ظاهرة الـ'SELFIE' تنتشر بين السعوديين

Selfie, علماء النفس, مواقع التواصل الاجتماعي, السعودية

25 مايو 2014

هي ليست بحركة جديدة، فالصورة الملتقطة ذاتياً والمعروفة الآن بـ «سيلفي» Selfie موجودة منذ زمن، إلا أن التكنولوجيات الجديدة والكاميرات التي تجهز بها الهواتف، أكسبتها شهرة وبعداً كبيراً جداً، حتى أصبحنا -وفق علماء النفس- مهووسين بأنفسنا من خلال تصويرها. ويرجح علماء النفس أن هذه «العقدة» لها أسباب متنوعة، تتعلق بالمشكلات الذاتية التي يعانيها الأشخاص، والغرور والكبرياء بعض الأحيان. كانت هذه الظاهرة أسيرة بين الشباب، إلا أنها أصبحت منتشرة بين الكبار أيضاً. «أنا أصوّر «سيلفي» إذاً أنا موجود» شعار المرحلة الحالية الشبابية وغير الشبابية على مواقع التواصل الاجتماعي بحسب ما يردده العديد من الشباب والأقل شباباً.


تقول الاختصاصية في علم النفس الدكتورة لمى الخطيب لـ « لها»: «لم يعد من الضروري أن تكون مشهوراً حتى تلفت الأنظار إليك، فقط يكفي أن تتخذ أي «زاوية معينة» وتلتقط أغرب الصور لتلفت نظر مَن حولك. أمر غريب، تتناوله تحليلات نفسية متعددة، تعود إلى ما يعانيه الشخص من مشكلات تدور حوله».
وتحكي عن إحدى الحالات التي عالجتها ولا تزال تخضع للعلاج: رجل كبير في السن، توفي ابنه الوحيد، وبقي لمدة أكثر من 6 أشهر وهو يلتقط الصور لنفسه. ومما لفت انتباهها انه كلما ظهر الشعر الأبيض في رأسه ازداد عدد الصور، لاسيما انه متعود على صبغة الشعر، فكان يرى في نفسه إنساناً آخر... وهذه الحالات إذا لم تعالج، تتجه إلى أمراض متنوعة، كالفصام، وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين، والتشكيك في الغير. فما يعانيه هذا الشخص هو عدم القدرة على التعبير عن ما يدور بداخله، فيجد الصور متنفسا له، ويقلّبها لتأنيب نفسه، ويبقى الحزن عالقا في ذاكرته.

تدخل أي موقع تواصل اجتماعي لترى صور الشباب والفتيات منتشرة... «أنا في السوق، أو أنا وصديقاتي، وكيفي بصور روحي، أنا وأولادي، أنا وكتابي، أنا وفنجاني... إلخ»، فهل هي ظاهرة صحية مرتبطة بالتطور التكنولوجي أم هوس وأنانية وصولاً إلى النرجسية؟

تجيب الخطيب: «هذا هوس تكنولوجي، وظاهرة غير صحية. بل إنه العامل الرئيسي لبروز الكثير من الأشخاص المغمورين الذين استطاعوا عن طريق تصوير أنفسهم عرض مهاراتهم وصفاتهم ومقتنياتهم وأمور كثيرة تتعلق بهم، فأصبح لديهم الكثير من المتابعين والمشجعين، ما تسبب بملاحقة وسائل الإعلام المختلفة لاقتناصهم. حتى شركات الإعلان حرصت على الترويج لمنتجاتها عن طريق مشاهير الـ ««سيلفي»»، وينتشر هذا بكثرة بين الشباب، بهدف لفت الأنظار. و أكثر مَن استفاد من هذه الظاهرة هم من يمتلكون مهارات ومواهب لكنهم يفتقرون إلى تسليط الضوء عليهم، فأصبــــحوا من المشاهير، وأكثرهم يمتلكون أعداداً كـــبيرة من المعجبين، ويحاولون عبر التصوير تقليد شخصيات عالمية معروفة أو مشاهير، فالبعض يردد أن فلاناً يشبه فلاناً، هنا يشعر محب التصوير الذاتي بالانتشاء، لاسيما انه يبحث عن سد عقدة النقص الذي لديه. وأعتقد أن التويتر كان سبب تفشي هذه الظاهرة، فالعديد من المغردين يغردون عن أمور شخصية تتعلق بهم، فهناك من يبلغ متابعيه انه أنهى إجازته، وآخرون يقولون نحن في طريقنا إلى كذا وكذا... وهكذا من أمور لا داعي لها، إلى أن تحولت إلى تصوير مستمر بشكل غير عادي».

