أبناء عرب في مهب الجنسية بسبب أمهاتهم!

القانون والمرأة, العالم العربي, المملكة العربية السعودية, سوريا, المرأة العربية / نساء عربيات, حملة الجنسية, جنسية / هوية

07 سبتمبر 2009

حرمان المرأة اللبنانية إعطاء أطفالها الجنسية مخالفة للدستور
يعيش أبناء المرأة العربية المتزوجة من أجنبي شعوراً بعدم الأمان والاستقرار، سببه القوانين المدنية في البلاد العربية التي تحرم هذه الفئة من أبناء الوطن حق الجنسية وحقّ التعليم في المدارس والجامعات الحكومية، وكذلك تلقّي الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية، وحق العمل... فهؤلاء الأبناء لا يحلمون كما يحلم أقرانهم الذين يتمتعون بجنسية أمهاتهم، ولا يخطّطون لمستقبلهم بطموح، لأنهم يعلمون بالصعاب التي ستواجههم، فهم يعيشون غرباء في أوطانهم التي ولدوا ونشأوا فيها، وهم متشبثون بوطن الأم ولكن وطن الأم هذا  يلفظهم و لا يعترف بوجودهم.  
من حق الطفل الحصول على الجنسية والانتماء إلى وطن يشعر فيه بالكرامة والأمان، فاكتساب هذا الحق يساهم في الاصلاح ويوفر البيئة الملائمة لتنشئة الطفل وتعزيز استقراره المادي والنفسي. ورغم توقيع معظم البلاد العربية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورغم التزامها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا تزال المرأة العربية في معظم هذه البلدان تعاني التمييز العنصري بكل أشكاله. فرغم أن دولاً مثل تونس والجزائر ومصر أعطت المرأة المتزوجة من أجنبي حق منح  أبنائها الحصول على جنسيتها، تبقى هذه المشكلة القائمة في دول عدة هي أحد أبرز أشكال التمييز ضد المرأة في الدول العربية.
ترصد «لها» في هذا التحقيق حالات لسيدات من السعودية والإمارات ولبنان وسورية ومصر لم يستطعن منح أبنائهن جنسياتهن، ذنبهن أنهن لم يتزوجن من مواطنيهم.

قانون الجنسية اللبنانية يحرم الأم إعطاء أطفالها الهوية اللبنانية وتكريس حقّها كمواطنة أسوة بالرجل. أطفال يعيشون غرباء في أوطانهم رغم المواثيق الدولية التي تؤكّد حقّ الأسرة في أن تكون موحدة ومنسجمة. حق أصيل وليس منحاً لحق جديد، طالبت وتطالب به أمهات عربيات وهيئات وجمعيات نسائية مدنية عربية ولبنانية شريكة في حملة «جنسيتي حقّ لي ولأسرتي» التي ختمت «يوم الطفل العربي» بنشاط «ألوان هويتي» من تنظيم «مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي» CRTDA لتعميق الوعي لدى الأطفال بحقهم في التمتع بجنسية والدتهم، فعلقوا أغصان الأرزة اللبنانية الملونة وكتبوا أسماءهم على جواز السفر اللبناني.


رامي وهبة ومواطنة على الهامش

«أبي جزائري، أنا هنا للمطالبة بالحصول على جنسية أمي»، يقول رامي الذي سرعان ما تلتصق به أخته هبة التي تقطع حديثه:«أريد الرجوع إلى الجزائر رغم أنني ولدت هنا وكبرت إلى أن أصبح عمري 9 سنوات. أحب لبنان وبيروت وأحب التبولة واللحمة المشوية لكنني أكره نظرات رفاقي في المدرسة لي، أشعر بأنني دونهم».
كلام عفوي بادر إلى قوله ولدا المواطنة اللبنانية لطيفة برّي المتزوجة من جزائري مولود في لبنان والتي بدورها تروي معاناتها من عدم حصول أولادها على الجنسية: «لا أستطيع الحصول على إقامات لأولادي الأربعة بسهولة، هناك الكثير من العوائق خاصة في ما يتعلّق بتحصيلهم العلمي، فثمة مدارس رفضت إستقبالهم».

وتضيف: «أنزعج من وضع أولادي النفسي فهم متضايقون ويشعرون بأنهم دخلاء في لبنان. أتمنى أن تصل أزمة الجنسية اللبنانية إلى نهايتها وأن تعود بالفائدة، فكفانا ذلاً وإنكاراً لحق المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها وإعتبارها دون الرجل». 


