الزوجة الصالحة

وأكد وكيل وزارة الأوقاف المصرية الدكتور سالم عبد الجليل أن الشريعة قررت أن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة، وهي كل ما تحتاج إليه الزوجة للمعيشة من طعام وكسوة ومسكن وخدمة، وما يلزمها من فرش وغطاء وسائر أدوات البيت حسب المتعارف عليه بين المسلمين، حتى ولو كانت الزوجة غنيَّة بمالها. وهذا هو سبب حقه في القوامة، ووجوب الإنفاق عليها، وخصَّ الله الزوج بذلك، وليس الزوجة فقال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» آية 34 سورة النساء. وإذا أحسنت الزوجة إلى زوجها واستكشفت مصدر رزقه بدون أن يدري، ونصحته بشكل طيب وبدون جرح لمشاعره، فهي زوجة صالحة قال عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله».

نصيحة لا اتهام

وتقول الدكتورة رجاء حزين، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «لا يجوز إصدار حكم عام في كل الحالات، وخاصة أن أطباع الأزواج مختلفة، فقد يتقبل بعضهم السؤال عن مصدر دخله من باب النصيحة في الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ورسوله وعامة المسلمين وخاصتهم». أما لو كان السؤال في شكل اتهامات له فقد يثير هذا أزمة بين الزوجين. وفي الوقت نفسه فإن أسلوب الزوجات مختلف في طريقة السؤال عن مصدر الدخل، وتقييمها لمدى الحلال من الحرام فيها، فذلك قد يجلب الكثير من المشكلات، ولهذا فإن كل زوجة أدرى بطباع زوجها ومدى تقبله للنصيحة.

الزوج الكاذب

وعن حكم الشرع في الزوج، الذي قد يكذب على زوجته في ما يتعلق بمصدر دخله، يقول الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر: «الإثم في هذه الحالة يقع على الزوج وحده، ولا ذنب عليها بعد أن أخذت بأسباب الحلال، أما الزوج الكاذب فهو آثم شرعاً، بل ومنافق لوجود أكثر من علامة من علامات النفاق في سلوكه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان». فضلاً عن أنه يخالف ما أمر به الإسلامُ الناس جميعًا، ذكورًا وإناثًا، وخاصة الأزواج والزوجات، بأن يتعاونوا على البر والتقوى لقوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى» الآية 2 سورة المائدة. ومن المعروف أن تعاون الزوجة مع زوجها له عامل رئيسي في استقرار الحياة الأسرية، ونشر السعادة بين أفراد الأسرة. وليت الزوجة تتحرى الحلال دون الصدام مع زوجها».

تنفيذ للوصية

ويؤكد الدكتور عبد الفتاح الشيخ، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أن «الزوج مكلف شرعاً بالإنفاق على زوجته من المال الحلال، ومن حقها شرعاً، بدون غلظة أو فظاظة، أن تنصحه بتحري الحلال في الرزق لإصلاح أي انحراف قد يحدث في الإنفاق على أسرته. ولاشك أن قيام الزوج بالكسب الحلال والإنفاق على زوجته وأولاده هو تنفيذ للوصية النبوية، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».

ويضيف الشيخ أن إنفاق الزوج على أسرته ليس منَّةً أو تفضلاً، بل إنه مسؤول أمام الله عن ذلك، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

القول اللين

وينصح الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، الزوجات أن يتصفن باللطف في السؤال عن مصدر الدخل، إذا ما لاحظت أن هناك دخلاً غير عادي، أو هناك شكاً في مصدر دخله، لأن زوجها، مهما كان فساده، لن يصل إلى درجة فرعون، الذي أمر الله نبييه موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إليه ودعوته بالحسنى واللطف واللين، فقال تعالى: «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى» الآية 44 سورة طه. ولهذا إذا فعلت الزوجة ذلك فإنها تثبت عملياً أن الزواج عقد وميثاق غليظ بين الزوجين، يرتبطان به ويندمج كل منهما في الآخر وتخاف عليه وتحثه على أن يتحرى الحلال في كسبه، وهذا ما وصفه الله تعالى بقوله: «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لهنّ» الآية 187 سورة البقرة».

تجنب الشبهات

أما الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر فيقول: «رغم أن نفقة الزوجة تكون على الزوج، حتى ولو كانت غنيَّة، فإنه من حقها معرفة مصدر إنفاق الزوج عليها، لتتأكد من كون المصدر حلالاً أو حراماً، لأنها ليست مجرد مستهلكة فقط، بل إن عليها مسؤولية تحري الحلال في مصدر الإنفاق عليها، حتى تتبين الحلال من الحرام. وقد جاء في الحديث الشريف قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الْحَلالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشَّبُهاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحً الْجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب». وبالتالي من حقها شرعاً السؤال عن مصدر الإنفاق عليها، ومرتب أو دخل زوجها، خاصة إذا كان لديها شبهة في مصدره». 

