Home Page

الدكتور أحمد الطيب يجيب عن الأسئلة الرمضانية...

شيخ الأزهر, الصيام, الإفطار, د. أحمد الطيب, شهر رمضان, مسلسل

01 أغسطس 2011

مع حلول شهر رمضان الكريم تزداد علامات الاستفهام المتعلقة بالصيام والتعاملات، وغيرها من التفاصيل المتعلقة بحياتنا اليومية في رمضان، ومن هنا تأتي أهمية اللقاء مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، باعتباره مرجعية دينية بارزة في عالمنا الإسلامي ليجيب عن الكثير من التساؤلات التي تشغل أذهان الناس عن الصيام وأحكامه.


- البعض يؤكد أنه لا صيام بدون نية فماذا تقولون؟

يرى جمهور الفقهاء أن الواجب تبييت النية من الليل قبل طلوع الفجر، واستدلوا بقوله، صلى الله عليه وسلم: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، ومعنى يجمع: أي يعزم.  ومن الفقهاء من لم يوجبوا النية في صوم رمضان، وكأنهم يرون أن صوم رمضان لا يحتاج إلى نية من المسلم، بل إن نية الصيام في أول ليلة من رمضان كافية للشهر كله، وتغني عن تجديد نية لكل ليلة، باعتبار صوم رمضان عملاً واحدًا أو عبادة واحدة موزعة على أيام. وهذا الاختلاف في أمر النية هو نوع من التيسير.

- هل يجوز عقد نية صيام التطوع نهاراً أم يشترط النية ليلاً؟
تبييت النية ليس شرطاً في صيام التطوع، بدليل ما روته أم المؤمنين عائشة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يدخل على بعض أزواجه فيقول «هل من غداء؟»، فإن قلن لا. قال: فإني صائم. أي إنه في صوم التطوع يجوز إنشاء النية نهاراً.


نموذج عملي

- هناك من يستعدون لشهر رمضان مبكراً بصيام شهريْ رجب وشعبان، فهل هو سُنَّة أم بدعة؟
من أراد الاتباع والثواب الكامل فليتبع سُنَّة النبي، صلى الله عليه وسلم، سواء القولية أو الفعلية ولا يصوم رجب أو شعبان كاملاً، وإنما عليه أن يصوم منهما ويفطر، ويكثر من شعبان بوجه خاص، لأنه أكثر شهر صام فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعد رمضان لأن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام فيه رغم عظم ثوابه.

-  ما هي الحكمة من تحريم صيام يوم الجمعة منفرداً؟
يُكره إفراد يوم الجمعة بالصيام لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده». الحكمة من ذلك أن يوم الجمعة بمثابة العيد الأسبوعي للمسلمين ومن ثم يكره الصوم فيه وكأنه عيد حقيقي.

- هل هناك نموذج عملي تم تطبيق ذلك عليه؟
حدث ذلك مع أم المؤمنين «جويرية بنت الحارث» عندما دخل عليها النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الجمعة وكانت صائمة، فسألها النبي: أصمت أمس؟، قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدًا؟، قالت: لا، قال: فأفطري.

- هذا عن يوم الجمعة فماذا عن يوم السبت؟
يُكره إفراد يوم السبت بالصوم لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم» . والمكروه هو إفراده أما إن صام قبله أو بعده لم يُكره وحكمة كراهية صيامه أنه عيد اليهود الأسبوعي.


الركن الرابع

- لماذا كان الصوم الركن الرابع في أركان الإسلام الخمسة دون تقدم أو تأخر؟
الإجابة ببساطة شديدة وبدون تعقيد، أن الآيات التي نزلت بمكة في بداية الإسلام كانت تستهدف ترسيخ مفاهيم التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر، وعندما استقرت في النفوس بدأت التشريعات تتوالى ابتداءً من الصلاة ليلة الإسراء والمعراج. فرضت الزكاة في مكة أيضاً ولكن دون تحديد لمقاديرها بهدف توطيد الأخوة والتعاون بين القادرين وغير القادرين، وعندما هاجر الرسول، صلى الله عليه وسلم، للمدينة واستقرت أسس الدولة الوليدة ودعائمها، تم تحديد مقادير الزكاة ثم فريضة الصوم في السنة الثانية من الهجرة.

