'ومضات من فكر' للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم, كتاب, كاتب, دولة الإمارات

27 مارس 2014

عن الحكومة، عن الفرد، عن الطاقة الإيجابية والرياضة، عن المنافسة والمخاطرة، عن النجاح والفرح، عن القيادة والتغيير... عن كلّ هذه الموضوعات وغيرها يتحدّث حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه «ومضات من فكر».


«كتاب متنوع جمع بين تجارب حياتية، وأفكار قيادية، وآراء إنسانية جميلة من قائد عربي ناجح ذي تجربة ثرية»... هذا بعض ما قاله رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عن الكتاب الذي يحمل آراء (نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي) محمد بن راشد آل مكتوم من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحوارية 2013».

ويحتوي الكتاب على خلاصة تجربة كبيرة داخل إمارة عرفت كيف تبني نفسها وتتطور وتهتم بشبابها ومواطنيها وسياحتها... وفي كلّ باب من أبواب هذه الكتاب نعثر على حكم ونصائح تلمع كومضات لتكشف أمامنا حقائق كبيرة ومهمة.
ومنها: «إذا عودت نفسك على الإبداع في الأشياء الصغيرة، فستبدع أيضاً في الأشياء العظيمة»، أو «إنّ أكبر مخاطرة ألاّ تخاطر»، «لا مستحيل مع الإصرار، ولا مستحيل مع الإيمان، ولا مستحيل مع الحياة»، «لا بدّ من تحقيق السعادة لموظفيهم حتى يستطيعوا تحقيق السعادة للمجتمع»...

يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن كتابه الغني بتجاربه ونصائحه وأفكاره : «أشار عليّ بعض الأخوة بتحويل الجلسة الحوارية التي أجريتها خلال القمة الحكومية التي عقدت في شهر فبراير عام 2013، لكتاب نوثّق فيه أهمّ ما قلناه ونشرح فيه رؤيتنا لبعض المواضيع، ونفصّل في بعض المواقف والتجارب والقصص التي ذكرناها باختصار خلال الجلسة.
الكتاب متنوع كما كانت الجلسة، وهو عبارة عن إضاءات سريعة على مواضيع متنوعة في الإدارة والقيادة، وفي الحياة الشخصية، وفي نظرتنا إلى النجاح ورؤيتنا لأسبابه، وغير ذلك مما طُرح في تلك الجلسة. أضفت أيضاً بعض المواضيع التي لم يتسّع الوقت لطرحها خلال الجلسة، استكمالا وتعميماً للفائدة...».

يحوي الكتاب المؤلف من 144 صفحة صوراً كثيرة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الجلسة، ومع أعضاء حكومته، ومع الشيخ زايد رحمه الله، ومع الرياضيين، والموظفين، هو الذي يؤمن بضرورة تحفيز الموظفين ووجوب احتضان الطاقات الشابة...

 

من الكتاب

سألتني طلفلة عن قصة بناء برج خليفة، أطول بناء في العالم. والبرج ليس بناءً عمرانياً فقط، بل هو قصة شارك في صياغتها الآلاف لإخراجها بالرؤية التي أردناها.
وصلتني مخططات المشروع، التي كانت تضم برجاً بارتفاع 80 طابقاً مع بعض البنايات الصغيرة المحيطة به وبعض الحدائق والمساحات الخضراء.

لم أعلّق على المخططات وأنهيت الاجتماع الأول مع فريق العمل، فعرف القائمون على المشروع أنهم بحاجة لإعادة دراسته واقتراح مخطط أفضل. وبعد شهر، عادوا بمخطط أفضل، ولكن ليس الأفضل.
قلت لفريق العمل: «أريد في هذا المكان أطول بناء عمّره الإنسان». نريده الأكبر والأفضل مع حدائق ونوافير هي أيضاً الأفضل، وفنادق وأسواق هي أيضاً الأفضل والأكبر. نريد بناء أفضل منطقة عرفها الإنسان.

اليوم، برج خليفة مدينة داخل المدينة، فيه ممشى يعد الأرقى عالمياً يمتدّ كليومترات عدة، ومركز تجاري هو الأكبر عالمياً، ونافورة مائية هي أيضاً الأكبر عالمياً، وفنادق راقية ومطاعم جميلة، ومبان سكنية تضم الآلاف، وأصبح الزائر لدبي والإمارات لا تتم زيارته إلا بزيارة هذا المعلم العظيم.
خرج المبنى جميلاً شامخاً كبيراً، فسميناه «برج خليفة»، لأننا أحببنا أن يرتبط باسم كبير.

