هل تكون ظاهرة الـSelfie# نرجيسية بحلة عصرية؟!

Selfie, علم النفس, باراك أوباما, ميريل ستريب, بيونسيه, نيلسون مانديلا, مواقع التواصل الاجتماعي, Meryl Streep

24 مايو 2014

كنت بانتظار دوري في صالون تزيين الشعر عندما لفتتني سيدة انتهى المزين من تصفيف شعرها فبدأت تلتقط لنفسها عشرات الصور بطريقة الSelfie وهي واقفة أمام المرآة، فيما تنتظرها ابنتها الشابة واقفة قربها أمام أنظار السيدات الموجودات في المكان. وفي اليوم نفسه صادفت مجموعة من المراهقين يحملون الهاتف ليلتقطوا لأنفسهم صوراً وهم يقومون بحركات غريبة في مكان مكتظ بالناس وتكثر فيه وسائل اللهو والتسلية. فبدلاً من الاستفادة من وسائل التسلية المتاحة في المكان، بدا لي أنهم يهتمون أكثر بالتقاط الصور الخاصة لهم ويشعرون بسعادة كبيرة في ذلك ويمرحون. تساءلت عندها عما إذا كانت ظاهرة الSelfie تحمل دلالات معينة، فما سر هذا الانتشار الكبير لها في هذه المرحلة؟ هذا مع أنها كانت موجودة أصلاً لكن بشكل خجول إلى أن راجت بشكل مفاجئ وأعلنت بحسب قاموس أكسفوردOxford  في تشرين الثاني /نوفمبر 2013 «كلمة العام» ؟ فهل هي مجرد ظاهرة تنتشر كأي أخرى في فترة من الفترات بكثرة ثم تعود وتهدأ مع ظهور اخرى جديدة أم أن لها تفسيرات معينة في علم النفس؟
 

كثر يدافعون عنها ويعتبرونها وسيلة للتسلية وطريقة جديدة لالتقاط الصور في أيامنا هذه وتسجيل اللحظات الجميلة، بدلاً من انتظار من يلتقط لنا الصور، وقد يكون ذلك صحيحاً. وكثر يحاولون بهذه الطريقة، سواء كانوا من المشاهير أو من السياسيين أو غيرهم التقاط الصور وتسجيل وحفظ لحظات سعيدة يمضونها بأفضل طريقة ممكنة. البعض يرى في رواجها مبالغة تدل على  غرابة في التصرف وعلى جرأة في الشخصية، ويمكن أن يكون هذا صحيحاً أيضاً. على مواقع التواصل الاجتماعي يكثر المدافعون عنها في مقابل من يتهجمون عليها رافضين هذا الانتشار العشوائي غير المبرر. كبار وصغار يظهرون حماسة لالتقاط الصور الخاصة بطريقة ال Selfie في كل الأوقات والأماكن والظروف، واليوم تظهر دراسات عديدة في علم النفس تتحدث عنها مع رواجها الكبير وانتشارها اللافت. فمنها ما يتحدث عن انها قد تدل على اضطراب نفسي، ومنها ما يرى فيها نوعاً من النرجيسية ومنها ما يرى فيها دلالة على قلة الثقة بالنفس ووسيلة قد يلجأ فيها شخص يفرط في اللجوء إليها إلى لفت الانظار والبحث عن تقدير وجذب لمظهره من خلال هذه الصور، فيما يعتبر كثر في الوقت نفسه أنها دلالة على قوة الشخصية والجرأة (خصوصاً عندما يلتقط شخص صوراً لنفسه ضمن مجموعة). أياً كان التفسير النفسي لهذه الظاهرة تبقى وسيلة يعتمدها معظم الناس على سبيل التسلية والمرح، باستثناء من يتطرف ويبالغ في اللجوء إليها فتصبح عندها، كأي وسيلة أخرى مرضية وقد تشير فعلاً إلى اضطراب نفسي عندما تصل الأمور إلى حد الإدمان. الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية ديزيريه قزي تشير هنا إلى ما قد يحمله التصوير بطريقة الSelfie من دلالات نفسية وتتحدث عن نظرة علم النفس إليها سواء كانت ظاهرة صحية وطبيعية أو لا.

