه ابنه لكن صاحبه أكد أنه لم ير علي منذ يوم كامل.

استمر غياب الابن، وحرر الأب محضراً بغيابه، وبدأت الشرطة رحلة البحث عن الابن الغائب، ولم ييأس الأب من الذهاب يومياً إلى المستشفيات وأقسام الشرطة بحثاً عن علي، الأم كانت في حالة يرثى لها، تدعو الله أن يعود ابنها لكن زوجها لم يكن يحمل تفاؤلها نفسه.

كان الأب يؤكد لنفسه أن ابنه أصابه مكروه، وتمضي الأيام وتستيقظ الأسرة على مكالمة مثيرة بعد منتصف الليل، رئيس الشرطة في الحي الذي يسكنه يطلب من الأبوين التوجه إلى المشرحة للتعرف الى فتى لقي حتفه في حادث سيارة.

خفق قلب الأم بقوة، وسارع الأب بارتداء ملابسه، وفي المشرحة تطلعت الأم في وجه الفتى القتيل، ملامحه تشبه إلى حد كبير ابنها رغم أن وجهه مشوه بفعل الحادث. قررت الأم أن تبحث عن بعض العلامات المميزة في جسده، كان ظفر قدم ابنها اليسرى مكسوراً، وصرخت الأم حينما شاهدت هذه العلامة في جسد الفتى القتيل.

ولمزيد من التأكيد بدأ الأب يبحث عن اصابة قديمة في ساق الجثة ووجدها، وتأكدت الأسرة أن هذه الجثة لابنهما علي، أنهارت الأم وفشلت ساقا الأب على أن تحملاه وحاول رئيس الشرطة أن يخفف عنهما، اصطحبهما بعيداً.

في قسم الشرطة استكمل الضابط اجراءاته، وصرحت النيابة بدفن الجثة وتسليمها إلى أسرته، واتجه الأب والأم إلى مسقط رأسيهما في أسيوط بصعيد مصر لدفن الجثة وسط حزن عميق لأفراد الأسرة الذين كانوا يحبون الفتى القتيل.

وقف الأب يتقبل العزاء، ولم يفارق الذهول الأم التي ظن البعض أنها تهذي، أو مازالت متأثرة بالحادث، فهي كانت تؤكد للمحيطين بها أن ابنها لم يمت، جاءها في الحلم يخبرها بأنه لا يزال على قيد الحياة.

طلب منها أقاربها أن تدعو الله أن يلهمها الصبر، لم يكن أحد يعلم أن قلب الأم لا يكذب، وأن الأم لم تكن تحلم، أو تهذي بل كان هناك اتصال غير مرئي بينها وبين ابنها. الأب لم يكن يقدر على الحديث وكان يتقبل العزاء بصمت وعينين دامعتين.

عادت الأسرة إلى القاهرة واستمرت التعازي، جميع الأقارب كانوا يترددون إلى منزل الحاج سيد ثابت والد علي لمواساته،  ومرت أربعة أشهر كاملة على وفاة الابن، ودُفن في مقابر الأسرة في اسيوط ولكنه ظهر فجاة في مشهد غير مسبوق.

التفت الأسرة والأقارب حول علي،  تأكدوا أنه  أنسي وليس جناً جاء من العالم الآخر وهو يحمل أوصاف الابن القتيل نفسها وثار السؤال:

من هو الفتى الذي قامت الأسرة بتسلّم جثمانه، ودفن في المقبرة،  وهو يحمل ملامح علي نفسها، والعلامات المميزة في جسده،  ولا توجد اجابة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

اللغز
بدأ الفتى يحكي قصته المثيرة، حينما خرح من منزله غاضباً من العقوبة التي فرضها عليه والده، حيث أصر الأب على منع ابنه يوم عطلته الخروج من المنزل بسبب صداقته لبعض الفتية سيئي السلوك، قرر علي أن يبتعد بعض الوقت عن منزله لم يتجه كعادته إلى الورشة التي يعمل فيها لكنه ركب المترو واتجه إلى منطقة أخرى،

ترجل في نهاية الخط، وظل يسير على غير هدى، واستقر به المطاف في أحد المقاهى حيث غلبه النوم. ورق قلب صاحب المقهى للفتى فسأله عن ظروفه قبل أن يعرض عليه العمل في المقهى مقابل 15 جنيها كل يوم، فوافق علي بعد أن وجدها فرصة مواتية للتخلص من قيود منزله وأوامر أسرته.

مضت شهور عدة وغلب الحنين على الفتى، كان يفكر كل لحظة في العودة إلى أمه ولكنه كان يخشى عقاب والده، ولكنه في النهاية حسم أمره، قرر العودة، وفوجىء بما حدث ولم يتمالك نفسه من الذهول حينما علم بقصة جثة الفتى الذي يشبهه تماماً.

أبلغ الأب النيابة التي أخلت سبيل الأب والأم بعد اتهامهما بدفن جثة لشخص آخر، وتم تكليف المباحث بالعثور على الأسرة التي ينتمي إليها الفتى القتيل، ويقول الأب سيد ثابت: «لا أصدق نفسي، فرحة الدنيا لا تسعني الآن، لو أن أي شخص مكاني فإنه سيظل حامداً وشاكراً لله طوال عمره، لم أكن أصدق زوجتي حينما أخبرتني بأن علي على قيد الحياة، في لحظة أخبروني أن ابني مات، وفي لحظة وجدته أمامي بعد أن دفنته بيدي، صدقوني.. الفتى الذي شاهدته في المشرحة يحمل ملامح علي نفسها والعلامات المميزة نفسها، أشعر بأنني أعيش حلماً جميلاً، وانقشع الكابوس.

وتلتقط الأم حبل الحديث وتقول:

« كنت أشك كثيراً أن ابني مات رغم أنه لا يوجد مجالاً للشك أن الفتى الذي شاهدناه في المشرحة هو نفسه علي، الأوصاف نفسها، والعلامات المميزة نفسها.

تكمل الأم: «حينما شاهدت ابني في الحلم آخر مرة علمت أن هناك مفاجأة ستحدث ولكنني لم أكن أعلم أنها ستكون أجمل مفاجآت حياتي الآن، علمت أن أحلامي كانت صادقة».

ويقول الفتى علي: «لا أجيد القراءة والكتابة، ولم أكن أعلم بما حدث لأنني كنت أخشى أن أتصل بأسرتي حتى لا ينزل بي والدي عقاباً على هروبي، وأصبت بالذهول حينما سمعت حكاية الفتى الذي تم دفنه بدلاً مني».

انتهت القصة، ولم تنته رحلة البحث عن أسرة الفتى المدفون بدلاً من علي، وربما كانت تحمل وراءها مفاجأة أخرى.