تزايد أعمالها... هل هو هروب من واقع الأحداث السورية؟

الأحداث السورية, نسرين الحكيم, رنا كرم, أيمن رضا, بسام الملا, تامر إسحاق, علاء الدين كوكش, محمد زهير رجب, أريج خضور, أحمد حامد, مسلسلات, سورية

03 مايو 2014

هل ذهبت أيام مسلسلات البيئة الشامية؟ سؤال يبقى بين مد وجزر تتحكم في مصيره مجموعة من العوامل ليس أولها رغبة المحطات والمعلنين، وليس آخرها المنافسة القوية مع المسلسل المعاصر الذي يتناول الوجع الحقيقي للناس بحميميته الراهنة.
فقد أثارت أعمال البيئة الشامية الكثير من اللغط حول مصداقيتها في ظل تراجع حضورها وارتباط العديد منها بموضة الاستسهال إلى درجة أنه بات هناك تشابه كبير بين عمل وآخر من حيث الشخصيات والممثلين وحتى زوايا الكاميرا، ناهيك بالملابس والديكور والفترة التي عولجت...
هذا الواقع أفرز مجموعة من الأسئلة التي توجهنا بها إلى أهل الاختصاص...


الكاتب أحمد حامد

البداية كانت مع الكاتب الدرامي أحمد حامد الذي اشتهر بأعماله الشامية الناجحة التي نالت إعجاب الجمهور وحصدت مجموعة من الجوائز. حول الهدف الكامن وراء إنجاز العمل الشامي يقول:
«لا يخلو الأمر من أن ندق الكبة ونأكل قطايف عصافيري... لكن الهدف من هذه الأعمال إظهار تفاصيل الحياة، وتبقى بإطار الشكل وليس المضمون. وأرى أن الفن هو حالة ابتكار حياة يوجه المتلقي ويرشده.
فالفن لم يوجد إلا لخدمة البشرية وإن لم يخدمها فهو مؤذٍ وفارغ ليس له طعم أو لون. وفي مجتمعاتنا نعيش الأزمات التي وجدت في التاريخ وعلينا أن نقدم ما يفيد ويوجه المشاهد الذي يرى هذه الأعمال ويتعلم منها أكثر مما يتعلم من أي مكان آخر».

- مضى حوالي ثلاث سنوات من الألم في ظل الأزمة التي تعيشها سورية، ورغم ذلك تبتعد عنها وتفضّل خوض غمار مسلسل بيئة شامية جديد بعنوان «طوق البنات»؟
المسلسل يشبه الأزمة لأنني أحكي من خلاله عن بناء الإنسان، فكرته لها علاقة بالأزمة التي نعيشها اليوم، كما أن العلاقات داخل العائلة وكيف تتم التربية كلها أمور لها علاقة بما وصلنا إليه اليوم.

- الكثير من الكتاب قدّموا الوجه الأبيض فقط من البيئة الشامية في حين لجأ البعض إلى تقديم الوجه الأسود فقط... فماذا عنك؟
كل كاتب ينضح بما فيه، وإن كان يرى دمشق سوداء فيكتب عنها بسواد، وإن كان يراها بيضاء فيكتب عنها ببياض. أنا أرى الدنيا كلها بيضاء لذلك ابتعد عن الإسفاف وإثارة الشهوات والطائفية والمذهبية وما شابه، وحتى في أزمتنا التي نعيش أرى الحياة بيضاء، فأنا متصالح مع نفسي إلى أبعد الحدود.


الفنانة أريج خضور
الفنانة أريج خضور قالت: «لن أمانع اتجاه الدراما نحو الفولكلور، لأن الفولكلور توثيق تاريخي. وبذلك هي تعرّف الناس بالعادات والتقاليد، ولكن للأسف ما يجري أنه يتم طرح عادات وتقاليد لم تكن موجودة في البيئة الشامية أصلا».
وأضافت: «لا شك أن لهذه الأعمال جمهوراً كبيراً، وبالنسبة إليّ فإن كانت المسلسلات الشامية تشبه «ياسمين عتيق» الذي افتخر به وأعتبره عملاً يحترم الجمهور، فستكون أعمالاً مهمة، وعندها أؤيد إنجاز أعمال بيئة شامية... أرى أنه من الأهمية بمكان التذكير بالتاريخ لنتعلم منه وخاصة في هذا الوقت.


