محمود حجيج: معظم الأفلام اللبنانية تنقل صورة خاطئة عنا وتُحقِر المرأة

محمود حجيج, مخرج, مسلسل, السينما, فيلم

22 فبراير 2014

لم نعتد مشاهدة واقعنا بكل تفاصيله بعيداً عن نهايات غير واقعية، «طالع نازل» Stable Unstable، ابتعد عن المظاهر ودخل في عمق أزماتنا الإجتماعية دون نهاية واضحة. اعتقد الأستاذ المشاغب محمود حجيج، الذي يُدرس الإعلام مستحضراً ذلك المخرج المثير للجدل في أداء مهنة التدريس، أن بإمكانه أن ينقل الواقع اللبناني من خلال مصعد بناية وعيادة طبيب نفسي.
حركة المصعد في الصعود والهبوط وحال المرضى تشير إلى عدم الإستقرار، الذي هو إنعكاس الوضع العام على حالة المواطن اللبناني، حاول حجيج اختصار مشاكلنا في سبع حالات اختارت ليلة رأس السنة لتقوم بمراجعة نفسها، محاولةً الوصول إلى حياة جديدة في 1/1 من السنة الجديدة وإلى واقع جديد تقرره بنفسها.
حجيج حمّل المجتمع اللبناني مسؤولية الصورة الخاطئة التي تُنقل عنه، وأوضح النهايات الثماني لشخصيات «طالع نازل» في هذا اللقاء..


- كيف وُلدت فكرة الفيلم، الطبيب النفسي والحالات والمكان؟
وُلدت بعد بحث طويل لإيجاد نافذة ننظر منها إلى حياة الناس، وبدأت الفكرة مع المصعد وما يجري في المصعد وتطورت إلى الطبيب النفسي وليلة رأس السنة.

- لماذا فترة ثلاث سنوات لصدور «طالع نازل»؟
لأن السيناريو احتاج إلى سنة من العمل، والعمل في الفيلم استغرق سنتين وأردنا أن نصدر عملاً جيداً، وأعتقد أن الأشياء الجيدة في حاجة إلى وقت.

- هناك مسلسل سعودي إسمه «طالع نازل» ناقش قضايا المجتمع السعودي من خلال عائلات عمارة سكنية واحدة لكل منهم حكاية مختلفة، هل عملك مستوحى من هذا المسلسل؟
هي المرة الأولى التي أسمع بهذا الموضوع، هناك الكثير من الأفلام والمسلسلات التي تتناول سكان مبنى واحد. وبالنسبة إلى الإسم، الفيلم لديه إسمان باللغة العربية «طالع نازل» وبالأجنبية Stable Unstable والعنوانان كتبتهما قبل ثلاث سنوات ولا أدري متى كتب المسلسل الذي تتحدثين عنه.

- المسلسل عُرض في رمضان الـ 2012.
الفيلم كتب مع الإسمين منذ 2010.

- Stable Unstable، تعني الإستقرار وعدمه.
العنوان الأجنبي يشير إلى إستقرار وعدم إستقرار الحالات النفسية التي يزورون الطبيب النفسي.

- ولماذا «طالع نازل»؟
يشير إلى حركة المصعد صعوداً وهبوطاً.

- لماذا اخترت ليلة رأس السنة؟
في ليلة رأس السنة هناك ضغط نفسي معين يتعرض له الفرد من حيث ضرورة أن يكون مسروراً، وتخلق لديه نوع من الهيستيريا في اختيار الملابس والمكان، وأحببت أن أبدأ من هذه النقطة، لماذا يحصل الضغط الذي يعتمد على المظهر أكثر من اعتماده على الحالة الشخصية لكل واحد. وهي تتناسب مع موضوع الفيلم طبيب نفسي، ومصعد واحتفال وليلة رأس السنة.

- لكن ليست كل الحالات التي ظهرت في الفيلم تتعرض للضغط بسبب ليلة رأس السنة.
كل فرد يوم أو ليلة رأس السنة يقوم بمراجعة ما مر به خلال سنة كاملة ويتوقع ما ستؤول إليه السنة المقبلة، فكيف إذا زار طبيباً نفسياً أو إذا كان في المصعد سيفكر بالطريقة نفسها.

- لماذا اخترت المصعد؟
لأنه مكان يستطيع الفرد أن يعبر فيه عن نفسه من دون تمثيل ويشعر فيه بالإرتياح لأنه وحده ومن دون رقيب. أعتقد أنه من الجيد أن نتعرف على مجتمع معين من خلال المصعد من دون مظاهر وتصنع.

