أهمية الرؤى

واستشهد الدكتور أحمد عبده عوض، أستاذ الدراسات الإسلامية جامعة طنطا، بأهمية الرؤيا في حياة الأنبياء باعتبارها وحياً إلهياً للمعصومين من الشيطان، ولهذا أقدم نبي الله إبراهيم، عليه السلام، على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل، عليه السلام، كما كان نبي الله يوسف من أشهر مفسري الأحلام، وتفاصيل ذلك مذكورة في سورة «يوسف». وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفسر رؤى الصحابة، وتأتي رؤيا الصالحين بعد رؤيا الأنبياء من حيث الأهمية، بما فيها من مبشرات، حتى أنهم قد يرون النبي، صلى الله عليه وسلم، في منامهم، ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرَّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأوامر الشرعية واجتناب ما نهى الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وينام على طهارة كاملة ومستقبلاً للقبلة، ويذكر الله حتى يغلبه النوم، فإن رؤياه لا تكاد تكذب لأنها رؤيا صالحة لإنسان صالح.

وأوضح الدكتور عبده عوض أن أصدق أنواع الرؤى تكون وقت الأسحار، أي قبيل الفجر، لأنه أقرب لنزول الرحمات الإلهية واقتراب المغفرة وسكون شياطين الجن، وبالتالي غالباً ما تكون الرؤيا صادقة.
أما الأحلام والكوابيس غير الصالحة فإنها تكون في أي وقت غير الأسحار، ومع هذا فإن المتاجرة بموضوع تفسير الأحلام لجمع الأموال، وقيام الاستغلاليين بادعاء القدرة على تفسير الأحلام عبر الفضائيات، فعل مرفوض شرعاً، وما يتم اكتسابه من أموال هو حرام حتى ولو كان المتصل تليفونياً بإرادته، لأن مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» مرفوض شرعاً، لأنه لابد أن تكون الغاية نبيلة والوسيلة شريفة من المنظور الشرعي، كما أن أولي الأمر مسؤولون شرعاً أمام الله عن استمرار تلك القنوات والبرامج المدمرة.

ضوابط شرعية

عن الضوابط الشرعية لقضية الرؤى والأحلام، قال الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر: «ينظر الإسلام إلى القضية بموضوعية، فهو لا ينكرها وفي الوقت نفسه يرفض أن تتحول العملية إلى تجارة يحترفها أصحاب الفضائيات والمفسرون الذين يصورون الأحلام على أنها مصيرية وأن ما يراه الإنسان في منامه سيتحقق حتماً في يقظته. والمؤسف أنه يتم خداع البسطاء والسذج بأن مفسر الأحلام «شيخ» والمفسرة «شيخة»، مما يعد إساءة للإسلام الذي هو بريء من تصرفات هؤلاء.

من هنا جاءت وسطية الإسلام في نظرته وتقسيمه للرؤيا، التي منها الرؤيا الصادقة وهي جزء من أجزاء النبوة، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». وذلك لأن الرؤيا الصادقة مبدأ الوحي عند الأنبياء، ويتوقف صدقها عند عامة الناس بحسب صدق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً بين الناس.

وهي عندهم عند اقتراب الزمان وقرب القيامة لا تكاد تخطئ، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّه وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ».
وعن التصرف الشرعي إذا رأى النائم ما يكره، قال هاشم: «بدلاً من أن يسارع الإنسان بالاتصال بالقنوات الفضائية ويتعرض لعملية استغلال، فإن الإسلام وضع له الحل العملي الذي يحميه من النصابين، فقال رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَتَحَوَّلْ وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا».

وعن رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ»، فهذا أبسط حل شرعي لمن رأى في منامه ما يكره.
أما إذا كانت رؤيا صالحة أو مبشرة فلا يقصها إلا لرجل صالح يجيد تأويل الرؤى والأحلام، وهذا بالطبع غير متوافر في مفسري الفضائيات، ومن ثم فإن الوضع الشرعي لقضية الرؤى والأحلام لا يبرر المتاجرة بها من خلال برامج غالبية المفسرين فيها غير مؤهلين، بل وغير صالحين، كما أن أصحاب هذه البرامج يستهدفون الربح فقط، مهما كانت الآثار المدمرة لها على الفرد والمجتمع.

