تجارب إعلاميات خلال العدوان على غزة

منال ياسين, سهير خالد الخراز, وفاء أبو حجاج, نعمة أبوعمرة, إعلاميات, العدوان, غزة

13 سبتمبر 2014

منهن من فقدت بيتها أو أحد أفراد عائلتها، ومنهن من فقدت زميلاً لها، ومنهن من كادت تودي بحياتها قذيفة في عدوان هو الأشرس على غزة... أعطت الإعلاميات الغزّيات صوراً مكتوبة لكيفية تعايشهن مع عملهن خلال الحرب وروين لنا أكثر المشاهد إيلاماً، مشاهد جعلتهن يجهشن بالبكاء وهن يدوّن أو يصورن ما شاهدنه أثناء عملهن، ولسان حالهن يقول «شهيدات أثناء العمل خير من شهيدات على فراش المرض».


التقينا الإعلامية الغزية سهير خالد الخراز (24 عاماً) من منطقة دوار أبو مازن في غرب غزة والتي تعمل في مجال الإعلام منذ سنتين، وهي الآن مراسلة ميدانية لقناة «الغدير» الفضائية ولشبكة «الرأي». وحدثتنا عما تعرضت له خلال العدوان على غزة فقالت: «خلال الحرب تم استهداف منزلي بصاروخين والحمد لله العائلة بخير، ولم أصب خلال العدوان مع أنني كنت في أماكن خطيرة في الميدان».

وأضافت: «الحوادث التي تحيط بي وبطاقم العمل كانت كثيرة، ففي إحدى المرات كنا في تغطية على سطح مبنى الدرة للأطفال الذي استهدف خلال الحرب، وخلال وجودنا تم استهداف أماكن متعددة حولنا وغطى الدخان ورائحة الكبريت المكان، واضطررنا للمغادرة على عجل تحت القصف المباشر وصراخ الأهالي».

وتابعت: «المشاهد كثيرة، أذكر أيام الحرب الأولى أني كنت أبكي خلسة في كل تقرير أعدّه خاصة أنها المرة الأولى التي أعمل فيها خلال حرب».

أما عن المشهد الذي لن تنساه فقالت: «هو الطفل الجريح محمد بدران الذي فقد بصره وأصيب بجروح متعددة، وسألته حينها كيف حالك؟ فأجاب: بخير. فسألته هل تشعر بالألم؟ فأجاب بالنفي. أحسست بأني لن أقدم ما قدمه هذا الغالي، أحسست بأني صغيرة جداً أمام عظمته».

وعن ردة فعلها عندما كانت تسمع عن أن هناك صحافياً شهيداً خلال الحرب قالت: «كنت أسارع لأتعرف على اسمه عله لا يكون من الدائرة المقربة من الزملاء، لكن هذه الحرب طالت الكثير من الأعزاء، وكان خبر استشهاد كل واحد منهم يزيدني عزما على مواصلة الطريق، فإن مت سأموت شهيدة، وهذا أفضل لي من أن أموت على فراش المرض».

أما عن موقف أهلها من عملها في ظل الحرب، «فالأهل يخافون على أبنائهم، وكذلك كانت عائلتي. في بداية الحرب كانوا ينتظرون لأعود حتى أفطر معهم في شهر رمضان الماضي، ولكن مع مرور أيام الحرب رددت على مسامعهم أن من كتب له الشهادة سيلقاها في أي أرض كان. الكثيرون والكثيرات حاولوا أن يبثوا الخوف والوهن في نفسي ولكني أحمل هدفاً وأنا على يقين أني أستطيع تحقيقه، واثقة بنفسي وبقدرتي على العطاء».

 

منال ياسين

شرحت الإعلامية منال عمر ياسين (26 عاماً) من مدينة غزة، والتي تعمل في مجال الإعلام منذ 5 سنوات في مجال كتابة التقارير والقصص الصحافية الإنسانية والتصوير، طبيعة ما تعرضت له خلال العدوان على غزة، فقالت: «نعم فقد كنت أخرج في ظل القصف المستمر وأذكر أنني بعد مجزرة عائلة البطش ذهبت للتصوير ولإجراء مقابلات للتقرير الذي أنتجته عن تلك المجزرة. وحين وصلت إلى المكان التقطت الصور وتحدثت مع أحد أفراد العائلة، وبعد مضي ما يقارب النصف ساعة قُصف المكان المجاور لنا فركضنا بسرعة وخرجنا من المكان. وحين تم استهداف منزل عائلة بهار في حي الشجاعية ذهبت إلى المكان لمتابعة عملي، وحين وصلت نصحني أحد المارة بأن أغادر المكان فوراً نظراً إلى التهديد بقصف المنزل مرة أخرى».