فرغم الدراسات التي تظهر حالياً لتتناول ظاهرة الSelfie ودلالاتها النفسية، ترفض د.قزي إعطاءها حجماً أكبير مما هي عليه من الناحية النفسية، فتعتبرها حالة طبيعية نحاول فيها التقاط الصور الجميلة وتسجيل لحظات جميلة نعيشها بأفضل طريقة ممكنة مع العائلة أو الأصدقاء، مما يجعلها بعيدة كل البعد عن التفسيرات التي تعطى لها في علم النفس، فتقول «من منا لا يقدم على تصوير لحظات معينة يمضيها. والتصوير بطريقة الSelfie ليست إلا طريقة جديدة انتشرت في التصوير. هذا شرط أن يحصل ذلك بمعدل مقبول وطبيعي لا مبالغة فيه. ففي علم النفس لا يمكن إلا أن نربط ظاهرة التصوير بطريقة الSelfie بالنرجسية أي بأسطورة نرسيسوس الذي أغرم بصورته عندما رآها في الماء وغرق فيما كان يحاول التقاطها. فالأمر يختلف بحسب نسبة التقاط هذه الصور وما إذا كانت تشكل هاجساً في الحياة وتصل إلى حد الإدمان، تماماً كما في أي حالات أخرى نصل فيها إلى حد الإدمان فتسيطر على حياتنا كالإدمان على الانترنت والتسوق وغيرها من العادات. أما إذا كان المعدل طبيعياً فيجب عدم إعطاء بعد آخر لها. فالكل يحب التقاط الصور في وضعيات معينة وفي مناسبات يتم فيها تجسيد الأيام الحلوة في حياتنا. لكن تبرز المشكلة عندما تصل المسألة إلى حد الهوس المرضي. في هذه الحالة يصبح لهذه الظاهرة دلالات نفسية وقد تكون مرتبطة فعلاً باضطراب نفسي كما تشير الدراسات العديدة التي صدرت أخيراً».

من جهة أخرى، ترفض د.قزي الربط ما بين التقاط الصور بطريقة الSelfie ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبين قلة الثقة بالنفس، فتراها مرتبطة أكثر بنقص عاطفي ومحاولة للتعويض عن هذا النقص. أما من يعاني قلة ثقة بالنفس فلا يمكن أن ينشر صوره في مواقع التواصل الاجتماعي بل على العكس ينطوي على ذاته ويخجل من نشر صوره. «هي مرتبطة أكثر بالنقص العاطفي والحاجة لنيل إعجاب الآخرين وتقديرهم . وهنا أيضاً تبرز المشكلة عند المبالغة. أما الحاجة إلى الحب ونيل الاهتمام فتعتبر حاجة طبيعية غير مرضية لدى أي إنسان وهي عادية تشعرنا بالسعادة».

وبالتالي تبقى ظاهرة الSelfieطبيعية، خصوصاً في المجتمعات التي تركز بكثرة على المظهر وحب الذات مما يستدعي انتظار إعجاب الآخرين ونيل اهتمامهم بشكل أكبر. وتعتبر هذه الحالة عادية لا يمكن الربط ما بينها وبين أي اضطراب نفسي  إلا عند المبالغة وعند الخروج عن الحد الطبيعي عندها تصبح مرضية ولا بد من البحث عن تفسير نفسي لها. لكن في الحالات العادية، كل إنسان يحب أن يلتقط الصور لنفسه وأن يسجل اللحظات الجميلة في حياته.ولكن في المقابل تؤكد قزي إن من لا يلتقط الصور أبداً لنفسه، يعتبر غير متصالح مع نفسه ومع الآخرين.
 

...ولكن!