مواصفات المفسر الصالح

وعن مواصفات المفسر الصالح، الذي يمكن أن نقُصَّ عليه ما نراه في منامنا، بعيداً عن مفسري الفضائيات، قال الدكتور حامد أبو طالب: «قبل التعريف بمواصفات المفسر يجب أن نحذِّر بشدة من دجالي الفضائيات، الذين حولوا العملية لتجارة مهما كانت عاقبة ذلك على حياة من يقص عليهم ما رآه في منامه، بل إنه يجب شرعاً إغلاقها وعدم التصريح لقنوات جديدة تحترف نفس الطريق المرفوض شرعاً وعقلاً، وعن الحل الشرعي لمن أراد أن يقصَّ أو يفسر ما يراه في منامه، فقد نصح العلماء أن لا يتم التحدث بالرؤى إلا لصالح لبيب وحبيب وناصح أمين وعالم، لأنه سيؤولها له على الخير وهو يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه، وأما اللبيب فهو من يعرف تأويلها، وأما الحبيب فإنه إن عرف خيراً قاله وإن جهل أو شك سكت، من هنا نؤكد أن تفسير الأحلام والرؤيا جائز، وقد فسر النبي، صلى الله عليه وسلم، رؤياه ورؤيا غيره من الصحابة، بعد أن عرفهم بأقسامها الثلاثة فقال: «الرؤيا ثلاثة، منها أهاويل الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة».

وعرض الدكتور حامد أبو طالب لنموذج من تفسير النبي، صلى الله عليه وسلم، للأحلام التي يتلاعب بها الشيطان بالإنسان، فقال: «أتى رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب فقال: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به الناس»، فهذا نموذج لما يفعله الشيطان بالنائم.  وحذر الإمام مالك، رضي الله عنه، من الدجالين ومن على شاكلتهم من مفسري الفضائيات حيث سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال الإمام مالك: لا، أبالنبوة يلعب؟!.
وقال: «لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى غير ذلك فليقل خيراً أو ليصمت».

مشروعية اللجوء للمفسرين

عن مشروعية اللجوء إلى مفسري الأحلام عبر الفضائيات، قالت الدكتورة عفاف النجار، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «القضية في الإسلام بسيطة للغاية ولا تستحق أن ينشغل النائم بما يراه، حتى أنه يحوله إلى قضية مصيرية تتوقف عليها أمور حياته، سواء بالسلب أو الإيجاب، وبالتالي يلجأ إلى مفسري الفضائيات لتفسيرها والتعرض لعملية ابتزاز، فضلاً عن اتخاذ قرارات ومواقف في حياته بناءً على ما يراه في المنام وما يقوله المفسر، حتى لو وصل الأمر إلى تطليق زوجته، أو الشك فيها. ولهذا نطالب المسؤولين بإغلاق تلك البرامج وننصح باتباع التوجيه النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلُم من الشيطان، فمَن رأى شيئاً يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثاً وليتعوَّذ من الشيطان فإنها لا تضره». ومعنى النفث نفخ لطيف لا ريق معه.

وبالتالي إذا كانت الرؤيا صالحة يستحب شرعاً أن تتبعها ثلاثة أشياء، أولها أن يحمد الله عليها، وثانيها أن يستبشر بها، وثالثها أن يتحدث بها لمن يظن أنه يحبه حتى لا يحسده عليها. أما من رأى في منامه ما يكره، فيستحب له القيام بأربعة أشياء، أولها أن يتعوَّذ بالله من شرها، وثانيها الاستعاذة بالله، وثالثها أن يتفل حين يقوم من نومه من شر الشيطان، ورابعها ألا يذكرها لأحد أصلاً، وقال بعض الفقهاء إنه يستحب له أيضا القيام بفعل خامس، هو الصلاة ركعتين والتحول من جنبه الذي كان ينام عليه».