وتختلف الاختصاصية الاجتماعية نور آل هديب مع الخطيب في تحليلها لظاهرة الـ«سيلفي»، وترى أن الظاهرة لحظية، تعبّر عن نفسها في الوقت الذي يتم فيه التقاط الصورة، سواء عن فرح، أو جنون، أو ضحك، أو حزن... وغيرها. وتضيف: «لا أرى فيها أي نوع من النرجسية أو الغرور أو أي شكل من أشكال الاضطراب العقلي، كما ذُكر في إحدى الدراسات التي نشرتها صحيفة أميركية، وإنما هي صورة من صور آليات عالمنا الافتراضي الذي نعيش، والمتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي. باختصار أراها نوعاً من أنواع الثقة وحب الذات والاستمتاع باللحظة التي يلتقط فيها الشخص صورته. ومن مميزات هذه الظاهرة أنها جعلت الناس أكثر واقعية، بعيداً من التصنع والتأنق المبالغ فيه لتصوير الصور كما كان يحدث من قبل، ولا أعني بذلك الابتذال من أجل التقاط الصورة، وإنما أكثر واقعية وملامسة لإيقاع حياتنا اليومي البعيد عن التكلف والتصنع».

وتعتقد آل هديب أن «التصوير الذاتي يميّز الشخص عن الآخر، فهناك أناس مهملون لأنفسهم ولا يمنحونها حقها، فكلما اطلعت على صورك سخر نفسك لنفسك من حيث الاهتمام، فالبعض حمل شعار «لن نحتاج إلى مصور محترف كي يلتقط صورنا، فقط ساعد نفسك بنفسك، وصور نفسك بنفسك، قد تصبح مشهوراً وقد تجني الثروة». التفاؤل في الحياة أمر جميل جدا ونحن في زمن كثرت فيه المشكلات وأصبح الهم والتشاؤم عنواناً لحياة كثر».
 

تعبير وثقة بالنفس

«تفيدنا الصور الذاتية في مجالين: أولا: تعبر عن آرائنا. ثانيا: تزيد ثقتنا بأنفسنا». بهذه العبارة بدأ الشاب يوسف اليوسف التعبير عن رأيه، وأضاف: «الصور لم تعد للذين يتأنقون في كثير من الحالات، يرتدي الناس أحسن الملابس، ويتجملون، ليصورهم مصور. الآن، لأن أي شخص يقدر على أن يصور نفسه بتليفون ذكي، ظهرت «الصورة الواقعية»: شخص شبه نائم، يأكل، يشرب، يعطس، حالات عدة يكون فيها الأشخاص ويلتقطون صوراً غير متوقعة وتحظى بمتابعات من ملايين الناس من شتى أنحاء العالم، فمواقع التواصل الاجتماعي الحديث لم تترك جانباً إلا ونشرته ووصلت العالم ببعضه البعض». وختم: «انتهى عصر حكم الآخرين علينا (الذين يصوروننا). انتهى عصر الصورة الجميلة غير المعبرة عن الواقع وتختلف عن ما يجول في قلب الإنسان، فنحن لا نريد النفاق بل نريد الصورة الحقيقية المعبرة، وهذا ما منحنا إياه التصوير الذاتي الذي بلغ حد الهوس».

وتقول عاشقة التصوير الذاتي، نورة حمادة: «أطلق على نفسي عاشقة التصوير الذاتي لأسباب عدة، فهو وسيلة للتنفيس عن الذات، وتقدير لها أيضاً. فالهوس بالنفس، يجعل منا مقدرين لأنفسنا، وهذا لا يتوافر لدى أي إنسان، فكثيراً ما أحب أن أدلع نفسي، وأبحث عن وسيلة أعشق بها ذاتي، خصوصا انه لا يوجد عاشق لها. أدرك تماما أن هذا الأمر له ارتباطات بالأمراض النفسية، فنحن في مجتمعنا نخرج بالنقاب والعباءة، والبعض يجد في ال«سيلفي» وسيلة للتنفس، وأنا شخصيا لا أنكر أن التصوير الذاتي عقدة نقص».

