منع الأضرار

وانتقد رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم ما يفعله بعض الحجاج من الذهاب ليلاً بأسرهم إلى منى والبقاء أو حتى النوم في الطرق ومداخل المخيمات، فهذا عمل غير مشروع وفيه تكلف وحرج لا تقرهما الشريعة لما يترتب عليه من أضرار كثيرة. وإذا كان المبيت بمنى يوم الثامن ليلة عرفة سنة باتفاق الفقهاء فيستحب للحاج المبيت بها إن تيسر له ولا يجب عليه ذلك ولا يلزمه شيء بتركه لظروف خارجة عن إرادته.

المخرج الشرعي

عن المخرج الشرعي لعدم المبيت بمنى يقول الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب: «إن القاعدة الشرعية العامة أنه إذا منع الحاج أو ترك واجباً من واجبات الحج مثل المبيت بمنى وجب عليه ذبح الهدي إذا كان مستطيعاً ولم يبت، وأميل إلى ما ذهب إليه دعاة التيسير أن من تم منعه من المبيت بمنى لظروف غير عادية ليس عليه شيء لأنه لم يفعل ذلك متعمداً. وفي هذه الحالة ممنوع الجدال الذي لا يأتي بخير وهو مخالف لقوله تعالى: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» آية 197 سورة البقرة. وعلى الجميع تنفيذ ما انتهى إليه الفقهاء في التيسير على النساء وغيرهن، وأنا أميل إلى التيسير في أمور الحج في هذه السنين نظرًا الى كثرة الحجاج والأعداد الهائلة الكبيرة التي تفد سنوياُ لأداء هذه الفريضة»

التهلكة حرام

ويقول رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب: الإسلام يرفض لأتباعه أن يهلكوا أنفسهم ولهذا قال تعالى: «لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدِّين متين فأوغلوا فيه برفق». ومن يقرأ في السلوك النبوي أثناء فريضة الحج سيجد إجاباته عن أسئلة الصحابة الذين كانوا يرافقونه «افعل ولا حرج »، فالمشقة تجلب التيسير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خُيِّر بين أمرين إلا اختار أَيْسرهما ما لم يكن إثماً فإذا قرر الأطباء الثقات أن التزاحم في منى والمبيت فيها سيضران كل الحجاج ويلزم تقليل العدد فلا مانع من التخفيف عن النساء من هذه المشقة، وفي الوقت نفسه منع الضرر عنهن وعن غيرهن ولنتأمل قوله تعالى: «ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين» آية 286 سورة البقرة.

نعم للتيسير

وتؤيد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح ما ذهب إليه فقهاء التيسير على الضعفاء عامة وخاصة النساء من الزحام وخشية انتقال المرض، «بل من علم أنه مصاب بمرض معدٍ كأنفلونزا الخنازير فإنه يحرم عليه الذهاب إلى أماكن التجمعات العامة ومن ذلك أماكن الحج والعمرة، لأن ذهاب المصابين إلى هذه الأماكن قد يؤدي إلى صد المؤمنين عن الإتيان بالطاعات. فإذا لم نأخذ بهذه الأقوال الميسرة شققنا على الناس مشقة شديدة في ظل الأعداد الكبيرة سنوياً، ولو أن الأئمة الأولين شاهدوا ما نشاهد من الازدحام الشديد هذه الأيام لقالوا مثلما نقول. فإن دين الله يسر لا عسر فيه والنبي عليه الصلاة والسلام ما سئل عن أمر من أمور الحج قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج».

