فضائيات تحوّلت إلى خاطبة: عريس على الشاشة!

الزواج, الفيسبوك, د. سامية خضر, علم النفس, برامج

08 فبراير 2014

لم يعد للخاطبة التقليدية مكان، لكن فكرتها تظل قائمة وإن ارتدت الشكل العصري واستخدمت وسائل الاتصال الحديثة، حتى أن بعض الفضائيات الآن أصبحت تقوم بهذا الدور وحولت شاشتها إلى خاطبة تعرض طلبات الزواج من الشباب والفتيات. فهل توافقين على الزواج بهذه الطريقة؟ وهل يمكن أن تجدي فتى أحلامك عبر الخاطبة الفضائية؟ وإلى أي مدى يكون الشباب جادين في استخدام الفضائيات للتعارف والزواج؟ وما هو رأي علم النفس والاجتماع في مستقبل هذا الزواج؟ لها تحقق...


تحفظات

تقول أماني عبد الله، مديرة في أحد الفنادق الكبرى: «التواصل عبر الفضائيات موجود، لكني على المستوى الشخصي أرى أنه يصلح لمجرد التعارف. أما في ما يخص الزواج فإن لي تحفظات كثيرة، لأن سمعة المرأة الشرقية تأبى أن يتم زواجها عبر تعارف فضائي. كما قد يكون الطرف الآخر كاذباً ومستهتراً ويشوّه سمعتها، ولهذا أعارض الزواج عبر الفضائيات أو حتى الإنترنت، لأنه عادة ما يكون فاشلاً، ويحصل من خلال عالم يرسمه كل على هواه، وغالباً ما يكون فيه كذب. وقد تغرم الفتاة بشخص ما ثم تفاجأ بأن شخصيته مختلفة تماماً على أرض الواقع. وأنا نفسي أعتبر العلاقات في عالم الواقع أكثر صدقاً ونجاحاً، وأنصح الفتيات بالابتعاد عن الخاطبة الفضائية حتى لا يُصدمن وتُجرح مشاعرهن».


شخصيات مزيفة

تقول دعاء الحضري، خريجة جامعية: «أصدق العلاقات وأهمها في حياتي هي التي تتم على أرض الواقع. وأنا أرفض الزواج أو حتى التعارف عبر الفضائيات، وأحرص على انتقاء شريك حياتي من الأصدقاء المحترمين الذين نعرف أصلهم وعائلاتهم، وأتجنب التواصل مع شخصيات تبدو أنها مزيفة وغالباً ما ترغب في التلاعب بالعلاقات العاطفية. ولا أعتقد أن فتاة تحترم نفسها وتحافظ على كرامتها ترضى بأن تتخذ من الفضائيات خاطبة لها. هذا رأيي، وأعتقد أنه رأي كل بنت شرقية تعد كرامتها وكرامة أسرتها أهم من أي شيء».


الجدية

أما ياسمين سامي، مهندسة ديكور، فتقول: «لا مانع من الزواج عبر الفضائيات، لأن علاقات العالم الافتراضى مثلها مثل علاقات العالم الحقيقي، لها ما لها وعليها ما عليها، رغم أنها أكثر خطورة، لأن الأطراف غالباً لا يظهرون بشخصياتهم الحقيقية، ويكون المجال أوسع للخداع والكذب وإيهام الآخرين بما يريدون. ومع هذا فلا مانع من خوض التجربة، لكن بعقلانية وتأنٍ حتى يتم التحقق من جدية الطرف الآخر في الزواج، خاصةً أن الفضائيات والإنترنت ساهمت كثيراً في التقريب بين البشر. وأنا شخصياً أعرف أسراً تأسست عبر إعلانات الفضائيات والإنترنت، نجح بعضها وفشل بعضها، ولذا يجب الحرص الشديد والتعامل بمنتهى الذكاء مع هذا النوع من العلاقات.


