المجتمعات العربية تحمّل الفتاة المغتصبة ذنباً لم تقترفه!

الزواج, المجتمع العربي, الاغتصاب, سوزان المشهدي

15 فبراير 2014

«المغتصبة» امرأة ينظر إليها المجتمع العربي في شكل عام بطريقة سلبية، وتلحق بها نظرات  ازدراء وتخوف، كأنها السبب في حملها هذا اللقب. وهنا أصبحت الضحية هي المذنبة والملامة والمنبوذة، والظالم هو من يعطَى الأعذار كونه رجلاً. ولكن هل تكون ردة الفعل نفسها عندما يتعلّق الأمر بالرجل «المغتصَب» أو المتعرض للاعتداء الجنسي؟ هل تنظر المرأة إليه من المنطلق نفسه؟ أم أن النتيجة تتغير؟  في هذا التحقيق «لها» استطلعت آراء أفراد من المجتمع  للإجابة عن السؤال: هل تقبل الزواج من مغتصبة؟ وهل تقبلين زواج أخيك أو قريبك من مغتصبة؟
 

أم علي: صراحتي مع زوجي ساعدتني في تخطي الأمر وتفهم أنني مغتصبة

«أخفيت اغتصابي عن أفراد أسرتي خمس سنوات». هكذا بدأت حديثها من فضلت إطلاق أسم أم علي على نفسها، تقول: «كنت في الرابعة عشرة حين تمكن شخص قريب من العائلة من اغتصابي، وفضلت كتمان الأمر لأنه اختفى بعد فعلته ولم يظهر في أي زيارة لأسرتي». كانت صغيرة ولا تعي تفاصيل الأمور وأبعادها، وأصبحت منطوية على نفسها، ولا تتحدث مع أحد من أفراد العائلة إلا عند الضرورة، وترفض الجلوس في حضرة الذكور. ولكن بعد بلوغها التاسعة عشرة لم تستطع أخفاء الأمر أكثر، وفضلت الحديث مع أخواتها لعلهن يتفهمن مشكلتها ويساعدنها في حل الأمر. «وحين علم أفراد العائلة عاتبوني لسكوتي عن هذا الأمر كل هذه السنوات، وحاولوا مساعدتي في تجاوز الأزمة وعودتي إلى ما كنت عليه في السابق، فتاة نشيطة ومحبة للحياة ولمن حولي. ولكن كان هناك رواسب مخفية داخلي ظهرت في حياتي لاحقاً».
وأضافت: «كتب الله لي الزواج من شخص تمكن من كسب قلبي وحبي له، وحين طلب الزواج مني رفضت في البداية، لخوفي من رفضه بعد أن يعلم باغتصابي، ولكن تفهمه للأمر وثقته بي وصبره علي جعلتني أتجاوز الأمر. ولم يتردد في احتوائي وعرضي على أطباء ومتخصصين لحل هذه الأزمة، وبالفعل بعد مدة من الوقت تمكنت من تجاوز الأمر، وأنجبت أربعة أطفال وأنا حريصة على تربيتهم وتعليمهم عدم التقرّب من أي شخص حتى لا يتعرضوا لهذه التجربة».


أم فاتن: الصراحة المتبادلة جسر العبور لسعادة الزواج ونجاحه
 

«لم أكن أعلم أن صراحتي هي طوق النجاة الذي أنقذني من العار الذي كنت أعيشه»، تحكي أم فاتن قصتها المؤلمة: «كنت الفتاة الوحيدة في أسرتي، وكنت أعيش في منزل الأسرة مع عمي وأبنائه، ولم أتصور أن يكون أحدهم جلادي، ويكتب لي حياة تعيسة من بعد اغتصابي. لم أكن أعي أن اهتمام ابن عمي الذي أعتبره مثل أخي سبباً لضياعي وأنا في السادسة عشرة، ولم أكن أتصور أن يعتدي عليّ ويهددني بقلب الطاولة علي إذا أخبرت أحداً. فكان خوفي منه سبب سكوتي 15 عاماً، ففضلت كتمان الأمر وتعايشت مع وضعي الجديد. أفراد الأسرة كانوا يلاحظون انطوائي وبعدي عن الجميع، وبقائي في غرفتي طوال الوقت، ولم  يسألوني عن الأمر لأنهم يعتبرون أننا إخوة نعيش مع بعضنا، فهذا الأمر الذي تربينا عليه». وتعود بذاكرتها فتحكي: «استغل وجودي في المنزل وحدي واغتصبني وهددني بأنه لن يعاود الكرّة إذا لم أخبر أحداً بالأمر، وصدق في وعده. وكنت في كل مرة أحاول الحديث مع والدتي أرى في نظراته التهديد والويل من تكرار الأمر، ومن شدة خوفي كنت أسكت، وفي كل مرة تحدثني والدتي كانت دموعي تنهمر، إلى أن قررت والدتي أخذي عند طبيب نفسي. في بداية الأمر كانت الجلسات مع الطبيب تنتهي بالسكوت، إلى أن شعر الطبيب بخجلي من التحدث معه، فحولني على طبيبة نفسية. وبعد محاولات عدة منها تمكنت من معرفة القصة، ووعدتني بعدم إخبار أي شخص إلا من يتقدم لي. وبالفعل أخذت بنصيحتها وحين تقدم لي شاب من خارج أسرتي تفهم الوضع بعدما حضر جلساتي مع الطبيبة».


