الحلف بالطلاق مرض يهدد الحياة الزوجية

طلاق, الحياة الزوجية, تنشئة إجتماعية

16 سبتمبر 2009

درج الحلف بالطلاق لدى البعض استهتاراً تارة وجهلاً تارة أخرى، بأن جعلوه على ألسنتهم كنوع من القسم غير معهود وهم جاهلون أو متجاهلون، فعبارة «عليّ الطلاق» أن تفعل كذا وكذا تعني بوضوح ودون أدنى شك «أن زوجتي طالق إن لم تفعل الأمر، وهنا تبدأ المشكلة لبحث الرجل في النهاية عن ملاذ ينقذه من وقوع الطلاق بطريقة فعلية. «لها» تابعت انتشار هذا النوع من الطلاق في السعودية والآثار المترتّبة عليه.

أم فهد قالت لـ «لها»: «أعيش مع زوج أدمن إطلاق عبارة «علي الطلاق» في مناسبة وبلا مناسبة، طوال 19 عاماً من زواج أثمر 6 من الأبناء والبنات. فدائماً ما يتفوه بكلمة الطلاق لأتفه الأسباب، مثل أن يقول لأحد أصحابه عليّ الطلاق أن تتعشى معنا، أو عليّ الطلاق تذهب معي إلى مكان ما». وتضيف: «عائلة زوجي مشهورة بهذه الكلمة، حتى أخوه غير المتزوج يحلف بهذه الكلمة»!
من جهتها، قالت فاطمة السدر إنها حالياً مطلّقة من منذ ما يقارب السنة والسبب «عليّ الطلاق»، مضيفة: «كانت أسرتي هادئة، متفاهمة، ولم يكن يشوبها نوع من الحزن حتى كانت الحكاية التي قصمت ظهري، وأبعدتني عن أطفالي. ففي يوم بدأ الحلف عند زوجي لسبب تافه عندما طلب ولدي الصغير الحذاء الذي يطلق عليه «بتناج»ولكن زوجي لم يكن يريد أن أشتريه لطفلي، وكنت أرى صغيري وهو ينظر إلى أقرانه ويتلوّع يريد الحذاء. وللعناد فقط لا أكثر حلف عليّ زوجي بالطلاق إن أشتريته لولدي. ولأني لا أطيق أن أجد طفلي متكدر الخاطر والمزاج، قررت شراءه له، وحينها وقع الطلاق بالفعل».  فقد صبّ الزوج جام غضبه عليها وبالفعل وقع الحلف بالطلاق. ولكن المصيبة أنه حالياً يبحث عن فتوى شرعية تحلّل له الرجوع إلى زوجته، وإن كان هذا الحلف وقع، أم لا.
الاختصاصي النفسي في الرياض ماجد العوني قال: «الرجل الذي يحلف بيمين الطلاق لا يدرك معنى الحياة الزوجية وقدسيتها، مما يدل على قلة دينه وضعف إيمانه. فرابط الزواج من أعظم الروابط التي يجب أن يكون لها احترامها وتقديرها ولا تتخذ للتلاعب في مجالسنا».
أضاف: «علينا ألا نهمل جانب الأولاد الذين سيعيشون في حياة مضطربة نفسياً لأنهم يرون أن أمهم يراهَن عليها. وأنا من وجهة نظري أرى أنها عادة إجتماعية قبيحة، غير أنها إهانة للزوجة المسلمة التي كرّمها الله، كل هذا بسبب هذا اليمين فلماذا لا يفكر الزوج بالقاعدة التي تقول درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
ورأى أن استعمال الأيمان في تحريم الزوجات من أخطر الأمراض الاجتماعية، لأنه يخرب كثيراً من العائلات التي تعيش في غاية الانسجام ، وكثيراً ما يكون الزوج مثلاً في لعب الورق، أو نقاش تجاري مع بعض أصدقائه، ثم يصل به الغضب على غير زوجته إلى الحلف بتطليقها وهو من أشد الأمراض الاجتماعية خطراً· عبدالله (43 عاماً) من سكان جنوب السعودية، يقول: «أنا رجل عصبي المزاج وأستعمل كلمة (علي الطلاق) في كثير من المناسبات. ولكن ماذا أفعل لقد جبلت على تكرار هذه الكلمة! حاولت التخلص منها ولكنها في لساني في مختلف المواقف...
أعترف بان حلفان الطلاق حرام شرعا وقد يكون واقعاً بالفعل وقد سبب لي جفاء بيني وبين زوجتي».
وأكد أن تلفظه باليمين يجبر الطرف الثاني على تنفيذ الأوامر تجنباً لوقوع اليمين. وعن عدم العودة إلى هذا الحلف قال: «نحن عائلة توارثنا هذه الكلمة أباً عن جد وأصبحت دارجة بيننا وعلى كل لسان حتى غير المتزوجين، وليس سهلاً التوقف عنها والمسألة بحاجة إلى وقت للإقلاع عنها». أما الشاب جمعان الأحمد فيقول: «عندما أحلف بالطلاق أكون خارجاً عن سيطرتي أي في حالة عصبية، وطالما تعرضت لمشاكل مع عائلتي. وبعد الانتهاء من الحلف أجد أن الموقف أتفه من أن يحلف عليه وأتمنى أن أتجنب هذه العادة السيئة». «لها» التقت الزوجة مشاعل، وهي أم لثلاثة أطفال لديها هذه المشكلة: «زوجي عصبي المزاج وكثيراً ما يردد ألفاظ اليمين بالطلاق لأبسط الأسباب».  وأضافت: «تسببت هذه الكلمة بحدوث مشكلات عائلية أثرت في علاقتنا ومن ثم في أبنائنا. والحلف بالطلاق يعتبر استهتاراً بمشاعر الآخر وجرح الأحاسيس دون أدنى سبب، وهي حالة من التملك والاستعلاء وحب السيطرة وإظهار القوة على الزوجة».

