مجتمعنا متباين ومتنوِّع
وتختلف سوزان المشهدي الكاتبة الصحافية والإخصائية الإجتماعية مع الجمعان، فتنظر الى الموضوع من زاوية مختلفة أكثر تفصيلاً، فتقول إن المجتمع السعودي متنوع وبالأحرى متباين. وأشارت الىأن هناك تضاداً كبيراً في المجتمع حيال مسألة الزواج. «قمه التضاد تجدها في المجتمع، فهناك العائلات المنفتحه التي لا تجد حرجاً في هذا النوع من الزواج. وهذا يرجع الى وعي الأسرة و ثقافتها وانفتاحها على الثقافات الأخرى ومدى ايمان الأسرة بحق الابنة في اختيار من تريد مشاركته حياتها. من ناحية أخرى نجد عائلات ترفض تماماً زواج إبنتها من غير سعودي. وقد نجد الرفض أيضاً بين العائلات السعودية داخلياً، أي رفض زواج السعوديه من بعض الفئات في السعودية نفسها كالحجازي من النجدية أو بالعكس، أو بناءً على اختلاف الأصل والمذاهب، وأحياناً الألوان أيضاً».
وترى المشهدي ان هذا التباين لا يمكن تعميمه لأنه يتوقف على مدى وعي الأسرة وإنفتاحها على الثقافات المختلفه في موضوع زواج السعودية من غير السعودي وإحترام رغبتها وحقها الكامل في إختيار شريك حياتها.
من جهة أخرى، أشارت المشهدي الى أن البعض يرفض هذا النوع من الزواج من منطلق الشك في طمع الغير في إستغلال الفتاة أو إستغلال جنسيتها. «في الحقيقة ليس كل أجنبي لديه هذة النظرةأو هذه الأطماع. البعض قد يجد في إحدى الفتيات ضالته والرؤية المتقاربة  لطريقة الحياة. أمامي نماذج ناجحة من الزيجات المختلطة التي أثمرت أبناء ناجحين وزوجات سعيدات جمعتهن مع أزواجهن أهداف مشتركة، وساهم ذلك في خلق حياة سعيدة إذا ما توافر التقارب الفكري والإرتياح النفسي والنظرة الموحده الى الحياة. كلنا لآدم والأهم أن ديننا الحنيف لم  يفرق بين البشر إذا ما توافر حسن الخلق والدين».

عاشور: تزاوج الأجانب ينتج مجتمعاً أكثر تحضراً

لرولا عاشور أستاذة علم النفس في كلية دار الحكمة تجربة مختلفة وإيجابية في زواجها من مهند اللبناني الجنسية، فلم تكن الإبنة الوحيدة التي ترتبط بأجنبي بل أغلب أخواتها لهن تجارب إيجابية في زواجهن من أجانب. تعرفت عاشور إلى مهند أثناء دراستها في لندن وجمعت بينهما علاقة زمالة طويلة، ولم تفكر فيه كشريك لحياتها حتى عادت الى السعودية والتقته مجدداً لتجمع بينهما القسمة والنصيب فتقع في حبه ويطلبها للزواج. «عندما عدت الى السعودية كنت على وشك الإرتباط بشاب سعودي ولكن لم تشأ الأقدار ذلك. بعدها إلتقيت مهند من جديد إذ كانت تربط عائلتينا علاقة صداقة وطلب مني الزواج فوافقت».

