أزمة حجاب الطفلات!
الحجاب, ياسمين الخيام, د. مبروك عطية, طفل / أطفال, د. عفاف النجار, علماء الدين
06 أغسطس 2012التدرج أفضل
وتدعو الفنانة المعتزلة ياسمين الخيام التي تحولت إلى داعية إسلامية، الأمهات والآباء إلى اللين في التعامل مع البنات، في عصر الانفتاح الإعلامي الذي أصبحت تربية البنات فيه أمراً غاية في الصعوبة، في ظل حرص الأسرة على تعليم بناتها أمور الدين وحمايتهن من الفضائيات التي تتنافس في العري، فتجد البنت نفسها بين أمرين متناقضين، الأسرة تدعوها إلى الحجاب، وما تشاهده في الفضائيات عكس ذلك تماماً. ولهذا لا بد من الحكمة والتدرج في معالجة تلك القضية تنفيذاً لقوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» آية 125 سورة النحل.
وأوضحت الخيام أنه لا يوجد أولى بتطبيق تلك الآية التي تدعونا إلى الحكمة والموعظة الحسنة من أفراد الأسرة بوجه عام، والبنات بوجه خاص، والذكي هو من يحسن قراءة الواقع ويتعامل معه دون إفراط أو تفريط، مثلما قال أمير المؤمنين الفاروق عمر: «لا تكن صلباً فتُكسَر ولا ليناً فتُؤكَل»، مع التأكيد على اختلاف طبائع البنات، وبالتالي كل واحدة تحتاج إلى طريقة معينة في التعامل، ولنتأمل وصف الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم، الذي يعتبر القدوة والمثل الأعلى لكل مسلم، فقال تعالى: «فبمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران.
سن البلوغ
وتؤكد الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الحجاب «فَرض على المسلمة يبدأ بسن البلوغ، لكن بالنسبة الى الفتيات الصغيرات يجب على أولياء أمورهن أن يؤدبوهن بآداب الإسلام بالتدريج وبشكل شيق، وليس بالعصا الغليظة أو التوبيخ، كأن يأمروهن بألا يخرجن إلا ساترات لعوراتهن خشية الفتنة، وتعويداً لهن على الأخلاق الفاضلة حتى لا يكنَّ سبباً في انتشار الفساد، مع أنهن لا يعرفن من معاني تلك الكلمات شيئاً».
وأشارت الدكتورة عفاف إلى أن النقطة الفارقة في حياة البنت هي وصولها إلى مرحلة البلوغ، أو التكليف الشرعي الذي يجب أن تكون قد سبقته بالتدريج مراحل للتدريب بالترغيب وليس بالترهيب على الصلاة في خمار لأنها لو صلت بدونه لا تصح صلاتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»، وفي ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه».
تحذير
ويحذر الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، من «التشدد والغلظة في التعامل مع الصغيرات حتى لا نخلق لديهن نوعاً من الازدواجية في التفكير، صعوبة تمييزهن بين الانفتاح والتحرر الذي يشاهدنه في الإعلام والشارع، والتشدد والتطرف في البيت، مما يخلق لديهن صراعاً مع الذات قد يتحول في ما بعد إلى رفض الواقع والانعزال التام عنه وغرس لبذور التعصب لديهن أو التمرد على الواقع في المستقبل، وكل من الأمرين مرفوض شرعاً، لأن الإسلام دين يسر ووسطية فقال تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...» آية 185 سورة البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا»، أليس أولى الناس في التعامل معهم وفق تلك الضوابط والأخلاق الإسلامية بناتنا؟».
مراعاة البيئة
ترى الدكتورة عزة كريم، أستاذة الاجتماع في المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن غالبية الفتيات اللواتي يرتدين هذا الزيَّ يتم بناءً على رغبة أو أوامر أولياء أمورهن، أو تقليداً لأمهاتهن وأخواتهن ومدرساتهن، وعادة ما يتواكب ذلك مع حالة من الاستحسان والتشجيع المتواصل، مما يؤدي إلى غرس الانبهار بهذا الزي لدى الصغيرات، ويجعلهن يصررن على ارتدائه حتى وإن كن لم يتجاوزن من العمر أصابع اليد الواحدة.