تنشئة إجتماعية
الاختصاصي الاجتماعي في الرياض وليد الزهراني عول هذه العادة على  التنشئة الاجتماعية للشخص ما جعل لها دور كبير في اللغو بيمين الطلاق وأضاف: «قد ينشأ الطفل على سماع هذه الكلمة من الأهل أو من قريب له فترسخ في ذهنه ويصبح متعوداً عليها. والأصدقاء لهم دور في ذلك، والمجتمع السعودي لا يقبل هذا النوع من الحلف أن هذه الكلمة تؤثر سلباً في العلاقة الزوجية في الأزواج وفي الأبناء ومن أجل بناء أسرة مسلمة يجب أن تكون أوثق الصلات وأقدسها بين الزوجين».
وعن هذا قال عبد الله بن عبد الرحمن التريكي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: «قول الرجل لزوجته أو لغيرها (علي الطلاق لتفعلن كذا)أو (عليّ الطلاق أني لم أفعل كذا) هو من باب التلاعب بالطلاق. وقد اشتدّ غضب النبي صلى الله عليه وسلم  من التلاعب بالطلاق. ولا تجوز الاستهانة بالطلاق بحيث يتردد على الألسنة، كما لا يجوز تعظيم الحلف بالطلاق على الحلف بالله عزّ وجلّ. وليَعلم أن شأن النكاح عظيم، فهو شعيرة من شعائر الإسلام وآية من آيات الله، فلا يجوز جعله ألعوبة، وتعريضه للوهن بالتلفظ بمثل هذه الألفاظ، قال الله تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً. (البقرة: 231)


وأما الحكم الشرعي فهو لا يخلو من حالين:

الأول: إن كان قصده ونيته الطلاق فإنه يقع بإجماع العلماء لأنه صريح في الطلاق، ولكن لا يجوز الاستمرار في هذا؛ فإنه وسيلة إلى كثرة وقوع الطلاق.
الثاني:
أن لا يقصد بهذا اللفظ إيقاع الطلاق وإنما قصده التهديد والتخويف، فقد اختلفوا في ‏هذه المسألة على قولين:

الأول: أنه يقع الطلاق إذا حصل الشرط المعلق عليه لأن اللفظ صريح في الطلاق فلا تصرفه نية غيره عنه، كما ما لو كان غير معلق، وهذا مذهب جمهور العلماء.
القول الثاني: إن الطلاق لا يقع إذا حصل الشرط، وإنما يلزم القائل كفارة لأن القائل لم يقصد الطلاق وإنما قصد المنع من الكلام والتشديد في ذلك، وهذا شأن اليمين فيسلك به مسلكها إذ حصل الحنث..

والراجح لدي- والله أعلم -هو القول الأول وهو وقوع الطلاق مطلقاً بهذه الألفاظ سواء نوى بها الطلاق أو لم ينوِ بها الطلاق وإنما كان قصده التهديد ونحوه، ولا يُعفِي الشخص أن يقول: إنه على نِيّته. وذلك لأن الطلاق يقع في حال الْجِدّ وفي حال الهزل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ثلاث جدهن جِـدّ وهزلهن جِـدّ: النكاح والطلاق والرَّجْعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولا بد من نشر الوعي وتنبيه الناس إلى خطورة هذه الألفاظ والتهاون بها إذ أن أحدهم قد يعقد يمينا على الطلاق، فيقع الطلاق إذا حنث».