- ما الحكمة من نزول التشريعات أو الفروض كالصلاة والزكاة والصوم بالتدريج وليس جملة واحدة؟
الإسلام دين يسر وتدرج، حتى لا يشق على الناس ويحملهم ما لا يطيقون. وقد كان هذا الترتيب أمراً إلهياً لا دخل للبشر فيه. ولو نزلت التشريعات جملة واحدة لما تحملها الناس، ولكن رحمته ورفقه بنا جعلاها تنزل تدريجياً.

 

- ماذا تقول للأزواج في شهر رمضان؟
رمضان شهر الصفاء النفسي والشفافية بين البشر جميعاً، حيث يتسابق الأغنياء في إخراج زكواتهم وصدقاتهم ابتغاء وجه الله، حيث يساعدون الفقراء والأيتام والمساكين والأرامل والمطلقات، وهم هنا يعلمون أنه شهر تُضاعف فيه الحسنات وتمحى فيه السيئات. ولا شك أن أولى الناس بالمشاعر الإنسانية الفياضة المليئة بالرحمة والشفقة والحنان هما الزوجان اللذان تربطهما أقدس علاقة إنسانية وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها آية من آياته، فقال: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزَوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الآية 21 سورة الروم.

- كثير منا يؤدي الصيام على سبيل العادة أكثر من إحساسه به كعبادة، فما هي المعاني الغائبة عنا في فريضة الصوم؟
يغيب عنا الإحساس بمعاناة الجوعى وغير القادرين في العالم، ولا يقتصر هذا على المسلمين، بل يمتد إلى كل المستضعفين من البشر، لأن الإسلام رحمة للعالمين، وينظر إلى البشر على أنهم إخوة في الإنسانية. فالإحساس بمعاناة الجوعى والمحتاجين فيه ترقيق للقلب واستشعار نعمة الله، فقد كان نبي الله يوسف، عليه السلام، يكثر الصوم رغم أن الله جعله أميناً على خزائن الأرض المصرية، وعندما سُئل عن هذا قال: «أخاف أن أشبع فأنسى الجائع».

كما يحمل الصيام الإحساس بروح الجماعة والوحدة، لأن بداية الصوم ونهايته عند الجميع في وقت واحد، من الفجر إلى المغرب، لقوله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» الآية 187 سورة البقرة.
ويحمل رمضان لنا أيضاً روح التعاون والمودة بين الصائمين، حتى أن كل واحد منهم يحرص على إفطار أخيه المسلم الصائم ليجني من وراء ذلك الثواب العظيم، فقال صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقاً لرقبته من النار حتى ولو كان على تمرة أو مذقة لبن أو شربة ماء».


حكمة زكاة الفطر

- من المعروف أن الزكاة يخرجها الأثرياء للفقراء ولكن زكاة الفطر لها حكمة مختلفة، فما هي؟
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ولو كان فقيراً تأهيلاً له على روح البذل والعطاء، لأنها واجبة على كل من ملك قوت يومه، وبهذا فإن الفقير المستحق للزكاة عندما يعطيه غيره الزكاة يصبح عنده اكتفاء، ويدخل في إطار القادرين المطالبين بإخراج زكاة الفطر، مما يقهر روح الأنانية ويقوي الإيثار الذي امتدح الله المتصفين به بقوله: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ» الآية 9 سورة الحشر. وفي الوقت نفسه فإنها تقضي على روح الشح والبخل، فقال تعالى: «وَمَن يُوقَ شُحَّ نفسِه فأُولَئِك هُمُ الْمُفلِحُون» الآية 9 سورة الحشر.

- كثير منا يجهل كيفية قضاء النبي، صلى الله عليه وسلم، رمضان حيث لم يكن صيامه مجرد امتناع عن الأكل والشرب كما يفعل الكثير من الصائمين اليوم، فكيف كان النبي، باعتباره القدوة، يقضي رمضان؟
لم يكن حال النبي، صلى الله عليه وسلم، في رمضان كحاله في غيره من الشهور، وإنما كان فيه أكثر حرصاً على الطاعات والقُربات ما ظهر منها وما بطن، وذلك لعلمه بما لرمضان من فضيلة عن غيره من الشهور، فكان عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان، فيكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكل أنواع البر والخير.