وأضافت: «استشهد العديد من أقاربي ومنهم ابن عمي هاني ياسين الذي رقد في العناية الفائقة خمسة أيام ثم استشهد. وقد أصيب عدد من زملائي منهم الصحافي محمود القصاص واستشهد رامي ريان وعبد الله مرتجى».

وعن المواقف الصعبة التي تعرضت لها قالت: «تعرضت للكثير من المواقف الصعبة خلال تغطيتي للعدوان الإسرائيلي، فمن أبرز المشاهد التي لا تزال عالقة بذاكرتي مجزرة الشجاعية، كان الجرحى يتساقطون على الأرض في قسم الاستقبال والطوارئ، الكل يبكي ويصرخ، الدماء في كل مكان، ناهيك برائحة الموت التي كانت تفوح في المكان ولا تكاد تفارقني أينما ذهبت، حتى أنني يومها لم أستطع النوم وحين اغمضت عيني لأستريح قليلاً صحوت على كابوس أفجعني، فوجوه الشهداء وصرخات الجرحى وذويهم لا تفارق مخيلتي».

وأضافت: «لا يفارقني مشهد الجدة وهي تحتضن من تبقى من أولادها وأحفادها وتتمتم بكلمات الحسرة والمرارة «ياريتني مت معكم يا إمي»... لم تسعفني الدموع ولا قلمي الذي وقع على الأرض ليختفي تحت سرير الجدة المكلومة. وهناك مشهد آخر لن أنساه وهو لإحدى الناجيات من مجزرة عائلة البطش، وقفت عدستي عاجزة عن توقيف تلك اللحظة من الزمن والتي تحمل ألماً لن تتجاوزه الذاكرة حتى الموت. ووقف قلمي عاجزاً عن سرد تفاصيل الحكاية من لسان الجدة المكلومة لينتقل إلى ناجية من تلك المجزرة لتلملم بقية تفاصيل الحكاية فيخط قلمي تقرير «شهود وشهداء.. غزة.. دير ياسين الجديدة».

وتابعت: «حبيبة، تلك الطفلة ذات الستة أعوام والتي كانت تحتضنها والدتها لتهربا من بيتهم الذي طالته القذائف الإسرائيلية، لم تسلم من شظايا الغدر التي طالت عدة أماكن في جسدها النحيل. وقمت بتصوير فيديو لأم حبيبة التي تحدثت عن السنين الطوال التي حرمت من الأمومة وكيف مَنَّ عليها الله بابنتها حبيبة بعد نجاح عملية زراعة. لم أكن أعلم ساعتها أن الموت يرقب حبيبة في اليوم التالي للمقابلة وحين عودتها لبيتها الذي أتت آلة الحرب الإسرائيلية على بعض أجزائه، لتلقى الله هي وأمها جراء قصف همجي أحرق جسديهما... فجعني خبر استشهادهما كأنهما من أقاربي، كيف لا وأنا كنت أزورهما يومياً».

وعن خروجها لتغطية الأحداث في ظل القصف قالت: «كنت أخرج منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة في ظل القصف المتواصل، حيث الخطر يدهمك ألف مرة في الثانية، فطائرات الغدر لم تكن تفرق بين صحافي ومدني وعسكري، فجميعنا مستهدفون وتحت بند بنك الأهداف الإسرائيلي. وكنت أتابع التغطية من داخل مستشفى الشفاء في غزة، كما أنني كنت أتخطى أسوار مستشفى الشفاء للذهاب إلى الأماكن المنكوبة ومقابلة أصحاب البيوت المدمرة ومن شهدوا مجازر الاحتلال، كعائلة البطش وبهار والكثير ممن دمرت بيوتهم ومن خسروا عائلاتهم أيضاً جراء استهدافها من طائرات الاحتلال الإسرائيلي. كل ذلك وكان القصف لا يزال مستمرا حتى أنني وزميلتي أمال تعرضنا للقصف إلى جانب أحد البيوت المدمرة لحظة التقاطنا للبعض الصور».

