مجهول الأبوين بريء لـن تثبت إدانته...

رضيع,أطفال,جمعيات خيرية

ميس حمّاد (جدة) 28 سبتمبر 2014

في شارع يخلو من المارّة، وعلى مقربةٍ من مسجد، وضعت «كرتونة» تصدر منها أصوات، ولا تكاد تعرف هوية الصوت إلا عند الاقتراب من هذا الصندوق الورقي. لتفاجأ بـ«قطعة لحم» صغيرة تلفها قطعة من القماش، هو رضيع!! نعم رضيع صغير لا يتجاوز الأيام من عمره، اختاره القدر ليدفع ثمن ذنب لم يرتكبه، ويُحاسب على جريمة لم يكن له يد فيها. أطفال احتضنتهم الدنيا، ولم تقوَ براءتهم على تغيير نظرة المجتمع إليهم، ناهيك بالألقاب التي أطلقت عليهم مثل «اللقطاء» و«المنبوذين».

في آخر إحصائية صدرت عن وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية تبيّن أن عدد هؤلاء الأطفال وصل إلى 12 ألف طفل مجهول الأبوين خلال العشرين سنة الماضية. وقد يكون هذا العدد ازداد، إلا أن غياب الإحصائيات الحديثة يحول دون معرفة هذا الأمر، بحسب ما ذكره المهندس حسين سعيد بحري، رئيس جمعية الوداد الخيرية،  وهي أول جمعية في السعودية متخصصة في رعاية الأطفال المجهولي الأبوين. «لها» زارت هذه الجمعية في مقرها الرئيسي، والتقت رئيس مجلس إدارتها حسين سعيد بحري في مكتبه بجدة.

- هل لنا بلمحة مُفصّلة عن جمعية الوداد الخيرية لرعاية مجهولي الأبوين؟
هي جمعية خيرية سعودية، تهدف إلى الاهتمام بقضايا الأطفال الأيتام من مجهولي الأبوين، من خلال برامج متطورة ومتميزة، وبمنظور إسلامي معتمد على القرابة بالرضاعة، ليكونوا أفراداً صالحين في المجتمع. تم تأسيسها عام 1429هـ، ورخصتها وزارة الشؤون الاجتماعية تحت الرقم (415)، وتمت الموافقة على افتتاح فرع للجمعية في مكة المكرمة، بموجب خطاب الوكيل المساعد للتنمية الاجتماعية في الوزارة رقم 238 وتاريخ 1431/1/2هـ.

- ماهي المحاور التي يرتكز عمل الجمعية عليها؟
لدينا خمسة محاور، أولها  الإيواء من خلال برنامج الأسرة البديلة، حيث يتم تربية كل طفلين في سكن مستقل في الجمعية مع أم  وخالة بما يشكل أسرة شبه طبيعية.  من ثم الاحتضان بنظام الإرضاع، ومن خلال أسر قادرة على تربية الأطفال، ومناسبة لهم ضمن شروط معينة، من ثم إعداد منهج تربوي خاص بالأطفال المجهولي الأبوين، لإعدادهم لمواجهة وضعهم والدفاع عن أنفسهم. إضافة إلى تأسيس مركز للأبحاث خاص بقضايا الأطفال المجهولي الأبوين، ونسعى من خلاله إلى تغيير نظرة المجتمع نحو هذه الفئة، بما يحقق التعاطف والتفاعل بينهم وبين فئات المجتمع المختلفة. 

- ما الأسباب التي دفعت  بهذه الفئة لأن تتحول إلى ظاهرة في المجتمع السعودي؟ هل لديكم إحصائيات بعدد الأطفال  المجهولي الأبوين في السعودية؟
لا اعتقد أنها أصبحت ظاهرة في المجتمع السعودي، وإنما هي مشكلة موجودة كأي مشكلة أخرى في أي مجتمع. أنا لا أملك الأرقام ولكن هنالك تصريحات من مسؤولين  في وزارة الشؤون الاجتماعية، تحدد أن عدد المجهولي الأبوين بلغ 12 ألفاً خلال العشرين سنة الماضية.

- ذكرت أنكم بصدد إنشاء مركز للأبحاث لإحصاء عدد الأطفال، أين صار هذا المشروع اليوم؟
لدينا تصور شامل لإنشاء مركز أبحاث لدراسة هذه المشكلة، لكن لم ينتهِ هذا المشروع بعد. وسنسعى من خلال هذا المركز إلى رصد أبعاد هذه المشكلة. لكننا لا نزال نبحث عن جهة تقوم بتمويل المركز.

- يحصل للبعض لبس بين مجهول الأبوين واليتيم، فكيف نستطيع توضيح الفرق بينهما؟ وهل حظيت هذه القضية باهتمام من المجتمع بالدرجة التي تستحقها؟
هما سواء في اليتم، بل مجهول الأبوين أشد حاجة إلى الرعاية،  لعدم وجود من  يحتضنه، بالإضافة إلى المشاكل المصاحبة لهوية النسب. وفي اعتقادي أنها لم تحظ بالاهتمام المطلوب لمعالجة كل قضاياها.

- في مجتمعنا يُعرفون بـ«اللقطاء»، وهناك نظرة اجتماعية سلبية يعانون منها. ماهي أبرز مظاهر هذه النظرة وأسبابها؟
هناك معاناة كبيرة لهذه الفئة، وأبرز مظاهر هذه النظرة هو التعامل معهم بنظرة دونية، في مجتمع يعتمد على القبلية والعائلة في تحديد المرتبة الاجتماعية.