وتؤكد عاشور أن مهند يتمتع بصفات كثيرة جعلتها تقع في حبه خاصة أنهما متوافقان في أغلب الأمور الحياتية. تقول: «هو رجل مهذب ويؤمن بحقوق المرأة وحريتها، إضافة إلى أنه من عائلة محترمة ويتفق معي في كثير من الأمور. كل هذه العوامل جعلتني أقدره وأحبه وأجد فيه الشخص المناسب الذي يمكن أن أؤسس معه عائلة متحضّرة ومترابطة». وأضافت أن زوجها يدعمها في حياتها العملية والعائلية، إذ تقوم الحياة بينهما على مبدأ العمل الجماعي والفريق الواحد. «كثيراً ما يدعمني ويشجعني على التقدم في حياتي العملية ويساهم في الإهتمام بالمنزل والأطفال ولا يحاول أن يشكل ضغطاً أو عبئاً عليّ بل يسهل لي الأمور لأستطيع أن أتطور في عملي ودراستي. حياتي العائلية تختلف كثيراً عن حياة صديقاتي اللواتي يتحملن المسؤولية وحدهن في الإهتمام بشؤون العائلة. حتى عندما فكرت في السفر لاستكمال دراستي والحصول على الدكتوراه كان مشجعاً ولم يحاول إحباطي وتقييدي بالأولاد. أولويات حياتنا مختلفة عن غيرنا فنحن نريد أن نكبر كعائلة ويكون لنا شأن في مجتمعنا. نريد أن نكون أسرة متحضرة ومتعلمة تساهم في بناء مجتمع متحضر».

بنات الأجنبية
وأوضحت عاشور أن زواجها من مهند كأجنبي سهل عليها تكوين أسرة مترابطة تجمع بين أفرادها إهتمامات مشتركة. «نتشارك في حياتنا الإجتماعية ونجتمع مع أصدقائنا. فلا أرتبط بصديقاتي ويرتبط هو بأصدقائه ولا نعلم شيئاً عن بعضنا، بل نتشارك الحياة الإجتماعية ويساعدني في قضاء جميع إحتياجات عائلتنا ومنزلنا، فلا نعتمد على السائق إلا وقت الضرورة ونستمتع بتمضية الوقت معاً».
وأشارت عاشور الى أن والديها لم يكونا محبذين لفكرة زواجها من أجنبي ولكنهما لم يشكلاّ عقبة في طريق هذا الزواج الذي ما زال مستمراً منذ ثماني سنوات وأثمر ثلاث بنات. «لكل زواج مشاكله وعقباته ولا أستطيع أن أقول أن المشاكل التي تعرضت لها في زواجي من أجنبي ترجع الى اختلاف العادات والتقاليد، ولكن الى النظرة العنصرية أو الدونية التي يعامل بها الأجنبي في بلادنا، إضافة الى بعض التعقيدات في المعاملات الحكومية كاستقدام العمالة المنزلية التي يجب أن تكون على كفالتي لأن زوجي أجنبي والعديد من الأمور الأخرى في هذا السياق»(...). لا أعرف سبب النظرة الدونية التي ينظرها الكثير من أفراد المجتمع الى الأجانب في بلادنا فيعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية مهما كانت مؤهلاتهم وقدراتهم. وكثيراً ما تعرضنا لمواقف سخيفة إجتماعياً كون زوجي أجنبياً. ولقد شعرت بهذه النظرة كثيراً وأنا سعودية من أم غير سعودية إذ كنا نوصف دائماً ببنات الأجنبية. ولكن هذا الأمر لم يؤثّر فيّ لأني أعتقد أن الإنفتاح على الآخر والإختلاط والتزاوج بين الثقافات المختلفة تساهم في وجود مجتمع متحضر أكثر إنفتاحاً».
ومن المشكلات الأخرى التي لفتت اليها عاشور مصير طفلاتها الأجنبيات المولودات والمقيمات في السعودية واللواتي لا يستطعن الحصول على الجنسية. «أفكر كثيراً في ما يمكن أن يحدث لبناتي وزوجي في حالة وفاتي. ماذا سيحل بهم! أين سيذهبون؟ هل يتركون الأرض التي عاشوا وكبروا فيها واعتادوا عليها وأسسوا حياتهم فيها؟ هذه العقبات تواجه الزواج من أجنبي. وليس إختلاف العادات والتقاليد أو البيئة أو أي أمر آخر».