فاطمة ويوسف

«أنا مصرية وأتمنى نيل الجنسية اللبنانية لأنني أعتبر لبنان وطني الأم وهو وطن أمي. يحزنني وضع والدي الذي لا يقدر على دفع تكاليف إقامته. صحيح أنني لا أملك الجنسية اللبنانية لكنني أتحدث اللهجة اللبنانية وأنا مرتبطة جداً بكل ما هو لبناني ولا أستطيع مغادرة هذا البلد حتى عندما أكبر، فأنا أشعر بأنني كالسمكة التي تموت إذا أُخرجت من الماء. أنا في حاجة إلى الجنسية اللبنانية لتتبدّل حياتي ووجودي في المجتمع اللبناني، فأنا جزء منه». أما يوسف شقيق فاطمة الأصغر فيقول: «أنا لبناني بالدم ولم يسبق أن زرت مصر. أخاف أن أبلغ 18 عاماً لأني وقتئذ لن يحقّ لي المكوث في لبنان. رفاقي في المدرسة يتجنّبون تبادل الأحاديث معي، فهم يعتبرونني غير لبناني ولا يحقّ لي الإستماع والمشاركة في نقاشاتهم. أنني أعاني منذ الصغر، فكيف سيكون الوضع عندما أكبر؟».


قانون الجنسية مخالف للدستور

تقول رئيسة «رابطة المرأة العاملة في لبنان» المحامية إقبال مراد دوغان: «نحن نعمل منذ 5 سنوات لإقرار حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لطفلها من والد أجنبي، المرأة في قانون الجنسية اللبنانية مهدورة الحق رغم المطالبة به منذ أكثر من 20 سنة ولم تحصل عليه بسبب السياسة وأهلها وعدم تعديل قانون الجنسية الذي ينكر حقّاً مكرّساً في الدستور الذي يعامل المواطنين سواسية، عليهم كل الواجبات ولهم كل الحقوق. نحن النساء نؤدي كل الواجبات لكننا لا نحصل على أبسط الحقوق».
وتضيف دوغان: «هناك معاناة حقيقية، فالأمهات اللبنانيات المتزوجات من غير لبناني لا يُعترف بوجود أولادهن ولا أزواجهن الذين يواجهون صعاباً في الحصول على الإقامة وإجازات العمل قانون الجنسية مخالف للدستور. هل يُعقل أن يعطي الرجل عن طريق رابط الدم الجنسية لأولاده والأم لا؟ هل المرأة بلا دم؟ هل قيمة المرأة اللبنانية المواطنة تُحفظ إذا تزوجت من لبناني أما إذا تزوجت من أجنبي فهذا كفيل بطردها من بلدها هي وعائلتها؟ ألا تعتبر المرأة أهلاً لإعطاء الجنسية والحقوق؟ هي إنسانة ومواطنة كالرجل، كما أن الأم هي من تعطي تزرع في الطفل محبة الوطن أكثر من الأب، الطفل ينتمي إلى عائلة الأم أكثر من أسرة الأب وهذا تؤكده الطبيعة البشرية».
وتضيف: «أتعجب عندما أرى بلداً كمصر مكتظاً بالسكان أعطى المرأة حق منح جنسيتها لأولادها كذلك الجزائر والمغرب اللذان أعطيا هذا الحق للطفل والأب معاً، لماذا هذا الحق غائب في بلد حضاري ينادي بالمساواة كلبنان؟ ما يحصل هو مخالف لإتفاقية حقوق الإنسان».

من ناحية أخرى، تقول:« هل يعقل أنه لا يزال في لبنان أطفال دون هويات لأن الآباء «قيد الدرس» وغير حاصلين على أيّة جنسية ولا وجود قانوني لهم، لا يملكون أوراقاً ثبوتية. هذه المشكلة هي أكثر تعقيداً من ملف الجنسية والمرأة العالق بالمرحلة المطلبية». وتختم: «لا يمكننا بعد كل هذا الإهمال والتغاضي الحقوقي إستغراب إرتكاب بعض الأطفال للجنح وأعمال مخالفة للقوانين، فالحرمان والتفكّك والحياة البائسة تبرّر هذه الأعمال. أطلب من المعنيين تأمين حياة طبيعية لهؤلاء الأطفال فقط».


صباح ومكرمة
«لا أريد الجنسية لزوجي بل لأولادي»: تسارع صباح إلى القول.
صباح متزوجة من مصري ولديها أربعة أولاد يملكون إقامات «مجاملة». تفصح عن هاجسها:«أخاف على أولادي من الإنحراف، فإبني يبلغ 17سنة وهو لا يستطيع ممارسة حقه في العمل وكسب المال وشق طريق المستقبل. أولادي يشعرون بأنهم منبوذون أينما حلّوا، والإقامات التي أحصل عليها من الأمن العام موقتة ولن تنفع في المرحلة المقبلة».
«إبن ال25 ربيعاً لا يجد عملاً ولا يستطيع مغادرة لبنان وإبن الـ 26 لا يرضى أحد تزويجه إبنته»، تروي مكرمة واقع ولديها. فوالدهما لا تزال هويته «قيد الدرس» حال الكثير من العائلات في لبنان.