لكن إذا كان تصوير الذات طبيعياً وموجوداً من سنوات طويلة، ما سر هذا الهاجس بتحميل الصور على مواقع التواصل وانتظار آراء الآخرين فيها؟ إذا كان هذا الفعل لا يتعدى في هدفه كونه يسجل اللحظات الجميلة التي نعيشها، ما سر هذه الرغبة الخارجة عن إرادتنا في مشاركة صورنا مع الآلاف من الآخرين من الأصدقاء والغرباء عنا؟ صحيح أن تصوير أجمل اللحظات يعتبر طبيعياً، لكن الأهم ألا تتحول المسألة كلها في اتجاه التمسك المرضي بالمظاهر والاهتمام غير المبرر بالشكل وبآراء الآخرين بدلاً من الاستمتاع بتلك اللحظات الجميلة التي نعيشها في حياتنا. حتى أن إحدى الدراسات الحديثة تحدثت أنه بقدر ما تلتقط النساء أكثر صور الSelfie لأنفسهن تزداد لديهن قلة الثقة بالنفس والمقارنة السلبية للذات مع الآخرين. ويبقى الاعتدال ضرورياً وأساسياً في أي وسيلة أو تقنية جديدة يمكن أن تدخل حياتنا حتى لا نقع في مشكلات لم نحسب لها أي حساب فيما نبرر لأنفسنا الفعل الذي نقوم به مهما كان مبالغاً فيه.
 

من أشهر 5 صور Selfies

1  إحدى أشهر صور Selfie للعام 2013 تلك التي جمعت الرئيس الأميركي باراك أوباما مع ئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ورئيسة الوزراء الدانماركية هيلّه ثورنينغ شميدت في مراسم تأبين نيلسون منديلا.

2 من أشهر الصور التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تلك التي جمعت البابا فرنسيس مع مجموعة من المراهقين فاعتبرت أول صورة Selfie  «بابوية».

3 صورة جمعت النجوم في احتفال توزيع الأوسكار التقطتها مقدمة الحفلة Ellen De Generes وسجلت رقماً قياسياً في المرات التي أعيد نشرها فيها، فخلال أسبوعين كان قد اعيد نشرها 3400395 مرة(في 18 آذار/مارس 2014). ووفي هذه الصورة أرادت مقدمة الحفلة التقاط صورة تذكارية مع الممثلة ميريل ستريب، ودعت عدداً من المشاهير إلى الانضمام إليهما في الصورة.

4 صورة لرائد فضاء  حمّلها على موقع الNASA وتم تداولها بشكل واسع باعتبارها الصورة الأولى التي التقطت في الفضاء.

صورة التقطتها مراهقة أسترالية مع بيونسيه وأحدثت ضجة كبيرة لأنها التقطت بشكل مفاجئ، لكن تبين لاحقاً أن الشابة المعجبة ببيونسيه كانت قد طلبت من النجمة أن تلتقط صورة لها معها.
 

الـ Selfie في التاريخ

التقط الأميركي روبرت كورنيليوس أول صورة خاصة له Selfie . وكانت تقنية التصوير عندها بطيئة بحيث تمكن من إعداد الكاميرا قبل أن يقف في المكان المناسب لالتقاط الصورة.

كانت الدوقة أناستازيا نيكولايفنا أول مراهقة تلتقط صورة خاصة لها مستعملة المرآة وهي في سن 13 سنة. وقد أرسلت الصورة إلى صديقة مع رسالة كتبت فيها: «التقطت لنفسي هذه الصورة وأنا أقف أمام المرآة. كان الأمر في غاية الصعوبة لأن يديّ كانتا ترتجفان».

استعملت كلمة Selfie  للمرة الأولى.

اعتمد مفهوم تحميل صورة خاصة لمجموعة للمرة الأولى على الانترنت (بواسطة كاميرا لا بواسطة هاتف ذكي) على صفحة الكترونية أعدّها أستراليون.

كان مفهوم صور الSelfie  موجوداً من سنوات عديدة، خصوصاً بين المراهقين والشباب، لكن انتشارها اللافت حصل عام 2013  فأعلنت «كلمة العام» في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 في قاموس أكسفورد. وقد بدأ انتشار هذه الظاهرة بشكل واسع مع ظهور الهاتف الذكي المزود كاميرا مواجهة إلى جانب تلك الخلفية . وفي السنتين الأخيرتين صار التقاط الصور الذاتية ينتشر أكثر في مختلف المناسبات والظروف بين السياسيين والمشاهير وبين مختلف الطبقات، بغض النظر عن مدى أهمية المناسبة ومدى ملاءمة الظرف.