طبّ الألم أحدث فروع الطبّ الحديث

طب الألم, الألم, مرض, الألم الحاد, الألم المزمن

05 أبريل 2014

جسم الإنسان عرضة لشتى الأمراض والأوجاع والعلل. وقد حقق الطبّ الحديث نقلات نوعيّة من حيث تخصيص مختلف الفروع العلاجيّة لضمان شفاء المرضى من أوجاعهم.
يُعتبر طبّ الألم من أحدث الفروع في الطبّ الحديث، فقد إرتأى العلماء ضرورة تطوير سُبُل علاجيّة جديدة من شأنها أن تُريح المريض من آلامه كحلّ نهائيّ، عوض المسكّنات.
ورغم معاناة الإنسان الطويلة مع الألم منذ القدم، فإن طب الألم يعتبر من التخصّصات الحديثة، يعنى بدرس الألم ومعالجته كمرض وليس فقط كعارض لأمراض أخرى، ويهدف إلى تخفيف معاناة المريض وعائلته بشتى الوسائل الممكنة.


كثيرة هي الأوجاع التي قد يعانيها المرء، إثر مرض أو حادث أو جراحة وسوى ذلك، مما يسبّب تراجعاً ملحوظاً في تعافي المريض، إذ يؤثّر الألم على تحسّنه بشكل سلبيّ، كونه يشلّ نمط حياته المعهود ويُبقيه أسير المسكّنات وطريح الفراش.

يسعى طبّ الألم إلى محاولة إزالة كلّ العوائق المؤلمة التي قد تقف حاجزاً ما بين الإنسان وصحّته، مهما كانت نوعيّة أوجاعه.

بيد أنّه في الشرق، لا يزال هذا الشقّ الطبّيّ غير منتشر بكثرة، بسبب نقص التوعية الطبّيّة ولجوء الناس فوراً إلى العقاقير كحلّ للشفاء.
أمّا في الغرب، فهو يتداخل مع مختلف الإختصاصات الطبّيّة ويكملها، كونه يداوي العلّة من أساسها.
ولا بدّ من التنويه الى أنّ طبّ الألم ليس طباً بديلاً، وإنما هو إختصاص منفصل، أي يكون الطبيب قد حاز أوّلاً شهادة في الطبّ العام، ليكمّل إختصاصاً في التخدير والإنعاش وينتقل بعدها إلى التمرّس في طبّ الألم.
كما يمكن أن يتخصّص الطبيب في الطبّ العام والأمراض الداخليّة، وينتقل إلى دراسة طبّ الألم.

يتحدّث الدكتور بسّام طعمه، إختصاصيّ تخدير وإنعاش وطبّ ألم، عن هذا الفرع الحديث في الطبّ، عارضاً لأبرز دواعي إستعماله وشارحاً أهميّة الإستعانة به لتحسين نوعيّة الحياة.
كما تتحدّث الإختصاصيّة في علم النفس سحر عبيد عن تداخل الألم مع نفسيّة المريض، وعن التأثير السلبيّ للوجع على مختلف أوجه الحياة المعاصرة.

نوعيّة الألم
يقول الدكتور طعمه: «يهتمّ طبّ الألم بمعالجة شتّى أنواع الأوجاع التي قد تصيب جسم الإنسان. و يمكن تقسيم هذه الآلام إلى نوعين أساسيين: الألم الحاد والألم المزمن.
ويوضح أنّ «الألم الحاد Acute Pain هو الألم المتأتّي عموماً عن الخضوع للعمليّات الجراحيّة. وهو يُصيب المريض ويمنعه من التحسّن بسبب عدم قدرته على التحرّك بحريّة ليتماثل للشفاء. أمّا الألم المزمن Chronic Pain، فيشمل مختلف الأوجاع التي ترافق الشخص لمدّة طويلة».


الألم الحاد

يشرح طعمه أنّ «طبّ الألم يهتمّ بالألم الحاد لتحسين نتيجة الجراحة التي يكون قد خضع لها المريض، خاصةً الجراحات المختصّة بالعظام، إذ تكون الآلام لا تُحتمل، خاصة في عملية تغيير مفصل الركبة مثلاً.

وهذا الألم يمنع المريض من محاولة المشي للشفاء ويعيق حركته، مما يؤدّي إلى نتائج لا تُحمد عقباها». عادةً ما يكون العلاج التقليديّ في مثل هذه الحالات الحقن والعقاقير المهدّئة، في المصل أو في العضل. أمّا طبّ الألم فيرتكز على معايير أخرى.

يقول طعمه: «يمكن الحديث عن ثلاث تقنيّات حديثة لعلاج الألم الحاد ألا وهي Epidural Catheter أي انبوب في منطقة فوق الجافة، مما يؤدّي إلى تخدير نصف الجسم لمدّة ثماني وأربعين ساعة على الأكثر، وNerve Catheter أي انبوب قرب العصب لتخدير جهة واحدة من الجسم، وPatient Controlled Analgesia وهو عبارة عن جهاز يوضع في المصل، يُمكّن المريض من التحكّم بكمّيّة المورفين حسب الوجع والحاجة، عوض الخضوع لحقن المورفين التقليدية العشوائية». وقد لوحظ إرتفاع معدّل رضى المرضى، وتمّ تخفيف الآثار الحانبية الناجمة عن مختلف العقاقير والمسكّنات.