وعن كونها صحافية شاركت في التغطية خلال الحرب على غزة قالت: «لا أخفى خوفي الذي كانت تتبعه نبضات قلبي المتتالية حين تخفق بشدة منذ خروجي من البيت حتى العودة، وألمي على ما أشاهد وخوفي من أن أُفجع بأحد من أهلي وأحبابي وزملائي. ويزداد الخفقان حين العودة إلى البيت في الليل الحالك، حيث مدينةُ الأشباح غزة. وتتصارعُ نبضات قلبي مع هدير الطائرات الحربية التي أعتقد أنها ضبطت ساعتها على دقات قلبي، لكنها دعوات أمي وأبي من كانت تحرسني لأعيش وأكتب وأصور وأمارس دوري الطبيعي كصحافية هدفها كشف الحقيقة».

 

وفاء أبو حجاج

من ناحيتها، قالت الإعلامية وفاء أبو حجاج (30عاماً) وهي من سكان الوسطى في مخيم البريج في غزة والتي تعمل مراسلة صحافية منذ 5 سنوات، وعملت خلال الحرب على غزة  في مجال إعداد التقارير وتغطية العدوان: «قُصف منزلي بقذيفة والحمد لله عائلتي كانت قد غادرت المنزل وفي إحدى المرات كنا نصوّر مدرسة وسقط صاروخ تحذيري عليها وارتعبنا وأخلينا الموقع بسرعة».

وأضافت: «من زملائي الذين استشهدوا زميلنا في وكالة ميديا 24 الذي كان يعمل سائقاً، واستهدفت سيارته آخر أيام شهر رمضان بعد الإفطار وهو ذاهب لإحضار المصور من منزله في حي الرمال».

وعن المشهد الأكثر بشاعة قالت: «هو مشهد مجزرة حي الشجاعية ومنظر الجثث والأهالي والإصابات في مستشفى الشفا وهناك بكيت بشدة، وأيضا مشهد الطفل من عائلة حمد الذي لا يتذكر شيئا مما حدث حين استشهد أهله ولم يجب عن أي سؤال من أسئلتي».

وعن طريقة تعاملها مع الخطر الذي كان يحيط بها أثناء عملها قالت: «واجهت الخطر بكل شجاعة في كل لحظة كنت أحس أنني اقترب من الموت وأنني سوف استشهد بأي لحظة وكنت أشعر بأنها رسالة يجب أن أقدمها وأننا جنود الميدان مثلنا مثل المقاومة، وعلينا نحن كصحافيات أن نقدم رسالتنا بكل جرأة ومصداقية وان نغطي كل حدث وخبر وننقل المعاناة من بلادنا إلى العالم».


نعمة أبوعمرة

أما الإعلامية نعمة أبوعمرة (24 عاماً) من دير البلح والتي تعمل مراسلة منذ 5 سنوات، وهي حالياً متطوعة مع إذاعة «الريف» بالإضافة إلى عملها في إحصاء حجم الدمار في المنطقة الوسطى وتوثيقه لصالح مؤسسة «سفيتس» (مركز مؤسسات المجتمع المدني). حدثتنا عما تعرضت لها خلال فترة الحرب على غزة فقالت: «نجوت 3 مرات من طائرات الاحتلال خلال العدوان على غزة، وتعرضت لحادث سير أصبت فيه بخدوش في رجلي اليمنى».

وأضافت: «تعرض زملائي لإصابات خلال الحرب واستشهد زميلي رامي ريان، وكانت كل المشاهد مرعبة ومخيفة، وجميع تغطيات العدوان كانت فوق كل تصور، ولكن واجبنا أن نفضح إسرائيل وجرائمها».

وعن مواجهتها للخطر عند نزولها إلى الميدان وردة فعل عائلتها قالت: «واجهت الأمر بكل شجاعة وقوة، ومن المؤكد أن الأهل يخافون على ابنتهم، ولكنني كنت أغلق بطاقة الهاتف الخاصة بي وافتح بدلاً منها بطاقة هاتف العمل التي لا تعرف عائلتي رقمها».

وعند سماعها خبر استشهاد أحد زملائها خلال الحرب، قالت: «انهرت عندما سمعت خبر استشهاد الزميل رامي ريان وبكيت بشدة لأنه زميلي وصديقي».