عمل المرأة السعودية بين التقاليد والطموح الوظيفي

المرأة السعودية / نساء سعوديات, المجتمع السعودي, حمد القاضي, عبير آل جبار المالكي

09 مارس 2014

رغم ما يشهده المجتمع السعودي من متغيّرات اجتماعية وثقافية واقتصادية، لا تزال هناك الكثير من الأعراف والتقاليد غير المنسجمة مع طبيعة العصر، وتطوراته المختلفة، والتي تُسبب إعاقة حركة تنمية المجتمع بالمفهوم الحضاري الواسع. ومن تلك الموروثات النظرة السلبية السائدة التي تكرّس الصورة النمطية للمرأة، وتحدد أدوارها بواجبات أسرية واجتماعية معينة وتمنعها من دخول معترك العمل وميادينه المختلفة. ورغم وجود مجالات لمهن جديدة خاصة للمرأة في السعودية، مثل عملها في بيع المستلزمات النسائية ومهندسة ديكور وصحافية وغيرها، مازال البعض يرى أن العادات والتقاليد تُلقي بظلالها على اختيارات المرأة الوظيفية، وتحصرها في مجالات معينة كالطب والتعليم. تعرض «لها» في هذا التحقيق قصصاً واقعية من دون أن تغفل آراء الاختصاصيين... 


المالكي: العُرف يُبقي الفتاة وطموحاتها «حبيسة» قيود المجتمع

قالت طالبة الابتعاث لدرجة الماجستير في علم المحاسبة عبير آل جبار المالكي إن «هناك حقيقة ثابتة مازالت تُحد من الفرص الوظيفية للمرأة السعودية، وهي العادات والتقاليد، في ظل نظرة الأهل إلى الاختلاط بأنه دخيل وليس موروثاً اجتماعياً».
وأضافت: «هناك الكثير من الفتيات لا يُدرجن التعليم أو الطب ضمن طموحاتهن، لكنهن يخضعن لما هو متعارف عليه، وهذا ما يفسره مفهوم العادات والتقاليد الذي يُبقي الفتاة وطموحاتها حبيسة قيود المجتمع. بيد أن هناك من تحاول جاهدة الخروج من هذه القوقعة. أنا  كنت أحلم بأن أصبح إعلامية من البوابة الأكاديمية، لكني وللأسف لم أٌُوفق بسبب «إيش يقولوا عنك الناس». أكملت دراستي الجامعية في كلية الاقتصاد والإدارة اختصاص المحاسبة، وبعد التخرج، بدأت مرحلة البحث عن وظيفة، وبدأ تفكيري ينحصر في هوية الوظيفة التي لا تسمح بالاختلاط، بمعنى أن لا أكون موظفة خلف مكتب وإلى جانبي موظف رجل على مكتبه في غرفة واحدة، وبيننا آلاف الموظفين والموظفات. تقلّصت  فرصتي في إيجاد عمل داخل أروقة البنوك، وحصرتني الأعراف بإيجاد فرص وظيفية مناسبة فقط للمؤهل العلمي الذي أحمله، وليس لميولي واختياراتي».
لم تجد المالكي عملاً فلجأت إلى الإبتعاث، لعلها ترى بصيص أمل يبعدها عن موروثات اجتماعية «قيّد بها المجتمع نفسه بنفسه. هناك بعض المبتعثات اللواتي يدرسن الدراسات الإسلامية، وأيضا بسبب العادات والتقاليد، وهنّ الآن مُلحقات بالبعثة تحت اختصاص تسويق، أليس هذا أيضاً كفيلاً بزعزعة الطموح!».
 