الشورى: المشكلة حضارية وثقافية وتحتاج إلى وقت لاستيعابها والتغلُّب عليها

يشدد عضو مجلس الشورى محمد آل زلفة علىأن اختيار شريك الحياة حق مشروع يرجع الى أطراف العلاقة بغض النظر عن الجنسية. «لكل زواج مشكلاته التي قد تتسبب بتعطيل هذه العلاقة بين مختلف الجنسيات والمجتمعات، ولكن نتائجها تكون أصعب وأشد عند إختلاف جنسية الزوجين. نحن لا نريد للمرأة السعودية عندما تختار أن تتزوح من أجنبي أن تعاني مشاكل مابعد الزواج أو مشاكل الطلاق كما يحدث في كل مكان. وعادة ما يكون ضحية هذه المشكلة الأولاد».
ويتفق آل زلفة مع فكرة أن قوانين كثيرة من الدول العربية هي التي تخلق هذه المشاكل التي تأتي بعدالزواج أو الطلاق من أجنبي. «هناك بلاد أكثر إنفتاحاً من السعودية تخلق مشاكل لأبناء الأجانب المتزوجين من بنات البلد. عندنا مصر على سبيل المثال، وهي أول دولة عربية تزوجت بناتها من الأجانب ومن مختلف الجنسيات العربية والأجنبية. فحتى وقت قريب جداً لم تكن الدولة تمنح الجنسية لأبناء المصرية، وكان أطفالها يعاملون معاملة الأجانب. كذلك المغرب والعديد من الدول العربية الأخرى الأكثر إنفتاحا من السعودية».
وأوضح آل زلفة أن المشكلة حضارية وثقافية، والمجتمع في حاجة إلى وقفة ليستوعبها ويتغلب عليها. وأضاف أن هذه المشكلة لا تقع  على الأجانب فحسب «بل أيضاً نجدها في المجتمع ذاته، فهناك التقسيمات الإجتماعية بين المناطق والأقاليم ونادراً ما نرى زيجات مختلطة بين أبناء المجتمع الواحد».
وعن موقف مجلس الشورى من زواج السعوديات من أجانب قال آل زلفة أن أعضاء مجلس الشورى هم نتاج هذا المجتمع نفسه وتتباين آراؤهم كما تتباين آراء المجتمع في ما يخص هذا الموضوع. « كما ذكرت، الزواج من الأجانب بشكل عام يعتبر قضية حضارية وثقافية لا بد من التغلب عليها بأن نكون أكثر إنفتاحاً وتسامحاً ونتعلم ثقافة التعايش مع الغير، وليحدث ذلك نحتاج إلى وقت طويل جداً. أتمنى من وسائل الإعلام المساهمة في التركيز على ضرورة نشر ثقافة التسامح والتعايش والتفكير في ثقافة بناء الأسرة بطريقة أو بأخرى».
وفي ما يخص معاملة أبناء الأم السعودية من أجنبي من ناحية القانون الذي يمنح الذكر الجنسية عندما يبلغ 18 عاماً ولا يمنحها للأنثى إلا في حال زواجها من سعودي، قال آل زلفة: «أتمنى أن يعامَل من ولد على هذه الأرض وأمه سعودية كما يعامل أبناء السعودي المتزوج من سعودية سواء كان ذكراً أو أنثى. أو يعطى حق الخيار عندما يصل الى سنّ تمكنه من إختيار مصيره ومستقبله. أتمنى أن نصل ذات يوم إلى معالجة القضايا بطريقة أكثر عقلانية وأكثر تسامحا حتى لا يظلم أحد».