وتشير الدكتورة عزة إلى أن الإنسان ابن بيئته، «فالبنت المولودة في بيئة محافظة تختلف نظرتها الى الحجاب عن نظرة البنت المولودة في بيئة مدنية أو أقل تديناً أو غير متدينة على الإطلاق، كمن يعيشون في الغرب أو الدول غير الإسلامية، لكن الخطورة تكمن في الإجبار المبكر وعدم انتظار السن المناسبة وهي سن البلوغ».
محاذير نفسية
تتعجب الدكتورة سامية الجندي، أستاذة علم النفس في جامعة الأزهر، من آراء بعض الآباء الذين يفرضون الحجاب الكامل وليس مجرد غطاء الرأس، بحجة خوفهم عليهن من التحرش من زملائهن الصغار، أو حتى الرجال إذا كانت ابنته على قدر من الجمال، مما يجعل البنت في حالة نفسية مضطربة طوال حياتها وتنظر الى الذكور، أياً كانت سنهم، على أنهم ذئاب أو حيوانات متوحشة، مما يدفعها إلى التقوقع ويصيبها بالانعزالية وعدم الاندماج في المجتمع والتوجس خيفة من الجنس الآخر.
وطالبت الدكتورة سامية بتأخير كلام البنت عن الحجاب إلى بداية مرحلة المراهقة، لتعيش طفولتها ببراءة ودون قيود تؤثر سلباً على نفسيتها طيلة حياتها. ومن المعروف أن الأمراض النفسية التي تصيب الأطفال يصعب علاجها بسهولة في الكبر، بل إن السعي إلى علاجها قد يؤدي الى نتيجة عكسية بمزيد من الانغلاق أو الانفتاح، وهي التفلت التام من القيم والأخلاق التي مثلت قيوداً على الصغيرة التي رأت زميلاتها يتمتعن بطفولتهن في حين كبلتها أسرتها بالحجاب المبكر بحجة أنه فرض إسلامي ستثاب عليه إذا نفّذته وهي صغيرة، وإذا لم تفعل ستدخل النار. وهذا بالطبع فيه نوع من الترهيب غير المطلوب.
حجاب الصغيرات ظاهرة انتشرت في أكثر من دولة عربية، حتى أن هناك طفلات في سن الثالثة يفرض عليهن الحجاب. ففي مصر الكل أصبح يلاحظ الظاهرة، وفي العراق قامت مؤسسة لرعاية اليتيمات بفرض الحجاب الجماعي على 500 طفلة دفعة واحدة، وفي المغرب انتفض مركز مساواة المرأة أمام تلك الظاهرة، وبادر بحملة لمناهضة حجاب الصغيرات تحت شعار: «حتى لا تعيش الفتيات في عتمة دائمة». فماذا يقول علماء الدين عن فرض الحجاب على الصغيرات؟
بدأت القضية بتنظيم مركز «مساواة المرأة» المغربي، عبر موقعه الإلكتروني، حملة «مناهضة حجاب الصغيرات» تحت شعار «حتى لا تعيش الفتيات في عتمة دائمة». وأعلنت الحملة أنها تستهدف الصغيرات منذ الثلاث سنوات وحتى العشر سنوات، واللواتي يتسرب إليهن الإحساس بأنهن عورات، عليهن أن يختبئن ويخفين شعورهن دون أن يكون لهن أي علم أو قدرة على فهم الدين وتعاليمه.
وأصدر المركز بياناً يدعو المؤسسات الإنسانية والتشريعية للمشاركة في هذه الحملة، ومما جاء فيه: «صغيراتنا في خطر يأخذهن نحو العتمة والضعف النفسي وعدم الاستقرار. إلى الجميع، ولا نستثني أحداً، وإلى كل من يحمل ذرة ثقافة وتحرر وتطور أن يهتم بالموضوع، كل من موقعه. على الجهات التشريعية أن تتصدى لحجاب الصغيرات وتمنعه بقوانين صارمة، والجهات الإسلامية عليها توضيح الأمر وتصحيحه، لأن الصغيرات في عتمة، وعلى الجهات الحاكمة الالتزام والتنفيذ من أجل حماية الطفولة وبناء المجتمعات السليمة».
