'ميل وكيو' في الوشم فوق الجدران...

أوراق الجدران, جدرانيات, لون الجدران, ملصقات الجدران االمطبوعة, جدران الباطون, الديكور, أثاث عصري

14 فبراير 2014

عالم الديكور حركة دائمة وحيوية متجددة، وبحث يومي مستمرّ، من أجل توفير أبعاد جديدة لآفاق الحياة اليومية المعاصرة، وتخفيف المتطلبات والالتزامات التي تفرضها على الفرد وتدفعه للركض المتواصل في متاهاتها لتلبية شروطها...
وهكذا نجد أنفسنا كل يوم أمام ابتكار جديد أو فكرة فذة، تمنح الإنسان فرصة للراحة وتخرجه من دوامة الحركة المرهقة وتوفر له مساحة لأستعادة أنفاسه وتجديد طاقاته.


«الوشم فوق الجدران»

... البعض يعتبره نهجاً جديداً في الديكور، والبعض الآخر يرى أنه إستثمار ذكي للمساحات المتاحة، على أنه في حقيقته يجمع كل الاعتبارات، فهو يطرح تعابير زخرفية جميلة وطريفة، تمنح المكان خصوصية مؤكدة وهوية حسب الطلب.
حضوره يخلو من الصعوبة، فهو تارة تكفيه زاوية وتارة أخرى ركن، وتارة ثالثة يتمدد فوق الجدار بكامله بل وفوق كل الجدران، فيحولها الى تحف فنية بعدما كانت حوامل لها. ملونة أو بالأسود والأبيض، تحمل توقيع الثنائي الشهير «ميل وكيو».

«ميل وكيو» اختصار للثنائي باسكال ملول وكارول كاريشيو... فنانان مبدعان متكاملان، يعملان معاً منذ 2005 هو يبدع في الرسم وهي تغدق في الكتابة والشعر فيزرعان في الجدار حساً ونبضاً، وفي أحيان كثيرة يجعلانه يتكلم.

... يتعاملان مع الفضاء الهندسي بفضل قدرتهما على إيجاد صلة بين عمل فني ومكان وكائن. ومن أجل تحقيق مداخلاتهم، فإن «ميل وكيو» يغرقان في الفضاء المعطى لهما، ليلتقطا معاً عناصر العمل السردية والتصويرية التي ستحول المكان، وتعطيه الشكل والحياة.

البصمات الفنية لهما، هي في التزامهما المخيلة وفي ابتكار تاريخ تحولات الجدران، الأسقف، ومرات كثيرة، الأرضيات، وربما النوافذ.

أعمال «ميل و كيو» تعكس الحميمية بمقياس كبير. فهما يقدمان الشاعرية، الطاقة والتفاعل في مسيرتهما الفنية ويعطيان الدليل على الالتزام القوي من أجل أن يتشكل المكان ويتكلم أيضاً... يقول بصوت عال ما عهدا اليه من وشوشات وهمس.

في جدارياتهما، الكلمات تتحول الى إشارات، والرسوم تصبح معاني، كل ذلك من أجل رواية تاريخ خاص للفضاء الهندسي.
تاريخ زاخر بالمشاعر... هذا السرد الذي يرافق قارئ العمل، لغاية تكوين فهم جديد للمكان. وبإعادة اكتشاف الفضاء، يحدثان تغييراً عميقاً في روح المكان. ويكشفان هويته.

«ميل و كيو» يعطيان أهمية خاصة لمشاركة الجمهور في العمل. فهما يقترحان أداءات تشاركية، حضرية، حيث الجمهور يتحول الى لاعب أساسي.

سخيان، متحمسان، وعاطفيان. إنهما يحركان حدود ورموز الفن الراهن ويقترحان أعمالاً حساسة، خفيفة، هوائية ولكن أيضاً قوية ومفعمة بالطاقة.

وفي مثل هذه الكوريغرافيا التصويرية، حيث الخطوط و الكلمات ترقص على الجدران. فإن التعبير الفني يحول مكان العبور، الى لحظة مشاعر. عملهما قريب من أعمال «فن الشوارع» ولكنهما يجعلان طاقة الشارع أكثر شاعرية.