هيفاء المنصور: زواج تقليدي لشخصين غير تقليديين

تعتبر المخرجة السعودية هيفاء المنصور نموذجاً إيجابياً آخر لسعوديات تزوجن أجانب غير آبهات بما يفرضه المجتمع من عادات وتقاليد قد ترغمهن على الزواج من شخص لا يعرفنه ولا يتوافق مع أفكارهن وخلفياتهن. وتقول المنصور أنها منذ طفولتها لم تتخيّل نفسها زوجة لرجل لاتعرفه لتكون مقبولة إجتماعيا. فلقد كانت تحلم بالحصول على زواج مبني على الحب والإحترام وهذا ما وجدته في زوجها الأميركي براد. «إلتقيت ببراد عندما كان يعمل في قسم الشؤون الإعلامية والثقافية في القنصلية الأمريكية في الظهران. كان لقاؤه بالفنانين جزءاً من مهام وظيفته، فكانوا يعرضون فيلمي ويناقشونه. بعدها بدأنا نتحدث ووجدنا أن بيننا إهتمامات مشتركة. بدأت في مساعدته ليتعلم اللغة العربية ومن ثم وقعت في حبه وقررنا الزواج». لم يكن قرار الزواج من أجنبي مشكلة أو عقبة في طريق المنصور. فهي لم تكن الإبنة الأولى في العائلة التي تقرّر الإرتباط بأجنبي، فقد سبقتها إلى ذلك شقيقتاها الأكبر سناً: «عائلتي لا تقف في طريق سعادة أبنائها وتود دائما أن ترانا سعداء. فالزواج قرار شخصي يرجع لي كإنسانة تقرر ماذا يصلح لها، وخاصة في حياتها العاطفية، وعائلتي تحترم هذا الأمر وتثق بي وتريدني أن أكون سعيدة لذا لم أواجه أي نوع من المشاكل».
تقدم براد وطلب يد المنصور من والدها الذي وافق على الزواج فتمت الخطبة ومن ثم جاء عقد القران الذي تمّ في السعودية. وأشارت المنصور أن الغريب هو إقامة زواج سعودي تقليدي بجميع مراسمه لشخصين غير تقليديين وهذا يرجع لتقديرها وإهتمامها هي وزوجها بالعادات والتقاليد التي لا تؤثّر على الإختيارات الشخصية. «أنا أحترم العادات والتقاليد بشكل كبير لأنها تجعل الحياة أغنى وتملأها بالألوان».

ولا تعلم المنصور تماما إن كان تعليمها في الخارج وإنفتاحها على الآخر هو الذي دفعها مباشرة للزواج من أجنبي، ولكنها لاتنكر أن له تأثيراً غير مباشر فتقول: «عندما يعيش الإنسان في بيئة جديدة مختلفة عن البيئة التي تربى فيها أو إعتاد عليها يكتشف أنه برغم كبر العالم وإختلاف مناطقه وتشعبها، إلا أن الناس يتشابهون أكثر مما يختلفون». وتؤكد المنصور سعادتها بزواجها من أجنبي لأنه دائما ما يدعمها ويساندها لتتقدم وتتطور كفنانة لها فكر خاص. «أنا إمرأة مستقلة ومنفتحة وكثيرون هم الرجال الشرقيون الذين لايقبلون بإستقلالية المرأة ويشعرون بالتهديد من نجاحها، وهذا لانجده عند الرجل الأجنبي الذي تقوم الحياة معه على الشراكة. فالحياة لاتعتمد على بطل واحد كما نرى في الأفلام المصرية». من جانب آخر، أكدت المنصور أنها لم تصادف أي عقبات حقيقية في هذا الزواج وأنها تعمل جاهدة مع زوجها على أن يلم إبنها آدم بالثقافة العربية والغربية ويتحدث اللغتين الإنكليزية والعربية وأن يكون شخصا يحترم تراثه العربي والغربي على كل المستويات. «لا أستطيع أن أقول أني أواجه مشاكل ولكن بالطبع سفري وتنقلي المستمر مع زوجي كونه دبلوماسياً يجعلني أشتاق لأهلي ولوجودهم. وبالتأكيد هو أيضاً يشتاق لأهله، ولكن بعدنا عن أوطاننا ووجودنا سوياً يعطينا فرصة أكبر للإرتباط ببعضنا لنكون أسرة قوية مختلطة ومنفتحة على ثقافات مختلفة».