طعام وعبادة

- يؤكد بعض الفقهاء أن تناول الطعام في رمضان ليس مجرد وسيلة للغذاء كما هو الحال في باقي الشهور، بل أنه في أحكامه وآدابه في رمضان يتحول إلى عبادة فكيف ذلك؟
على سبيل المثال لا الحصر فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يحث المسلمين على السحور فقال: «تسحروا فإن في السحور بركة». وأمرنا بتعجيل الفطر وتأخير السحور وفي هذا سُنَّة يثاب فاعلها، وفي الفطر كان يعجل الإفطار قبل أن يصلي المغرب، ويحثنا على ذلك بقوله: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». بل إنه، صلى الله عليه وسلم، أرشدنا إلى أفضلية أنواع معينة من الأطعمة في رمضان، فقد كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد فالماء، وأما السحور فكان يؤخره قبيل الفجر، وكان يكثر من الدعاء عند فطره وسحوره. هذه كلها أمور يثاب فاعلها إذا وجدت النية الصادقة بأنه يقيم سُنَّة نبوية يقتدي فيها بالرسول، صلى الله عليه وسلم.

- رمضان كان شهر الانتصارات والفتوحات الإسلامية الكبرى، وليس شهر النوم نهاراً والسهر أمام وسائل الإعلام أو الحفلات الغنائية ليلاً. فكيف نسترجع روح شهر الانتصارات في نفوسنا؟
من خلال قراءة التاريخ المجيد للمسلمين الأوائل ابتداءً من غزوة بدر الكبرى، وبالتحديد في ليلة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ثم فتح مكة في السنة الثامنة، وفتح مصر وبناء مسجد عمرو بن العاص، وغيرها الكثير من الانتصارات على المعتدين آخرها انتصار العاشر من رمضان على إسرائيل (6 تشرين الأول/اكتوبر 1973).

 

- يشاع أن التوراة والإنجيل نزلا في رمضان فهل هذا الكلام صحيح؟
يرى جمهور العلماء أن كل الكتب السماوية نزلت في رمضان، وذلك بناءً على حديث نبوي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين».


ثرثرة ونميمة

- صائمون لا يتوقفون عن الثرثرة والقيل والقال فما حكم صيامهم؟
أخشى أن يكون صيامهم بلا أجر، لأن الغيبة والنميمة كارثة يضيع معها ثواب الصيام كما تأكل النار الحطب، فقال تعالى: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» آية 12 سورة الحجرات.
ولهذا وجهنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، ألا نتكلم إلا بالخير أو نصمت، وعندما سُئل عما إذا كان الإنسان سيحاسب عن فلتات لسانه فقال: «وهل يكبُّ الناس على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟».

- لكنَّ كثيراً من الناس لا يدرون الفرق بين الغيبة والنميمة فما الفرق؟
أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالفرق بينهما فقال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: «الله ورسوله أعلم، قال: ذِكرُك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه». أما النميمة فهي نقل الكلام من طرف إلى آخر للإيقاع بينهما. وقد مرَّ رسول الله، صلَّى الله عليه وسلم، على قبرين فقال: «أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة».

- فماذا نفعل إن وقعنا في الغيبة والنميمة سواء في رمضان أو غير رمضان؟
علينا التوبة والاستغفار، وإن استطعنا أن نذهب إلى من أسأنا إليه ونطلب منه السماح فلنفعل، فإن لم نستطع نستغفر له وندعو له ونثني عليه كما تكلمنا فيه في غيبته.

- هل هناك دليل شرعي على ذلك؟
قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه».


الرسول وزوجاته

- كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع زوجاته في رمضان؟ 
كان صلى الله عليه وسلم أفضل من يعامل زوجاته في كل الشهور بما فيها رمضان، فكان يُقبِّل أزواجه وهو صائم، لأنه يستطيع أن يتملك نفسه ولا يمتنع من مباشرتهن من غير جماع، وإذا جامع أهله بالليل يغتسل ويصلي الفجر وقبله ما تيسر من قيام الليل ثم يصوم. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو زوجاته إلى الاجتهاد في العبادة في الصلاة والصيام وفعل الخيرات بكل أنواعها والاعتكاف. وتتم الدعوة لكل هذه الطاعات وغيرها برفق ولين وترغيب حتى يحصلن على الثواب العظيم من الله في الدنيا والآخرة، فما أحوج أزواج اليوم إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة زوجاته في رمضان وغير رمضان.