وتضيف: «أنا منفصلة عن زوجي ولا أجد من يدعم مطلبي، لا أستطيع العيش بإستقرار فحتى تكاليف الطبابة لا أقوى على تسديدها».


عفة قلعجي - أستاذة تعليم ثانوي وناشطة في الـ CRTDA

هل ضاق الوطن بهؤلاء الأطفال؟
«أتمنى على الرأي العام اللبناني أن يتضامن مع نفسه ومع المرأة اللبنانية وحق إعطائها الجنسية لأولادها، فاللبنانية المتزوجة من أجنبي هي جزء لا يتجزأ من المجتمع اللبناني» أمنية عبّرت عنها الناشطة عفّة قلعجي التي تستاء من القائل إن «لبنان لا يتسع للمزيد من المواطنين، ففي حقيقة الأمر تجنيس هؤلاء الأطفال لا يمنحهم وطناً فهم مواطنون لكن الأوراق الثبوتية تنكر هذا الحق. هؤلاء الأطفال تكوّنوا في أحشاء أم لبنانية وكل من يعارض هذا الحق عليه أن يتوقّع أن هناك إحتمال أن تتزوج إبنته أو أخته من رجل أجنبي».
تضيف: « كناشطة وكإمرأة أتواصل مع صاحبات القضية وأدعوهن للنزول إلى الساحات والتظاهر. سبق أن طالبنا بالمساواة وإعطاء المرأة حق منح تقديمات تعاونيات الموظفين لأولادها، وقد حققنا ما صبونا إليه بالتعاون مع الوزيرة نائلة معوّض والهيئات النسائية المتعاونة. نحن نأمل في الحصول على حق المرأة في إعطاء الجنسية، فالأم اللبنانية تتعذب، إبنها لا يستطيع إقامة دعوى بعد ضرر لحق به، هناك ذل وإستغلال. فثمة إمرأة إتُّهمت إبنتها بالسرقة ظلماً وطولبت بتسديد مبلغ من المال، وهي لا يساندها أحد فزوجها ذهب إلى مصر ولم يعُدْ، ولم يكن أمامها سوى دفع المال لتجنيب إبنتها الإهانة. وقد تقدّم لطلب يد الأخيرة شاب لكنه لا يمكن عقد القران. هناك عذاب حقيقي وقهر يجب أن نضع له حداً».

الفنانة ماري-آنج بوكاس: حصلت على الجنسية اللبنانية من زوجي للأسف
الفنانة ماري-آنج هي أيضاً معنية بملف الجنسية اللبنانية، فوالدها (إمبراطور) أفريقيا الوسطى (الراحل)، أما والدتها فهي لبنانية.
تقول: «إتصلت بي جمعية CRTDA وأطلعتني على رغبتها في إعداد فكرة تعبّر عن مطلب منح الأم اللبنانية الجنسية لأطفالها من والد أجنبي، فإقترحت بناء مجسم الأرزة الملونة التي تجسّد الهويات المختلفة وقد علّق الأطفال عليها رسومهم التي كانت بمثابة أغصان الشجرة اللبنانية الرمز وعريضة جواز السفر حيث كتب الأطفال أسماءهم».
تضيف: «هؤلاء الأطفال أحيوا طفولتي والصعاب التي كنت أواجهها في الأوراق الثبوتية والإقامة التي كان يُرفض تجديدها في بعض الأحيان كنت أعيش مع والدتي في بيروت وللأسف حصلت على الجنسية اللبنانية من زوجي السابق، فكنت أفضل الحصول عليها من أمي وحتى لو لم أتزوج لأنني لا أستطيع الإنتماء إلى بلد غير لبنان رغم الحروب. هذا البلد هو طفولتي ودراستي وتذوقي لفن الرسم وحتى الفوضى».
وتختم: «عندما كنت صغيرة لم يكن هناك جمعيات تدعم مطلب أمي ولهذا أنا هنا، فهؤلاء الأطفال رأيت فيهم صورتي وأنا طفلة».

CRTDA: مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي Collective for research & training on development


في سوريا: نساء إنتهت حياتهن بالطلاق أو التخلي عن أبنائهن
لماذا لا تستطيع المرأة السورية منح جنسيتها لأولادها؟!
قصص واقعية لنساء سوريات وقعن ضحية القوانين وانتهت حياتهن بالطلاق أو بالتخلّي عن أبنائهن.