أنواع الرؤى والأحلام

عن أنواع الرؤى والأحلام من الناحية الشرعية، قال الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر: «اجتهد الفقهاء في تصنيف ما يراه النائم، فقسموها إلى ثلاثة أنواع، أولها «رحماني» وهي الرؤيا الصالحة المبشرة التي يراها الصالحون في كل زمان، لأنها من الله كنوع من البشارة والتثبيت لهم.
وثانيها «شيطاني»، وهي عكس الرحماني، وبالتالي فهي ما يراها غير الصالحين من أحلام غير مبشرة، بل إنه قد يكون فيها نذير أو تحذير أو وعيد أو ما يؤذي.

وثالثها «نفساني» وهي ما يراه النائم عندما يتعرض لأزمات نفسية، وهي غير مرتبطة بصلاح الفرد النائم أو ضلاله، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك: «الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يُحدِّث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام»، ولا يوجد إنسان إلا ويرى في منامه نوعاً من هذه الثلاثة حسب حالته الإيمانية والنفسية، ولكن لا يجوز قيام البعض باستغلال الأحلام لخداع الناس بإنشاء قنوات تفسير أحلام، غالبية المفسرين فيها غير مؤهلين لذلك، سواء من الناحية الإيمانية أو العلمية، لأن تفسير الأحلام ليس عملية اعتباطية، بل لابد من توافر شروط في المفسر، لهذا نحذر من محاولة تغييب العقول بإنشاء فضائيات لتفسير الأحلام تستهدف شغل الناس بما يرونه في المنام عن معالجة مشكلات الواقع، مع أن الإسلام وضع حلاً قاطعاً لتلك القضية برمتها، يمكن إيجازه في أن من رأى ما يسره فليحمد الله ومن رأى ما يؤذيه أو يضره فليستعذ بالله من الشيطان، ولا يقصها على أحد، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليُحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره».

أيد علماء الأزهر فتوى مهمة لمفتي السعودية، نقد فيها برامج تفسير الأحلام، بعدما تحولت إلى تجارة وتخريب للعقول، وأصبح استمرارها مخالفاً للشرع، وطالبوا بسرعة إغلاقها خاصة أنها حولت قضية الأحلام الى مسألة حياة أو موت، ولهذا فهي إساءة الى الإسلام. وأشاروا إلى أنها وسيلة نصب لمحترفي الدجل والخرافات الذين يحرصون على لقب «شيخ» أو «شيخة» لخداع البسطاء باستغلال الدين في تحقيق مصالح لأصحاب القنوات والمفسرين الذين يقتسمون الأرباح.


كان مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قد انتقد بعض القنوات الفضائية التي تقدم برامج لتفسير الأحلام، ووصفها بـ«الباحثة عن المكاسب المادية» دون مراعاة لما ستؤول إليه تفسيراتها للرؤى من هدم للبيوت وطلاق وخلافات، وحث المسلمين على عدم السعي وراء مفسري الأحلام والتعلق بتفسيراتهم.
وقال: «إن تخصيص قنوات ومواقع إلكترونية لتفسير الأحلام صار ضربا من المنافسة بين أدعياء العلم المتاجرين بالناس، بل إن بعض القنوات تعتمد على المال الذى تتقاسمه مع مفسري الرؤى وأصبحت برامجها للرؤيا تجارة ومكاسب وهي في الحقيقة مزعجة ومؤذية».

وحذر آل الشيخ من الآثار السلبية لقنوات تفسير الأحلام قائلاً: «ربما وقع طلاق بين زوجين وهُدم بيت وتفرقت أسرة وتقطعت أرحام بسبب هؤلاء المعبرين الذين لا يتقون الله في ما يعبرون، ولهذا يجب على المسؤولين إيقاف هذه البرامج لمنع أضرارها على الفرد والمجتمع».

وألقى مفتي السعودية باللائمة على من يفسرون الأحلام دون بصيرة، ووصفهم بالباحثين عن «التجارة والمكاسب» من وراء تلك التعبيرات الخاطئة التي يروج لها من لا يحسن التعبير ودون علم لديه عن تفسير الرؤى. مع العلم أن كثيراً من الرؤى مجرد أوهام، فإن رأى العبد ما يسره حمِد الله، وإن رأى ما يسوؤه يطبق التعاليم الشرعية في هذه الحالة، وأن على المرء المحافظة على الأذكار المشروعة التي تحفظه في اليقظة والمنام.