زوجي لا يصلّي... هل أطلب الطلاق؟

طلاق, د. مهجة غالب, مواقع الزواج الإلكتروني, صلاة, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. محمد عبد المنعم البري

26 نوفمبر 2012

جدل فقهي أثاره إقامة زوجة سعودية دعوى لطلب الطلاق من زوجها، بعد خمسة أيام فقط من زفافها، بحجة أنه لا يصلّي، حيث انقسم علماء الإسلام إلى ثلاث فرق، أولها رفض موقفها والثاني أيّدها والثالث قدّم حلولاً وسطاً لمنع الوصول إلى أبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق، وقد استند كل فريق إلى أدلة شرعية في موقفه، فماذا قالوا؟


تفجّرت القضية عندما قررت سيدة سعودية إقامة دعوى  للطلاق من زوجها أمام المحكمة، ورفضت كل محاولات إصلاح ذات البين، بل قررت دفع مبلغ 55 ألف ريال للحصول على ورقة طلاقها من زوجها الذي لا يصلّي، وذلك بعد خمسة أيام فقط من الزواج.
حاول الزوج استعادة زوجته، إلا أنها رفضت بشدة العودة إلى بيت الزوجية وأصرّت على الحصول على حكم من المحكمة الشرعية في مدينة ضمد، يقضي بفسخ عقد الزواج، وأنها مستعدة لدفع تعويض لزوجها بمبلغ 55 ألف ريال من قيمة المهر الذي بلغ حينها 70 ألف ريال، واعتبار المبلغ المتبقي من المهر بمثابة نفقة لجنينها الذي يحتمل أن يكون ثمرة الزواج الذي لم يستمر سوى خمسة أيام.

حاول ناظر القضية في المحكمة تقريب وجهات النظر بين الزوجين المتخاصمين، من خلال إحالتها  إلى لجنة إصلاح ذات البين، والتي لم تستطع إعادة الوئام بينهما بسبب إصرار الزوجة على الطلاق مهما كان الثمن، لأنها لا تطيق الحياة مع زوج لا يصلّي.


النصيحة

في البداية تشير الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن الزواج يعد من أقدس العلاقات الإنسانية في الإسلام، ولهذا فإن اللين والرفق والرحمة صفات مطلوبة في قلب الزوجة تجاه زوجها، والتمسك بتلك الصفات هو الحل الأمثل في معاملة الزوجة لزوجها الذي لا يصلّي، والعكس طالما أن عدم الصلاة نتيجة الكسل وليس الإنكار أو التعمد. 

وتؤكد الدكتورة مهجة غالب أن الزوج هنا في حاجة إلى النصيحة باللين وعدم الفظاظة من الزوجة، بدلاً من طلب الطلاق، ولهذا ننصحها بأن تعدل عن رغبتها في الطلاق وأن تتبع الأمر الإلهي للنبي وأمته من بعده «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران. وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالتأكيد أن طلب الطلاق يجب أن يكون آخر الحلول وليس أولها، كما فعلت هذه الزوجة حتى لا تخرب بيتها بيدها، وإذا اعتبرنا أن عدم صلاة الزوج معصية لله ونوع من النشوز الزوجي، فإن العلاج الشرعي حدده الله في قوله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» آية 128سورة النساء. وبالتالي يجب على الأهل والصالحين محاولة إصلاح ذات البين ونصح الزوج بالصلاة.


الصبر

أما الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، فتتعجب من سرعة رد فعل الزوجة التي لم تتحلّ بالصبر بعد أيام قليلة من زواجها، وقررت اختيار الطريق السهل لتدفع ثمنه بحملها لقب «مطلقة»، بل ودفعها أموالاً لذلك. فهذا التصرف ينافي ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل».

وطالبت الزوجة بالعودة إلى عقلها وصوابها، وأن تأخذ بيد زوجها الذي كان يجب عليها أن تعرف صفاته وطباعه قبل الزواج، إذا كانت ترفض الزواج من غير المصلين. أما الآن فإن هناك حياة زوجية قائمة واحتمال أن يكون هناك حمل، والأفضل لها أن تنصب من نفسها داعية بالحسنى له للتوبة والرجوع إلى الله، تطبيقاً لقوله تعالى:» ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». آية 125 سورة النحل.

وأضافت الدكتورة عبلة: «يجب على الزوجة شرعاً أن تمتثل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال «الدين النصيحة» ثلاثاً. قلنا: لمن يا رسول الله. قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». ولهذا من حقوق زوجها عليها أن تنصحه وتصبر عليه لتنال ثواب الصابرين، الذي قال عنه الله تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» الآيات 154-156 سورة البقرة».


الإصرار

وتعارض الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، موقف الزوجة قائلةً: «تعامل الزوجة مع الزوج الذي لا يصلي يجب ألا يكون بهذه الغلظة، التي تؤدي إلى هدم البيت، بل عليها أن تنصحه بالحسنى والرفق بأن يؤدي الصلاة، وعليها أن تعلم أن هذا ليس بالأمر السهل، وإنما يستغرق وقتاً، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ» 45 سورة البقرة».