المخرج محمد زهير رجب

حول الإغراق في الخصوصية والمحلية والسبب الذي يكمن وراء تكاثر هذه الأعمال، وإن كانت تلبي حاجة المشاهد حقاً أم حاجة المحطات والمعلنين، يقول المخرج محمد زهير رجب:

«أعتقد أن كبار مبدعي العالم أخذوا شهرتهم من خلال عملهم على بيئتهم ومجتمعهم وعلى الخصوصية المحلية لديهم. فكلمة «بيئة» تتطلب الكثير من الشفافية والمصداقية والإحساس.
لقد فُهِمت الأعمال التي قُدِمت في المرحلة السابقة على أنها أعمال استعراضية وفولكلورية، وأنا لست ضد الاستعراض فنحن كعرب نعشق الفرجة، وأعتقد أن الأعمال البيئية ذهبت باتجاه الفرجة والاستعراض الفولكلوري الذي تحن شريحة كبيرة منا إليه وإن كانت الحكاية متخيلة وبعيدة عن الواقع.

فعلى سبيل المثال أشعر بالحنين لرؤية كيف كانت جدتي تجلس في باحة المنزل العربي لتنجز الكبة، وأحب أن أرى هذا المشهد لأنه يحرك الحالة الوجدانية عبر العقل الباطني، ولكن شريطة أن يقترن ذلك بمحتوى صادق وقريب من الواقع.
العمل البيئي إن فُهم وقُدّم بشكل صحيح سيكون الأكثر صدقاً ويقدم الحياة بطريقة فنية وواقعية وبمحتوى حقيقي وليس مجرد استعراض».


المخرج علاء الدين كوكش

كثيرة هي الانتقادات التي توجه لأعمال البيئة الشامية، منها تنافسها في شهر رمضان بسبب كثرة عددها، وتحجيم دور المرأة فيها، الأمر الذي يؤكد صانعوها عكسه، فالمخرج علاء الدين كوكش يؤكد أنها لون درامي من ضمن مجموعة ألوان تقدم على المائدة الرمضانية، ويقول:

«العمل الجيد هو السيد النهائي، فالسينما الأميركية تنتج سنوياً الكثير من الأفلام ويكون بينها عدد من أعمال الكاوبوي رغم أننا نراها منذ خمسين سنة.
ولكن العمل الجميل يشدنا لرؤيته ويفرض نفسه ولا نقول إن هذه البيئة استُهِلكت، فطالما أن هناك موضوعات جديدة تُطرَح فليس من مشكلة في الأمر وإن كان المكان هو ذاته أو البيئة هي ذاتها، لا بل إن المكان في أعمال البيئة الشامية قد يغني العمل من ناحية التراث والأصالة والعبق».


المخرج تامر إسحاق

هناك من يرى أن مشاهد مثل دق الكبة وتحضير المكدوس تمنح المصداقية والحميمية لمسلسل البيئة الشامية بشكل أكبر. أمر يقول عنه المخرج تامر اسحاق:

«الناس يحبون رؤية هذه التفاصيل لأنهم يرون الشام وتفاصيلها من خلال البحرة والياسمينة وما إلى ذلك، وبالتالي يتنشقون رائحة الشام من خلال العمل. ولكن أرى أن ذلك ليس أساسياً، فمن غير المعقول أن تهتم بمشهد الأكل أو إنجاز الكبة وتنسى عنصراً رئيسياً في المشهد وهو الممثل، لأنه الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إقناع الناس.

 ولكن بشكل عام من الصعب أن تفهم ما يحبه الناس في رمضان، فهناك فئات مختلفة، وحتى الأعمال الشامية قد لا يراها الجمهور كله». وحول كثرة الأعمال الشامية وإن كانت تعطي مؤشراً بأنها تنافس بعضها، يقول: «الأعمال الشامية باتت مطلوبة في شهر رمضان، والذنب في ذلك قد يكون ذنب المحطات التي تطلب هذا النوع من الأعمال بشكل كثيف في رمضان، ويصبح هناك سباق بين الشركات فكل منها يريد تقديم عمل بيئة شامية لأنه من الأعمال «البياعة».


