العودة: 'موافقة ولي الأمر ليست شرطاً لصحة الزواج'...

عمل المرأة, حقوق المرأة, رعاية الطفل / الأطفال, منتدى الإعلام العربي, طلاق, الزواج العرفي, زواج مسيار, المملكة العربية السعودية, الطب الشرعي, زوجات الخلع, برنامج حواري تلفزيوني, المجتمع السعودي, قوامة الرجال, القوامة, الارشاد الديني, الوعظ, الشيخ سلم

08 فبراير 2010

تصدر برنامجا «حجر الزاوية» و«الحياة كلمة»، اللذان يعرضان على MBC، المرتبة الأولى للبرامج الحوارية لخمس سنوات على التوالي. يتميز بالوسطية، والاعتدال، وبطريقة محببة في الوعظ والارشاد الديني، لتصل المعلومة الى طالبها بشكل مبسط وخفيف. له آلاف البحوث والإجابات والتعليقات على المواضيع الشرعية والحياتية ومستجدات العصر ومتغيراته، مفهرسة على الانترنت. أراء وقضايا وبرامج وتغير وجهات النظر، جعلت الشيخ سلمان العودة تحت الضوء بشكل مستمر. مؤخراً صدرت العديد من الفتاوى الفقهية التي حملت صبغة الاختلاف بين شيخ وآخر، وتحديداً كان العودة  مثيراً للجدل في عدد من التصريحات والقضايا التي ظهرت على الساحة. من هذا المنطلق استضافته «لها» موضحاً عدداً من التصريحات، وليدلي بدلوه في كثير من المسائل التي باتت مغيبة في المجتمع السعودي والعربي.

- نشأ المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمع العربي عامة على رفض مسمى الزواج العرفي ليأتي تصريحك كما ورد في بعض الصحف ورداً على تساؤل من فتاة مصرية أنه جائز شرعاً، فما هي الحقيقة؟
لا أوافق ولا أتمنى أن يكون حضوري الثقافي والاجتماعي هو بسبب الجدل الذي يدور حول مسألة أو أخرى. لست هاوياً للجدل ولا للإثارة، مهمتي صناعة تراكم هادئ وفعّال يحدث تغييراً لدى المتلقي نحو الأفضل  وتطبيع الاختلاف في ما من شأن الناس أن يختلفوا فيه.

أما ما يتعلق بالزواج العرفي فقد ذكرت أنه يطلق على نوعين من العقود:

النوع الأول: عقد زواج بموافقة الولي والشهود أو الإعلان، ولكن يفتقر إلى التوثيق الرسمي القانوني. فهذا عقد صحيح، مع تحذيري للفتيات من ضياع حقوقهن بسببه.

النوع الثاني: علاقة ثنائية وفتاة تهب نفسها لصديقها تحت مسمى الزواج العرفي دون ولي ولا شهود ولا إعلان، وهذا باطل لا يجوز.

- ما الفرق بين الزواج العرفي والمسفار والمسيار وزواج «الفرندز» اذا كانت كلها تحمل العقد الرسمي وعليه شهود؟
تعدد الأسماء لأنواع الزواج لا يدل على اختلاف واسع بينها، فغالبها تتفق على المبدأ الكلي للعقد، بالتراضي بين الطرفين، وموافقة الولي، ومعرفة الأسرة، وتختلف في شروط أو تنازلات تتحملها المرأة غالباً بحكم ظروفها، كأن تتنازل عن النفقة أو عن القسم والمبيت، أو عن إعلان الزواج.

وقد تختلف بحسب نية الزوج، فإن كان يعتبره «زواجاً عابراً» سمي زواج المصياف أو المسفار أو ما شابه، وهذا سبب اختلاف الفقهاء في حكمه بين من ينظر إلى العقد فيراه عقداً شرعياً صحيحاً مكتمل الشروط، وبين من يعتبر النية المبيتة، والتي قد تكون مضمرة بين الطرفين عرفاً ولم ينطق بها فيتجه الى التحريم، لأنه يشبه زواج المتعة، ولأن الزواج ميثاق مقدس لا يجوز أن يكون عرضة للتلاعب والعبث.