في البداية يعرض المفتي جمعة حكم الشرع في المبيت بمنى قائلاً: «الإسلام دين يسر، وإذا وجدت أي مشقة يجب التيسير. ولا شك أن التزاحم الشديد والمبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً قد يؤديان إلى انتشار الوباء مما يؤدي الى كارثة. ولهذا فكرنا في منع مبيت النساء بمشعر منى بناء على طلب من المؤسسة القومية للحج والعمرة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» آية 185 سورة البقرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره» وفي حديث آخر «إنكم أمة أُريد بكم اليُسْر».
وأضاف: «إن المبيت في منى من مناسك الحج وقد اتفق الفقهاء على استحباب المبيت فيها ولكن اختلفوا هل تجب أم لا، فذهب الحنفية إلى أن المبيت فيها مستحب غير واجب لأنه رخص لعمه العباس عدم المبيت فلو كان واجباً لما رخص له، كما رخص للرعاة والسقاة بترك المبيت في منى وهذا ثابت في حديث عبد الله بن عباس: «استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له». وكذلك ما رواه عاصم بن عدي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى» لاشتغالهم بمصالح المسلمين رغم أن جمهور الفقهاء ذهبوا الى الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات في منى هذه الليالي. وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «أفاض رسول اللّه من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق» وفعله للمبيت بمنى يدخل في قوله: «خذوا عني مناسككم».
وأنهى المفتي كلامه مؤكداً أن «المقصود بالمبيت المكوث فيها ولا يشترط لذلك النوم ولكن يحصل المبيت بمكوث أكثر الليل، فإذا مكث نصف الليل وزاد قليلاً حصل له المبيت سواء كان ذلك أول الليل أو آخره. ويسقط المبيت عن عاجز عنه كمريض والكبير أوالتائه وغيرهم ممن لم يتيسر لهم المبيت في منى فلا شيء عليهم لأنهم معذورون شرعاً.
فكل من لم يستطع المبيت في منى لشدة زحام وعدم توافر مكان صالح لمثله أو لأنه يشق عليه التكلفة والمؤونة ونحو ذلك من الأعذار فإنه يسقط عنه المبيت ولا شيء عليه ولا يشدد عليه لأن الواجب يسقط شرعاً بالعجز عنه أو المشقة الظاهرة في فعله، وهذا يختلف عمن ترك المبيت في منى بلا عذر فيجب عليه دم أي ذبح هدي ويفرقه على فقراء الحرم تعويضاً للواجب الذي تركه لما ثبت عن عبد الله بن عباس أنه قال: «من ترك من نسكه شيئاً أو نسيه فليهرق دماً».

الإسلام يسر

ويؤيد هذا الاجتهاد الميسر الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق الذي قال: «يجوز تقليل أعداد الحجاج عند الوقوف بـ «منى» أثناء أداء فريضة الحج لتقليل خطر الإصابة بأنفلونزا الخنازير استناداً إلى القاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار»، وإذا سقط المبيت جازت الإقامة في أي موضع من مكة أو مزدلفة وغيرها ولا يشترط قصد المكان الملاصق لمنى واعتباره الأقرب، لأن الأصل عدم وجوبه ولم يرد في الشرع ما يدل على اشتراطه عند سقوط المبيت.
ويجب ذبح هدي في حالة ترك المبيت جميع الليالي وهو قول الشافعي، أما لو ترك المبيت ليلة واحدة فلم يلزمه الذبح ويكفيه أن يتصدق بما يتيسر له من المال أو الطعام. ومن نزل في غير منى ثم تيسر له المبيت ليلاً في منى بلا ضرر عليه أو أذى يلحقه بالحجاج لزمه ذلك.أما إذا كان المبيت يحصل بمضايقة للحجاج أو تعريضهم أو تعريض نفسه للخطر فلا يلزمه ذلك ويسقط عنه لأنه معذور».

اختلف علماء الأزهر حول اجتهاد الدكتور علي جمعة مفتي مصر بجواز التيسير على النساء بمنعهن من المبيت بمشعر منى أثناء فريضة الحج حفاظاً عليهن من الزحام وانتشار أنفلونزا الخنازير، خاصة أن موسم الحج هذا العام سيكون في فصل الشتاء الذي يتكاثر فيه الفيروس.، فماذا قال المؤيدون والمعارضون؟

مخالف للشرع

واعترض رئيس لجنة البحوث الفقهية في مجمع البحوث الإسلامية الدكتورعبدالفتاح إدريس. على منع النساء من المبيت بمنى قائلاً: «لا يجوز توكيل النساء للرجال في هذا المبيت لأن هذا لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل «افعلوا كما افعل»، ولم يتم منع النساء منذ ظهور الإسلام حتى الآن من المبيت بمنى ولكن يمكن تنظيم القضية بشكل أو آخر حتى لو بتقليل أعداد الحجاج أصلاً أو تقسيم الحجاج قسمين، الأول يذهب بعد المغرب ويستمر حتى الثانية عشرة ليلاً والثاني يذهب بعد الأول ويبقى حتى الفجر». ويتفق معه في الاعتراض عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان الذي يرى أن المبيت بمنى واجب من واجبات الحج وعلى من تخلف عنه لعذر أو حتى بغير عذر أن يذبح هدياً، ولا يجوز للمرأة أن تمتنع عن المبيت لأي سبب خاصة أن التركيب البيولوجي للمرأة لا يختلف عن الرجل.