وشددت الدكتورة الشرباصي على أنه ينبغي على كل من الزوجين أن يحسن اختيار شريك حياته من البداية، حتى لا نضطر إلى هذا الحل المأسوي الذي تحمل فيه المرأة لقب مطلقة بعد خمسة أيام فقط، ولو أنها أحسنت الاختيار لما كان هذا حالها. ومع هذا ننصحها بالصبر وتوجيه النصح لزوجها حتى يتوب إلى الله، فإن رفض وأصر استكباراً وإنكاراً، فلها حق طلب الطلاق لأنه هنا سيكون من المنكرين للصلاة ولا يحل لها الاستمرار معه لأنه يكون قد خرج من الإسلام.

 


الرفق

ويشير الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى أن الرفيق الرحيم هو أحق الناس برحمة الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وأعتقد أن صلة الزوجية توجب على الزوجة أن تكون رفيقة مع زوجها الذي لم تمض معه سوى أيام قليلة، فنصيحته برفق، كما أمرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»، أفضل من طلب الطلاق.

ولفت إلى أن الله لم يجعل الزواج آية من آياته من فراغ، وإنما لما فيه من رحمة ورفق ومودة يجب أن تكون بين الزوجين فقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. فهل هذه المودة والرحمة تجعل الزوجة تترك زوجها تارك الصلاة، جهلاً أو كسلاً، وتطلب الطلاق بدلاً من نصحه والأخذ بيده إلى الطاعة؟ وإذا افترضنا أن ترك الصلاة منكر فإنها مطالبة شرعاً بتغييره بلسانها واستعمال ما لديها من عواطف وتأثير عليه ليس لدى غيرها، فقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».


مهلة

وتنصح الداعية هدى الكاشف الزوجة بأن تمنح زوجها فرصة وتحدد له وقتاً، إذا تاب وأناب وصلّى استمرت معه، وإذا استمر في استهتاره وتعنته فلها أن تطلب الطلاق، وأثناء فترة المهلة ننصح الزوجة باللجوء إلى الله والتضرع إليه من أجل هداية زوجها، وأن تدعو له بالهداية باستمرار وبقدر إخلاصها وصدقها يكون الخير وتأتي الاستجابة، كما يجب عليها اتخاذ المداخل الحسنة للنصح برفق وانتقاء الكلمات الجميلة والأوقات المناسبة، كأن تقول له: «أنت زوج مثالي وطيب وعندك وفاء والناس يذكرونك بالخير، ولكن حبذا لو صلّيت وواظبت على الصلاة، فإني سأحبك أكثر وسيحبك الله والناس».  واصلت الداعية هدى الكاشف نصائحها للزوجة التي لا يصلي زوجها قائلة: «عليك بتشجيع الصالحين من محارمك على زيارته ودعوته للصلاة دون أن يشعر أن هذا الأمر متفق عليه بينكم، ويفضل أن تكون الزيارات في وقت الصلوات حتى يذهب معهم إلى الصلاة، ويمكن للزوجة شراء أشرطة وكتيبات تبين حكم تارك الصلاة وعقوبة المتهاون في أدائها في أوقاتها ووضع الأشرطة في متناول يده، والحرص على أداء الصلاة أمامه ودعوته أن يكون إماماً لها، واستخدام الوسائل والأسلحة المؤثرة التي تمتلكها الزوجة لجذبه للصلاة والمواظبة عليها».


من حقها الطلاق

أما الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر، فيرى أن من حق الزوجة طلب الطلاق إذا أعلن الزوج صراحة أنه لن يصلّي، وذلك لأن الصلاة هي أول ما يحاسب عليه الإنسان من عمله، بل إنها الميزان الذي نعرف به دين الإنسان وصلاحه، ومن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة, وحُشر يوم القيامة مع أئمة الكفر والضلال.
 وأوضح الدكتور البري أن الصلاة هي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان ما دام به نفس يصعد ويهبط، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين، الذي كان مريضاً «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب».

وأكد أن ترك الصلاة من كبائر الذنوب التي تعطي الزوجة حق طلب الطلاق، فقد قال عبد الله بن مسعود عن المتهاون فيها وليس تاركها مثل هذا الزوج: «إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في جماعة ولو أنكم صليتم في بيتكم كما يصلي المنافق في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف».
وأنهى البري كلامه بتأكيد حق الزوجة طلب الطلاق لإصرار الزوج على عدم الصلاة، لأن الصـلاة عماد الدين وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين الرجل وبين الكفر، أو الشرك، ترك الصلاة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». وقال عمر بن الخطاب: «لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة».


فرق

أما الدكتور محمد يسري، الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، فيفرق بين ترك الزوج للصلاة عمداً مع سبق الإصرار، ووقتها يكون خارجاً عن الملة وتجب استتابته، وبعض العلماء يرون التفريق بينه وزوجته وفسخ عقد زواجهما، وبين تارك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً وهو من يجب على الزوجة نصحه والأخذ بيده نحو الصلاة, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة: «من ترك الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك العشاء فليس في نومه راحة». ولهذا ننصح الزوجة بأن تحسن اختيار زوجها من البداية بدلاً من طلب الطلاق بعد أيام قليلة من الزواج، وأن يكون الزوج ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». والوضع نفسه بالنسبة إلى الزوجة، فعلى الرجل أن يختارها من ذوات الدين والحريصات على الصلاة حتى لا يفكر في طلاقها لعدم صلاتها، فقال صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ، لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».