يستثمران الجدران كحامل رئيسي للإبداع، وأحياناً للإستنساخ. وإذا كان ثمة اختلاف آخر بينهم وبين حركة «فن الشوارع»، فإن الملمح الأساسي يتجلى في المكان نفسه، فحيث يعمل هذا الثنائي، يستحوذ المكان على صلابة وصمود يبقيانه بعيداً عن التدهور الذي يميز أمكنة حركة «فن الشوارع ». إنها الرغبة والإرادة والإصرار على منح العمل ديمومة.

ومن هنا فإن «الوشم فوق الجدران» ليس مجرد طريقة أخرى للقراءة و اسلوب جديد للقول، بل هو موقف من القراءة والقول، موقف يتصل بالشعور ويجاور التأمل، ذلك أن الجدران حين تبدأ في رواية قصصها وحكاياها، فهي هنا تدفع بالكلمات الى ساحة تحدّ يومي لم تعرفها من قبل.


فهل هناك من يجرؤ أن يحكي القصص لجدرانه؟ وهل هناك من يجرؤ أن ينشر حكاياته فوق الجدران؟

مشاريع كثيرة جميلة اصبحت تنتظر، وفي كل مكان، ابداع هذين الفنانين وأعمالهما التي انتشرت بشكل سريع، لتأخذ مكانها في كل الفضاءات المعيشية والتجارية وكذلك في مستشفيات الأطفال، لتساهم من خلال التعابير الطريفة والرسوم اللطيفة المرحة في التخفيف من عذابات المرضى فترسم على شفاههم الفرح، وتبث البهجة في كل الأجواء.

لقد استطاع هذا الأسلوب الجميل في التعبير «الوشم فوق الجدران» ان يحصد الكثير من الاعجاب والشهرة.

اعجاب لا ينحصر، فقط، بتلك الرسوم الطريفة و المدهشة. بل بكل ما يرافقها من كلام وشعر وتلميح لمواقف او مشاكل طريفة، يسرّ بها أصحابها الى الجدران.
شيء يشبه الإعلان الوجداني، تبثها الجدران، مرفقة بلمسات ملونة جميلة، تسقط الضوء على مواضيع التصميم فتثمن اجواءها وتمنح تعابيرها أبعادا مختلفة ترقى الى مستويات الزخرفة الفنية.

...المساحات الكبيرة لا تخيف المبدعين حتى عندما تتمدد احيانا على مساحات واسعة. مساحات يغطيها الطلاء بشكل مباشر فوق الجدار، مدعوما بنسيج من الفينيل. وكل ذلك باسلوب يبث الفرح مع كل لون وتشكيل.

وإذا كان هذا النوع الفني الذي يبدو اليوم ظاهرة، ليس جديداً بمبادئه بل يعود وجوده الى زمن بعيد، من خلال العديد من الظواهر الفنية لحضارات بعيدة، ماضية، فإن الجديد فيه، هنا، هو هذا التعبير الإيجابي المريح الذي تخاطب فيه الأماكن وتقارب من خلاله الأجواء.
هو كالوشم على الجسد، لكن هذا الوشم الذي بلغ اهم ازدهاره وانتشاره في الستينات والسبعينات، كان يعتبر علامة من علامات التمرد الإجتماعي، من خلال سعيه للتعبير عن الهوية الفردية بينما يحمل «الوشم على الجدران» هذه المرة، خلفية فنية تزيينية، وثقافية أيضاً.

ظاهرة تلقى الأعجاب من الكثير من الناس على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم الاجتماعية، لأنها شكل من اشكال الأبداع بكل خصوصيته الجمالية والتي تكتنز الكثير من الإيحاءات والرموز المختبئة وراء اللون حيناً او الكلمات احيانا أخرى، فتعمق ابعادها وتأثيراتها، و تحولها الى لاعب اساسي في المشهد الزخرفي، فتصبح الأمكنة وفضاءاتها عالما مصغرا عن احلامنا، ترتسم الانطباعات فوقه كأحلام ملونة، تتلاءم مع كل الميول وتناسب كل الرغبات وتنسجم مع كل المتطلبات.
وهكذا يتحول هذا الوشم الى رؤية ثقافية وفنية جميلة، ولعبة تواصل يومي بين الناس، أفراداً أو جماعات.
يرافقهم في يومياتهم، في كل مجالات الحياة، و يغذي بأجوائه المفرحة مزاجهم، كما يساهم في رسم هوية مرئية دائمة او سريعة الزوال وفقا لأساليب التعبير ومظاهره.