- المرآة أيضاً عكست الحالات النفسية للشخصيات التي استقلت المصعد.
صحيح، المرآة في المصعد هي التي تعكس المجتمع وأفكاره، ولكن المختلف هنا أنها تعكسه من دون مظاهر.

- على أي أساس اخترت الحالات الموجودة في الفيلم؟
على أساس بحث طويل أُجري على عشرين شخصاً من أعمار مختلفة واتجاهات مختلفة، فوجدت هذه الشخصيات السبع.

- لدينا سبع شخصيات يمكن أن تخرج منها بسبعة أفلام، لكن لا يوجد ترابط في النص لأن كل قصة منفصلة عن الأخرى.
كل واحد فيلم بحد ذاته، القصص في الحياة منفصلة عن بعضها البعض فمشكلتي مختلفة عن مشكلتك ولكن الذي يجمعنا المكان والزمان. العيادة أو المصعد هما المكان وليلة رأس السنة هي الزمان.
إذا كانت هوليوود تجمع الأشياء بطريقة دراماتيكية فهي تقوم بذلك لأسباب لها علاقة بالإبهار، وهناك حالات مترابطة، ولكن بشكل عام قصص الناس ليست مترابطة.

- في أي خانة يمكن أن نصنف «طالع نازل»؟
أنا أصنفه فيلماً سينمائياً بينما يتم تصنيفه فيلماً كوميدياً - درامياً لأنهم يحبون أن يضعوه ضمن خانة معينة.

- الفيلم تناول قصصاً عدة ولكن لم يكن له نهاية واضحة.
هذا التعليق سمعته كثيراً بأن لا نهاية للفيلم، هوليوود ربتنا على نهايات معينة، وكذلك المسلسلات متأثرة بهوليوود والعالم معجب بهوليوود. سأطلعك على نهاية كل قصة وستستنجين النهاية، نحن نحارب طريقة تفكير معينة تربينا عليها.
ندى أبو فرحات تنتهي في المطبخ تجلس مع الخادمة وهي سعيدة ولم تذهب مع زوجها أو صديقها، أي إنها وجدت سعادتها بعيداً عن الرجل.
حسان مراد ينتهي مقيماً سهرة لأصدقائه (المانيكان) و»يفش خلقه»، هو فضّل أن يحتفل بهذه الطريقة.
حسام شحادات الممثل السوري، ذهب إلى سورية وبالتالي لم يعد في وحدة الزمان والمكان الخاصة بنا.
عايدة صبرا، تبين أن المشكلة تكمن فيها هي وليست في ابنها، وبالتالي هي لا تود أن تجري علاجاً وكانت هذه نهايتها.
الثنائي منذر بعلبكي ويارا أبي حيدر، بسبب الإحتفال بليلة رأس السنة الغريب، من خلال إطلاق النار، أُصيبت يارا أبي حيدر، وفي سيارة الإسعاف حاول زوجها التحدث معها، علماً أنه سابقاً لم يكن يحب التكلم ولكن هذا الظرف المؤلم دفعه إلى التحدث والخروج عن صمته.
زياد عنتر، يقرر بعد أن نصحه الطبيب أن لا يتحدث إلى نساء متزوجات، ويتعرف ليلة رأس السنة على إمرأة متزوجة ويخبرها أنه لا يود التحدث إلى متزوجات.
ديامان بو عبود، تبحث عن أسئلة وتسمع أصواتاً وتصل إلى مكان في نهاية الفيلم وهي المرة الأولى التي تنظر فيها إلى الكاميرا. كأنها نهضت من فكرة أو من حلم وعادت إلى الواقع وتنظر إلى الكاميرا كأنها تنظر إلى نفسها، ورمت خلفها الماضي وحياة والدتها. بمعنى آخر إنها تنظر إلى الناس أي هي في مواجهة معهم.
الطبيب الذي تبين أن لديه مشاكل مع زوجته ويحلها ليلة رأس السنة...
وما زالوا يسألون أين النهاية! هناك ثماني شخصيات مع ثماني نهايات.

- لكننا صُدمنا، انتظرنا نهاية واضحة ولم نجدها.
كل الناس هكذا، كل حياتنا ننتظر شيئاً.

