محمود درويش يوقّع تعهداً بخط يده ... للكاتبة إيفانا مرشيليان

إيفانا مرشيليان, كتاب, كاتبة, محمود درويش, دار الساقي

05 يونيو 2014

الكتاب: «أنا الموقع أدناه محمود درويش»

الكاتبة: إيفانا مرشيليان

الناشر: دار الساقي


لماذا قررت إيفانا مرشيليان، بعد كلّ هذه السنوات، أن تنشر حوارها مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وأن تكشف عن رسالة خطية كتبها كتعهّد لها؟ قد يتبادر هذا السؤال إلى ذهن القارئ ليجد من ثمّ أنّ محمود درويش هو من طلب منها نشر هذا التعهد بعد مضي خمس سنوات على رحيله.
لكنّ التعهد ليس هو أهمّ ما في الكتاب، ولا حتى الحوار الذي كتبه لها بخط يده، إنما لقاءاتها معه وكواليس الحوار الذي جمع مطلع التسعينات شاعراً مشهوراً، وهو على عتبة الخمسين من عمره، بصحافية شابة في السادسة والعشرين.

محمود درويش كان يعيش حينها في باريس، وإيفانا كانت هناك أيضاً بغية استكمال دراستها.
كان الحوار مقرراً نشره في المجلة التي تعمل فيها، لكنّه أرجئ أكثر من مرّة إلى أن كتب محمود درويش تعهده تسليمها الحوار خطياً، برسالة كتب فيها: «أنا الموقع أدناه محمود درويش»، وهو العنوان الذي اختارته مرشيليان لكتابها الصادر حديثاً عن دار الساقي.

كان الحوار مع درويش حلم إيفانا الصبيّة التي حين سئلت عن سبب دخولها كلية الإعلام أجابت «لكي أحاور يوماً محمود درويش».
وشغف الصحافية الشابة بالشاعر الكبير بدا واضحاً في إصرار إيفانا على إجراء حوار كان درويش يتهرّب منه باستمرار. فمن لقاء إلى آخر، ومن موعد إلى آخر، نشأت علاقة صداقة بين الشاعر والصحافية.
وهذه التفاصيل هي التي أغنت كتاب إيفانا وجعلته جذاباً لمحبي درويش. فهي تنقل كلماته التي كان ينطق بها في منزله الباريسي، تصفه وهو يعدّ القهوة في مطبخه، وهو يمشي معها في شوارع باريس الماطرة، وهو يأكل في المطعم الصيني ويتكلّم ويضحك.
أحاديث كثيرة جمعتهما، من القهوة والزعتر إلى باريس وبيروت وفلسطين، إلى الطفولة والرسم والشعر، «بتعرفي إنو أنا وزغير كنت حابب كون رسّام. وكيف صرت شاعر؟ لأن ما معي ثمن الألوان، كان أسهل عليّ إحصل عالورقة والقلم وإكتب» (44).

تنقل إيفانا حواراتها مع درويش باللغة العامية لكي تنقل حميمية أحاديث كانت تحكى وسط رائحة القهوة المهيلّة حيناً، ورائحة المطر الهاطل على شوارع باريس المضاءة بزينة عيد الميلاد.

من 10 كانون الأول (ديسمبر) وحتى 25 منه هي المدة الزمنية التي جمعت إيفانا بدرويش بغية إجراء الحوار المؤجّل. وبعدما وعدها تخلّف عن وعده في إجراء الحوار يوم 25 من شهر كانون الأول/ديسمبر 1991، طلبت منه إيفانا تعهداً موقعاً بخط يده على تسليمها الأجوبة بعد ثلاثة أيام كما طلب منها، فكتب حينها درويش النص الآتي: «أنا الموقع أدناه، محمود درويش، أتعهد باسم الضمير والأخلاق والمقدسات، بأن أسلّم الحوار الصحفي مع الآنسة إيفانا الرهيبة، كاملاً، في الساعة الرابعة من بعد ظهر السبت الموافق 28 ديسمبر عام 1991، وإلاّ، فمن حقّ إيفانا أن تشهّر فيّ، علانية، وعلى رؤوس كلّ الأشهاد والأشجار».

تنشر إيفانا مرشيليان حوارها مع محمود درويش بخط يده أيضاً ليكون بمثابة مفاجأة لكل محبي الشاعر الفلسطيني الكبير، ويحمل هذا الحوار الكثير من آراء صاحب «سجّل أنا عربي» في مختلف المجالات والمواضيع.
فعن سؤال أمّه وتضمينها رمز الأرض يكتب درويش: «أمي هي أمي. ولو استطعت أن أفكّ خصرها وضفائرها من لعنة الرموز لفعلت.
نعم، تركت وجهي على منديلها، لأني خارجها أفقد ملامحي. وعندما لا أطلب من كلّ هذا المأساوي، الذي يدور في بلادي وما عليها، غير منديل أمي، فلأنني أسعى لاسترداد ملامحي الأولى، لاسترداد إنسانيتي في صورتي كما هي، لا كما ترسمها الجريمة الكبرى التي ارتكبت في بلادي من ناحية، ولا كما ترسمها البطولة من ناحية أخرى». وعن «ريتا» التي يذكرها درويش دوماً ونذكرها يجيب: «ريتا ليس اسم امرأة.
هي اسم شعري لصراع الحبّ في واقع الحرب... من هي ريتا؟ سأبحث عنها مرة أخرى في جسدي، وربما تستطيع قصيدة ما أن تجدها، ربما».
وعن الخيمة الحاضرة في شعره يقول: «ليست خيمتي مستعارة من بناء الشعر العربي القديم، أي ليست خيمتي خيمة شعرية، بل هي أحد أسماء بؤس شعبي.
هي أحد عناوين المصير المأساوي لجزء كبير من شعب لا يستطيع العودة إلى وطنه، ولا يستطيع الإندماج في منفاه أو بين بني عشيرته». أوهن بيروت التي عاش فيها عشر سنين وكتب عنها مثيراً: «... ولأنّ بيروت أكثر من مدينة، في كلّ شارع مدينة، فإنّ كل واحد منّا يبحث عن نفسه ويجدها في مرآة بيروت، دون أن يعي أن بيروت ليست هنا.
وأنه ليس في بيروت بقدر ما هو مقيم في صورتها التي شارك في رسمها». أمّا عن الشعر وعمّا يبقى منه خارجه فيجيب: «لماذا الشعر، لأني أستطيع أن أقول فيه وأن أفعل فيه ما لا أستطيع قوله أو فعله خارج الشعر... وما يبقى مني خارج الشعر فهو القناع والهدف والموروث وشرط الحرية».