الدية هل تنقذ هشام طلعت من الإعدام؟

سوزان تميم, هشام طلعت , جريمة

14 يوليو 2009

هل تنقذ الدية هشام طلعت مصطفى من الإعدام؟ سؤال طرحناه على مسؤول كبير في مكتب النائب العام الذي أكد لنا أن أسرة سوزان تميم لو قبلت الدية لانقلبت موازين القضية رأساً على عقب. المسؤول القضائي أكد أيضاً أن القاضي سيضع في اعتباره عدة أشياء إذا تلقى إخطاراً بالصلح بين أسرة هشام طلعت مصطفى وأسرة سوزان تميم، وقد يتغير الحكم وتنتهي القضية بمفاجأة. أما بهاء أبو شقة المحامي الجديد لهشام طلعت فقال لنا إنه يدرس بعناية آثار دفع الدية وتتوالى المفاجآت في هذه القضية التي لا تنتهي.

مسؤول قضائي كبير أكد‍‍ لـ «لها» أن النظام القضائي المصري لا يعترف بموضوع الديّة الذي طرحته وسائل الإعلام أخيراً لكن هذا لا يمنع أن الباب مفتوح أمام المتهمين بقتل سوزان  تميم لدفع الديّة لأسرتها والمحكمة تراعي عدة اعتبارات في حالة تلقيها إخطارات بالصلح بين أسرة القتيلة والمتهمين بقتلها. ومن هذه الاعتبارات وضع المتهم الثاني في القضية وتأثيره على الاقتصاد وانتفاء السبب الذي جاء الحكم بسببه وهو رد الحق للأسرة، وفي النهاية الأمر سيكون متروكاً للمحكمة وحدها لتقدير الحكم الذي تصدره ولا يمكن التنبؤ بهذا الحكم مطلقاً.
من جانبه أكد فريد الديب محامي هشام طلعت أنه لا يمانع في القيام بهذه الخطوة، لكنه لا يعرف من سيحصل على مبلغ الدية في ظل عدم وضوح الرؤية في شخصية زوجها الحالي لأن المحاكم لم تحسم الأمر بالنسبة الى عادل معتوق الذي يصر على أنه لا يزال زوجاً لسوزان تميم، بينما أكدّ محاميها كمال يونس أنها حصلت على الطلاق منه قبل مصرعها.
الديب أكد أن الأمر نفسه ينطبق على رياض الغزاوي، وهو الشاب العراقي الذي كان يقوم بحراسة سوزان تميم وأعلن بعد مصرعها أنها كانت زوجته، لكن الغزاوي لم يقدم للمحكمة ما يثبت صحة كلامه خاصة أن المحكمة طلبت منه تقديم مستندات زواجه لكنه اختفى فجأة ولم يعد له أي ظهور في جلسات القضية التي استمرت سبعة أشهر كاملة ولم يعد هناك سوى والدها عبد الستار وخليل شقيقها الأكبر ووالدتها ثريا ظريف. وأكد الديب أنه لم يتم الاتفاق مع أسرة سوزان حتى الآن.


قضية مشابهة
الجدل حول الأشخاص الذين يستحقون مبلغ الديّة بدأ في جلسات القضية الأولى، حينما اختلف الجميع حول موقف عادل معتوق عندما أعلن سمير الششتاوي محامي عبد الستار تميم والد سوزان أن المحكمة الشرعية في لبنان أصدرت حكمها منذ فترة ببطلان زواج سوزان من معتوق.
وأشار المحامي إلى أن عادل معتوق طعن بهذا الحكم أمام القضاء اللبناني ولم يتم الفصل فيه حتى الآن. بينما أرسل معتوق مذكرة إلى المستشار محمدي قنصوة يؤكد فيها أنه لا يزال زوجاً لسوزان وسبب اللغط الذي حدث هو ما قامت به محاميته اللبنانية كلارا الرميلي حينما طلب منها أن تتوجه إلى المحكمة وتقوم بتطليق سوزان تميم منه بموجب توكيل رسمي.
ويؤكد معتوق في مذكرته أنه قام بإلغاء التوكيل قبل أن تنتهي إجراءات الطلاق وأعلم المحكمة أن أي إجراء لكلارا يصبح باطلاً بعد إلغاء التوكيل.
ويقول بهاء أبو شقة قائد فريق الدفاع الجديد لهشام طلعت مصطفى إن طرح فكرة الدية ليس جديداً، ويستشهد أبو شقة بإحدى القضايا التي كان موكلاً فيها بمحافظة المنيا حينما أصدرت محكمة الجنايات قرارها بإحالة أحد المتهمين إلى المفتي بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
وسارع الدفاع بالاتفاق مع أسرة المتهم بعقد جلسة صلح مع أسرة القتيل وتم دفع الدية وقال أبو شقة:
«سألنا مفتي الجمهورية بشكل عام عن هذه الحالة فأكد المفتي أنه يمتنع القصاص في حالة دفع الديّة وسارعنا بإرسال محضر الصلح الذي يفصح عن قيام أسرة المتهم بدفع الدية وقرر القاضي تخفيف حكم الإعدام إلى السجن سبع سنوات فقط».