- هناك من وجد في إباحتك للزواج العرفي تصريحاً للفتيات والشباب للارتباط دون إذن الدولة ضاربين بالقوانين عرض الحائط، فما رأيك؟
القول بصحة العقد إذا توافرت فيه الشروط لا إشكال فيه، ويبقى: هل إذن ولي الأمر أو توثيق العقد شرط لصحته؟

الذي يظهر أن ذلك ليس شرطاً للصحة، لكنه خير وأفضل لكي تضمن الفتاة حقوقها عند الاختلاف أو الانفصال، ولإعطاء العقد جديته ومصداقيته عند الزوج.

- هل ضاعت قدسية الزواج بين أنواعه المختلفة والتي باتت مشرعة في الفترة الأخيرة؟
سمى الله العقد الزوجي بـ «الميثاق الغليظ» مما يدل على رسوخه في ربط روحين وجسدين حاضراً ومستقبلاً، ولذا فالزواج علاقة عقل وقلب وروح وجسد وحاضر ومستقبل. الزواج شراكة ندية رائعة، تتشابك فيها الأيدي لقطع مشوار الحياة بأمل وتفاؤل وتعاون.

على أنني أدرك أن الظروف تتفاوت، وليس كل الناس يحلمون بالصورة الجميلة، فتكون بعض الزيجات حلاً لمشكلة أو تخفيفاً لمعاناة، أو ارتكاباً لأخف الضررين.

- نعرف أن في الاختلاف رحمة، ولكن ألا تجد أن العصر الحالي لا يحتمل مثل هذه الاختلافات التي تفتح باباً جديداً للفرقة بين المسلمين؟
على العكس تماماً، أرى العصر فرصة لتطبيع الاختلاف المدروس المبني على فهم صادق للشريعة، وإدراك واع لمتغيرات العصر.

يحتاج الناس إلى تدريس الأخلاق التي يجب أن يعتصموا بها عند الخلاف، لئلا يتحول إلى اصطفاف وتهارش وتراشق وتخندق، ووسائل الإعلام تتحمل مسؤولية في صناعة مثل هذا الوعي، كما يتحملها قادة الفكر خاصة حين يقع الاختلاف بينهم فلا يجوز أن يطيحوا القيم التي يتحدثون عنها حين يتعلق الأمر بهم.

- ألا تخشى الانقلاب ضدك من قبل المختلفين معك في الرأي؟
حين تعرف أن هناك من سيعارضك قبل أن تقول، هناك من سيستفيد مما تقول وآخر سينتقدك بكل اعتدال، فهؤلاء كلهم يخبرونك بكل وضوح بأن خطابك مسموع موجود مؤثر لدرجة أنهم يضطرون للحديث عنه، وذلك كله لن يكون مثبطاً عن العطاء  بل سيكون دافعاً رئيساً. عداتي وصحبي لا اختلاف عليهم ... سيعهدني كلٌ كما كان يعهدُ. تعلمت من الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء! تعلمت منهم جميعاً أني موجود فعلاً وإلى الآن ، لم أدفن!

كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ

ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ

    ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ

تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

 








لكن لغاتهم اختلفت فالذي يصرخ لي من بعيد يستفزه ما أقول، والذي يهمس لي من قريب يعجبه ما أقول، وكلهم يخبرونني بلسان الحال أني ينبغي أن أستمر وأتحدث وأعطي حسب ما تقوى يدي الضعيفة ولساني.

سأستمع بكل إنصات لكل من يقول وسأستفيد من من يحب أو يكره، أما النوايا فهي على الله (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية ٥٢).

- «حجر الزاوية» هل أخذ طابعه الحديث لمجاراة البرامج الدينية الحديثة التي بات يغلب عليها طابع الدين المتساهل؟
«حجر الزاوية» أخذ طابعه بمتلقيه، وباتساع دائرة الأفكار التي يدور حولها. «حجر الزاوية» ساعدني على صياغة أفكاري وتجديدها، وجعلني باحثاً متجولاً في حقول المعرفة ينتقي أطيبها وأفضلها، ويدرب نفسه قبل غيره على الترقي والتصحيح والاستدراك، وعلى أخلاق الحلم والعفو والتجاوز. مع هذا البرنامج أدركت أن الناس يتغيرون شاؤوا أو أبوا، والمهم أن يكون تغييراً واعياً بصيراً، وأن ينعتق من سطوة المألوف الذي يتعصب له أناس فيرفضون كل جديد دون وعي، ويتعصب ضده آخرون فيرفضون كل مألوف منحازين الى الجديد ولو كان هذا الجديد خاوياً أو ضاراً.

