زاهي وهبي شاعر في انتظار 'الغريبة'

زاهي وهبي, الشعر, شعر, قصائد, شاعر

04 مارس 2014

من عساه ينتظر زاهي وهبي؟ من تراها تكون تلك الغريبة؟ هل هي المرأة التي طالما تغنى بها الشاعر حبيبةً وزوجةً وأمّاً؟ أم أنها الحرب التي ينتظرها الجميع بخوف وقلق؟ 


«انتظار الغريبة» عنوان فيه التباس يكاد يزيد تعقيداً كلّما تقدّمنا في قراءة الديوان. فالغريبة هي عادةً المجهول الذي غالباً ما يولّد فينا رعباً مما هو غير متوقع.
لكنّ الغريبة أيضاً تحمل دلالات السحر والإثارة والغموض، ممّا يُضفي  إلى فعل الإنتظار معاني الأمل والشوق واللذّة: «أنتظرك يا غريبة/ علّك فجأة تأتين/ بلا موعد، بلا سابق عناق/ لا عطر سوى المسام/ لا زينة غير ابتسامة/ متخففة من ماضٍ مضى/ من أعباء الآخرين وأورام الذات/ لا همّ سوى رجفة غير متوقعة/ توقدها نظرة مباغتة/ أو سلام خاطف»...

في ديوانه الصادر عن دار الساقي، يكتب زاهي وهبي قصائده تحت عنوانين متقاربين لغوياً ومتباعدين موضوعياً هما: «الحبّ» و«الحرب». يختار الشاعر، الذي كان الحبّ دوماً ثيمة قصائده الرئيسة، أن يقترب من المناخات السائدة في عالمنا العربي، ليحكي عن الموت والظلم والأسى. يستعيد مشاهد حرب أهلية دمرّت كل ما فينا خوفاً من أن تعود لتُدمّر قليل ما صلُح فينا.
باستفهام العارف يسأل في قصيدته «ماذا تعرفون عن الحرب؟» لعلّ أبناء الحاضر يعتبرون من دروس الماضي وويلاته. إنها قصيدة طويلة أشبه بسرد شعري مستقى من أجواء الحرب اللبنانية يكتبها وهبي لعلّها تُذكّر، إن نفعت الذكرى: «لم يكن العطب فينا/ لم يكن العُطب في المحاربين المُتعبين/ كلّ الحروب خاسرة/ كلّ الحروب/ كلّ الدروب الموصلة إلى موت قبل الأوان/ الحرب طاحونة الأعمار/ الرصاص ألزهايمر الفتوة/ المتاريس حواجز الأماني/ الدخان عطر الخراب/ تباً للحرب/ تباً للخراب»...

يعيش الشاعر في ظلّ الواقع الراهن اغتراباً حقيقياً يجعله منفصماً عن ذاته كأنّه ينتظر زمناً آخر يولد فيه، زمن تكون فيه النُصرة للطبيعة والإنسان.
يُعلن رفضه لعالم لوّث فطرته النقيّة: «لم آتِ بعد/ ولا أريد/ هذا الكوكب ليس لي/ مملكتي ليست من هذا العالم/ سأولد يوماً من جديد/ من الأم نفسها/ والرحم ذاتها/ لأعيد صياغة أخطائي/ لا هرباً ولا تبرؤاً/ بل تطهراً ومحاولة نجاة/ لم آتِ بعد/ لأنني لا أعرفني/ أهذا الذي وُلد من رحم الماء/ عانق العصافير والينابيع/ طار طويلاً برفقة السنونوات/ أهذا ابن الطين والتراب/ والأعشاب الصديقة/ أهذا الذي شبّ بين الرعاة/ اغتسل بمياه الجمع وزهرة البساتين؟...».

قصائد الحبّ تطغى على المساحة الكبرى من الديوان، كأنّ الشاعر أراد بذلك أن يقرن انتظاره ورفضه وقلقه بشيء من الأمل، باعتبار أنّ الشاعر لا يملك في وجه ما يخيفه سلاحاً سوى الحبّ والمشاعر الإنسانية الرهيفة: «بياضك المشعّ النقيّ/ انتصار الضوء/ ووضوح النهار/ ما أجمل ابتسامة متناثرة كأزرار الأفراح/ ما أجمل فجر يشنّ هجومه بلا هوادة/ سيدة الصباحات الوفيرة/ في صدرك الغلال كلّها/ في يدك مقود العالم/ أسير خلفك كمن يتبع نجمة صبح/ لا أتقدمك إلاّ لأقبلّك/ أو لأزيح الأشواك جانباً/ أنوثتك تُضيء الطريق»...