المخرج بسام الملا
أما المخرج بسام الملا فقد عمد أكثر من مرة إلى الرد على مثيري موضوع تهميش المرأة وتقديمها بصورة متخلفة في الأعمال الشامية بما فيها الأجزاء الخمسة من مسلسل «باب الحارة»، وكان يردد دائماً: «لم نقدم المرأة المتخلفة، لا بل على العكس تماماً فقد قدمناها بإطارها الواقعي وكيف كانت تُعامل في ذاك الزمان... قدّمت المرأة التي تؤسس لمجتمع نتمناه أن يكون متميزاً».


الفنان أيمن رضا

الفنان أيمن رضا لا يخفي موقفه من الأعمال الشامية، ويبرر في حديثه سبب قلة مشاركته فيها: «لي الكثير من الملاحظات على هذه المسلسلات، حتى أن مشاركتي فيها باتت قليلة، فأعمال البيئة الشامية فيها تغييب للعنصر النسائي والثقافي والفكري الدمشقي الذي كان موجوداً في تلك الفترة.
وباستثناء بعض الأعمال الموثّقة مثل «الحصرم الشامي» و«أولاد القيميرية»، نجد أن غالبية هذه الأعمال فيها استسخاف لقيمة المواطن الدمشقي الذي كان يعيش في تلك الفترة، فهناك ثقافة كانت موجودة إلا أن أغلب المخرجين يغيّبونها لصالح تقديم حكاية مشوقة لها علاقة بالخيال البالي.

وكثيراً ما كنا ننتقد هذه الأمور حتى من خلال لوحات «بقعة ضوء»، ولكن للأسف يتفاعل الجمهور معها بشكل كبير خاصة في البلدان العربية خارج سورية.
وهنا دعني أقول إنه في الفترة التي تجري فيها أحداث تلك الأعمال كان هناك شاعر يدعى نزار قباني، والسؤال: أين ظهر هذا الشاعر؟ أليس من الحارات الشامية؟ وبالتالي أين الشعراء والمثقفون والمفكرون؟ وأين أصحاب المهن؟ هذا ما يحزّ في نفسي حول الأعمال الشامية».


الفنانة رنا كرم
إلى أي مدى تحافظ هذه الأعمال على مكانتها ورونقها الذي رافقها لسنوات، هل بهتت أم باتت أكثر لمعاناً ونجاحاً؟ تقول الفنانة رنا كرم: «كان يمكن الكتابة ضمن إطار البيئة الشامية شرط أن يحمّل العمل جرعة درامية عالية ويقدم لي كمشاهد تاريخ حقبة معينة، ولكن هذا الأمر لم يكن موجوداً في الكثير من المسلسلات التي ذهبت في اتجاه الحكاية البسيطة جداً فغرقت فيها دون أن توظف هذه الحالة بالشكل الدرامي المطلوب منها. وقد تعود هذه الظاهرة إلى أنها مربحة إنتاجياً ومطلوبة للخليج، لكني أرى أنها قد أخذت حقها وأكثر».

الفنانة نسرين الحكيم
تميّز الفنانة نسرين الحكيم بين عمل شامي وآخر ولا تضعها كلها في سلة واحدة، تقول: «الحديث عن دراما البيئة الشامية أمر متشابك، فهناك نوعان من الأعمال، منها ما هو مبني على قصص متخيلة وبعيدة عن الواقع إلى درجة كبيرة، ومنها ما يعتمد على التاريخ كسند حقيقي للعمل.
وهو ما شهدناه على سبيل المثال في مسلسل «طالع الفضة» الذي يعتبر عملاً اجتماعياً تاريخياً له أسسه التاريخية والواقعية ويتحدث عن مرحلة مهمة من تاريخ دمشق، في حين أننا نرى أعمالاً أخرى تتناول قصصاً مستوحاة من الخيال ضمن إطار بيئي مستند إلى المكان، وبرأيي فإن النوعين مطلوبان لأن الدراما مطالبة بإرضاء مختلف الأذواق».