عصر العولمة يقتضي الحيوية والفرز والإصرار على الضروريات التي بها تميزنا، والتجاوب مع الأفكار الجيدة، والقبول بمبدأ التجريب في دائرة المباح .

«حجر الزاوية» هو مشروعي السنوي الذي يمضي فريق العمل شهوراً في اختيار موضوعاته وتحديد ملامحه، ودرس أصدائه. والحمد لله لقد فرغت الآن مع الفريق، أو قاربت الفراغ من محاور «حجر الزاوية» للعام السادس ١٤٣١هـ .

- الشيخ الدكتور سلمان العودة أين أنت بعد «حجر الزاوية»؟ وما هي خططكم الجديدة للتوجه إلى الشرائح المسلمة؟
«حجر الزاوية» مستمر بإذن الله، و«الحياة كلمة» هو أخو «حجر الزاوية» المكمل لرسالته، وعبر هذين العنوانين نتواصل مع أحبابنا ونقتبس منهم، ونعلمهم العطاء والثقة، ونتعلم منه. لقد صنعت لنا الأصدقاء في كل مكان  وأعادت ثقتنا بالأجيال الجديدة من هذه الأمة وكسرت الكثير من الحواجز الوهمية، وسمحت لنا بمعرفة الآخرين كما هم، مثلما سمحت لهم بمعرفتنا كما نحن بغير واسطة، كما ساعدتنا على تصحيح أفكارنا لأفكار الآخرين.

- من وجهة نظرك دكتور سلمان، وأنت شيخ له باع طويل في المجال الإعلامي والبرامج الدينية هل تجد أن البرامج الدينية الحالية تخدم صالح الوطن العربي والإسلامي خصوصاً أن القائم عليها شباب من الجيل الجديد؟
الإعلام في غالبه يقوم على الترفيه، والترفيه أصبح غير بريء غالباً لأنه يقوم على تحريك الغرائز، وأتمنى أن يتجه الإعلام العربي لإعداد الشباب والبنات للحياة، ومكاشفتهم بالتحديات، وتشجعيهم على تطوير ذواتهم، ورسم الطريق الصحيح لهم، بدلاً من لحظات المتعة العابرة التي يعودون بعدها إلى معاناتهم وفقرهم وحرمانهم وتخلف مجتمعاتهم.

والبرامج الدينية ليست استثناءً، فهي لم تحضر نفسها جيداً لهذه المرحلة المهمة، وأكثرها يخاطب العالم عبر الفضاء، كما يخاطب جمهوره القريب المحدود عبر الدرس أو الجلسة الخاصة.

- لماذا بدأ المشايخ الأفاضل الانحصار في الفتاوى الشرعية عن طريق الهاتف أو المواقع ولا نجد لهم بصمة إعلامية عدا المواسم  مثل رمضان والحج؟
الناس يغرقون في الأسئلة الفقهية، وأتمنى أن يكون للمفتي والمستشار دور في توجيه السؤال ذاته قبل الإجابة عليه، وفي تربية السائلين على القيم الجوهرية والمعاني الأساسية قبل الحديث عن تفصيلات المذاهب والأقوال.

ولا أرى أن ثمة انحصاراً أو بعداً، فالتوجه نحو الفضاء واسع، ولا تردد لدى العلماء في خوض غماره، بيد أن المهم هو المحتوى واللغة التي يتم استخدامها والأثر الذي يحدث لدى المتلقي.