العودلي: اختياري لمجال التعليم نابع من رغبة شخصية ومن احترام للموروثات

قالت مديرة مدرسة رياض الأطفال الأهلية في جدة عليا ناصر العودلي: «رغم التغير الملحوظ في تفكير المرأة، نجد أن العادات والتقاليد ما زالت تُرخي بظلالها على اختيارات المرأة الوظيفية، الأمر الذي قلّص أمامها الاختيارات، وحصرها بالعمل في مجالَي التعليم، والطب والتمريض. وأنا أرى وجوب توفير فرص عمل ملائمة لكل المجالات ضمن العادات والتقاليد بما يراعي الضوابط الشرعية التي تنادي بعدم الاختلاط،  بما يتيح الراحة النفسية لجميع أفراد المجتمع وليس للمرأة العاملة فحسب».  وأشارت العودلي إلى أن اختيارها مجال التعليم نبع من حبها لهذه المهنة ومن احترامها للموروثات الاجتماعية التي اكتسبتها في  محيطها العائلي. وتقول: «عائلتي ترفض بشدة مبدأ الاختلاط في العمل، وفي الحياة الخاصة، لذلك إن كنت سأختار مجالاً آخر كمهنة، سأجد الأبواب مغلقة أمامي. ومن حبي لهذه المهنة السامية سلكت هذا المجال، لأني أقدر مهنة التعليم، التي أستطيع من خلالها تنشئة أجيال صالحة لخدمة هذا المجتمع، كما أني أحترم الموروثات العائلية، والاجتماعية بشكل كبير».  ولفتت العودلي إلى أن ابنتها «اختارت التخصص الذي رغبت فيه في مجال الفنون الجميلة، فقد تركنا لها حرية الاختيار. وفي النتيجة، استطاعت أن تُبدع في مجالها، وفي حياتها».
 

دارين: أنا اليوم صحافية تفخر بها عائلتها

من جانب آخر، ذكرت الصحافية دارين محمد أن اختيارها لمهنة الصحافة كان بسبب حبها لهذا المجال. تقول: «كنت على علم بأن مهنة الصحافة في المجتمع بشكل عام، وفي عائلتي بشكل خاص،  غير مرغوب فيها للمرأة، بسبب النظرة السلبية إلى الصحافية  وما قد يحصل معها من مواجهات ومواقف قد تؤثر عليها في مجتمع يعطي العادات والتقاليد مساحة واسعة في اختيار المهن الخاصة بالمرأة. كما أن والدي كان رافضاً دخولي هذا المجال في البداية، وأمام إصراري، وافق مع حرصٍ شديد على متابعتي. واليوم أنا صحافية تفخر بها عائلتها وتحترم عملها واختياراتها».
 

القاضي: أتمنى مشاركة المرأة في كل مناحي التنمية في البلاد

قال الأمين العام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية والكاتب السعودي وعضو مجلس الشورى السابق حمد القاضي إن إجادة المرأة عملاً دون آخر، ماهو إلا «شأن يخصها.  واليوم سعت الجهات الحكومية ووزارة العمل إلى وضع معايير دقيقة لعمل المرأة، وذلك بتهيئة المناخ المتفق مع قيم المجتمع، وتوفير ارتياح المرأة في هذه البيئة، من ناحية عدم الاختلاط بالرجال وغيرها. من هنا علينا أن نحترم عمل المرأة الذي يبقى خياراً لها. ففي تقديري، أن لكل إمرأة ظروفها، لكن الأمر ليس بإلزامها، أو إجبارها على هذا الأمر، لأني أتمنى أن تشارك المرأة في جميع مناحي التنمية للبلاد، وفق المعايير التي تضعها الجهات المسؤولة والمنطلقة من القيم الإسلامية، لا من بعض العادات والتقاليد غير الصحيحة». وشرح تفاصيل الاقتراح الذي سبق أن قدمه لمجلس الشورى، قبل ما يقارب الثلاث سنوات، والذي خص اعتماد تقاعد مبكر للمرأة عند بلوغ فترة خدمتها 25 عاماً فقط، قائلا: «طرحت توصية في مجلس الشورى حول نظام تنظيم التقاعد المبكر للمرأة، علماً أن ما يطبق اليوم هو أن المرأة العاملة إما أن تتقاعد بعد 30 عاماً وتأخذ راتبها كاملاً، أو أن تتقاعد بعد 15 عاماً وتأخذ نصف الراتب. أما السبب الآخر لاقتراح هذا التنظيم، فهو أنه سيتوافر من خلال تقاعد النساء العاملات، وبرغبتهن، عشرات  الآلاف من الوظائف، وبالتالي يتاح المجال للمتخرّجات الباحثات عن عمل».
 