الكرامة

وتقول بسنت نافع، 20 سنة طالبة جامعية: «لم أخض هذه التجربة من قبل، وأرفض الزواج عن طريقها، لأنها فكرة غير جيدة أن أقوم كفتاة مثلاً بالاتصال بالأرقام الموجودة في الشريط الذي يمر على الشاشة، فبكل بساطة سأشعر حينها بأنني أصبحت عانساً، وكرامتي لا تسمح بذلك، لأنه ليس من الطبيعي أن أبحث بنفسي عن الزوج وليس العكس، فمن الطبيعي أن يكون الشاب هو من يبحث عن فتاة ليتزوجها وليس العكس. ولذا أفضل ترك الأمر للقسمة والنصيب والتعارف المباشر من خلال الأسر والزملاء، ولا يزعجني أبداً إذا تأخر هذا النصيب، ومهما طال الوقت لن أتزوّج عبر الفضائيات».


تسالي

ويقول عمر أبو المجد، 25 سنة مصمم برامج: «أرفض أن أدخل تجارب عاطفية عبر هذا النوع من التعارف، رغم أن لديّ أصدقاء يتصلون بهذه الأرقام الموجودة على شاشات القنوات، لكنّ كثراً منهم يتصلون على سبيل المزاح أو السخرية والتسالي فقط، ولا أعتقد أنهم يبحثون عن زوجة بشكل جدي. وأنا شخصياً لن ألجأ إلى هذه الطريقة من أجل الزواج، فهناك طرق كثيرة أسهل وأضمن لي كرجل يبحث عن شريكة حياة، وليس عن فتاة للتعارف لا أعرف شيئاً عنها أو عن ماضيها وأهلها وبيئتها، فالزواج علاقة عمر لا مجرد علاقة عابرة».


فيسبوك

ويقول عبد الرحمن عويس، 22 سنة اختصاصي مرئيات: «ليس لديَّ مانع من خوض هذه التجربة، التي قد تنجح أو تفشل مثل أي تعارف طبيعي، فليس كل من يطلبن عريساً عبر الفضائيات عوانس أو سيئات السمعة كما يعتقد البعض، وإذا وجدت فتاة أحلامي عبر الفضائيات سأتزوجها».
أما خالد عادل، 24 سنة خريج جامعي فيقول: «لا أهتم من الأساس بمشاهدة تلك الفضائيات، لأنني باختصار أرى وبكل صراحة، أنني إذا كنت سأبحث عن زوجة بهذه الطريقة الحديثة فأعتقد أن البحث عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، هو الخيار الأفضل لي، لأنني على الأقل سأتحدث مع التي سأتزوجها، ففي «فيسبوك» يتحدث الأشخاص كأصدقاء أولاً، بعد ذلك يمكن أن تتطور العلاقة لتصل إلى الإعجاب ثم الحب والزواج، وهو ما لا توفره الفضائيات ولا حتى مواقع الزواج، فكل من يتصلون بها هدفهم الأول والأخير الزواج فحسب».


اختلاف

إذا كانت هذه آراء بعض الشباب والفتيات، فماذا يقول الآباء؟ وهل يوافقون على تزويج أبنائهم أو بناتهم عبر «الخاطبة الفضائية»؟

تقول لمياء شنبكي، ربة منزل: «كل العلاقات قد تنجح وقد تفشل، سواء عن طريق التواصل المباشر أو عبر الإنترنت أو الفضائيات، سواء كانت علاقات عاطفية أو صداقات، فإمكانية نجاحها أو فشلها يتوقف على التوافق والتفاهم المتبادل الذي قد يؤدي للانسجام أو لا، ولا يعيب هذا التعارف أن التواصل يتم من خلال الفضائيات ثم مواصلة التعارف عبر الإنترنت، خاصة بعد التطور المذهل الذى يتيح للطرفين السماع والرؤية. ولا أمانع أبداً لابنتي حنين عندما تكبر أن تجد عبر الفضائيات من يصلح لأن يكون شريك حياتها بالمواصفات التي ترضاها، من التدين والاستقامة والأخلاق والقدرة المادية، أي أن يكون جاداً في الزواج وليس مجرد تسلية».
ويقول وليد كساب، معدّ في أحد البرامج التلفزيونية: «أنا أب لأولاد وفتيات، لكني أرفض تماماً تزويجهم بهذه الطريقة مهما كانت الإغراءات، لأننا كمجتمع شرقي نرفض أن ندخل في مثل هذه التجارب، وخاصة مع الفتيات. وأعتقد أن غالبية هذه القنوات ما هي إلا وسيلة للتربح، ولا تتم من خلالها زيجات ناجحة إطلاقاً، بل إنها كلها عملية تجارية».