- تعلمون أن معدل الطلاق مرتفع، وأن المرأة تعاني من الطلاق، ومن ثم يرجعها زوجها دون علمها قبل أن تنهي العدة، والعديد من المشاكل الأخرى، فهل يمكننا تقنين الطلاق بأن لا يتم بشكل عشوائي وأن يتم التقدم به للقاضي سواء من قبل الرجل أو المرأة ليبته ويحفظ حق المرأة؟ فقد كنتم من المطالبين بتحرير وثيقة طلاق تضمن حقوق المرأة وتحافظ عليها، وما الذي ستتضمنه هذه الوثيقة؟
كثيرات من المطلقات يعانين من عدم وجود ضوابط تفرض على أزواجهن السابقين، وضرورة توفير نفقة أو مسكن لهن ولأبنائهن. ويواجهن صعوبات شديدة إذا أردن استخراج وثائق لأبنائهن بسبب اشتراط حضور الأب الذي قد يكون مسجوناً أو ليس على علاقة بأبنائه.فكان لا بد من وجود وثيقة معينة لحفظ الحقوق بين الزوجين، فصك الطلاق بوضعه الحالي لا حاجة اليه في أحيان كثيرة؛ لأن كثيراً من المطلقين يحررون هذه الوثيقة دون أن يكون لديهم وعي بما كتبوا فيها، ثم يحاولون العودة إلى زوجاتهم، فيجدون أن ما كتبوه يتعارض مع ذلك.

و في كثير من الأحيان لا يُكتب فيها التاريخ الصحيح للطلاق، وغالب الزوجات يكتشفن في ما بعد أن أزواجهن كانوا يعاشرونهن، وقد حرروا وثيقة الطلاق في وقت سابق، فتحرير الصك بهذه الطريقة التقليدية أصبح غير مسوّغ، وينبغي حضور المرأة ساعة الطلاق حتى تعرف حقوقها وواجباتها.

وثيقة الطلاق ليست قانونا أو نظاما يخالف الشريعة الإسلامية، ولكنها مطالبة بوضع هذا النظام بشكل دقيق يحفظ حقوق طرفي العلاقة الزوجية.- ماذا عن قوامة الرجل للمرأة حيث ذهبت بعض الآراء الى أن القوامة تسقط بعدم الإنفاق، ومن المعروف أن الكثيرات اليوم يقمن بالإنفاق على الأسرة مع مساعدة الزوج أو عدمها، فهل بالفعل القوامة مشروطة بالإنفاق فقط؟
بينت الآية الكريمة سببين لقوامة الرجل على المرأة :

الأول : «بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» [النساء: من الآية ٣٤ ]

الثاني : «وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» [النساء: من الآية ٣٤ ]

فهل التفضيل راجع إلى التركيب الخَلْقِي أم لشيء آخر؟من العلماء من أرجع ذلك إلى التركيب الخَلْقي، سواء كان ذلك في: العقل أو التدبير وزيادة قوة النفس..

ومنهم من أرجع ذلك إلى أن الله - عز وجل - جعل الرجال هم الذين يؤدون المهور، وينفقون على النساء ويكفونهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله - تبارك وتعالى - لهم عليهن.

وقوامة الرجل على زوجته التي قضى بها الشرع هي ما تقتضيه الفطرة وأصل الخلقة لكل منهما، وهذه القوامة هي في مصلحة المرأة نفسها. والمنهج الرباني يراعي الفطرة، والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس - الرجل والمرأة - لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات. والمسلّم به ابتداءً: أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله، وأن الله - سبحانه - لا يظلم أحدًا من خلقه، وهو يهيئه لوظيفة خاصّة ويمنحه الاستعدادات لإحسان الأداء في هذه الوظيفة.

وجعل الله من خصائص المرأة: أن تحمل وتضع وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل وهي وظائف ضخمة أولاً، وخطيرة ثانيـاً، وليست هيّنة ولا يسيرة بحيث تُؤدَّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقـلي عميـق غائـر في كيان الأنثى؛ فكان عدلاً أن ينـوط بالشـطر الثـاني - الرجل - توفير الحاجات الضرورية والحماية، وأن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه، بالإضافة إلى تكليفه بالإنفاق، وهو فرع من توزيع الاختصاصات. هذان العنصران هما اللذان أبرزهما النص القرآني.

وأكرر أن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع النسائي، ولا إلغاء وضعها «المدني» وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القَيِّم في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدد الإسلام صفة قوامة الرجل، وما يصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآدابه في سلوكه مع زوجته وعياله.

- يعد الشيخ الدكتور سلمان العودة من أنصار المرأة فكيف يمكن أن تتغير كثير من القوانين التي تحكمها الأنظمة الدينية مثل أمور الحضانة، والطلاق، والخلع والعمل؟
قضايا المجتمع تتطور وتزداد تعقيداً، والقضاء شأنه شأن الأعمال والولايات المختلفة يحتاج إلى تطوير وتأهيل ومواكبة للمستجدات، وزيادة في عدد القضاة بما يتناسب مع توسع المجتمع وانفتاحه على أنماط جديدة من العلاقات والمشكلات، ويحتاج إلى تخصص، فالتخصص يساعد على تكثيف التجربة وعمق الخبرة، وهذا خير من أن ينفلت الزمام أو يفقد الناس ثقتهم بالقضاء الشرعي.