السيدة هناء المغربي...
العمر 36 سنة، سورية الجنسية: اخترت العيش مع أولادي في بلد جنسيتهم كي لا أحرم منهم
تعرفت إلى زوجي منذ خمسة عشر عاماً، وارتبطنا بعد قصة حب طويلة، وبدأت الحكاية عندما استأجر شاب مغربي بيتاً بالقرب من بيتنا الكبير في دمشق، وكنت حينها لاأزال طالبة في المرحلة الثانوية، كان وسيماً مهذباً واستطاع أن ينال احترام جميع الجيران وبالطبع أهلي أيضاً، وهذا بسبب طيبته وأخلاقه، وكان يعمل بمجال الديكورات وتصنيعها.
حصل في ما بيننا إعجاب متبادل تحوّل بسرعة إلى قصة حب كبيرة واتفقنا على الزواج، وتقدّم لأهلي لطلب يدي، واعترض أبي وأمي على هذه العلاقة والسبب أنه من جنسية غير سورية ولكن وعده بالبقاء في دمشق أزال مخاوف عائلتي وتمّ الزواج، لكن لم أفكر إطلاقاً بعواقب هذا الزواج، فلم أكن أعلم شيئاً عن زواج السورية بغير جنسيتها، حتى أهلي لم يكونوا على علم بذلك، خاصة أني الفتاة الأولى التي تتزوج في العائلة.
أنجبت طفلتي الأولى «روعة» عمرها الآن 13 عاماً وهنا بدأت أتعرض لأول صدمة، وهي تسجيل ابنتي في النفوس والقيود السورية التابعة لعائلتي، قصدنا جهات عديدة ومنها السفارة المغربية في دمشق، فقاموا بإرسال البيانات والمعلومات اللازمة إلى المغرب ليتمّ تسجيل روعة في النفوس المغربية، وطبعاً أخذت العملية وقتاً طويلاً فتمّ تسجيلها عام 1996، علماً أنها قد ولدت قبل هذا التاريخ بعام، هذا أول مطبّ وقعنا به، واستأت كثيراً لأني لم أستطع أن أحملها الجنسيتين السورية والمغربية معاً، وما العيب في ذلك، وعندها سألت أهل القانون فكان جواب الجميع أنه ليس من حقّي، والأطفال يتبعون جنسية الأب وربما يصدر أي قانون يمنحني الحق بمنح الجنسية لابنتي.
حاول زوجي التخفيف عني، بأنه لا مشكلة بذلك وهذا أمر طبيعي وتجاوزت الموضوع حتى حملت مرة أخرى وأنجبت توأم «سالم وسلوى»، وأيضاً قمنا بالإجراءات نفسها لتسجيلهما في القيود المغربية، وكنت آمل أن يصدر قرار من الحكومة السورية بمنحي حق تجنيس أولادي، وانتظرت طويلاً وقدّمت العديد من الطلبات لجهات حكومية كثيرة، لكن دون فائدة.
شعرت بسوء الوضع عندما حان موعد تسجيل الأولاد في المدرسة، فقد طلبت مني المدرسة طلبات مختلفة عن باقي طلبات الأطفال السوريين، أوراقاً ثبوتية من المغرب، وعملية تأمين هذه الأوراق وإحضارها يحتاج إلى وقت طويل عدا عن الرسوم المادية المستحقّة التي كانت باهظة علينا، واستغربت من هذه الإجراءات فأنا أم سورية تريد تعليم أولادها كسائر أولاد السوريات، وبعد معاناة طويلة استطعت الحصول على الأوراق المطلوبة ودفعت الرسوم وسجّلت روعة بالمدرسة وبعدها سلوى وسالم في المرحلة الابتدائية.