يكمل أبو شقة: ‍‍«من الوارد في أي وقت أن تقوم أسرة هشام طلعت بالتفاوض مع أسرة سوزان تميم لدفع مبلغ الدية بعد التحكيم الذي يرعاه بعض الخبراء في هذه الأمور شرط ألا يتضمن التحكيم اعتراف هشام بجريمة القتل. ونؤكد في محضر التصالح أن اتهام هشام مبني على ظنون والفاعل مجهول وقد لمحنا تجاوباً من عبد الستار تميم حينما أكد أن لديه أدلة قاطعة تبرأ هشام طلعت مصطفى من دم ابنته».
يواصل أبو شقة: «القانون المصري لا ينص على قبول الديّة في قضايا القتل لكننا سنؤكد في محكمة النقض أن الدستور يؤكد في المادة الثانية أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول في التشريع القانوني والمشرّع أوجب الحصول على رأي المفتي الذي سيكون له رأي آخر في حالة دفع الديّة وعن نفسي لن أتدخل في الاتصالات بين أسرة هشام طلعت وبين أسرة سوزان تميم للاتفاق على الأمور المادية خاصة أن أسرة رجل الأعمال المتهم بقتل سوزان تميم لم تحسم أمرها في موضوع الديّة لكن الأمر مطروح وبشدة ومن المؤكد أنه سيغير كثيراً في موقف هشام في القضية».
ويؤكد بهاء أبو شقة أن تصالح هشام ودفعه الديّة لا يعني مطلقاً التسليم بصحة الاتهام. ويضيف إنه يجهز استراتيجية جديدة للدفاع تتضمن نفي الاتهام عن هشام طلعت مصطفى دون التطرق الى موقف محسن السكري وهذا يتعارض مع خطة الدفاع التي اتبعها فريد الديب الذي أكد مراراً أن براءة هشام تبدأ من براءة محسن السكري  وهو ما دفع الديب إلى التنسيق مع أنيس وعاطف المناوي محاميّي السكري.

 


رأي الدين
عن حكم الديّة في الدين وعلاقتها بتخفيف العقوبة القانونية يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق: «لا أفضّل الخوض في قضايا ما زالت منظورة أمام القضاء حتى لايقال إن هذا يؤثر على سير العدالة، ولهذا فإن كلامي سيكون بوجه عام سواء عن هذه القضية أو مثيلاتها حيث إن القاعدة في التشريع الجنائي الإسلامي أن العقوبة تكون مساوية لمقدار الأذى فالقصاص هو أساس العقوبات، ولابد أن تحمل العقوبة في الإسلام إيلاما لا انتقاماً وقد يكون هذا الإيلام في البدن أو المال على قدر الجريمة ونية الجاني فيها والقصاص يحدث أثراً نفسياً شافياً في نفوس أهل المجني عليه عندما يرون الجاني يقتص منه، ومع هذا اهتمت الشريعة فوق القصاص بتحديد الديّة، فالدماء هي أحرم الحرمات كلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا قد بلغت اللهم فاشهد». وجعل لولي الدم الحق في رفع الدعوى وإسقاطها والعفو فقد قال تعالى: «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا» (سورة الإسراء الآية «33 » ).
وأشار إلى أن الفقهاء المعاصرين انتهوا إلى أن قيمة الدية تعادل 4250 غراماً من الذهب ومن المعروف أن الدية لا تجوز شرعاً إلا برضا أهل القتيل ومقدارها الشرعي كما حددتها الأحاديث النبوية ألف دينار أو مائة جمل  في البيئة التي يكثر فيها الجمال. ويجب أن يلاحظ أن الدينار الذي كان يتم التعامل به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان قطعة من الذهب تزن نحو أربعة غرامات وربع الغرام وإذا ضربنا ألف دينار في وزن قطعة الذهب فيكون الناتج 4250 غراماً من الذهب  يتم تقديرها بسعر الذهب في الوقت الراهن، وعلى ذلك فإن الديّة في الإسلام ثابتة القيمة».
وأنهى الدكتور نصر فريد كلامه قائلاً : «رغم أن الشريعة الإسلامية وضعت قواعد محددة في دفع الدية في جرائم القتل سواء العمد أو الخطأ فإن القانون المصري لا يعترف بها وبالتالي المحاكم المصرية غير ملزمة بقبول أهل القتيل أو القتيلة  للديّة، لكن طبقاً للشريعة فإن قبول الأهل للدية يعني إسقاط عقوبة القصاص في القتل العمد كما تعد الدية عقوبة أصلية في جرائم القتل الخطأ دون قصد.