الألم المزمن

ويلفت طعمه إلى أنّ «الألم المزمن يشمل كلّ أنواع ديسك الرقبة وديسك الظهر، إضافة إلى Postsurgical Inflammation Pain، أي الألم الناجم عن إلتهابات ما بعد الجراحة.
كما يشمل الآلام الوهمية بعد الجراحة Phantom Pain، إضافةً إلى إصابات الحروق والإصابات الحربية والآلام السرطانية وحتى آلام الإصابات الفيروسيّة». وهذه الأوجاع كلّها تستدعي مقاربات متعدّدة الأوجه للحصول على النتيجة المطلوبة.

ويشير طعمه إلى أن «طب الألم يعتمد على مقاربة متعدّدة الأوجه Multidisciplinary Approach، بحيث لا يتمّ التعامل مع الألم كألم بحت، عبر إعطاء المسكّنات والعقاقير لتسكين الوجع لفترة، وإنما يتمّ التركيز على إلغاء الألم من جذوره.
لذلك لا بدّ من الإرتكاز على المقاربة النفسيّة بشكل أوّلي، عبر تفهّم المريض وتصديق ألمه والإستعانة ببعض أنواع أدوية الإكتئاب لمعالجة الألم المزمن.
كما تتمّ الإستعانة بمختلف العلاجات الفيزيائية وحتى السباحة، إضافة إلى بعض العلاجات الInvasive، مثل Nerve Block أي تنويم العصب لإراحة الدماغ مما يسبّب الألم المتواصل.
قد يتمّ ذلك عبر Epidural Steroid أي حقنة ما فوق الجافية مع إستعمال الستيرويد لإراحة العصب المضغوط».

يشدّد الدكتور طعمه من جهة أخرى على ضرورة درس كلّ حالة على حدة لتحديد نوعيّة العلاج، والتقنيّات الممكن إستخدامها، إضافةً إلى عدد الجلسات المطلوبة والبرنامج العلاجي المطلوب إتباعه.
فبعض الحالات الخاصة تستدعي تعديلاً في طريقة العلاج. كما أنّ الأطفال والعجزة يشكّلون أيضاً حالات خاصة». ولا بدّ من الإشارة إلى أهمية المتابعة من جانب المريض والتجاوب مع العلاج عبر المواظبة على التمارين الخاصة والسباحة للحصول على النتيجة المثلى.


عدم وعي

أظهر مؤتمر عن طبّ الألم في الشرق أنّ نسبة كبيرة من الناس تعاني آلاماً متواصلة في العالم العربي، من دون إفادة في مختلف العلاجات التي يتمّ الخضوع لها، ذلك أنّه لا يزال هناك جهل وعدم وعي لأهميّة الطبّ الحديث وما يقدّمه من تقنيّات لمختلف الأمراض والتقنيّات.

ومع أنّ الطبّ قد قطع أشواطاً من التقدّم الهائل، إلاّ أنّ الهوة الموجودة ما بين الشرق والغرب لا تزال بفاصل زمنيّ 6 أو 7 سنوات كحدّ أدنى في ما يختصّ بطبّ الألم الحديث.
فلا بدّ من التوعية ليتمكّن كلّ إنسان من تحسين نوعيّة حياته وعدم ترك الألم يسيطر عليها ويتحكّم في تحرّكاته ويحدّ من إمكاناته.

وهنا، يشدّد طعمه على «وجوب التحلّي بنظرة تفاؤليّة في الحياة لتخطّي أصعب العقبات»، شارحاً أنّ «الألم نسبيّ ولا يطال إلاّ الشخص ذاته، لكن أصبح بإمكان العلم والطبّ النظر إلى الألم بموضوعية لمحاولة العلاج».
ويضيف أنّ «الأمل كبير بالتماثل للشفاء لذا، يجب تغيير نمط الحياة الضاغط والحصول على قسط من الهدوء والراحة والسكينة بين الحين والآخر بغية محاولة تخفيف الآلام قدر المستطاع».


شقّ نفسيّ

تقول الإختصاصيّة عبيد: «إرتباط الجسد والنفس أمر مؤكد، بحيث يؤثّر كلّ على الآخر إيجاباً وسلباً.
ذلك أنّ النفسية التعبة تنعكس لا محالة على الجسم، ليتعب ويضعف، كما أنّ الجسم المريض يؤدّي إلى هبوط في المعنويّات وفقدان الأمل والمعاناة من نظرة تشاؤميّة إلى الحياة.
فالألم المتواصل يترك الإنسان رهينة الأدوية والعقاقير والمسكّنات، ليختصر الكثير من علاقاته الشخصية والإجتماعية. كما يمتدّ التأثير السلبي على الحياة العملية، إذ لا يعود المرء فعّالاً ومنتجاً كما في السابق، بسبب إنزعاجه من الحركة وعدم قدرته على المواظبة على المجهود».

تضيف: «عندما يشعر الإنسان بأنه كائن مريض وضعيف، يقضي على طموحه وأحلامه، ظناً منه أنه لن يتمكّن من تحقيقها بسبب حالته الصحّيّة. وهذا الأمر بمثابة دوّامة لا تنتهي، حتى يعتلّ المريض أكثر ويصبح بحاجة إلى عناية مستمرّة بفعل حالته».

من جهة أخرى، يتأثر المجتمع أيضاً بحالات المرض. تقول عبيد: «إنّ الشخص المتألّم على الدوام غالباً ما يلجأ إلى الأنين أو التذمّر من حالته. وهذا قد يؤدّي إلى إبتعاد الأصدقاء عنه بسبب التذمّر المتواصل»، فمن الضروري التنبّه لهذا الشق أيضاً.

وتختم: «على المريض أن يحاول قدر المستطاع رؤية النصف الملآن من الكوب، حتى يتماثل للشفاء العاجل، لأنّ النفسيّة الفرحة والشخصية المتفائلة من أساسيّات تخطّي مختلف الأزمات والأمراض».