د. حمّاد: النظرة الدونية إلى المرأة وراء الموروثات الاجتماعية

من جانبها أوضحت عضو الاتحاد النسائي العالمي وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والناشطة الحقوقية الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد أن «المفهوم الخاطئ في ما يخص حقوق المرأة المعطاة لها في الدين الإسلامي، يصبّ في خانة المعوقات، ذلك لأن النظرة الدونية إلى المرأة وكيفية التعامل معها ومفهوم القوامة، جميعها تصب في الموروثات الاجتماعية التي اعتاد المجتمع على الإيمان بها، و الاعتماد على الأحاديث الموضوعة والضعيفة وتأهيلها، لتتماشى مع الموروث الفكري والثقافي».
وعن إرجاع البعض منع السيدات من اختيار الوظيفة المناسبة لهن إلى خطر الاختلاط وضرورة درء المفاسد، ذكرت حمّاد أن الاختلاط «لا يتوافر شرطه إن كان في مكان عام، مثل عمل «الكاشيرة»، بل يحصل إن تحققت فيه الخلوة. ففي الشارع العام، وفي الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، يوجد اختلاط بين الجنسين، وبالتالي هو أمر طبيعي. المغالاة في الفصل بين الجنسين في مجتمعنا، لم تؤدِّ إلا إلى وجود سلبيات أضرّت بالمجتمع، مثل المعاكسات والتحرش وغيرها من السلبيات التي تُخالف الفطرة».
 

د. سفر: العادات والتقاليد بوابة رئيسية  لوظائف المرأة

قال أستاذ نظم الحكم والقضاء والمحكّم الدولي في مجمع الفقه الإسلامي الدكتور حسن سفر إن «العرف هو ما اعتاد عليه الناس، وهو الذي تقابله العادات والتقاليد في المجتمعات الإسلامية. العرف  لا يلتزم بنصٍ شرعيٍ، ولا بآية، أو بسنة نبوية شريفة، إنما يجري العمل به. كما أن العادات والتقاليد تشكل بوابة رئيسية في مسألة الوظائف للمرأة، وذلك لأن مقاصد الشريعة الإسلامية تحرص على حصانة المرأة وعدم وضعها في أُطر قد لا تُحمد عقباها، من التحرّش وغيره».
وأضاف: «من هذا المنطلق، إذا رغبت المرأة في العمل فليس هناك مانع في الشريعة الإسلامية من أن تكتسب من العمل ما يسد رمقها، ولا يقضي على وقف قرارها. وإن استطاعت المرأة التوفيق بين بيتها وعملها، فإن الشريعة الإسلامية لا تمانع ذلك. أما إن كان العمل على حساب الزوج والمنزل والأبناء، فإن هذا سيكون ضرراً كبيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في القاعدة الفقهية (لا ضرر ولا ضرار)، وذلك نريد من خلاله أن نصل إلى بيت القصيد، وهو أن الوظائف مكفولةٌ بخواتم سليمة، تبعد عوز المرأة، والرجل، لكن الرجل يختلف عن المرأة من حيث التركيبة، ومن حيث القيام بالأعباء. فالمرأة إن أمنت هذه المسائل، قياسا على سفرها، وأمن الطريق عندما تخرج إلى الحج، فإنها تحتاج إلى محرم، وهنا تأتي مسألة الاحتكاك بالمجتمع. فليس هناك ثمّة مانع أن تعمل المرأة، في إطار آداب، وأخلاق الشريعة الإسلامية، محافظة على كرامتها كإنسانة مسلمة دعا الإسلام إلى المحافظة عليها وصيانتها».