- لكن الإنتظار ليس خطأً.
خطأ كبير، علينا أن لا ننتظر وننظر إلى المرآة أي إلى أنفسنا ونفعل ما نريد. الناس لم يجدوا نهاية تربوا عليها، والنهايات في الأفلام هي في الأغلب نهايات لا واقعية.

ألا تعتبر أن تكرار المشاهد على الرغم من تنوع القصص يسبب للمشاهد مللاً؟
هذه وجهة نظرك، وأي فيلم يشعرك بالرتابة يكون فاشلاً. لم أسمع من أحد أن الفيلم ممل، على العكس تلقّيت تعليقات ايجابية جداً عن الفيلم والبعض أبلغني أن الوقت مرّ كالثواني. أنا أعتبر أن الفيلم مسلٍّ جداً.

- في الفيلم نرى جملاً يسير أمام المبنى من وقت إلى آخر، ما قصته؟
الجمل هو مشهد سوريالي غير مرتبط بواقعية معينة، وبالتالي حياتنا سوريالية إلى درجة أنه يمكن أن يحدث أي شيء ويظهر أنه جزء من حياتنا الطبيعية، ونحن في لبنان نعيش سوريالية.

- ما هي الرسالة التي حاولت أن توصلها من خلال هذا الفيلم؟
لا رسالة لدي لإيصالها، كل ما قدمته هو نقل للواقع كما هو، هكذا نفكر ونعيش، هذه مرآة مجتمعنا إذا كان يعنينا الإستفادة من هذه المعلومات فالأمر جيد، أنا لست هنا لأقدم رسائل وأهداف كما أني لست سياسياً لكي ألقي محاضرات وأكذب على الناس. ما يعنيني في مدة ساعة ونصف ساعة أن أجعل المشاهد يستمتع بتجربة سينمائية.

- غير معتادين عليها.
هذه مشكلة هوليوود والمشكلة ليست عندي.

- ولكن من الجيد أن تتميز عن الآخرين.
أود أن يتميز الناس عن غيرهم ويشاهدوا أعمالاً مختلفة ويستمتعوا بها. أنا قدمت عملاً أعتقد أنه يستحق ثلاث سنوات من حياتي، وعملت عليه بكل حب مع ممثلين عملوا بكل حب مع إمكانات بسيطة لأننا نعيش في لبنان، ونترك الحكم للجمهور.

- لماذا لم توسع المكان وحصرته بالمصعد وعيادة الطبيب؟
لست في حاجة إلى مكان أوسع لكي أنقل حقيقة مجتمع. العيادة والمصعد كافيان لنقل الواقع ولست في حاجة إلى التنقل بين المناطق وعرض مشاهد الأرز والتزلج والبحر والطبيعة.

مجتمعنا لديه مشكلة الإنصات إلى الآخر؟
من الواضح أننا مجتمع لا يسمع فيه بعضنا بعضاً، في مختلف ميادين الحياة ننظر إلى وضعنا السياسي الإقتصادي الإجتماعي السينمائي وحتى الفني. نحن لا نسمع بعضنا، نتكلم ونتكلم ولا نسمع، إذا ظهرت هذه الفكرة في الفيلم فإنه أمر عظيم ولكن لن أتوجه للجميع وأقول لهم أنصتوا.

- الصحافي عباس بيضون كتب عنك وقال: «السينما وجدت مع محمود حجيج حقاً»، برأيك كيف وُجدت معك؟
أشكر عباس بيضون كثيراً، ولكني لا أعتقد أن السينما وُجدت معي فهي لا توجد أو تولد مع شخص واحد، ولربما يقصد أنه بدأنا بناء سينما جدية حقيقية لبنانية ولكن من خلال مجموعة أشخاص، وأتمنى أن نجد سينما حقيقية لا مسخرة.

- هل ستستمر بهذا الأسلوب في العمل؟
أستمر إن كان هناك مقومات وعناصر.

- الفيلم لم يتطلب موازنة كبيرة ولا مؤثرات صوتية أو إضاءة، ولكن معظم النقاد تحدثوا عنه بإيجابية.
هذا ممتاز أن أحوز هذا الكم من النقد الإيجابي من خلال الفيلم. نحن نستحق أكثر من مؤثرات صوتية وفتيات يرقصن، لأننا شعب متعب من الصورة الخطأ التي تُنقل عنا، ونستحق أن نرى أنفسنا بطريقة أفضل.

