محاولات التعايش

ويرى الدكتور عبد الفتاح الشيخ، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أنه لابد من تعاون الزوجين في السعي لعلاج مرض الشخير، سواءً عن طريق إجراء عملية جراحية أو غيرها من العلاجات الممكنة، وهذا أمر مطلوب شرعاً لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لكل داءٍ دواءٌ فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله». وقوله كذلك: «إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاء، عَلِمه من عَلِمه وجَهِله من جَهِله، وفي لفظ: إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو دواء، إلا داءً واحداً، قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: الهِرَم». ومع هذا إذا تأخر العلاج، أو لم يؤت نتائجه، ولم يتحمل المتضرر ذلك، فإنه بالإمكان أن يفترق الزوجان إذا فشلت كل محاولات التعايش مع المشكلة.

أمر مزعج

وتقول الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية جامعة الأزهر: البشر يختلفون في قدرتهم على احتمال أصوات الشخير، الذي يعد أمراً مزعجاً جداً للبعض، وخاصة إذا كان عالياً وغير قابل للعلاج، أو تراخى المصاب به عن علاجه. و مع هذا ننصح كلاً من الزوجين بالصبر على الآخر، لأن الشخير من الأمور التي تحدث من غير إرادة الإنسان واختياره. وقد قرأت في إحدى الدراسات أن ثلث سكان العالم يعانون من ظاهرة الشخير، ومع هذا فإن الشخير قد يؤدي إلى توتر الحياة الزوجية بسبب قلة نوم المتضرر، مما يؤدي إلى سرعة غضبه وعدم قدرته على التحكم بأعصابه، بل إن كثرة سماع صوت الشخير قد تؤدي إلى فقدان جزئي للسمع، مما قد يجعل الطرف المتضرر يلجأ إلى التفكير في الطلاق، أو حتى الخلع إذا فشلت الزوجة في الحصول على الطلاق للضرر، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».

وأوضحت نصير أن الإسلام حارب الوسائل المؤدية للطلاق، واعتبره أبغض الحلال عند الله، ولهذا يعمل على ألا يقع قدر الإمكان، ولكنه أجازه كحل اضطراري إذا انتهى الحب بين الزوجين أو أحدهما، مما يجعله يتضرر من استمرار الحياة الزوجية. ومن المحرم شرعاً أن يمسك الزوج زوجته المتضررة من شدة شخيره الذي لا يطاق، وطلبت الطلاق للضرر، فقال تعالى: «وإذا طلّقتمُ النساءَ فبلَغنَّ أجلَهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ أو سرّحوهًنّ بمعروفٍ ولا تمسكُوهنّ ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلَم نفسه» آية 231 سورة البقرة.

السخرية الاجتماعية

وعن مدى تقبل المجتمع للطلاق بسبب الشخير، قالت الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس: هذا الأمر قد يكون مقبولاً في المجتمعات الغربية، ولكنه لن يكون علماً مقبولاً في مجتمعاتنا العربية، بل إن الموضوع لن يكون مثاراً للسخرية فقط، بل إنه سيتم توجيه النقد الشديد للمتضرر من الشخير، خاصة إذا كانت الزوجة، ولهذا فإنه يجب نشر الوعي لدى المجتمع بأهمية التوافق بين الزوجين وعدم تضرر أحدهما من الآخر، حتى وإن كان لأسباب قد يسخر منها المجتمع، لأن ما يرتضيه أو يحتمله إنسان قد لا يطيقه أو يحتمله آخر.

وكذلك ما تتحمله زوجة أو زوج في مرحلة عمرية، قد لا يتحمله في مرحلة أخرى، وخاصة أن الدراسات الطبية ربطت بين الشخير وبين التقدم في السن، وكذلك علاقته بالسمنة التي تحدث بعد فترة من الزواج، هذا ما يجعل طلب الطلاق للضرر بسبب الشخير قد يحدث بعد سنوات من الزواج، في حين يتساءل المجتمع: لماذا تطلب الزوجة الطلاق الآن رغم مرور سنوات على ذلك، ويفترض أنها اعتادت على الشخير؟ ومن هنا قد تنطلق شائعات واتهامات باطلة بأنها مفترية على زوجها، أو أنها تبحث عن زوج آخر بلا مبرر.