ومع كل ما تعرّضت له لم أيأس وعاودت المحاولة وتقدّمت بطلبات عدّة منها إلى القصر العدلي بدمشق، ومنها للإتحاد النسائي في سورية ومنها لبعض الجمعيات الأهلية التي تهتمّ بقضايا المرأة، لكن للأسف لم أتلقَّ أي جواب أو موافقة على طلبي بسبب غياب القانون الذي يعطيني الحقّ بذلك.
شعرت بمرارة هذا الموضوع أكثر عندما أخذت ابني سالم بحالة إسعاف إلى مستشفى حكومي قريب من المنزل بسبب إصابته بالتسمّم، ويحتاج إلى إسعاف سريع، وفعلاً لم تقصّر المستشفى من حيث المعالجة الطبية لكن عندما كنت أسجّل له إضبارة الدخول قالت لي الموظفة: «عليك دفع رسوم المعاينة والعلاج»، فقلت لها: «هذا مستشفى حكومي وليس خاص ويقدّم الخدمات العلاجية مجاناً فقالت نعم لكن القوانين لا تنطبق على إبنك فهو مغربي وليس سورياً وأي مريض عربي عليه دفع رسوم مادية والعلاج في هذه الحالة ليس مجانياً».
آلمني هذا الشعور بالتفرقة بين أولادي ومن حولهم من أولاد إن كانوا أولاد أخوتي أو أولاد الجيران، وعلمت في ما بعد أن أولادي لا يحقّ لهم التوظيف في القطاع الحكومي في سورية، وحتى الدراسة الجامعية ستنطبق عليهم شروط خاصة وقاسية.
وفكرت في أن يتقدّم زوجي ليحصل على الجنسية السورية لكن الأمر كان مستحيلاً بسبب الشروط الصعبة التي يجب توافرها بمن يرغب في حمل الجنسية السورية.
أما الطامة الكبرى والتي جعلتني أنهار عصبياً، هي وقوع زوجي بمشكلة كبيرة في عمله، وهذه المشكلة كانت نتائجها الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم ترحيله إلى بلده، هنا شعرت بأن حياتي انهارت وأن بيتي قد دمّر، فزوجي سافر إلى بلده، وأولادي لا يحملون جنسيتي فماذا أفعل؟
فكّرت بالسفر مع أولادي إلى المغرب لكن، كيف سأترك عملي وهو باب الرزق الوحيد لي بعد أن خسرت زوجي الذي يعيل أطفالي معي.
كيف أترك أهلي وبلدي الذي أحب، وخاصة أن ظروف المعيشة مختلفة تماماً في المغرب عن سورية، ولا أستطيع أن أعيش هناك، وأعود لأقول على الأقل في المغرب سينعم أطفالي بكامل حقوق جنسيتهم المغربية.

وقعت بين نارين فعائلتي رفضت هجرتي إلى المغرب، وعائلة زوجي طلبت أن أسافر مع الأولاد وإلا عليّ أن أرسل الأولاد وسأحصل أنا على الطلاق، شعرت بأن حياتي ضاعت هباءً وأني لا أستطيع العيش من دون أطفالي، فقرّرت السفر إلى المغرب وتركت عملي وأهلي، لكن الحياة هناك كنت قاسية حتى على أولادي، نعيش حياة مختلفة لم نعتد عليها وأعتقد أني لن أستطيع أن أكمل حياتي كلها هناك، ومازلت في انتظار أن يصدر قانون منحي الحق بإعطاء جنسيتي لأبنائي عندها ستحلّ كل مشكلاتي وسأعود إلى بلدي مع أولادي لأعيش بين أهلي وأحبابي.


السيدة ثناء العلي...
العمر 40، الجنسية سورية: لم أفكّر في العواقب، ورغم حبي لزوجي ندمت على الارتباط به
زوجي هو إبن جيراننا منذ زمن بعيد، أهله يقطنون هنا في سورية ويحملون الجنسية اللبنانية، وكانت تربطهم علاقة طيبة بأهلي حتى وصلت إلى المصاهرة طبعاً عن طريق زواجي أنا من إبنهم أسعد الحسن، الذي عاش وتربى في سورية ودرس في معهد العلوم السياسية في سورية أيضاً، لكن لم يحصل على الجنسية السورية بسبب الشروط الصعبة أولاً وثانياً لأنه لا يرغب في خدمة العلم، خاصة أنه خدم العلم في لبنان سابقاً.
بصراحة لم نفكر أنا وأهلي في ما سينتج عن هذا الزواج من أزمات أبداً، لكن وقوعي بالمطبّات كل فترة جعلني أندم أشدّ الندم على هذا الزواج رغم حبي لزوجي، لكن عندما أرى أن أولادي من يدفعون الثمن أشعر بخيبة أمل كبيرة ما ذنب أطفالي كي يتحمّلوا هذه النتائج ويحرمون من حقوقهم كباقي الأولاد وخاصة أنهم يعيشون في سورية ويحبّونها كثيراً.
بدأنا بدفع الثمن مع قدوم إبني الكبير 22 سنة على وجه الدنيا فعملية تسجيله أخذت وقتاً في لبنان وكذلك ابنتاي الصغيرتان، ثم مشكلات تسجيلهم في المدارس السورية، وهنا فكّرت في أن عليّ أن أجنّس أولادي بالجنسية السورية كي لا نقع بالمطبّات ثانية، خاصة أنه لا توجد لدينا أية نيّة للإستقرار في لبنان. حاولت كثيراً قدّمت طلبات للعديد من الجهات، وحتى أني شرحت وضعي لأكثر من مرة في الصحف الرسمية وانتسبت إلى جمعية نسائية تعنى بشؤون المرأة وتقدّم الخدمات، لكن للأسف عجزت الجمعية وعجزت أنا بالوصول إلى حل ووصلت الأمور لأن يلومني الكثير بسبب اختياري هذا الزواج، وإنجاب الأطفال لكن ما ذنبي أنا، ولماذا لا تمنح المرأة السورية الحقّ بتجنيس أطفالها حتى تحلّ جميع المشاكل، أريد إجابة مقنعة من أصحاب القرار، ما المشكلة إن صدر قرار بهذا؟! الكثير من النساء يعانين المشكلة نفسها وكثيرات خسرن أولادهن وأزواجهن، أليس ذلك حراماً، الانفتاح يعمّ كل الدنيا وليس خطأ إن استثمرنا ذلك وحصلنا على حقّنا.