تطوّر طبيعي
 

تشير الدكتورة مايا أحمد، أستاذة الإعلام في الجامعة الحديثة، إلى أن «إعلان الرغبة في الزواج عبر الفضائيات أو غيرها من الوسائل الحديثة كالإنترنت، ما هو إلا تطور طبيعي لما كان ينشر في الصحف منذ فترة طويلة وما زال مستمرا حتى اليوم، تحت عنوان «أريد عريساً» أو «أريد عروسة»، وبالتالي لا ضرورة للتعجب من هذا أو النظر إليه على أنه خرق للعادات والتقاليد، لأن الأسر التي ترتضي أن تتزوج بناتها عبر إعلانات الصحف لن يفرق معها كثيراً أن يتم التعارف والزواج عبر الفضائيات، خاصةً في ظل تراجع زواج الصالونات التقليدي». وتلفت إلى أن الأسر الشرقية تطورت ولا مانع لديها أن يتم التعارف عبر الفضائيات، بشرط أن يكون الطرف الآخر جاداً في الزواج ومن أسرة طيبة، وأن يكون هناك تقارب ثقافي واجتماعي بين طرفي الزواج وأسرتيهما.


فشل اجتماعي

ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة حلوان، أن «هذه القنوات سلاح ذو حدين، لأنها نتاج تقوقع وتراجع العلاقات الاجتماعية في عصر لم يعد الجار يعرف جاره، وفي نفس الوقت تحولت الأسر الكبيرة إلى أسر صغيرة ليس لها علاقات اجتماعية أو عائلية واسعة، وبالتالي تجد بعض الأسر نفسها أسيرة شبح الخوف من العنوسة على بناتها، ولا تمانع من التعارف عبر الخاطبة الفضائية، خاصةً أن ما يتم عرضة يكون مغرياً، من حيث الصفات والمستوى المادي والاجتماعي. ومن ثمَّ فإن ما فشلت الأسرة في تحقيقه في الواقع المجتمعي المعاش تسعى لتحقيقه عبر الفضائيات». وأوضحت خضر أن الرفض أو القبول الاجتماعي للخاطبة الفضائية يختلف من بيئة إلى أخرى، فهي في المجتمعات المحافظة تكون مرفوضة تماماً، على عكس الوضع في البيئات المتحضرة أو المنفتحة، قد يكون الأمر أكثر قبولاً لديها، كما أنه قد يكون مقبولاً في المدن عن الريف، أو في الأوساط الثقافية العليا عن محدودي الثقافة، الذين غالباً ما يتم الزواج لديهم في إطار الأقارب والجيران.


أخطار كبرى 

عن رؤية علم النفس لهذا الزواج الذي يمكن أن يتم عبر الفضائيات الخاطبة، يؤكد الدكتور الوليد العادل، أستاذ علم النفس والعلاقات الأسرية، أن «الإعلام جعل العالم قرية صغيرة وساهم في إحداث مجموعة من التغييرات النفسية في سيكولوجية الشعوب شيئاً فشيئاً، تطبيقاً للمقولة الشهيرة للقائد الفرنسي شارل ديغول «اعطني إعلاماً قوياً أغير لك الشعب في أسرع وقت». ومن المؤسف أن التغيير لدى المجتمعات العربية يتم إلى الأسوأ لا الأحسن، فنتقمص عادات شعوب أخرى باسم التحضر والتمدن».
وأوضح الدكتور الوليد، أن الزواج بالصورة التقليدية، سواء عبر الصالونات أو زملاء العمل أو الدراسة أو غيرها من الوسائل المعروفة لدينا، أكثر استقراراً من الزواج بين شخصين لا يعرفان عن بعضهما شيئاً، وقد يكونان من دولتين مختلفتين.
وحذر من انتشار هذا الزواج الذي تدفع المرأة الثمن الأكبر له في حالة فشله، وذلك لعدم وجود سابق معرفة بين أسرتي العروسين، بمعنى آخر أنهما من أسرتين ليس لهما «كبير» يمكن الرجوع إليه وقت حدوث مشكلة. والفتاة التي تعرض بياناتها عبر الفضائيات ستكون النظرة إليها دونية، سواء من الزوج الذي قد يعيّرها بذلك لدى حدوث أي مشكلة، أو أسرته وأقاربه وأصدقائه، إذا عرفوا بالطريقة التي تم اختيارها بها.