عبدالله الراشد يعتقد بدوره أن «التقاط صورة الـ«سيلفي» يهدف إلى تدوين اللحظة، عندما أصور نفسي وأنا في رحلة سياحية مثلاً، فأنا أحاول تخليد هذه الرحلة وإعطاءها قيمتها... وهذا أمر ليس بجديد، الجديد أننا بدأنا نشر صورنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر فرضته علينا الحياة الجديدة، أصبحت لدينا شبكة من الأصدقاء، نحاول أن نعرفهم على أنفسنا».

إحدى فتيات التواصل الاجتماعي، تقول: «نعم، أحب تصوير نفسي، لست مريضة نفسياً، فالتقاط الصور أمر مسل وممتع يشعرني بالفرح، وهذا يكفيني». وآخر يرى أن «التقاط الصور ليس بجديد، دائماً ما استخدم المشاهير هذا الأمر، فما المانع من أن نستخدمه نحن؟! نصور أنفسنا كالمشاهير، نستمتع، نشعر بوجودنا، ونسجل لحظات الفرح بالصوت والصورة والكلمة». وتقول هاوية للتصوير الذاتي: «الـ(«سيلفي») أفضل جائزة أقدمها لنفسي... أدلل ذاتي بالتقاط صوري الجميلة، تماماً كما أدللها بشراء فستان جميل أو حقيبة».
 

تلامذة المدارس من المرحلة المتوسطة والثانوية أكثر تعلقاً بـ «سيلفي»

صنفت المرشدة التربوية منى عوني تلامذة المدارس خلال المرحلة الثانوية والمتوسطة من أكثر الفئات تعلقاً وهوساً بظاهرة «سيلفي»، لأسباب عدة منها الغرور ومحاولة التركيز على الذات، لما تتميز به فترة المراهقة على حد تعبيرها.

وأضافت أن «الظاهرة أصبحت منتشرة، وفي المدارس أجواء من التنافس بين التلامذة على لقب الأكثر جذباً. فهوس التصوير الذاتي قد يصل إلى حد الحالة النفسية. كثيراً ما كنا نسمع أمهاتنا يتحدثن عن سلبيات كثرة النظر إلى المرآة، وهذه هي ظاهرة «سيلفي»... لا بد من الحيطة والحذر منها، فنحن مجتمع واع يدرك تماماً مدى خطورة الأمراض النفسية، وما تستتبعه من مشكلات لاحقة».
وترى إحدى التلميذات أن «سيلفي» تعبير عن الذات ووسيلة تسلية تتماشى مع متطلبات التقنية الحديثة». فيما يرى تلميذ في مرحلة ثانوية أن «الظاهرة تتفشى بشكل لافت، والبعض يعتقد أنها حالة نفسية، علما أنها وسيلة تسلية ليس أكثر».
 

خبراء

ربط الخبراء بين  الصور الشخصية والأمراض العقلية، وأكدوا أن الناس يبحثون بشكل منتظم عن زاوية مثالية لتصوير أنفسهم ويمكن أن يكون هذا في بعض الحالات مرضاً. يقول احدهم: «التقاط الصور الشخصية بحد ذاته ليس إدماناً، بل هو أحد أعراض هذا الاضطراب الذي ينطوي على الهوس بالمظهر الخارجي للشخص. ولكن ليس كل شخص يلتقط الصور الشخصية قد يكون مصابا بالهوس أو المرض النفسي. فعشاق ال»سيلفي» يمكن أن يمضوا ساعات في محاولة التقاط صورة مثالية لا تظهر عيوبهم التي يشعرون بأنهم يعرفونها جيداً ولكنها ليست ظاهرة للآخرين».

وحسب إحصائية حديثة، يقع هوس «سيلفي» في الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و24 عاماً، فقرابة 11 في المئة من المراهقين يعترفون بأنهم يلتقطون صوراً لأنفسهم أثناء القيادة أو السير في الشارع، مقارنة بـ7 في المئة لجميع المراحل العمرية الأخرى، ما يتسبب بوقوع حوادث قد تودي بحياتهم في كثير من الأحيان.
ومن المتوقع أنه في العام 2014 ستلتقط حوالي 880 مليار صورة أي 123 صورة لكل واحد من سكان الأرض. ويتوقع أن يكون الكثير منها من نوع «سيلفي».

CREDITS

تصوير : محمد يحيى