الطفل العنيف طبع أم تطبّع؟

الطفل, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, سلوك الطفل, نمو وتطور الطفل / الأطفال, تربية الطفل / الأطفال, العنف, نوبات الغضب

26 يوليو 2014

إذا أراد هاني (سنتان) لعبة شقيقته ولم تعطه إياها يضربها، أما زاهي فينقض على زميله إذا لم ينفذ رغباته، فيما كرمى تشتم إذا أغاظها أحدهم”. فهل السلوك العنيف عند الأطفال طبع أم اكتساب؟ ولماذا يتصرّف الطفل على هذا النحو؟
يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل، أنّ كل الأطفال لاسيّما في سن صغيرة تحرّكهم غريزتهم. فالطفل عندما يريد شيئًا يأخذه من دون أن يفكّر.
فمثلاً إذا رغب في ضرب أحدهم يفعل، ولا يمكنه مقاومة هذه الغريزة، ذلك لأنّ حاجته إلى إشباعها لا يمكن كبحها.
واستناد الطفل إلى الفعل الغريزي الذي يقوم به، يتحدّد بما يسميه عالم النفس سيغموند فرويد بمبدأ اللذة، فهدف الطفل الوحيد هو الحصول على الشيء الذي يرغب فيه بأسرع وقت ممكن، وبأكبر مقدار من المتعة، إذ يتملّك الطفل شعور قوي بأنه يجب أن يحوز كل السلطة، فهو يعتبر نفسه مركز الكون.


كيف يمكن مساعدة الطفل على التخلص من الفعل الغريزي؟
كل طفل يولد على الفطرة وخلال سنواته الأولى يتصرّف تبعًا لما تمليه عليه غريزته والوالدان هما اللذان يهذّبانه ويجعلانه كائنًا اجتماعيًا يدرك الصواب من الخطأ في السلوكيات.
فمن المسائل البديهية أن يعلّم الوالدان الطفل خلال يومياته قواعد الحياة الحضرية التي يجهلها ولا يمكنه اكتشافها وحده. فالإنسان في إمكانه أن يفكر في ما يشاء ويقول ما يشاء ولكن لا يمكنه أن يفعل ما يحلو له هكذا من دون رقيب أو حسيب.
فنحن لا يجوز لنا الإعتداء على الآخرين ونسبّب لهم ألمًا، ولا يمكن حلّ الخلافات بالضرب وإنّما بالكلام، ولا يمكن أن نأخذ اشياء الآخرين بالغصب.
غير أن عمل الأهل لا يقتصر على تعليم الطفل قواعد الحياة، فحين يدرك الطفل معناها عليهم إلزامه باحترامها وبمعاقبته عندما يتخطاها.
لذا عليهم أن يكونوا حازمين مع طفلهم وإن تجاوز حدّه بشكل ظريف. وهذا يحدث غالبًا مع الطفل الصغير. فمثلاً عندما يصفع والدته لأنها لم تعطِه اللعبة أو لأنها أغاظته وهي تضحك، فإنّها بهذا التصرف تبعث له برسالة أنّه يمكنه تخطّي الحدود التي وضعتها له. لذا فبدل الضحك، عليها أن تؤكد له أنّ الضرب ممنوع، وأن تنظر في عينيه مباشرة.
أمّا إذا كان الطفل في سن الثالثة ورافق والده إلى السوبرماركت وأخذ لوح شوكولا من دون أن يقول لأحد، فعلى الأب ألا يكون متسامحًا معه بحجّة سعره الزهيد، فالطفل لا يعرف هذا بل كل ما يعرفه أنه تخطّى قانون وضعه والده وهو ألا نأخذ شيئًا من دون إذن بغضّ النظر عن قيمته.

ولكن هل وضع القانون واحترامه، والعقاب إذا تخطاه الطفل يكفيان لجعل الطفل اجتماعيًا؟
لا، لأنه إذا استند الأهل إلى وضع القانون وفرض احترامه ومعاقبة الطفل لعدم التزامه تكون النتيجة التربوية ترويضًا سطحيًا، لن يساهم في اكتساب المهارات الإجتماعية اللبقة وتعزيزها عند الطفل، وإنّما يؤدي إلى تقيّد الأهل بتطبيع تصرّفاته.
فتقويم تصرّفات الطفل العدوانية وتحويلها إلى تصرّفات إجتماعية سلميّة مسألة ليست بالسهولة بمكان، لأنّ غريزة العنف موجودة عند الإنسان، ولا يكون ذلك باستئصالها من الطفل وإنّما بجعله قادرًا في داخله على تحويل هذه الغريزة وتهذيبها وترويضها مما يسمح له بألا تكون رد الفعل عنيفة وسريعة. وهذا يتطلب في البداية أنسنة مفهوم العالم المحيط بالطفل.


مما يعني تكريس ثلاث أفكار أساسية

1 قيم الحياة الإنسانية الخاصة: ولن يدركها الطفل إلا إذا تمكّن بفضل والديه من إدراك قيمته ككائن إنساني. ويتحقّق ذلك عند شعوره بأهميّة وجوده بالنسبة إلى والديه، وبالتالي يدرك أنّ لوجود الآخرين قيمة أيضًا.