إشعال نيران الفتنة

في البداية يقول الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر: «الزواج في الإسلام له مكانته الرفيعة، لأن الأسرة هي نواة المجتمع وسبيل استقراره. ولهذا جعله الله تعالى من نعمه على البشر، ومن آياته التي تحقق السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الآية 21 سورة الروم. ولهذا جعل إنفاق الزوج على زوجته واجباً شرعياً مهما بلغت درجة ثرائها.
ولا نستطيع إصدار حكم عام جامع مانع بشأن سؤال الزوجة لزوجها عن مصدر دخله من عدمه، لأنه يجب على كل زوجة قياس حالتها بنفسها، ومدى علاقتها بزوجها، وفي ضوء ذلك تتخذ قرارها بسؤاله عن مصدر دخله أم لا.
وكذلك إذا قررت سؤاله يجب أن يكون ذلك بعيداً عن الأولاد والجيران والأقارب، حتى لا تسبب له حرجاً وجرحاً، فتكون النتيجة مزيداً من العناد والرفض منه، مما يؤدي إلى مشكلات بالجملة، لأن النصيحة على الملأ فضيحة، وتعطي فرصة لتدخل الآخرين وإشعال نيران الفتنة».

تحرّي الحلال

وقالت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «إن الأصل في الأسرة أن تقوم على التكامل بين طرفَيها، الزوج والزوجة، باعتبار الزواج شراكة إنسانية في أسمى معانيها.
وليت الزوجين يكونان حريصين على بعضهما، وان يكون الزوج حريصاً على الإنفاق الحلال على أسرته، وتذكره زوجته دائماً بأهمية الاستمرار على ذلك، حتى يكونوا مثل صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم والتابعين، حيث كانت الزوجة الصالحة من السلف الصالح تقول لزوجها إذا خرج إلى عمله: «اتق الله ولا تطعمنا من حرام فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار».
والواجب على الزوج المسلم، الذي يتقي الله حين يأتيه حكم شرعي، أن يسلّم له ويؤمن به، قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً» الآية 36 سورة الأحزاب.

وقد شاء الله توزيع الأدوار بين الزوجين، فجعل الرجال أقدر على تحمّل مسؤولية الإنفاق، وجعل المرأة أقدر من الرجل على رعاية الأبناء وشؤون بيتها، وجعل التناصح بينهما على الطاعة واجباً شرعياً، ولهذا من حق الزوجة تحري الحلال، وأن تسأله بلطف: من أين لك هذا يا زوجي الحبيب؟. فإذا أخبرها بمصدر رزقه فيجب عليها طاعته ويحرم عليها معصيته، وأن تكون هذه الطاعة في غير معصية الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وفي الوقت نفسه أحذر الزوجين من الكسب الحرام بحجة أن الزرق الحلال قليل ولن يكفي، مع أن الله يبارك في القليل، فقال تعالى: «لِيُنفِق ذُو سعَةٍ مِن سعَتِهِ، وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَليُنفِق مِمّا آتاهُ الله وَلا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إلا ما آتاها سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسراً» آية 7 سورة الطلاق. وعلى الزوجة ألا تشقَّ على زوجها بمطالبها، لأنه من المتعارف بين الناس أن النفقة تشمل المأكل والملبس والمسكن والعلاج ونفقة الحمل والوضع، بل كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية الطبيعية التي يقرها العرف العقلاني».

حسن العشرة

 وتقول مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «الشريعة الإسلامية أمرت بحسن العشرة بين الزوجين، ومن حسن العشرة الحقوق المتبادلة بين الزوجين، وأن يتقيَ الله كل منهما في الآخَر، لقوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» الآية19 من النساء. ومن حسن المعاشرة حرص الزوج على الإنفاق على زوجته وأولاده بالحلال، ومن حسن عشرة الزوجة لزوجها كذلك أن تذكره بالحلال في ما ينفق عليها، وكذلك سؤاله عن مصدر دخله، ليس من باب محاسبته أو القيام بدور جهاز كشف الكسب غير المشروع، وإنما من باب الحب له والخوف عليه، وهذا لن يتحقق إلا بالرفق واللين، وليس بالتلصص أو أسلوب الاستجواب. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ما دخل الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه»، وقوله أيضاً: «إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه».

فجرت قضايا الكسب غير المشروع التي شهدتها مصر أخيرا وإحالة زوجات وأبناء المتهمين على التحقيق، جدلاً فقهياً حول حق الزوجة في سؤال زوجها عن مصادر دخله تجنباً للوقوع في أي مساءلة، إذ يرى فريق أن هذا حق لها، في حين يرى آخرون أن أي مسؤولية كسب غير مشروع تقع على الزوج وليس على الزوجة، وبالتالي لا يحق لها سؤاله، خاصة إذا ترتب على ذلك مشكلات قد تصل إلى الطلاق، فما هي الأسانيد الشرعية لكل فريق؟

بدون ضرر

أما الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة الفقه في جامعة الأزهر فتقول: «الزوج ليس مطالباً شرعاً بأن يقدّم كشف حساب لزوجته عن مصادر دخله بالتفصيل، ولا ينبغي للزوجة أن تلح على زوجها في سؤاله عن دخله، وليست محقة إذا غضبت منه بسبب عدم إخباره لها بحقيقة دخله، إذ إن هذا ليس واجباً عليه. ولكن ينبغي له من باب حسن العشرة أن يخبرها إذا لم يترتب على ذلك فساد أو ضرر، وبإمكانه أن يخبرها أن كسبه حلال دون الدخول في التفاصيل، إذا كان لا يريد إخبارها بالحقيقة، لكسب ثقتها وتجنب غضبها. أما استحسان إخبار الزوجة بمقدار الدخل من عدمه فيعود إلى حال الزوجة، والملابسات المحيطة بالزوجين، ومع هذا إذا تيقنت أن مصدر رزقه حرام وجب عليها أن تنصحه بالحسنى والرفق، لأنها إن علمت ورضيت كانت شريكة في الإثم، لقوله صلى الله عليه وسلم: « كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به».