تحذير

وحذرت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، الزوجات من افتعال الضرر لطلب الطلاق، سواء من الشخير أو غيره، خاصة عندما يكون المبرر غير كافٍ، لأن عقابهن سيكون شديداً في الآخرة، لقول رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ». وقد فسر العلماء البأس بأنه الشدة التي تدعوها لأن تلجأ إلى طلب الطلاق.

وتنصح الدكتورة سعاد الزوجات بالصبر على أزواجهن، حتى ولو كان الشخير بصوت مزعج يمنع النوم، وذلك احتساباً لوجه الله، وجزاء صبرها على هذا الضرر عظيم، لمحافظتها على أسرتها وحماية أولادها من التشرّد، قال تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» الآيات 155- 157 سورة البقرة .

وتقترح مفتية النساء أن ينام كل من الزوجين في مكان بعيد عن الآخر، كأن يكون لكل منهما سرير في الأوقات التي تزداد فيها نوبة الشخير، إلى أن يعتاد كل منهما ذلك الأمر، فهذا الحل إذا لجأ إليه الزوجان كنوع من التكيف والتعايش، يمكن إنقاذ الكثير من البيوت من التشتت إذا كان الطلاق هو أول ما يفكر فيه الزوجان لحل مشكلة الشخير.

التوتر النفسي

وعن العلاقة بين الحالة النفسية للزوجين، في حالة إصابة أحدهما بالشخير، يقول الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس: بالطبع العلاقة بين الشخير والحالة النفسية وثيقة، بل إن بعض الدراسات الحديثة أكدت أن الشخير يمكن أن يتسبب بأمراض نفسية، كأن يصاب الشخص الذي يعاني من الشخير بحالة نفسية سيئة إذا أصبح ذلك معروفاً للعامة، مما يجعله مدعاة للضحك والسخرية، فيصاب بالاكتئاب والضغوط النفسية مما يؤثر على حياته الزوجية، ويزيد الجفاء والخلاف بين الزوجين فينعكس على حميمية العلاقة الزوجية. ولكن يلاحظ أن العلاقة الزوجية ما دامت متينة وعلى قدر كبير من التفاهم والحب فإن الطرف الآخر يتحمل الشخير ولا يتذمر منه. ولكن الخطر أن تبدأ الشكوى مع وجود فتور وخلافات في العلاقة الزوجية، الى درجة تصل بأحد الزوجين إلى عدم تحمل الحياة الزوجية.

حق المتضرر

ويقول الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر: دعا الإسلام إلى الزواج وشجع عليه بكل الوسائل، فقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». حتى في حالة الفقر فإن الزواج قد يكون سبباً في الغنى، فقال تعالى: «وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» آية 32 سورة النور. وقال، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ بِالْمَالِ».

وفي الوقت نفسه نجده ينهى عن الطلاق بدون سبب قهري أو استحالة المعيشة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تطلق النساء إلا من ريبة إن الله تبارك وتعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات». ومن ثم فإنني لا أرى أن الشخير يصلح أن يكون سبباً للطلاق وهدم كيان الأسرة، ومع هذا من حق المتضرر اللجوء إلى القضاء لدراسة القضية من مختلف جوانبها، وإصدار الحكم المتناسب مع الحالة، وبالتالي لا يصلح أن يكون حكماً عاماً لجميع الأزواج والزوجات، أن الطلاق حق لأي زوج أو زوجة يعاني شريك حياته من مشكلة الشخير.

