Home Page

أقدم سجينة في مصر

مقابلة, سلمى المصري, تجارة المخدرات , حبس / سجن

28 يوليو 2009

اعتبرت العودة الى السجن آخر أمنياتها في الحياة، وذلك بعدما عاشت زينب (أقدم سجينة في مصر) قرابة ثلاثين عاماًً بين جدران السجن بعد ادانتها بالاتجار بالمخدرات... ذابت في هذا العالم وتأقلمت مع كل شيء فيه، حتى جدران السجن التي حفرت قصتها عليها.
لم تجد الدنيا مثلما تركتها في نهاية الثمانينات عندما دخلت السجن. اصطدمت بواقعها الأليم فالجميع تخلوا عنها ما عدا شقيقها الذي يعاني من ظروف اجتماعية قاسية. لم يعد لها زوج ولا ابن ورددت السؤال: لماذا أبقى خارج السجن؟


السجن لا يمثل لها الجحيم، لكن الحرية هي التي أصبحت قيداً يهدد حياتها. فحينما غادرت السجينة المثالية زينب جنبات سجن شبين الكوم كانت تمني نفسها بحياة كريمة تعوّضها عن السنين التي ضاعت منها وراء القضبان وفقدت خلالها الإحساس بأي شيء حولها.  تمنت أقدم سجينة مصرية أن تعيش حياة دافئة حين تغادر السجن ولكنها أسرفت في الأحلام خاصة حلمها أن ترى ابنها الذي حُرمت منه على مدار 25 عاماً بعدما انفصلت عن زوجها وضاع ابنها. وقد قررت أن تكرس ما بقي من حياتها للبحث عنه ولكن الأماني لم تعد ممكنة.

فشلت الأم بعد عام كامل من البحث في الوصول الى ابنها الذي لم يعد له أي أثر، ونصحها شقيقها بأن تكف عن البحث. وعاد اليأس ليدب في نفسها، وضاع الأمل الذي خرجت من أجله، المرأة التي شارفت الستين.

تقول زينب: «يبدو أن ابني قرر أن يعيش حياته بشكل مستقل بعيداً عني بعد دخولي السجن وأن ينساني رغم أنني كنت انتظر اللحظة التي أغادر فيها السجن لأبحث عنه وأجده، وأعيش معه الأيام الباقية من عمري. صدقني السجن أهون كثيراً من هذا العالم الذي أراه سجناً أكبر وأقسى من الذي كنت فيه».

- هل تبالغين بعبارة «السجن أهون»؟
ارتكبت غلطة كبرى حين سقطت في فخ الشيطان وتاجرت بالمخدرات، حتى تم القبض عليّ وكان الحكم بفترة عقوبة كبيرة. وقررت وقتها الالتزم بقواعد السجن وتأقلمت مع هذه الحياة، وأصبحت أيامي في السجن سعيدة بفضل هذا الالتزام. كنت أختاً للجميع وأماً لهن، وحصلت على لقب الأم المثالية في السجن 10 مرات وتم تكريمي أكثر من مرة.
كنت كاتمة أسرار السجينات، استمع الى مشاكلهن وأخفف عنهن كربة السجن وأيامه العصيبة. لا أترك سجينة لديها مشكلة إلا بعد أن أعيد اليها البسمة. وكانت إدارة السجن تحترمني وتقدر دوري هذا. عشت سنين طويلة في سجن النساء الى درجة أنني فوجئت بموعد خروجي إلى الحياة من جديد.
أصبح السجن بيتي الكبير. كنت في بداية فترة العقوبة أحسب الأيام المتبقية لي حتى أخرج الى الدنيا، وبعد مرور سنوات تأقلمت مع هذه الحياة وأخرجت من رأسي تماماً فكرة الخروج من السجن الذي تحول إلى صديق لي. شاهدت المئات من النزيلات يخرجن بعد سنوات طويلة لكنني لم أشعر بالمتعة التي شعرن بها وهن يغادرن السجن.

- هل أمضيت العام التالي لخروجك من السجن في مشاكل؟
حاولت أن أقيم مشروعاً هو عبارة عن منفذ لبيع الحلوى لكنني اصطدمت بمعوقات إدارية. ولا أخفي أن تاريخي الجنائي كان نقطة ضعف، فلا يزال المجتمع ينظر إلينا نظرة سيئة، ولا يصدق أحد أننا نعرف معنى كلمة التوبة، وكأن قدرنا أن نموت في السجن.
حاولت أن أثبت حسن نيتي، وأكدت للمسؤولين أنني أبحث عن مورد رزق لكنني لم أجد من يصدقني، ولم يكن عندي أسرة تظللني برعايتها... السجن كان عائلتي.

- وأين شقيقك؟
استقبلني بعد خروجي من السجن لكنني لم أكن أستطيع أن أعيش معه في شقته المتواضعة لأن أسرته كبيرة والأعباء ضخمة، فتركته يحل مشاكله وقلت لنفسي سأتكفل بمشاكلي الشخصية.
قدماي كانتا تأخذانني دائماً إلى السجن الذي عشت فيه أجمل فترات عمري وأتجول من الخارج وأحسد زميلاتي داخله على الحياة المستقرة التي يعشنها.
حاولت أن أبوح بهذه الهموم لأحد الضباط الذين عاصروني في فترة عقوبتي لكنه نصحني ألا أيأس بسهولة فالدنيا تتطلب مثابرة، وابتسم حينما قلت له أريد أن أعود إلى السجن وقال: يا حاجة زينب هل يتمنى أحد أن يعود الى السجن بقدميه؟

- ماذا ينقصك للتأقلم مع واقعك الحالي؟
لو عاد ابني، ولو نجحت في إقامة مشروعي ربما أصبحت الدنيا أكثر إشراقاً. سأحاول مرة أخرى أن أبحث عنه، وحلمي أن أراه قبل أن أموت واعتذر له عما حدث مني وأعيش معه ما تبقى من عمري.

- أعود بك إلى القضية التي دخلت بسببها السجن وهي تجارة المخدرات.أريد أن أعرف تفاصيلها.
تعرفت على سيدة كانت تطلب مني نقل حقيبة ضخمة من شقتها إلى أماكن محددة، وكانت تمنحني مبلغاً كبيراً بعد نجاحي في مهمتي. لكنها كانت تشترط عدم قيامي بفتح الحقيبة. وكنت أعلم أن فيها شيئاً غير قانوني وحاجتي الى المال كانت تمنعني من السؤال عن محتويات الحقيبة.
نفذت هذه المهمة مراراً وحصلت على أموال هائلة تغيرت بها حياتي. لم يسألني زوجي عن مصدر هذه الأموال فلم يكن يهمه سوى المال، وفجأة وجدت نفسي في قبضة الشرطة قبل أن أتخلص من الحقيبة التي فتحها الضابط ووجد فيها مخدرات.
حاولت أن أدافع عن نفسي، وأخبرتهم عن صاحبة الحقيبة، لكنها أنكرت أن يكون لها علاقة بالحقيبة وأكدت أنها لا تعرفني من الأساس.
تنهي السجينة العجوز حكايتها وتفكر في المستقبل المجهول وتتمنى العودة الى السجن إذا لم تبتسم لها الدنيا.