ومن أهم ما تعرّضت له من مشكلات، عندما اضطررت لإسعاف إبني الكبير إلى أحد المستشفيات العامة لإجراء عملية الزائدة الدودية، وانتقلت بين ثلاثة مستشفيات حكومية ولم أستطع أن أجري له العملية، حتى قصدت أخيراً مستشفى خاص ودفعت مبلغاً يفوق قدرتي المادية، وأجريت الجراحة لإبني.
والمشكلة الأكبر كانت عندما نجح إبني إياد في الثانوية العامة، وحصل على علامات عالية وكان حلمه دخول فرع الهندسة الكهربائية، أول صدمة له كانت خلال عملية المفاضلة للقبول الجامعي، فهو لا تنطبق عليه القوانين السورية، بل يجب أن يتقدّم على أنه طالب عربي لبناني فتحتسب علاماته بطريقة أصعب من طريقة الطالب السوري، مما جعله يخسر فرصة دخوله فرع الهندسة والتحق أخيراً بكلية التجارة والاقتصاد، وحمدنا ربنا وشكرناه رغم عدم اقتناع إبني بما قسّم الله له لكننا رضينا بالأمر الواقع، والمشكلة الثانية هي رسوم دخوله الجامعة وبالنسبة إلى حالتنا المادية فهو مبلغ باهظ جداً فقد طلبوا 5000 دولار، ولا تقف المشكلة عند هذا الحدّ، فإن أمنّا المبلغ ودرس إبني في الجامعة وتخرّج ولو كان من أوائل الدفعة فماذا سيعمل؟ حيث ممنوع على شخص لا يحمل الجنسية السورية أن يعمل في الوظائف الحكومية وسيكون مصيره كمصير والده الذي درس العلوم السياسية ويعمل الآن في الستائر والأقمشة.
والآن تتكرّر المأساة أيضاً مع بناتي، أشعر بأني محطّمة أريد لإبني أن يكون مهندساً ويعمل ويقدّم الخير لنفسه ولمن حوله، ولا أريد أن يلوموني أبنائي، أحلم بأن يحملوا الجنسية السورية ولا أريد أي شيء آخر من هذه الدنيا.

السيدة ثراء عرنوس...باحثة إجتماعية وأستاذة في كلية التربية وعلم النفس في جامعة دمشق: الكثير من النساء يخترن الهجرة لينعم أولادهن بجنسية الزوج
رغم التقدّم والتطوّر الذي طرأ على دور المرأة الإجتماعي في الآونة الأخيرة لاتزال هناك بعض العوائق التي تكبّل المرأة اجتماعياً وتجعلها أسيرة لظروف قاهرة تصنعها لها هذه العوائق والمرأة لا ذنب لها فيها، منها موضوع منح الجنسية لأطفالها. المرأة السورية قطعت أشواطاً في مسألة التعليم والعمل والتأثير في المجتمع بشكل إيجابي ومشهود له، لكن كيف تستطيع أن تعطي وتقدم إذا كان هناك جملة من الحقوق التي هي بأمسّ الحاجة إليها محرومة منها.
نساء كثيرات تنازلن عن عملهن وعن بلادهن وأجبرن على الهجرة كي ينعم أولادهن بجنسية الزوج، والكثيرات تعرّضن للطلاق بسبب هذا الموضوع.

بصراحة هذا الموضوع يشكلّ أزمة حقيقية لنساء أعدادهن هائلة، ويمكن أي امرأة أن تتحمّل أي ظرف لكن يصعب عليها أن يُحرم أولادها من حقوقهم إن كان على مستوى التعليم أو العمل أو الطبابة وغيرها، وكل ذلك بسبب عدم قدرة الأم السورية منح أولادها الجنسية. 


السيدة تغريد ريشة

مسؤول الإعلام في الإتحاد النسائي في سورية: أوصلنا الموضوع إلى أصحاب القرار وننتظر صدور القانون.