 إلهام أبو الجدايل: نجاح الزواج أو فشله لايتوقف على جنسية معينة

إلهام أبو الجدايل الطبيبة السعودية المعروفة، التي إكتشفت طريقة جديدة لإيجاد الخلايا الجذعية، متزوجة من إنكليزي من أصل هندي ولها منه ولدان وفتاة. تؤكد أن نجاح الزواج لا يعتمد على جنسية معينة بل يعتمد على الخلفية التعليمية وعلى شخصية المرأة بشكل أساسي. «والدي رجل سعودي وساهم بشكل كبير في تعليمي لأكون الإنسانة التي أنا عليها اليوم، ومن ثم جاء إختياري لزوجي بناء على هذه الخلفية وهذه التربية بغض النظر عن الجنسية. ليس كل أجنبي يتزوج سعودية يدعمها أو يقف بجانبها. بل يتوقف هذا الدعم على إختيار المرأة للشخص المناسب الذي يساعدها على تطوير نفسها وتحقيق آمالها وأحلامها. كيفية نشأة المرأة هي التي تساهم في الإختيار السليم لشريك الحياة سواء كان أجنبياً أو سعودياً».
بعد زواج مستمر لأكثر من 18 سنة تصف أبو الجدايل تجربتها بالناجحة والموفقة، وتقول إنها تعرّفت على زوجها في بريطانيا أثناء دراستها هناك وجمعت بينهما علاقة زمالة وصداقة وثقة مع إختلاف تخصصيهما الدراسيين. «كان بيني وبينه تفاهم واضح وعلاقة زمالة قوية أكثر من كونها حباً. كنت إنسانة مستقلة ولا أرغب في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال لأني كنت منكبة تماماً على أبحاثي ودراساتي، لكنه أقنعني بالزواج وهذا ما شجعني على الإرتباط به.
عشنا في السعودية عشر سنوات ومن ثم إضطررت للعودة إلى بريطانيا بعد إكتشافي للخلايا الجذعية لإعادة التجارب والتأكد من النتائج ومن ثم تسجيل الإختراع كما إقترح زوجي لأحفظ حقي في هذا الإكتشاف. بعدها ساندني كثيراً وإقترح أن نؤسس شركة تقنية حيوية، شركة «ترايسم»، وأدارها وترأسها وترك عمله للتفرغ لهذه الشركة. وقبل تأسيس الشركة دعمني ماديا بشكل كبير وتحمل جميع نفقات الدراسات والتجارب حتى أسسنا الشركة، إضافة إلى دعمه المعنوي ووقوفه بجانبي لأحقق النجاح.»
وأشارت أبو الجدايل الى أنها لم تشعر بالغربة أو بأي مشكلة في الزواج من أجنبي. حتى أبناؤها يشعرون بإنتماء الى هذه البلاد ولكنهم لا يحملون جنسيتها ولا تستطيع إبنتها أن تحمل الجنسية إلا في حال الزواج من سعودي. وأكدت أن عدم حصول أبناء السعوديات على الجنسية يضيع على المملكة الكثير من الفرص لأن إندماج مجتمعين مختلفين يضيف بعداً ثقافياً وتعليمياً. «الإختلاط بين الثقافات والمجتمعات حتماً يؤدي الى التطوّر والتفوّق، وهذا ما صنع الدول المتقدمة كأميركا وبريطانيا. حتى الآن لم يواجه أولادي مشكلات كونهم يعيشون في بريطانيا ولكن إذا قرّروا أن يعيشوا في المملكة فما هي المشكلات التي تنتظرهم مع أنهم يشعرون بأنهم سعوديون»؟
وأضافت أبو الجدايل أن من المشكلات التي تواجه أي سعودية متزوجة من أجنبي هي النظرة الدونية الى هذا الشخص. «مع أننا نحب كل شيء مستورد فإن مجتمعنا يرفض هذا الإستيراد عندما يكون الزواج من أجنبي! في البداية لم يكن أهلي موافقين ولكنهم وافقوا في النهاية على هذا الزواج. لا بد من وجود تسهيلات للزواج من أجنبي. فالعنوسة أصبحت مشكلة في السعودية اليوم إضافة إلى أهمية تخالط الشعوب بثقافاتها. فأين المشكلة في أن تتزوج الفتاة من أجنبي إذا لم يكن مطلوباً سياسياً أو غيره».

التجارة أو العمل في البلدان الأجنبية أو الإقامة في تلك البلدان من أجل الدراسة، تجعل الشباب والفتيات أكثر استعداداً للزواج من أشخاص من غير جنسياتهم. وإذا كان الزواج القائم في الغالب على العواطف المتبادلة سهلاً، فإن المشكلات الناشئة عنه، والتي تلحق بالأزواج والأبناء، لجهة الانتماء واكتساب الجنسية، تلحق ضرراً كبيراً بتماسك العائلة ومستقبل أفرادها. في هذا التحقيق تستعرض «لها» تجارب عدد من المتزوّجين من أجانب من السعودية ولبنان، والمشكلات التي ترافق ذلك وانعكاسها على حياتهم العائلية والعملية.