- تنشغل كثير من الأسر في رمضان بالاحتياجات المادية والأكلات المختلفة والسهرات، وينسون أنه شهر الروح، فماذا كان يفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيها وخاصة في العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر؟
لاشك أن من يفعلون ذلك يجهلون سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويجهلون أن الله فرض الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه وينطلق من سجن جسده ويتغلب على نزعات شهواته ويتحكم في مظاهر حيوانيته ويتشبه بالملائكة، والارتقاء بالروح بالإكثار من الدعاء لأنه من الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم».

المشكلة أن كثيراً من الصائمين نسوا أن يغذوا أرواحهم بالطاعات، وركزوا كل اهتمامهم على تغذية بطونهم بأشهى المأكولات لدرجة التخمة، التي تجلب الأمراض وتضيع الحكمة من الصوم بالإحساس بالجوعى الفقراء، بدلاً من الإسراف الذي نهى عنه الله تعالى: «وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» آية 141 سورة الأنعام. ونهى عن التبذير الذي أصبح سمة عامة في حياتنا، وخاصة في رمضان، فقال تعالى: «وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً» آية 26-27 الإسراء.



صيام المرضى

- بعض المرضي يمتنعون عن العلاج طمعاً بالحصول على ثواب الصيام رغم تحذيرات الأطباء، فما حكم الشرع في هذا السلوك؟
هذا نوع من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وقد نهى الإسلام عن ذلك فقال تعالى: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» آية 195 سورة البقرة . وبالتالي فإن تعاطي الحقن بأنواعها ليس أكلاً ولا شراباً، وبالتالي فهي لا تفطر. ويجب الاستماع إلى النصائح الطبية من الأطباء الثقات وتنفيذها ولو بمنع صيامهم، لأنهم أهل الاختصاص، أما الإصرار على الصوم رغم الأخطار فهذه طاعة في غير محلها، وتنافي رحمة الله بعباده المرضى الذين أباح لهم الفطر، فقد أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض بنص القرآن «شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدَىً للنَّاسِ وَبيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى والْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» آية 185 سورة البقرة . بل إنه إن أصر على الصيام رغم المشقة وتدهور حالته الصحية أصبح آثماً شرعاً.

- هل أي مرض يبيح الفطر أم أن هناك مواصفات معينة للمرض الذي يجيز الإفطار؟
المرض المبيح للفطر هو المرض الذي يزيده الصوم، أو حتى يؤخر الشفاء منه، أو يجعل المريض يعاني مشقة شديدة تمنعه من السعي على رزقه، مع الاستعانة بشهادة الطبيب المسلم الثقة الذي يقرر أن الصوم يزيد الحالة سوءاً. وبالتالي لا يجوز الفطر في حالة الأمراض التي لا تتوافر فيها الشروط السابقة، لأن الصوم لا يضر.


مراتب الصائمين

- يقال إن الصوم درجات ومراتب، فهل هذا صحيح؟
لا يمكن أن يتساوى كل الصائمين في درجات الصوم ومراتبه، ولكن كل حسب اجتهاده وتقواه لله. وقد قسم حجة الإسلام الغزالي الصيام إلى مراتب أو درجات أولاها «صوم العموم»، وهو صوم العوام أو الغالبية من الصائمين الممتنعين عن شهوتي البطن والفرج من الفجر إلى المغرب. وثانيها «صوم الخصوص»، وهو يتضمن مع ما سبق كف السمع والبصر واللسان واليد وكل الجوارح عن كل المعاصي، ويطلق على هذا صوم الصالحين. أما النوع الثالث فهو «صوم خصوص الخصوص»، وهو الانشغال بالله كلية والابتعاد عن كل ما يغضبه ولو بمجرد الخواطر القلبية، وهذه مرتبة الأنبياء والصديقين.

- ما هو ثواب كل مرتبة؟
هذا متروك لله سبحانه وتعالى، لأنه القائل في الحديث القدسي الذي رواه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

- ما هو دور الصوم في تهذيب الغرائز؟
لا شك أن الصوم خير مطفئ لنار الغريزة، ليس في رمضان فقط بل طوال العمر، بدليل قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». كما أن الصيام يطفئ نار الغضب والانتقام والانتصار للنفس، على عكس ما تفعله أجهزة الإعلام في رمضان، من إشعال الغرائز بالأفلام والمسلسلات الخادشة للحياء، والمضيعة لثواب الصائمين نهاراً والحابسة لهم عن الطاعات ليلاً.