المرأة السورية قطعت أشواطاً كبيرة في مجالات كثيرة وتطوّر أداؤها من ناحية العمل والتعليم وتقديم خدمات جليلة للمجتمع، وأصبحت توازي الرجل بل سبقته في مجالات عدّة، وهذا يعود كله إلى انفتاح سورية على العالم.
لكن تبقى هناك بعض الثغرات التي تسبّب إشكالات وظلم يقع على عاتق المرأة التي تعمل وتربّي وتقدّم وتعطي كل ذلك في سبيل العائلة والمجتمع.
من هذه الثغرات أولاً قانون الأحوال الشخصية الذي يحتاج إلى تعديلات أساسية كي يضمن حقّ المرأة ولا يجعل الرجل متلاعباً بمستقبلها ومسيطراً عليه.
والأمر الثاني والأهم هو قانون منح المرأة السورية الجنسية لأولادها، وهذا مطلب حقّ وأساسي فالنساء بكل الدول المتقدّمة يحقّ لهنّ منح الجنسية لأبنائهن وينعم أولادهن بجنسية الأم ويتمتّعون بحقوق الدولة المانحة للجنسية ولا ينقص المرأة السورية أي مهارات أو إبداعات بل تفوّقت في كل المجالات العلمية والثقافية والعملية. وهناك نساء سوريات وصلن إلى العالمية من خلال إنجازات مختلفة.

الإتحاد النسائي وبعض الجمعيات المنادية بحقوق المرأة قطعت أشواطاً في هذا الموضوع وأوصلته إلى أصحاب القرار وإن شاء الله يكون مكرمة خيرة من المسؤولين ويقّرون هذا القانون الذي سيزيد مزايا المرأة السورية ويقوّي موقفها ويدعمها على كل الصعد.


لا يحق للمرأة السعودية المتزوجة من أجنبي منح أبنائها
السعودية لا تمنح نساءها الجنسية لأطفالهن بعد الزواج، رغم أن القانون السعودي ينص على إعطاء الجنسية لكل من يولد في السعودية ولا يغادرها لعدد من السنوات. إلا أن هذه القوانين غير معمول بها.
«لها» وقفت على بعض الحالات في السعودية وعلى ما ينص عليه القانون السعودي في ما يخص تجنيس أبناء المرأة السعودية المتزوّجة من أجنبي.
نورا
سعودية لها طفل لا يتجاوز العام ونصف العام من زوج مصري اقترنت به بناء على رغبة والدها، وحالياً تقيم في مصر في بيت الزوجية. إلا أن نورا ورغم حياتها العائلية مستقرة جداً، فإنها حاولت وبشتى الطرق أن تعود إلى مسقط رأسها السعودية لكن على زوجها أن يستصدر إقامة سارية المفعول بناءً على عمل يقوم به داخل المدينة المقيم فيها. «رغم حياتي السعيدة في القاهرة فإني في حنين جارف للعودة إلى موطني الأصلي خصوصاً بعد انتهائي من دراسة الماجستير».
اضطرت نورا للعمل إلى جانب دراستها حتى تستطيع صون حياتها العائلية، وتوفير حالة مادية متناسبة وعدد أفراد العائلة. «المعيشة في القاهرة تختلف تماماً عن جدة، فانا تعودت على مستوى معين من المعيشة، ولكن للأسف كنت أعتمد في ذلك على والدي، إضافة إلى عملي في إحدى الشركات الخاصة. ولكن حالياً أنا معتمدة تماماً على زوجي. ومن المتعارف عليه أن الحياة في مصر بصفة عامة قليلة الدخل، غالية الأسعار كما هي الحال في معظم الدول العربية. من هذا المنطلق كنت أسعى لاستصدار إقامة رسمية لزوجي للعمل في جدة خصوصاً أنه طبيب عيون معروف في مصر».
نورا تتحسب للسنوات المقبلة خصوصاً أنها تفكر في الإنجاب مرة أخرى، وتخشى أن تنجب فتاة. «الجنسية السعودية عادة تمنح فقط للأولاد، وحتى هذه تكون جداً صعبة في ظل القوانين المتغيّرة يوماً بعد يوم. والأصعب إذا أنجبت فتاة لأن القانون السعودي يمنحها بطاقة تتعامل بموجبها معاملة السعودية، إلا أن هذه البطاقة غير معترف بها من المؤسسات الخاصة وحتى العامة».

وتتساءل نورا عن مصير أطفالها بعد سنوات في حال دخولهم المدارس السعودية، ولماذا لا يمكن إعطاؤهم الجنسية كما في سائر الدول.