يسألني بعض المسؤولين الأجانب وبعض الإعلاميين أحياناً: لماذا الأعلى؟ وهل فعلاً استفادت دبي من بناء برج بلغت تكاليفه أكثر من 1.5 مليار دولار، وبلغت التكلفة الإجمالية للمنطقة المحيطة به نحو 20 مليار دولار؟ وإجابتي يمكن أن ألخصها في ثلاث نقاط:

أولاً: تنفيذ أعلى بناء على وجه الأرض هو عمل وطني، ومحطة تاريخية، ومنعطف اقتصادي رئيس. وهو ليس فخراً لأبناء الإمارات فقط بل هو فخر لكل العرب. قبل أربعة آلاف عام كان أعلى بناء عرفه الإنسان يوجد في منطقتنا.
كانت الأهرام مصدراً للفخر ورمزاً للتقدم الحضاري للمنطقة بأسرها، وظلت كذلك حتى عام 1311 ميلادي، حين تفوّقت عليها كاتدرائية لنكولن (أو كاتدرائية القديسة مريم) ببريطانيا في ارتفاع البنيان، وكان ذلك أيضاً رمزاً لمرحلة جديدة من التحول الحضاري الذي عرفه العالم.
وأتمنى أن يكون برج خليفة اليوم أيضاً رمزاً للتغيرات العالمية الجديدة: عالم جديد يتلاقى فيه الشرق بالغرب، وتتمازج فيه الحضارات، ويسود فيه الإبداع البشري من دون النظر إلى الحدود الجغرافية أو العرقية أو الدينية.
لقد شارك في هذا البناء العظيم - الذي استخدم تقنيات جديدة يعرفها الإنسان للمرة الأولى للوصول لهذه الارتفاعات - آلاف المهندسين والعمال والاستشاريين وغيرهم من أنحاء العالم.
وكذلك هي الإمارات، فنحن مركز عالمي جديد، تجتمع فيه أفضل العقول لتحقيق أكبر الأحلام.
وستلعب الإمارات خلال السنوات المقبلة دوراً محورياً متزايداً على الخريطة العالمية، لأننا ندرك أن عالماً جديداً قد بدأ، المستقبل فيه لمن يجرؤ أن يحلم، ويملك الشجاعة لتنفيذ حلمه.

ثانياً: نحن لا نتطلع إلى تحقيق جدوى اقتصادية كبيرة بشكل مباشر من هذا البناء، بل إن عوائد البناء هي على الاقتصاد الكلي. فقد أصبحت لدينا مدينة متكاملة هي معلم إنساني يعرفه القاصي والداني ويتطلع إلى زيارته الكثيرون من أنحاء العالم.
في عام 2012، زار مول دبي - وهو جزء من منطقة برج خليفة - أكثر من 65 مليون زائر، أي أكثر من دوار مدينتي نيويورك ولوس أنجليس، وهذا جانب واحد فقط. كما أن العلامة التجارية لدبي والإمارات تعززت بشكل كبير، وهذا يغنينا عن صرف مئات الملايين سنوياً من أجل تسويق دبي والإمارات. لا نذكر هذه الأرقام للتفاخر ولكن لنوضح الصورة، ونقول للمترددين: إن أكبر مخاطرة ألا تخاطر.

ثالثاً: بناء البرج هو رسالة، رسالة للداخل ورسالة للخارج. أما داخلياً، فنحن نقول لأبنائنا إننا نستطيع. نحن نستطيع أن ننجز الكثير، ونستطيع أن نكون الأول عالمياً في الكثير من الميادين، ونستطيع أن نبهر العالم.
لسنا طارئين على التاريخ، ولسنا غريبين على حركة الحضارة، ولا نريد أن نستمع إلى من يقلل من ثقتنا بأنفسنا وطاقاتنا وأبنائنا. وهو رسالة للعالم نقول فيها: الإمارات رقم جديد في الاقتصاد العالمي، رقم راسخ رسوخ برج خليفة.