النظرة الدونية الى الأجنبي وتجنيس الأبناء من أهم مشكلات زواج السعوديات من أجانب. قصص سلبية كثيرة تنشر حول الزواج من الأجانب، ومع ذلك تظل أعداد السعوديين والسعوديات المتزوجين والمتزوجات من أجانب، في تزايد. وهناك زيجات كثيرة لسعوديات من أجانب ناجحة ومثمرة ولكنها ترتبك بعد وجود الأبناء، أمام القوانين التي تنظّم علاقة الأبناء بالآباء. نعرض هنا نماذج إيجابية عن سعوديات تزوجن من أجانب، ومع ذلك ظلّ مصير الأبناء يقلق الزوجات ويشغل بالهن إضافة إلى النظرة الدونية التي يعامل بها الأجنبي في كثير من الأحيان. فهل هناك تسهيلات أو إجراءات تتخذها الدولة للحد من مشكلات زواج السعوديات من أجانب؟

نظرة المجتمع إلى الزوج الأجنبي

نظرة المجتمع السعودي الى الرجل الأجنبي أمر قد لا يشعر به أي شخص ولكن تشعر به صاحبة المشكلة التي تعيش وتمارس حياتها الطبيعية بشكل يومي. يتفق الكثير من السعوديين على أن هناك نظرة دونية الى الأجانب رغم عدم وجود دراسات واضحة وأرقام وإحصاءات تبين مدى إنتشار هذه النظرة في المجتمع. وتظهر هذه الآراء بوضوح في المناقشات العامة وفي الإحتكاكات اليومية. ولكن وكأي مجتمع آخر هناك العديد من الأشخاص الذين لا تشكل لهم جنسية الشخص أي أهمية بل بالعكس يؤمنون بالإختلاط ويشجعون عليه. وقال أستاذ علم الإجتماع عادل الجمعان أننا «لا نستطيع تعميم فكرة أن المجتمع ينظر الى الأجنبي كمواطن من الدرجة الثانية إلا في حال وجود دراسة دقيقة تبين لنا هذه العينة بالأرقام. والحكم على موضوع زواج السعوديات من الأجانب يخضع للكثير من المشكلات التي بدأت تظهر في بلادنا والتي نراها يوميا على صفحات الجرائد وفي أروقة المحاكم. المشكلة لا تكمن في نظرتنا الى الأجنبي على انه أجنبي أو رجل غريب عن المجتمع. بل لا بد أن ننظر إلى تبعات المشكلة التي يسبّبها هذا الزواج».
وأوضح أن الزواج تجربة تحتمل الفشل والنجاح  ولكن تبعات المشكلة تختلف «اذا إفترضنا أن زوج إحدى السعوديات الأجنبي إنتهى عمله في المملكة ولم تتوافر أمامه فرص فقرر الرجوع الى بلاده. ما هو مصير الزوجة والأولاد؟ ماذا سيحدث للأبناء؟ أعداد كبيرة من الأطفال ثمار زواج السعوديين والسعوديات من أجانب يدفعون ثمن تبعات فشل هذا الزواج لإختلاف جنسياتهم. فتبعات فشل الزواج من سعودي اقل بكثير من تبعات فشل الزواج من أجنبي.» وأكد الجمعان أنه لا تفرقة بين الرجل الأجنبي والسعودي في المجتمع من ناحية الزواج، ولكن المشكلة تكمن في المشكلات التي يجرها زواج الأجانب في ما بعد والتي يكون تأثيرها الأكبر على الأبناء.