بطاقة لا فائدة منها
أماني سلمان من أم سعودية وأب أردني. تقول: «عمري تجاوز الأربعين عاماً عانيت خلالها الكثير خصوصاً عندما وجدت أن أخواني الأولاد يحصلون على الجنسية السعودية بكل سهولة. بالفعل تمنيت لو ولدت في الأردن حتى أتأقلم مع حياتهم هناك لأن حياتي في السعودية لا معنى لها، فلا دراسة كانت متاحة في الجامعة لأني غير سعودية، ولا عمل أستحقه لأني أيضاً غير سعودية رغم وجود البطاقة غير المفعلة».
أماني من مواليد السعودية، ومن أم سعودية، لكن هذا لم يشفع لها في الحصول على وظيفة. حتى عند زواجها عوملت على أنها أردنية، وهمّشت بطاقتها تماماً.

تضيف أماني: «أنا متزوجة من رجل سعودي لأني لم أجد بداً من ذلك حتى أضمن حياة رغيدة لأطفالي، وحتى لا تعاني بناتي ما عانيته. وحالياً لديّ والحمد الله فتاتان، وولدان ولديهم الحقوق متساوية في المعيشة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا عاملتني الدولة بكل هذا التهميش، ولا أنكر أن كل الدول العربية لديها المعاملة نفسها، ولكن في السعودية ودول الخليج عامة عليهم إعادة النظر في تجنيس الفتيات من أم سعودية».


شروط السعودية من الجهة القانونية

من جهته، قال المحامي والمستشار القانوني أحمد بن جمعان المالكي أن المتأمل لنص المادة الثامنة من نظام الجنسية يجد أن النظام أعطى من يولد على أرض المملكة العربية السعودية لأم سعودية وأب أجنبي حق أن يكتسب الجنسية السعودية بالشروط التالية: الميلاد على إقليم السعودية، الميلاد لأم سعودية، أن تكون له صفة الإقامة الدائمة عند بلوغه سن الرشد، أن يكون حسن السيرة والسلوك ولم يسبق الحكم عليه جنائياً، إجادته للغة العربية، أن يقدم طلبه خلال سنة من بلوغه سن الرشد. فإذا توافرت هذه الشروط في طالب الجنسية جاز بقرار من وزير الداخلية منحه الجنسية السعودية إذا كان المتقدم للجنسية من الذكور ولوزارة الداخلية السلطة التقديرية في قبول الطلب أو رفضه حتى مع توافر الشروط. والملاحظ في النص أن المنظم السعودي قد اعتمد في هذه الحالة بحق الإقليم وحق الدم معاً في منح الجنسية، وقد أجاز نظام الجنسية للفتاة المولودة في المملكة من أب أجنبي وأم سعودية بعد انطباق الشروط السابقة الحصول على الجنسية السعودية إذا تزوجت سعودياً، في حين يحصل أشقاؤها الذكور على الجنسية بمجرد بلوغهم سن الرشد، بينما تمنح الفتاه بطاقة خاصة بعد التأكد من توافر شروط المادة الثامنة. وهذا التنظيم مرده إلى السلطة التقديرية لوزارة الداخلية خاصة أن كل أنظمة الجنسية في العالم تجيز للمولودة وبحكم الصلة الزوجية الدخول في جنسية الزوج، بل أن بعض قوانين الجنسية تفرض على الزوجة جنسية الزوج وليس الزوجة.
أما بالنسبة إلى إمكان إقامة دعوى لدى المحكمة الإدارية (ديوان المظالم سابقاً) فاستقرّ العمل القضائي في المحكمة الإدارية على عدم قبول دعاوى الطعن في قرارات وزارة الداخلية بشأن عدم منح الجنسية باعتبار هذه القرارات من القرارات التي تتعلّق بسيادة البلد، وهو المعمول به في معظم القوانين الإدارية في العالم.
وأضاف المالكي أنه في ما يخصّ الإرث وغيره إذا لم تمنح الجنسية فإن مواضيع الإرث والحق فيه في السعودية يتولى تنظيمها القضاء الشرعي استناداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. فالحق في الإرث ليس له علاقة بالجنسية بل يثبت بثبوت النسب للمتوفى، وهذا يعني أن الأجنبي إذا توفي وله أبناء لم يكتسبوا الجنسية السعودية فإنهم لا يحرمون من الإرث لأنهم ورثة شرعيون للمتوفى. أما في ما يتعلق بأبناء الأجنبي المتوفى قبل حصولهم على الجنسية السعودية، فإنه يجوز لوالدتهم السعودية في حالة عدم وجود ولي آخر لهم أن تكفلهم أمام إدارة الجوازات إلى حين استكمال إجراءات منحهم الجنسية السعودية وفقاً للمادة الثامنة من نظام الجنسية.