لا ذنب لها...

علي الراجح أكد أنه لا مانع لديه من الارتباط بفتاة مغتصبة، «فهي ضحية لا ذنب لها بما حصل معها... ليس النفور من الارتباط بفتاة مغتصبة الرأي الأمثل، ومع أن المجتمع يرفض هذا الأمر، فأنا مع ارتباط الرجل بفتاة مغتصبة ولكن بشرط موافقة أسرة الشاب على الأمر حتى لا تحصل أي خلافات أو نزاعات في المستقبل». وقال: «بعد ازدياد حالات التحرش والاغتصاب في مجتمعاتنا، يجب على أفراد المجتمع تغيير النظرة وتقبل الفتاة المغتصبة وقبول الزواج لأنها ضحية، ويجب مساعدتها لتخطي أزمتها للعيش بسلام». وأضاف: «أنا من الأشخاص الحريصين على موافقة أسرتي على ارتباطي بالفتاة التي سأتزوجها، وإذا اعترضوا سأحاول تغيير رأيهم، ولكن إذا أصروا سأرضخ لرأيهم حتى لا يؤثروا سلباً على حياتي المستقبلية، لأن أي زوجين ومهما كانت علاقتهما قوية يمكن أن يؤثر كلام أفراد المجتمع على حياتهما».


أبو عبدالله: لا يمكنني تقبّل نقد المجتمع

يرى أبو عبد الله (60 عاماً) الموضوع من زاوية مختلفة، ويرفض فكرة زواج ابنه من إمرأة مغتصبة مهما كانت قصتها لأسباب مختلفة بعيداً من لوم الضحية، ويشرح قائلاً: «نظرة المجتمع وكلام الناس يؤثران على أي زوجين، والتقاليد والعادات وثقافة المجتمع تؤثر في شكل سلبي على سعادة أي شخصين، فلو علموا أن من تزوجها ولدي مغتصبة ستكون قصته على كل لسان ولا أستطيع إسكات الناس، وستكون حياته جحيماً». ويشير إلى أنه لا يمكن تحميل الفتاة المغتصبة ذنب ما جرى لها، فهي غير مسؤولة وهي ضحية.
وتقول نصرة إنه إذا قرر أخوها أن يتزوج فتاة مغتصبة ستدعمه، مضيفة: «سأكون معه وأوافقه الرأي، فالفتاة لا ذنب لها في ما حصل معها، فهي ضحية شخص جشع. وسأحاول التأثير على قرار بقية أفراد الأسرة، لأنهم لن يوافقوا بسهولة، ولكن يمكن مع استمرار المحاولة والإصرار وتوضيح الأمور أن يتقبلوا وإن على مضض».


حامد عبد السلام: أشفق عليها ولكن لا يمكنني الارتباط بها

ومن جانب آخر، يرفض حامد عبد السلام (موظف في القطاع الخاص) الارتباط بفتاة مغتصبة، ويرجع أسبابه إلى أنه لا يمكنه أن يعيش مع فتاة مغتصبة، لأن علاقتهما ستكون مليئة  بالشوائب فيقول: «كأن تعاد لحظة الاغتصاب في مخيّلة الفتاة في كل مرة أتقرّب فيها منها، لذلك أرفض هذا الأمر لأنني لا يمكنني أن أتحمّل وأصبر، فكل شخص يعرف نفسه جيداً، ولا يمكنني أن أظلم هذه الفتاة لأن أي كلمة ستؤثر على علاقتنا وستؤدي إلى خلافات». وأضاف أنه لا يستطيع فرض الأمر على أفراد أسرته لأنهم حتماً سيؤثرون سلباً على هذه العلاقة.


