مارسيل وندرز يطوّع الأمكنة صناعة الأحلام وتصديرها إلى الواقع

الديكور, ألوان, فخامة المساحات, أنماط زخرفية, أثاث عصري

04 يناير 2014

لا مبالغة في القول إن أعمال مارسيل وندرز نسيج فريد في المجال الزخرفي. وإذا كان مزج الطرز والأساليب في مجال الديكور يعكس خبرة ومهارة، فإن مزج الأحلام والرؤى يعكس بالتأكيد فرادة وتميزاً. ومارسيل وندرز هو نفسه مزيج من كل هذه الخصائص.


فضاءاته المثيرة مصاغة بحبكة مدهشة تخرج بها عن المألوف، لتمنحها روحية خاصة، تتألق في عالم خاص، وتبزغ في المساحات مثل وميض زخرفي يستعصي إدراكه خارج حدود المخيلة.
هو في بعده الزخرفي وقيمه الجمالية يحاكي الأسطورة، ويزرع في النفوس البهجة والفرح. وهذه معادلة فذة لا تستكين بين الحلم والواقع، بل هي دائمة الحراك بحيوية تفيض في كثير من الأحيان عن أبعاد المساحات ومقاسات الأمكنة.

أما أجواؤه فهي وليدة تلك الشفافية التي تتقاسمها الغرابة والتناغم. ألوان ساطعة ولكنها متناغمة مثل نوتات سمفونية تولد للتو. تتلاعب فيها الظلال والأضواء، تسطع حيناً وتخبو حيناً آخر، خاضعة لشروط الأبداع، ولكنها أبداً لا تنطفئ.

البراعة والنقاء، الطرافة والغرابة، مفردات لغوية، تتحوّل في عوالم وندرز الى مفردات زخرفية صلبة. سمة مميزة تطبع مشاهده الزخرفية المتنوعة بكل مظاهرها ومفارقاتها.

ومثلما هو حضور اللون الأبيض في كل بهائه وألقه، فإن حضور الأسود يأتي لتفسير تلك المواقف وتعميق آثارها. أما الألوان الأخرى فتتسلل بينهما، لتمدّهما بالحيوبة التي تنعكس على كل العناصر المحيطة، من دون أن تدفعها للهاث والافتعال.
حتى الأحمر، حين يبزغ هنا أو هناك، ليختصر بحضوره الحار لوحة الألوان، فإنه يتعزز بوميض وإنعكاسات ناعمة، فضية او ذهبية تطرّز المناخات وتثمّن النغمات والألوان.

مارسيل وندرز يحمل رؤية حديثة، معاصرة، ولكنها رؤية تتكئ في خواصها على الأصالة. وهو حين يغالي في استخدام بعض التعابير الزخرفية الباروكية، فإنه يبقى محافظاً على تماسكه الجمالي الحاد. وهكذا تتحول، بين يديه التعابير الباروكية إلى نصوص زخرفية بالغة الحداثة والتجاوز.

وفي أعمال مارسيل وندرز تلعب التفاصيل أدوار بطولة، فهو هنا مثل المخرج السينمائي الذي يطوّع المواقف الثانوية ليمنحها دور المنعطفات التاريخية في الروايات الخالدة. ومن أجل ذلك لا يمكننا أن نتجاهل أجواء هوليوود في أعمال هذا المهندس الموهوب.

تفاصيل وندرز حاضرة في كل ركن، في كل زاوية وفي كل مساحة مهما بدت بالغة الصغر. وهي هنا ليس للعب دور التفاصيل، ولكنها لتطرز الأشكال والألوان والعناصر وتتلاعب بالأحاسيس المتولّدة عنها دون مبالغة أو طغيان.

شاعرة هنا، وسلسة هناك، وناعمة في مجمل مواقعها. ومنها يصبح التنقل بين العادي وغير العادي ممكناً، من دون السقوط في رتابة الحركة. مفارقات لا يمكن تجاهلها في أعمال هذا المهندس الذي يمنح عالم الديكور روحاً جديدة.

مارسيل وندرز يبتعد عن لعبة التكديس لعناصر الزينة والأثاث، ويمنح كل فضاء خاصية لا متناهية من الشفافية والحساسية والمتعة.

يقترح وندرز في كل مشروع من مشاريعه أبعاداً زخرفية مميزة بخيارات خاصة، لا تخطر في بال، تعززها مقاربات بارعة لكل موضوع، وإبراز مثير لمناخات متفردة، تتكامل فيها الأشكال والألوان لتؤسس صيغة فيها من البساطة بقدر ما فيها من التكلف.

فقطع الأثاث التي يبرع مارسيل وندرز في اختيارها عصرية الخطوط بإمتياز، ولكنها مشبعة دائما بلمسات باروكية تمنح تصاميمه بعدها الزخرفي المثير وتعزز خصوصية هويتها. وهو يحسن توزيعها في الفضاءات بشكل حيوي، لا يخدم المشهد الزخرفي فحسب، وانما يؤدي في الوقت ذاته مهماته الوظيفية.

أسلوب ليس له مثيل، أناقة يهيمن حضورها على المكان بكل مظاهره.

الى جانب البراعة المؤكدة، فإن أعمال وندرز لا تخفي تلك المهنية البازغة في مشروع من مشاريعه.
ولكن قبل هذا وبعده، تلك الموهبة الفريدة في صناعة الأحلام. وهو إن كانت تستهويه هذه الصناعة، فإنه يبرهن أيضاً عن إجادة تامة لتسويقها واستثمارها.
مسألة تتطلب إلى جانب البراعة والخيال مرونة لا متناهية. ومن دون ذلك كيف يمكننا الاقتناع بأن هذه الأجواء التي تفيض برفاهية وفخامة، هي واقع وليست مجرد حلم.