مفتية النساء قدمت طلباً للأزهر ليغير فتواه
فتاوى, فوزية عبد الستار, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, د. عبد المعطي بيومي, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, د. حامد أبو طالب, الشيخ خالد الجندي, الإجهاض, آراء الفقه, الفتاوى الفقهية
08 مارس 2010اجتهاد جريء
ويفجر الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي مفاجأة باجتهاد آخر، فيؤكد أن «مسألة الإجهاض التي يتحدث عنها الأطباء ليس لها علاقة بكلمة الروح، والتي انقسم العلماء حول بداية وجودها في الجنين إلى فريقين فقال بعضهم: إن نفخ الروح يكون بعد ٤٢ يوماً بناء على فهمهم لما جاء في الحديث الصحيح. وأنا ممن يميلون إلى الأخذ به بحيث إذا أجهضت الحامل نفسها في اليوم الثالث والأربعين يعد هذا قتلاً. وهناك اجتهاد فقهي آخر يستند أيضاً إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن النطفة تكون أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوماً علقة ثم أربعين يوماً مضغة ثم يكون التصوير والتخطيط والتشكيل». وفي موضوع الأجنة يجب الأخذ بالأحوط في ظل خلط بعض العلماء بين الحياة ونفخ الروح، فالحياة الحيوانية لا تتطلب روحاً ومن الممكن أن توجد حياة ولا توجد الروح التي كرم الله بها الإنسان، ولهذا فإن الحيوان المنوي كائن حي لكنه بلا روح، ولهذا اجتهد بأنه لا يجوز الإجهاض بعد ٤٢ يوماً لوجود الروح وليس مجرد حياة توجد من أول يوم لأن الحيوان المنوي كائن حي».
استدعاء الأزهر للأطباء
وحث عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي على «مناقشة اجتهاد الدكتورة صالح باستدعاء مجموعة من الأطباء إلى الأزهر. ولا مانع من إعادة طرح القضية لأننا جميعاً نستهدف الوصول إلى الحق، وكما يقال: «الحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أولى بها»، وبالتالي نحن لا نتعصب لاجتهادات الفقهاء القدامى، وإنما نتعصب للحق. ويجب في الوقت نفسه تشديد العقوبات على الأم والأب أو الطبيب لمشاركتهم في جريمة الإجهاض التي يجب اعتبارها جناية اعتداء على كائن حي، وليس مجرد جنحة، مع التفرقة بين الأسباب التي أدت الى الإجهاض، لأن هناك فارقاً بين الإجهاض في زواج شرعي أو في اغتصاب أو نتيجة مرض الأم والخوف على صحتها، وغيرها من الحالات. فلكل حالة حكمها الشرعي».
مطلوب تقنين وحزم
وطالبت رئيسة اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري سابقاً الدكتورة فوزية عبد الستار بتشديد العقوبة على الأطراف المشاركة في الإجهاض، وكذلك أن «توفر الدولة عيادات طبية خاصة لإجهاض الحالات المسموح بها شرعاً وقانوناً من خلال تقارير طبية خاصة للمغتصبات، لأن عدم تقنين العملية يؤدي إلى إجرائها من الأبواب الخلفية وفي أماكن غير معدة لذلك، مما يمثل خطراً على الحياة وفي الوقت نفسه يتم منع الإجهاض للمستهترين، وعادة ما تدفع المرأة حياتها ضريبة لمغامرة كهذه».
في البداية تفسر الدكتورة سعاد صالح سبب تراجعها عما كانت مقتنعة بقولها: «الخلاف الحالي سببه عدم وجود نص قطعي عن بداية الحياة الحقيقية للجنين. وقد استشرت أطباء النساء والتوليد باعتبارهم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم في ما نختلف حوله في تلك القضية، تنفيذاً لقوله تعالى: «فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » (آية ٧ سورة الأنبياء). وبعد أن التقيت مجموعة كبيرة منهم اقتنعت بما قالوه لي بأن حياة الجنين تبدأ منذ اليوم الأول، ولهذا أفتيت بعدم جواز الإجهاض حتى ولو كان عمره يوماً واحداً».
وأضافت: «لم اكتف بما توصلت إليه بعد استشارتي للأطباء، وإنما قمت بتفعيل ذلك لتغيير الفتوى الحالية للأزهر من خلال تقديمي طلباً لمجمع البحوث الإسلامية لإصدار فتوى حديثة تُحرّم الإجهاض على الإطلاق، استناداً إلى الرأي الطبي الجديد الذي أثبت أن النبض يبدأ بعد ٢٤ يوماً، وأنه بعد خمسة أيام من الحمل ينمو الجنين ويتحرك».
وأكملت الدكتورة سعاد: «الفكرة الشائعة بين الفقهاء أن الروح تدب في الجنين بعد ١٢٠ يوماً فكرة خاطئة علمياً بدليل أن التعريف الحقيقي للموت الذي يجيز نقل الأعضاء أنه مفارقة الروح الجسد، وتوقف القلب عن النبض تماماً، وبالتالي فإن الحياة للجنين تكون بإقرار الأطباء المختصين بأنه يوجد نبض وروح حية لا يجوز قتلها، لأن الحيوان المنوي والبويضة من الكائنات الحية. وبعد الإخصاب وحدوث الحمل بلحظة تقوم البويضة بمنع دخول أي حيوان منوي جديد».