لم أختلف مع زوجي الأجنبي حول مبادئ الحياة الأساسية
وفاء قرمبيش معلمة رياض الأطفال عرفت في وسائل الإعلام بوفاء السعودية. هي إحدى السعوديات المتزوجات من أجانب. تناولت قصتها الصحف المحلية بعدما تزوجت من أميركي مقيم في السعودية. السعادة والحماس يغمران حديث قرمبيش عندما تسرد قصتها... «قصدت أحد المجمعات التجارية لأبحث عن محل مناسب أستأجره  فقابلت شيرمن مدير المكان الذي لم يستطع إخفاء إعجابه بي من النظرة الأولى. تقابلنا مرات عدة للإتفاق على العمل ومن ثم إستأجرت المحل وبدأت اجراء الديكور، وبدأت تتكرر زياراته للمكان وقال لي «أنت إمرأة جميلة. فهل يمكن أن نكون صديقين؟».
فوجئت قرمبيش بالطلب الغريب عن عاداتها وتقاليدها، وأخبرته أن دينها لا يسمح بهذا النوع من العلاقات فطلبها للزواج. «فاجأني طلب الزواج خاصة أنه أميركي ومسيحي، وخفت من رفض عائلتي. فأخبرني أنه على إستعداد لإشهار إسلامه، وبالفعل إلتحق بأحد مراكز دعوة الجاليات ودرس الإسلام لأكثر من أربعة أشهر. وفي أحد الأيام إتصل بي ليفاجئني أنه أعلن إسلامه في المحكمة وطلب مني أن أختار له إسماً فإخترت أحمد، لكني لم أكن أفكر فعلياً في موضوع الزواج تخوفاً من أن إسلامه قد يكون موقتاً».
تقدم لأهلها وخطبها وبعد مشاورات تمت الموافقة على الزواج، لتبدأ قرمبيش حياة زوجية جديدة. «قبل إرتباطي بأحمد كنت متزوجة من رجل سعودي أنجبت منه ولداً وإفترقنا بعد ذلك. في البداية كنت متخوفة من الزواج خاصة أن إبني يعيش معي وكان يبلغ من العمر وقتها 15 سنة. لكن التجربة أثبتت عكس ذلك فعلاقة إبني بزوجي ممتازة ونعيش حياة هادئة وجميلة».
تقول قرمبيش عن الزواج من الأجانب أنها عاشت حتى الآن مع زوجها أحمد أجمل أربع سنوات في حياتها شعرت فيها بالحب الحقيقي وبنفسها كإمرأة. « في البداية كنت خائفة جداً خاصة أن المجتمع لا يتقبل فكرة الزواج من أجنبي عربي الجنسية فما بالك بفكرة الزواج من أميركي! إنه أمر بعيد جداً عن عاداتنا وتقاليدنا. ولكن التجربة أثبتت بعد إسلامه أني لا أختلف معه في المبادىء الأساسية للحياة. لم تصادفني أي مشاكل من ناحية الأبناء أو ما سيحدث لهم لأني لم أرزق طفلاً منه، وهذا ماشاءته إرادة الله. له إبنة، وأنا إبني يعيش معي ومعه ونعيش حياة عائلية سعيدة. ورغم  أنه أميركي فإني لا أشعر بأي فرق في العادات والتقاليد. هو إنسان بمعنى الكلمة».
وتؤكد قرمبيش أن الكلمات تعجز عن وصف أحمد كرجل وعن سعادتها معه في زواج بدأ من أربع سنوات. «أحمد رجل رائع بكل معنى الكلمة يحبني ويحترمني ويشاركني حياتي بكل تفاصيلها. أنا سعيدة جداً ولا أتعب من أن أكرّر كم أنا سعيدة. بالتأكيد تمر علينا بعض المشاكل الخفيفة التي تتعرض لها أي أسرة ولكن في النهاية هو شخص كريم ورومانسي ويحترم المرأة ويقدّرها، وبالطبع يحب إبني ويحترمه. إنسان صريح وحنون ورجل بمعنى الكلمة. تقوم حياتنا على التفاهم والمصارحة. تجربة زواجي هذه غنية ورائعة».
وأشارت قرمبيش الى أن إرتباطها بزوج أجنبي ساهم كثيراً في تقدم وضعها الإجتماعي والعملي بشكل ملحوظ، فقدأصبحت شريكة له في جميع أعماله ويستشيرها في كل صغيرة وكبيرة. «حياتي إختلفت تماماً وتحولت من حياة صغيرة عادية إلى حياة كبيرة مفعمة بالحب والتفاهم».