والأحكام الشرعية منها ما هو قطعي إجماعي، دور الناس فيه هو فهمه والاجتهاد في آلية تطبيقه، ومنها ما هو اجتهادي خلافي، وأرى أن دراسة الفقه المقارن ذات أهمية كبرى في اعتدال الحماس لبعض الآراء؛ فلا تتحول إلى خط مفاصلة أو تصادم، مع اعتبار أن الاختلاف الفقهي بذاته ليس دليلاً على رجحان قول من الأقوال، ولكنه دليل على أن المسألة خلافية وفيها أكثر من قول، ثم اختيار قولٍ لا يؤخذ بالتشهي أو المزاج أو الرغبة، وإنما يؤخذ بالنظر والتدبر ومعرفة مستندات القول، نقلية كانت أم عقلية.

والحوار حول هذه القضايا لمن لديه اختصاص أمر لازم، وهكذا من لديه إشكال أو اشتباه كما في الحديث عند أهل السنن: «أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ».

لكن قد يشطح البحث بعيداً عن الواقع في مسائل لا تمس حياة المرأة بشكل جدي؛ فمثلاً الجدل حول جواز تولي المرأة منصب الإمامة العظمى، أو الولاية السلطانية الكبرى مع وجود من قال به، إلا أنه بعيد عن محك المشكلات الواقعية وكأنه ينقلنا من ميدان المعاناة اليومية، والأحوال القائمة التي لا زلنا عاجزين عن معالجتها إلى ميدان نظري تتناطح فيه الآراء وترتفع فيه الأصوات ويعلو فيه الضجيج، ويصدق عليه المثل القائل: «أسمع جعجعةً ولا أرى طحناً».

لكن علينا أن نتذكر أن صاحب الرسالة الأول كانت تقف أمامه المرأة وهو يلقي موعظته وتقول له لماذا ؟ فيجيبها بهدوء وصبر دون غضب أو زجر أو تأنيب، ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً.

- كيف يمكن أن نخلق الفكر الوسطي بين الجيل الجديد بدون تعسف، أو إسفاف ونجنبهم التطرف؟
الفكر الوسطي ليس لوناً واحداً، بل هو دائرة واسعة، ومن الخطأ أن يتم ترسيم شخص أو مدرسة أو جهة على أنها تمثل الفكر الوسطي. نعم هي من الفكر الوسطي ، ولكن الوسط يعني التسامح والتعدد والمقاربة والاستدراك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ أحداً إلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا،» رواه البخاري .

والناس في غالبهم وسطيون لحسن الحظ، فإذا تُرك المرء وفطرته وعفويته مال إلى الاعتدال والتوسط، والتطرف نحو التشدد أو الانفلات هو إما تلقين مدرسي، أو تقليد لذلك التلقين.

ومن الخطأ الحكم على المجتمعات والأوضاع العامة بالتطرف بناءً على ظاهرات أو حالات محددة، قد يكون التطرف الحادّ أرفع صوتاً وأكثر جلبة، ولكن السنة الربانية لا تتخلف [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] (١٧) سورة الرعد

فالضجيج الوهمي المتترس بالألفاظ الصاخبة هو كاحتراق القش؛ يثور سريعاً وينطفئ سريعاً، والبقاء والتأثير للحكمة والعقل والرشد في مجمل الحياة.

إن الأوضاع الدولية المستحكمة، والعجز الإسلامي المتفاقم، سبب لإنعاش خطاب يفتقد النضج والهدوء والواقعية، وقد يجد الشاب فيه شيئاً من الأمل ما لم يتم استيعابه في أعمال إيجابية بناءة ضمن المجتمع الذي يعيش فيه، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خير مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».

والحمد لله الفكر المتطرف إلى انحسار، لكن السؤال: ما هو البديل؟ أهو موجة أخرى متطرفة بشكل آخر؟ أم هو الانطلاق نحو الاعتدال والمرونة الشرعية؟