وفندت صالح اجتهادات الفقهاء القدامى الذين استندوا في فتواهم بإجازة إجهاض الجنين في شهوره الأولى قبل مرور ١٢٠ يوماً على وجوده في رحم أمه بناء على فهمهم لما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الجنين يتكون في مراحل أولاها ٤٠ يوماً نطفة، و٤٠ يوماً علقة و٤٠ يوماً مضغة وبعدها ينفخ الروح فيه، ولكن الفقهاء الآن يجب أن يستندوا على ما توصل إليه الطب من أن الجنين يعتبر روحاً في أيامه الأولى لأن الجنين يعتبر كائناً حياً تدب فيه الروح بعد٢٤ يوماً من الحمل، وأكدت أنه ثبت بالأدلة وجود نبض وقلب مع البدايات الأولى للحمل، وأنه في اليوم الخامس من الحمل يكون الجنين عبارة عن مجموعة من الخلايا الحية وينكمش استعداداً للخروج من كيس الحمل للنمو. وعندما يبلغ ٢٤ يوماً يبدأ قلبه النبض ويكون في هذه الحالة كائناً حياً فيه نبض مسموع ومرئي ويحرم إجهاضه من لحظة تأكد الأم من الحمل».
الإجهاض للضرورة
ويرى مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل أن الإجهاض من القضايا الشائكة ليس في مصر وحدها بل في كثير من الدول، والفتوى التي سبق أن أصدرها الأزهر والمؤسسات الفقهية في العالم الإسلامي لم تأتِ من فراغ، وإنما تستند إلى الحديث النبوي الذي يقول فيه رسول الله صلى عليه وسلم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك ثم يُرسَلُ الملَك فينفُخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد». ولهذا اتفق الفقهاء في اجتهادهم على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أي بعد ١٢٠ يوماً، لأن الروح تنفخ في البدن بعد هذه المدة، في حين يجوز الإجهاض للضرورة التي يقررها الأطباء إذا كان عمر الجنين أقل من أربعة شهور، كأن يكون مصاباً بتشوهات خلقية كبيرة أو أن يشكل الحمل خطراً شديداً على حياة الأم.
ضوابط شرعية
وتحذر عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار من أن الجنين «كائن حي والإجهاض قتل لنفس بريئة، وقد أدى التهاون في حق هذه النفس إلى تزايد حالات الإجهاض لأكثر من خمسين مليوناً في العالم ووفاة أكثر من ٢٠٠ ألف حالة من الأمهات. ولهذا ينظر الإسلام إلى النفس البشرية ووجوب الحفاظ عليها كواحدة من الضرورات الخمس ويحرم الاعتداء عليها بأي صورة، فقال الله تعالى: « لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق » (آية ١٥١ سورة الأنعام). ووصل أمر الحفاظ عليه حتى ولو كان من علاقة غير شرعية بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقم الحد على المرأة التي جاءت معترفة بالزنى لأنها حامل وأجل إقامة الحد إلى أن وضعت حملها وأرضعته ثم فطمته. ولهذا فإن الإجهاض يعد نوعاً من القتل، ولا مانع من مناقشة الأطباء في حياة الجنين ليتم على أساسها النظر في حكم الإجهاض».
نعم للاجتهاد المنضبط
ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب أن من «عظمة الإسلام أنه يرفض الجمود ويجعل الاجتهاد فريضة في القضايا التي لم يرد فيها نص قطعي من القرآن أو السنة. ولهذا لا مانع إذا رأى أعضاء مجمع البحوث في الأزهر إعادة طرح القضية من الناحية الطبية لتتكامل مع الناحية الشرعية، وخاصة أن هناك آراء فقهية ترى أن إباحة الشريعة الإسلامية إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة شهور ليس أصلاً ثابتاً في أدلتها المتفق عليها، وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسموا حوله وحاولوا وضع ضوابط لكل حالة، فمثلاً تتم مراعاة الضرورة ويتم دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف بغية وضع المحافظة على حياة الأم في المقام الأول، ويُمنع الإجهاض لغير ضرورة شرعية، حيث جعلت الشريعة عقوبة الإجهاض دية الجنين وتسمى «الغُرّة» وهذه هي العقوبة القضائية، أما العقوبة الشرعية فهي الكفارة وفقاً لبعض المذاهب مثل تحرير رقبة مؤمنة. «فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين» لأن الشريعة تعد الإجهاض المحرّم جناية واقعة على الجنين وحقه في الحياة، ولذلك لا يعتد برضا أمه أو عدم رضاها».
مرحلتان للجنين
ورفض رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم أن يكون سبب الإجهاض سواء قبل الأربعة أشهر أو بعدها الأمور المالية، فرزق المولود من الله القائل: «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً » (آية ٣١ سورة الإسراء). وبالتالي فإن الإجهاض هنا يُعد قتلاً للنفس البشرية، وهذا أمر يختلف عن تنظيم النسل والتباعد بين فترات الحمل الذي يجيزه الإسلام، ولكن إذا حدث الحمل فهذه إرادة الله ولا يجوز إجهاضه.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الجنين البشري «أوضح أنه يمر بمرحلتين منذ تمثله في عناصر حية أولية ليس فيها خصائص البشر، وإن كان فيها خصائص الحياة، وتشمل المرحلة الأولى أطواراً ثلاثة للجنين هي «النطفة والعلقة والمضغة»، وتبدأ المرحلة الثانية بعد ١٢٠ يوماً من عمر الجنين بنفخ الروح فيه».
فجرت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، مفاجأة بإعلان اعتراضها على فتوى الأزهر بشأن إباحة الإجهاض قبل أربعة أشهر، وتقديمها طلباً للأزهر لتغيير موقفه استناداً إلى الرأي الطبي الذي يؤكد أن في الجنين حياة من أول يوم وليس كما ظن الفقهاء القدامى أن حياته تبدأ بعد ١٢٠ يوماً. وقد أثار ذلك جدلاً جديداً بين الفقهاء ما بين مؤيد ومعارض. فماذا قالوا؟