رغم أن المجتمع الشرقي قد لا يتقبّل بسهولة طلب زوجة الطلاق بسبب شخير زوجها، فإن إحدى الزوجات لم تبال بنظرة المجتمع، وأقامت أخيرا دعوى قضائية تؤكد فيها أن شخير زوجها لا يحتمل، وأنها تطلب الطلاق للضرر!
فماذا يقول علماء الدين؟ وهل يبيح شخير الزوج الطلاق خاصة إذا وصل الى مرحلة لا يجدي معها العلاج؟


يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: الشخير أثناء النوم ليس من العيوب التي اتفق عليها العلماء في إباحة فسخ عقد الزواج. ومع هذا فمن حق أي من الزوجين، إذا كان يتضرر من شخير الآخر بشكل لا يطيقه، الى درجة أنه يتعذر عليه النوم معه في مكان واحد وفشلت أي وسيلة لعلاج هذا العيب، في هذه الحالة يكون الشخير مبرراً شرعياً للطلاق بسبب الضرر، بصرف النظر عن الطرف الذي من يقع منه الشخير سواء كان الزوج أو الزوجة، فهنا يتساوى الضرر لكل منهما.

نصيحة

ويتفق معها في الرأي الدكتور نبيل غنايم، رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث ينصح كلاً من الزوجين بالصبر على الآخر واحتساب الأجر عند الله، خاصة أن الشخير من الأمور التي تحدث من غير إرادة الإنسان واختياره، ويجب أن يعذر كل طرف شريك حياته إذا فشلت محاولات العلاج الطبي ووقع الخلاف بسبب ذلك، فيجب أن يكون لأسرتي الزوجين دور في التوفيق بينهما، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: «وإن خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنِهمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا من أهْلِهِ وحَكَمًا من أهْلِهَا إنْ يُريدَا إصْلاحًا يُوفِّقْ اللهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء.

ويجب أن يكون طلب الطلاق، أو حتى الخلع، بسبب الشخير هو الحل النهائي إذا استعصت كل الحلول الممكنة التي يتوافق عليها الزوجان وأسرتاهما. ويجب ألاَّ يتم افتضاح أمر المصاب بالشخير، حتى لا يكون مدعاة لفضيحته على الملأ ومنعه من الزواج مرة أخرى، وهذا أمر شرعي، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة».

قصة طريفة

تدعو الدكتورة إلهام محمد شاهين، أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، الزوجين إلى محاولة التكيف والتأقلم مع المشكلة، مهما ضاق أحدهما من صوت شخير الآخر، وخاصة إذا كان يحبه وحريصاً على استمرار الحياة معه.
وتضيف: قرأت قصة طريفة لإحدى الزوجات، التي تحب زوجها رغم صوت شخيره، حيث سجلت صوت الشخير وتعاملت معه كأجمل موسيقى تشجع على الاسترخاء، وأكثرت من الاستماع إلى التسجيل في مختلف الأوقات، حتى أصبح صوتاً معتاداً لديها بعد فشل محاولات العلاج الطبي. وفي هذه الحالة تكون الزوجة مثابة شرعاً عند الله على صبرها ومحافظتها على أسرتها من الانهيار.

وأدعو الزوجات والأزواج إلى التفكير بمثل هذا الحل، لأن الطلاق، رغم أنه حلال شرعاً، إلا أنه من السلوكيات التي لا يشجع عليها الإسلام، فقد جاء في السنة النبوية أن رجلاً تزوج امرأة في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، فطلقها، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: طلقتها؟ قال: نعم، قال: من بأسٍ؟ قال: لا يا رسول الله. ثم تزوَّج أخرى ثم طلقها، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: طلقتها؟ قال: نعم. قال: من بأسٍ؟ قال: لا يا رسول الله. ثم تزوَّج أخرى ثم طلقها، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أطلقتها؟ قال: نعم. قال: من بأسٍ؟ قال: لا يا رسول الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الثالثة: إن الله لا يحب كل ذواق من الرجال ولا كل ذواقة من النساء».