عالية: نعيش في مجتمع ينبذ المغتصبة ويحمّلها الذنب

أما عالية فأكدت أنّ لو أخاها قرر أن يتزوج  فتاة تعرضت للاغتصاب فستقف بجانبه وتقنع أسرتها. وقالت: «لا يمكن أن يكون قرار الزواج من مغتصبة سهلاً على أفراد الأسرة إذا قرر أحد أفرادها هذا الأمر، فنحن نعيش في مجتمع ينبذ الفتاة المغتصبة ويحمّلها الذنب، مع أنها الضحية. فأنا أوافق على أن يتزوج أخي فتاة مغتصبة، فديننا الحنيف يلزمنا ستر المؤمنات وحفظ أعراضهن، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة». لكنها رأت أنه لا بد أن يخضعا لجلسات علاج نفسي، «لأن العلاقة الزوجية تتأثر بالتراكمات الداخلية، فيجب معالجة المغتصبة والرجل الذي يتقدم لها حتى يتعلم طريقة تقبّله الأمر ليساعدها في تخطّي الأزمة التي حصلت معها، وطريقة التعامل مع المجتمع».


المشهدي:
 إقدام بعض الشباب على الارتباط بمغتصبة يكون نادراً

تأسف الاختصاصية الاجتماعية سوزان المشهدي لانقسام نظرة المجتمع إلى الفتاة المغتصبة، فقلّة تعتبرها ضحية والغالبية تعتبرها مدانة، ولا تلتفت إلى ما تشعر به من عدم الثقة والإحساس بالدونية والعار والشعور المتضخم بالذنب الذي لم تقترفه. وترى أن موافقة الشاب على ارتباطه بفتاة مغتصبة يعتمد على مدى معرفته بها، وإقدام بعض الشباب على هذا الأمر يكون نادراً، وفي حالات معينة يحتاج من خلالها  إلى أن يكون البطل المغوار الذي ينقذ الفتاة من الوصمة التي رافقتها.
وعن مشاعر الفتاة المغتصبة تقول: «الخوف والقلق من أكثر الأمور التي تؤثر على حياة الفتاة المغتصبة، خصوصا إذا تزوجت شخصاً يعرف معاناتها، فهي ستحاول إرضاءه بصورة مبالغ فيها قد تفقدها العيش بسعادة وراحة».
ونوّهت إلى أن استخدام الدراما سيساعد في إقناع المجتمع الرافض للمغتصبة، فمثلاً المسلسل التركي «فاطمة» ساهم في تغيير النظرة وإكساب الضحية تعاطف الكثيرين.
وأكدت أن موقف الاغتصاب «لا يمكن أن يمحى من الذاكرة لما يسببه من آلام ومشاعر متناقضة، ولكن يمكن أن يزول بالعلاج النفسي. ونفتقد في عالمنا العربي هذه التخصّصات الدقيقة، ولا يوجد لدينا مراكز متخصصة لمعالجة هذه الحالات».


د. الخضري:
 تجاوز المغتصبة أزمتها يكون بالعلاج النفسي والديني والدعم

ترى الاختصاصية النفسية الدكتورة سارة الخضري أن المجتمع ينظر إلى المغتصبة نظرة قاسية ومؤلمة وخاطئة وكأنها هي المسؤولة عما جرى لها، «خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية، لذلك علينا تغيير هذه النظرة بالتفكير والتعقل، فهؤلاء ضحايا مريض مختل عقلياً ونفسياً، ضعيف الإيمان ومعدوم الضمير. المغتصبة تحتاج إلى من يقف بجانبها ويمدّ لها يد العون، فهي من انتهكت كرامتها وحقوقها وجسدها». وعن شعور الفتاة المغتصبة تقول: «تتعرض الفتاة لمواجهة عنيفة ومؤلمة ومرعبة مع شخص أو أشخاص، وترى الخوف بأنواعه، وإذا كان هناك تعذيب فترى الموت، وهذا الأمر يؤدي بها إلى شرخ نفسي كبير، وقلق، واضطرابات حادة، وإرهاق. ويزداد كل ذلك حين رؤيتها المغتصب مرة أخرى». وشددت على أنه قبل الارتباط يجب على الفتاة أن تخضع لعلاج نفسي كي تتقبّل الأمر، وعلى الرجل المتقدم للزواج منها أن يتفهم حالتها، ويتعلّم كيف يتعامل معها، ويداوي جرحها ويعيد الأمان إليها، «فالمجتمع المثقف والمتعلّم سيقف بجانب المغتصبات، ويرمم نفسياتهن ويعالجهن ويقف معهن حتى تبدأ الحياة من جديد، بعكس المجتمع المتخلّف الذي يحاسب المظلوم المسلوب الأمان والكرامة. وبذلك يزيدها قسوة وألما ويشعرها بأنها المسؤولة عما حدث». وأكدت أن تجاوز المغتصبة أزمتها «يكون بالعلاج النفسي والديني والدعم وطمأنتها، لأن ذلك يساعدها في تقبّل الحدث».