2 وجود الآخر والتعاطف معه والشعور بآلامه: وهذه الفكرة لن تكون مقبولة لديه إلا عندما يرى والديه يهتمان ببعضهما ويقفان بجانب بعضهما ويحترمان بعضهما والآخرين المحيطين بهما. فالطفل الذي يرى والده يعنّف والدته مثلاً كيف يمكنه أن يشعر بألم الآخر؟

3 معنى القانون وقيمته: لا يصبح الطفل قادرًا على احترام القانون إلا إذا أدرك أنه ليس مصدر توتر وإنما القانون وُجد لحمايته وحماية الآخرين.


ما هي البدائل التي تجعل الطفل يتخلّى عن غريزة العنف؟
العقاب بسبب عدم إلتزام الطفل بالقوانين وكبت غريزة العنف لديه وإداركه نتائجها السلبية، لا تكفي كي يكبح جماع غضبه أو عنفه ويصبح كائنًا اجتماعيًا مدنيًا. بل على الأهل أيضًا ودائمًا الإصغاء إلى أطفالهم فهناك مؤشرات لوجود مشكلة عند الأبناء تجعلهم يشعرون بالتوتر وبالتالي يتصرّفون بعنف.
وعلى الأهل أن يدركوا أيضًا أنّ بعض تصرّفات الطفل التي تبدو عنيفة، لا تكون بقصد الأذى وإنّما الفضول. مثلاً يريد الطفل أن يعرف مما تتكوّن سمكته الذهبية فيخرجها من حوضها ويضعها على الطاولة ويحاول تشريحها ليعرف ما في داخلها.
وهذا التصرّف قد يبدو عنيفًا ولكن دافع الطفل هو فضول المعرفة، لذا دور الأم أن تقول له إن السمكة ستتألم وستفارق الحياة. وإذا أراد أن يعرف عن حياة السمكة يمكن أن تشتري له كتابًا يروي حياة السمك بكل تفاصيلها أو مشاهدة فيلم وثائقي.
بتصرّف الأهل على هذا النحو تصل الطفل رسالة تفيد أن والديه يتفهّمان رغبته وفي الوقت نفسه كيف يمكن تحقيقها بطريقة حضارية سلميّة بعيدًا عن العنف. وفي المقابل يتعلّم الطفل كيف يحقق رغباته بشكل إيجابي، ويتخلّى عن ردّات الفعل الغريزية التي تزول مع الوقت. لمَ عليه أن يقطّع السمكة في الوقت الذي يمكنه اكتشاف مئات الأسماك في الكتاب أو على الشاشة؟


عندما يتشاجر الأولاد

كثيراً ما يتحول شجار الأولاد إلى عراك مؤذٍ. تقف الأم حائرة أمام هذا الموقف فلا تدري من تعاقب ومن تسامح. وللتخلص من هذا الوضع يمكن الأم القيام بالأمور الآتية

  • أنهي الشجار بينهم بطريقة صارمة، أبعديهم عن بعضهم بعضاَ لكي تحولي بينهم وبين استمرار العراك. لكن لا تتدخلي في كل مرة بل دعيهم يتعلمون بأنفسهم كيف يتصالحون دون تدخل منك.
  • قومي بدور الحكم بينهم، عندما تلاحظين أنهم لا يستطيعون السيطرة على انفعالاتهم أثناء اللعب. أبعديهم عن بعضهم بعضاَ كما يفعل الحكم الحقيقي فبذلك يتعلمون تبادل الأدوار واللعب العادل. لكن تذكري أنه لا يمكنك القيام بذلك في كل مرة يلعبون فيها بل دعيهم يجربون حل مشكلاتهم دون مساعدتك.

 

نوبات الغضب

يواجه بعض الأطفال المواقف الصعبة بالانفعال والغضب، وغالبًا ما يعبِّرون عن غضبهم بالصراخ أو الرفس. ويبدو أن الطفل يكتشف أن ردات الفعل هذه هي أكثر فاعلية لإجبار أهله على تنفيذ رغباته. وقد وجد إختصاصيو علم نفس الطفل أن الأسباب التي تؤدي إلى الغضب والعدوانية عند الأطفال خصوصًا صغار السن هي:

  • الملابس الضيّقة التي تعوق حركة الطفل.
  • الرتابة التي تتبعها الأم لتنظيم عادة التغوّط وأوقات النوم عند طفلها.
  • وجود زوار غرباء في المنزل.
  • وجود الطفل في بيت يسكنه أشخاص عديدون أكبر منه سناً.


كيفية التعامل مع هذه الفئة من الأطفال
لا يجوز للأهل استخدام العقاب كوسيلة لكف سلوك الطفل العدواني، لأنهم بذلك يحرمونه القدرة على التعبير. فالغضب الذي يتوقف خوفاً من العقاب لا بد أن يتراكم عند الطفل ويشتد حتى يصل إلى الانفجار في صورة عدوانية.
ولكن في الوقت نفسه يجب عدم تلبية مطالب الطفل وعدم إبداء أي اهتمام بتصرفاته. لأنه بعد فترة سوف تهدأ حدة نوبات غضبه حين لا يجد فائدة منها ولأنها لم تحقق مبتغاه.

 

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة