اختلاط الأبناء بالغرباء 'فوبيا' تلاحق الأمهات

فوبيا, أمهات, الإختلاط, طفل / أطفال, رعاية الطفل / الأطفال, أطفال, دور الأهل, مدرسة

05 أبريل 2014

الأم مصدر للغذاء والأمان والراحة والرعاية لأطفالها، فهي تتولّى كل ذلك حتى يبلغ الطفل سناً معينة، ثم تبدأ رحلة تعليمه الاعتماد على نفسه، وتكوين شخصية مستقلّة. وتختلف طريقة التربية والتعليم من أم إلى أخرى، وقد تجهل أمّهات كثيرات تلك الطرق، ويحاولن تحقيق المثالية بمفهوم خاطئ، فقد يفرطن في التساهل، وهذا الأمر قد تكون تبعاته على الطفل سيئة.
ولكن الأسوأ والأخطر، هو هوس الأم بحماية أطفالها، فهي تريد أن يعيش طفلها كجنين تحيطه بخبراتها وتجاربها، دون السماح له بالخروج من نطاق الأسرة والبيت، معتقدة أن ذلك سيوفر له الحماية... نستعرض في هذا التحقيق آراء سيدات مهووسات بحماية أطفالهن.

                                                                                      
قد يظن البعض أن هوس حماية الأبناء قد يزول عند مرحلة معينة، لكنه يتفاقم مع مرور الوقت، وذلك ما تؤكده السيدة صفاء أبو شمالة (43 عاماً)، وهي أم لأربعة أبناء، تقول: «بعد زواجي قدمت إلى المملكة، وعلقت في مخيلتي أقوال الناس أن الشارع مكان خطير، لوجود أجناس مختلفة، وعصابات قد تختطف وتسرق.
وحتى بعد مرور أكثر من 19 سنة على مكوثي هنا، ما زلت أحتفظ بتلك الفكرة. وكأي أم كنت أخاف جداً على ابني البكر، وتعلّقي الزائد به جعلني أحوطه من كل النواحي، فحرصت عند دخوله المدرسة أن تكون حسب المواصفات التي أريدها، وضرورة أن يذهب والده إلى المدرسة ويتفقد أموره، وأن يوصله بنفسه.
وبعدما كبر قليلاً كان يصر على الخروج إلى الشارع مثل بقية الأولاد، واللّعب بالكرة أو الدراجة، ورغم رفضي الشديد لفكرة خروجه من المنزل، وافقت في النهاية. كان قد تجاوز الـ 13، وكنت أراقبه من النافذة، حتى أنني اشتريت له هاتفاً لأتمكن من الاتصال به إذا غاب عن نظري.
ومع أنه كبر وأصبح يتذمر من كثرة ملاحقتي له، لا أستطيع أن أتحكم في خوفي عليه. وصل ابني الآن إلى المرحلة الجامعية وبفضل وسائل الاتصال الحديثة أنا على اتصال دائم به، فلا أرتاح إلا بعد أن يعطيني التقرير اليومي لنشاطاته، ودراسته، وحتى طعامه».

إسراء
«خوفي من تعرّض ابنتي للضرب، جعلني أنقلها إلى حضانة أخرى»، هذا ما تقوله إسراء بدح (24 عاماً)، الأم لطفلة واحدة: «أجبرتني ظروف عملي على وضع طفلتي في حضانة، ولكن واجهت صراعاً مع نفسي كوني خائفة من عدم تعامل المربيات معها بطريقة سليمة.
وكنت أتصل باستمرار للاطمئنان إليها، وأخاف من أن يضربها أحد الأطفال.
قبل فترة قريبة لاحظت آثار عض على خدها فجن جنوني، واتصلت بالحضانة، ووبخت المسؤولة كونها لم تكن متنبّهة ولم تخبرني بهذه الحادثة، ونقلت طفلتي إلى حضانة أخرى أفضل مزودة كاميرات مراقبة.
ولكني أظن أنني لن أستمر بهذا الخوف والحذر بعد أن تصبح طفلتي قادرة على الاهتمام بنفسها، وعلى التعامل مع الأطفال بشكل أفضل».

سحر
«تعلّم الكلمات البذيئة، والتحرش الجنسي أكثر ما يخيف الأمهات وفي الوقت نفسه دخول الطفل المدرسة».
ذلك ما تؤكده سحر عقيل (26 عاماً) الأم لثلاثة أطفال، تقول: «لديّ طفلان في الـ 5 والـ 6، وأخاف كثيراً من فكرة اختلاطهما بأطفال من بيئات وجنسيات مختلفة في المدرسة، لذا أسألهما عن ما يقومان به، لأنني لا أريد أن يتعلّم طفلاي ألفاظاً نابية، بل أريد حمايتهما مما قد يؤذيهما. وفي أي حال الاحتياط واجب».

منال
تقول السيدة منال فواز (46 عاماً) الأم لثلاثة: «عانيت جداً مع ابنتي الكبرى عند دخولها المدرسة، فكانت الطفلة المدللة التي أطعمها وأفعل كل الأمور المتعلّقة بها.
وكونها لم تدخل الروضة أو التمهيدي، جعل مسألة تعوّدها على المدرسة أصعب بكثير. أتذكر أني في اليوم الأول دخلت الصف معها، واخترت لها المكان المناسب قرب واحدة من بنات صديقاتي، وجلست طوال اليوم حتى تشعر بالأمان.
ولكن المسألة لم تكن بتلك البساطة، فقد داومت على الذهاب إلى المدرسة ومراقبتها عن بُعد لأسبوعين، فهي لم تكن تستطيع الاعتماد على نفسها، حتى في تناولها فطورها، حتى تمكنت من أن تعتاد على المدرسة وتكوين صداقات في الصف».

نشأة الأم وحالتها الاجتماعية وخوفها من اللوم من أهم أسباب الحماية المفرطة لأبنائها
لتوضيح مصطلح هوس الأم بحماية أبنائها تقول المحللة النفسية الدكتورة نوف الغامدي: «خوف الوالدين على الأبناء أمر طبيعي، ولكن ازدياد هذا الخوف قد يصبح اضطراباً نفسياً.
وترجع مسألة الهوس بالحماية إلى عوامل أساسية أهمها نشأة هذه الأم، فربما يعود هوسها بالحماية إلى أنها تربت في بيت محافظ، وكان أهلها يمنعون عنها أبسط الأشياء في سبيل حمايتها، أو أن تكون طبيعة الأم مكتسبة من كونها أرملة أو مطلقة، بحيث تشعر بأنها مسؤولة في شكل مبالغ عن حماية أطفالها، كونها تتقمّص دور الأب في الوقت نفسه.
ومن الممكن أيضا أن يرجع السبب في وجود هذا الهوس إلى وجود ضغوط اجتماعية عليها، فهي لا تريد أن تقال عنها كلمة مهملة، سواء من زوجها أو من أهله، كونها في مجتمعاتنا هي الملامة عن سوء تصرف أولادها، أو وقوعهم في الخطأ».

الإستراتجية المتوازنة هي الحل الأمثل
وفي اقتراح حلّ للأمهات اللواتي يعانين «فوبيا» الحرص على أبنائهن، والاختلاط بالغرباء تضيف الغامدي: «كحل أساسي لهذه الأم، لا بد من وضع إستراتيجية تستطيع أن ترى من خلالها كل ما يقوم به أبناؤها، سواء من سلوكيات، أو من أشخاص يختلطون بهم، بطريقة عفوية وبدون تحقيق منفر، تسأل الأم أبناءها عن الأشخاص والأماكن التي ذهبوا إليها، ولا تحاول أبدا أن تكذب أو تشك في ما يقولون، لأن ذلك سينعكس سلباً، فهي تحاول أن تكون موجودة في حياة أبنائها، وتوجههم بالنصائح والإقناع، وفي الوقت نفسه تمنحهم الاستقلالية والخصوصية.
ولا بد من أن تعطيهم الصلاحية أن يتخذوا بعض القرارات في حياتهم، وأن يعتمدوا على أنفسهم، لأن الحياة مليئة بالمفاجآت التي سيواجهونها وحدهم، لذا لا بد من غرس روح التجربة والشجاعة في نفوسهم، ليكونوا أشخاصاً أقوى لمواجهة الحياة».


باقادر

عن أخطار هوس الوالدين في حماية أبنائهم، وتأثير ذلك في حياتهم يقول الدكتور أبو بكر باقادر أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز في جدة: «مسألة التوجيه والتربية شيء ضروري لنشأة جيل صالح، ولكن الأخطاء التي تقع في التربية تكون بفعل سوء فهم هذا التوجيه، وهو أن يجري التدخل في حياة الأبناء بشكل جبري، دون أي حوار يهدف إلى الإقناع.
وللأسف يتفشى لدينا مفهوم «إذا كبر ابنك خاويه» وهذا المفهوم خاطئ، لأن الأساس هو مصاحبة الأبناء من الصغر، حتى يتمكن الوالدان من إيجاد روح التفاهم والحوار بينهم، لأنه بهذا الأسلوب سيتمكنان من تحقيق هدفهما بإنشاء جيل متفهم.
بينما تجد أن الأسلوب الجبري على الخضوع لأوامر الوالدين دون وعي يؤدي إلى تربية أشخاص إما انطوائيين يخافون من الاختلاط بالمجتمع، أو انقياديين يمكن بسهولة أن يقعوا فخاً لأي عثرة صغيرة، لأن ليس لديهم أي تجارب سابقة، فالحرص الزائد من اختلاط الأبناء بالغرباء ليس له أي فائدة».