نقد
وأعرب الكاتب المصري باهر إبراهيم، في مقالة في صحيفة «الغارديان»، عن انزعاجه من زيادة عدد الفتيات المسلمات الصغيرات اللواتي يرتدين الحجاب في مصر، وأظهر استياءه الشديد من تعليم الفتيات الصغيرات أن ينظرن إلى أنفسهن على أنهن كائنات جنسية يجب تغطيتها وهن في سن صغيرة. ومن يمشِ في شوارع مصر يلاحظْ ظاهرة لم تكن بارزة قبل عام، وهي الأعداد المتزايدة لفتيات صغيرات أعمارهن ثماني سنوات يرتدين الحجاب والعباءات الإسلامية. وهذا المشهد كان سائداً في ما مضى في المناطق الريفية، وأصبح شائعاً بشكل متزايد في المدن والعائلات الثرية، بل إن السن التي تبدأ فيها الفتاة المسلمة ارتداء الحجاب تراجعت، حتى أصبحت جميع الطالبات تقريباً في المدارس الثانوية يرتدين الحجاب.
وأكد الكاتب أن فكرة تسويق الحجاب على أنه الزي المناسب للمرأة المحترمة ليست بجديدة، لكن الجديد هو جعل الأطفال أهدافاً لهذا التسويق، ووصل الأمر إلى أن العروسة «فلة»، وهي النسخة الشرق أوسطية من «باربي»، أصبحت ترتدي الحجاب والعباءة، ومكتوباً على علبتها «فلة في زيها خارج المنزل»، في محاولة للتأثير على الفتيات الصغيرات وإخبارهن بأن هذه هي أفضل الأزياء خارج المنزل، مع أن ارتداء الفتيات الصغيرات للحجاب يحرمهن من ممارسة طفولتهن.
وتساءل الكاتب المصري: «ما هو الهدف من فرض الحجاب على فتاة صغيرة؟ ولماذا أصبح هذا الأمر أكثر شيوعاً؟».
سلاح ذو حدين
ترى الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن ظاهرة حجاب الصغيرات «سلاح ذو حدين، فإذا تمت في مرحلة الطفولة المتأخرة من أجل التحبيب فيه والتقليد الاجتماعي للكبار، فهذا شيء مقبول شرعاً كنوع من التعويد عليه بالتدريج، مثلما أمرنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، على تعويد وتدريب الأولاد على الصلاة.
أما الشق الثاني من القضية إذا تم ذلك بالإكراه والغلظة والشدة فهذا مرفوض شرعاً، بل إنه يشكل تهديداً لبراءة الطفولة وانتهاكاً صارخاً لحقوق هؤلاء الطفلات، خاصة بزرع ثقافة أن الأنثى كلها عورة ينبغي الحفاظ عليها، من وجهة نظر متطرفة بعيدة عن جوهر الإسلام الذي يدعو إلى الرفق، فقال صلى الله عليه وسلم: «لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه». وقال أيضاً: «إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم باب رفق». بل إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يؤكد لنا أن الله الذي نسعى لمرضاته بالحجاب يتصف بالرفق، فقال: «إن الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، وليس هناك معنى لما يردده الآباء من تطبيق آية فرض الحجاب على بناتهن قبل البلوغ، حيث قال تعالى في آية الحجاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» آية 59 سورة الأحزاب».
ترغيب وتشجيع
على الجانب الآخر يؤكد الدكتور محمد يسري الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، أنه «لا بجوز التساهل في القضية بشكل كبير حتى لا تضيع بناتنا، لأنه كما يقال «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»، فإذا لم يتم تعويد البنت على الحجاب منذ الصغر وبشكل محبب، فإن الكلام معها عند البلوغ سيكون مستغرباً وقد يكون مرفوضاً، لأن الإنسان يشيب على ما يشب عليه. وليكن إقناع البنت بالحجاب منذ مرحلة مبكرة من عمرها بالتدريج، مثلما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، مع الصلاة فقال: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». ولهذا علينا العمل على أن تعتاد الفتيات لبس الحجاب منذ الصغر، بالترغيب والتشجيع وليس بالإرغام، إلا إذا كان هناك تمرد ورفض للحجاب تأثراً بالإعلام أو البيئة الخارجية، وهذا أمر لا تهاون فيه، لأن كل إنسان مسؤول عن رعيته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».