- معظم الأفلام اللبنانية تصور أن البيئة اللبنانية هي بيئة سهر ولهو..
هذه «كليشيهات» العالم يصور لبنان كبلد لهو وسهر وبيئة سيئة، ولكن ما هذه المسخرة هذا غير صحيح، كل مخرج ينقل الواقع وهذا الأمر موجود في بيئتنا ولكنه ليس كل شيء هذا جزء من الواقع، والمضحك بالموضوع أنهم يستقطبون الجمهور وكأن الناس تقول لهم إنقلوا لنا المزيد، أنا لا أريد أن أنقل هذا الشيء وبرأيي أن هناك قضايا أهم أود أن أنقلها بدلاً من هذه المسخرة التي تتضمن تحقير للمرأة بشكل أساسي وتحقير للإنسان واللبناني.

- على عاتق من تقع المسؤولية في نقل الصورة الخاطئة؟
هذا المجتمع يتحمل نتيجة تصرفاته بغض النظر إن كانت صحيحة أو خاطئة، ومهنة الفنان هي الإضاءة على قضية معينة في هذا المجتمع وهذه مهنته التي يتقاضى أجره عنها.
ويحق له أن ينقل كل شيء ولا يتطرق إلى مواضيع ويستثني أخرى. لا يوجد شيء معيب لا يمكننا نقله، ودور المجتمع في تلقف العمل واتخاذ القرار في ما يود أن يفعله.

- من المرات القليلة التي نجد في السينما أو الدراما اللبنانية الممثل حقيقياً.
لأن الممثلين الذين عملت معهم محترفون ومحترمون ويجتهدون على أنفسهم ويستمعون ويحترمون النص الذي بين أيديهم.

- على أي أساس اخترت الممثلين، علماً أن هناك ممثلين معروفون أكثر من غيرهم؟
بالنسبة إلي الجميع مشهورون، كما أني لم أختر ممثلين، بل أشخاصاً فنانين حقيقيين يستمعون ويناقشون.
اخترت أشخاصاً أستطيع التعامل معهم ويشاركونني رؤيتي الإخراجية والفنية بشكل عام واستطيع الإعتماد عليهم، والأمر لا يقتصر على الممثلين الرئيسين بل يشمل الثانويين أيضاً الذين كانوا في المصعد، فقد اجتهدوا وعملوا بطريقة صحيحة.

- ما هي أعمالك المستقبلية؟
أحاول أن أكتب فيلماً سينمائياً آخر ولكن بنهاية أجمل، اعتاد عليها المجتمع نوعاً ما.


كادر.. الممثل حسان مراد الذي أدى دور صانع المانيكان

- متى يعمل الممثل من قلبه؟
الممثل يعمل من قلبه عندما يكون مقتنعاً بالدور الذي يؤديه، ولا يكون دافعه الأول المادة بل الدور والقيمة المعنوية التي يحصل عليها الممثل لقاء هذا الدور، وخصوصاً إذا أعجبه النص وفريق العمل الذي يعمل معهم وجميعهم يؤمنون بوجود سينما حقيقية.

- كمشاهد كيف ترى الفيلم؟
بما أني أتابع مختلف الأفلام السينمائية، أجد «طالع نازل» كفيلم لبناني يتحلى بنكهة وطابع خاصين مميزين، لا يوجد فيه بنية درامية اعتدنا عليها تتطور وتنتهي.
هناك بنية مختلفة مجموعة من الأشخاص يطرحون مشكلاتهم ويرحلون. فيه كمية من الكوميديا ومن السينما التي تطرح مشاكل وقضايا بالإضافة إلى التسلية والإستمتاع بالمشاهدة.

- عندما عرض عليك محمود حجيج الدور، هل وافقت مباشرةً؟
التقيت بمحمود في أبو ظبي وحدثني عن الفيلم وعرض عليَّ حينها أن أمثل أربع شخصيات، كان لديه مشكلة إنتاجية أن يخرج بفيلم ويختصر بالإمكانات، ولكن بعد أن تناقشنا أعجبتني الفكرة وسألته لماذا الإستعجال؟ فلتأخذ وقتك.
وبالفعل بعد سنة عدت وكان السيناريو جاهزاً، ومحمود من الناس الذين يعملون بجهد على الممثل.

- كيف وجدت أصداء الفيلم؟
الأكثرية أحبوا الفيلم وأعجبوا بنكهة الكوميديا فيه والبعض لديه طرح تساؤلات. البساطة الموجودة في الفيلم ليست سهلة وواقعية إلى حد أن المشاهد يشعر أنه يعيش في المبنى الخاص به.