أولياء الدم
وأشار الدكتور محمد رأفت عثمان العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية إلى أن الديّة من العقوبات المالية التي فرضتها الشريعة ردعاً للجناة وهي المال الذي يدفع للمجني عليه أو لورثته من بعده سواء كانت الجناية في النفس أو دون النفس وسواء كانت الجناية عمداً أو خطأ وسمي هذا المال في القرآن «دية» لقوله تعالى: (ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) سورة النساء الآية «92» وإذا كان القصاص حقاً للمجني عليه أو ولي الدم فإن الإسلام شرّع الديّة في المقابل كعقوبة بديلة عن القصاص، والحكمة من تشريع الدية كعقوبة في الحالتين هي تجنيب الأمة القطيعة والبغضاء ونزع بذور الحقد والانتقام، إلا أن المشكلة في تطبيق ذلك في قضية هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري أنه لا يتم تطبيق الديّة في القانون المصري لأنه لا يعترف بها أصلاً.
وعن موقف الشريعة من المحرّض الذي لم يقتل بنفسه قال: «تؤكد الشريعة الإسلامية أنه لو تعدّد الجناة أو القتلة واشتركوا في قتل شخص واحد ووزعوا الأدوار في ما بينهم وكان لكل منهم دور فاعل أو رئيسي  في الجريمة، فإن كلاً منهم يستحق تطبيق عقوبة «القصاص» أو القتل والإعدام. وقد طبّق ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما اشتركت مجموعة من الأفراد في قتل رجل في صنعاء في اليمن فأمر أن يقتلوا وقال قولته الشهيرة: (والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم). وهذا تأكيد على أن العقوبة لا تقتصر على القاتل بيده فقط، وإنما تمتد إلى كل من له دور رئيسي ومنهم المحرض.


مبلغ الدية
وتضاربت الأقوال حول مبلغ الديّة الذي سيتم الاتفاق عليه بين أسرة هشام طلعت مصطفى ووالد سوزان تميم، فقد أشيع أنه70 مليون دولار بينما رددت بعض وسائل الإعلام في مصر أن أسرة هشام على استعداد لدفع مبلغ 5 ملايين دولار. وقد تتعقد القضية في حال دخول العزاوي أو عادل معتوق كطرفين من حقهما الحصول على نصيبهما في الدية كشرط للموافقة على الصلح، وهذا يعكس رأي فريد الديب أنه لابد من حسم الأشخاص الذين لهم الحق في ميراث سوزان تميم قبل تحديد قيمة الدية.
وبعيداً عن المبلغ سألنا محامي هشام أبو شقة في حال قبول حكم النقض وإعادة القضية الى محكمة الجنايات مرة أخرى هل سيتم الإفراج عن هشام والسكري على ذمة القضية التي طالت إجراءاتها؟ فقال: بالطبع لا. خوفاً وحرصاً من أجهزة التحقيق على عدم هروب المحكوم عليه‍‍ما بالإعدام في ظل وجود حالات مشابهة هرب المتهمون فيها قبل صدور الحكم النهائي.