- ماهي الآلية التي يتم التعامل بها مع مجهولي الأبوين منذ اللحظة الأولى لتسلّمهم؟ وماهي الإجراءات المتبعة من قبلكم لاحتضان الطفل في الجمعية؟
في العادة، يكتشف الناس وجود الطفل في مكان عام، كبوابة مسجد، أو بقالة، من ثم يتصل أصحاب المكان بأقرب مركز للشرطة، ليتم نقله إلى أقرب مستشفى، لتوفير العناية السريعة له؟ ومن ثم يتم الاتصال بوزارة الشؤون الاجتماعية التي تسلّمه لجمعية الوداد، أو لإحدى الجمعيات الخيرية الأخرى.


دور الإيواء 

- ماهي سعة دور الإيواء التابعة للجمعية، وكم عددها؟
لدينا داران للإيواء في جدة ومكة، ونسعى لإنشاء فرعين في الرياض والدمام، يتّسع كل منهما لـ30 طفلاً.

 - هناك أم بديلة وخالة، ما الفرق بينهما، وهل هناك شروط معينة لمن ترغب في العمل في هذه الدور؟
الأم البديلة هي التي تقوم بدور الأم لهذا الطفل، والخالة هي مساعدة لها، وتحل مكانها في الإجازات. ونعم، هناك شروط لاختيار الأم البديلة والخالة، أهمها أن تكون سعودية الجنسية، و تلقت قسطاً من التعليم، ولديها خبرة في رعاية الأطفال، وأن تقبل الإقامة الدائمة مع الطفل.

- ماذا نعني بتشجيع الاحتضان؟ وماهو الأفضل للطفل، بقاؤه في دار الإيواء، أم ذهابه إلى أسرة ليعيش معها؟
تشجيع الاحتضان نعني به تشجيع الأسر السعودية على احتضان الأطفال المجهولي الأبوين باشتراط الرضاعة. و بلا شك وجوده داخل أسرة تحتضنه أفضل بكثير من بقائه في دور الإيواء، ففي داخل الأسرة سيجد الرعاية ويعيش حياة مستقرة، وهو ما يُساعد في تقبل المجتمع له.

- التبني بالرضاعة، الشرط الأساسي لاحتضان أي طفل، هل لنا بتفصيل عن هذا الشرط؟
وضعنا شرط الإرضاع الطبيعي للطفل حتى يتحقق له جو أسري مستديم في المستقبل داخل الأسرة فلا يكون هنالك حاجز شرعي لوجود الطفل، أو الطفلة، داخل الأسرة بعد البلوغ، وبالتالي يكون للطفل أم وأب وأخوان وأخوات بالرضاعة. هذا بالإضافة إلى الحنان الذي سيحظى به لأن انتماءه أصبح أقوى، وأرسخ داخل الأسرة. كما أن هذا الأسلوب نعتبره من أهم خطوات تغيير نظرة المجتمع نحو هذا الطفل الذي أصبح له كيان أسري طبيعي عائلة تسعى إلى تنشئته وتربيته وتزويجه، وتحقيق الاهتمام المتبادل بين الطرفين.

- إن قامت أم بتبني طفل، لكنها لا تستطيع الإرضاع، كيف يتم التعامل معها؟ وهل هناك استجابات من قبل الأمهات في المجتمع؟
هنالك طريقتان: إما تحفيز الرضاعة عن طريق تحفيز إدرار اللبن من الأم المرضعة، وقد حققنا تقدماً ونجاحاً في تطوير هذا الأسلوب. أو الرضاعة عن طريق المحارم من الزوج أو الزوجة كأخت الزوجة، أو ابنتها، أو أخت الزوج حسب جنس الطفل. ونعم، هناك تجاوب ملموس، وهناك الكثير من الأسر على قوائم الانتظار لاحتضان الأطفال ورعايتهم، وهو أمر تفخر به الوداد كـجمعية  تسعى لتغيير نظرة المجتمع إلى هذه الفئة من الأطفال. 

الاحتضان

- ماهي الشروط المفروضة على الأسر لاحتضان الأطفال؟
أن تكون الأسرة سعودية الجنسية.

أن تكون مكونة من زوجين، ومضى على زواجهما خمس سنوات، وألا يزيد عمر الزوجة عن 40 عاماً ولا يقل عن 30 عاماً.

ينبغي أن تكون الأسرة قادرة على تربية الطفل، وتتمتع بأوضاع اجتماعية ونفسية جيدة.

إرضاع الطفل من الحاضنة، أو أحد أقارب الزوجة أو الزوج (في حال كون الأسرة غير منجبة).

الأسرة خالية من الأمراض ووضعها الصحي سليم ومطمئن.

- بعد الاحتضان، إلى متى تجري متابعة الطفل داخل الأسرة؟
نحاول أن يكون هناك ترابط وتعاون طويلا الأمد بين الأسرة والجمعية، وهدف المتابعة أساساً هو مساعدة الأسرة في تخطي العقبات التي قد تواجهها في تربية الطفل.

- هناك أسر ترفض المتابعة من قبلكم، كيف يتم التعامل معها؟
من حق الجمعية وبالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، سحب الطفل من الأسرة التي تعترض على المتابعة، وهذا الأمر متفق عليه عند إتمام عملية الاحتضان.

- ماهي رسالتكم للأسر المحتضنة،  وللمجتمع، ولمجهول الأبوين؟
للأسر المحتضنة أقول إن الاحتضان مسؤولية كبيرة، وتربية طفل مجهول الأبوين ليست بالأمر السهل، وما كان أجره مصاحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة إلا تقديراً لهذه المسؤولية والعبء، الجهد المبذول في هذا الأمر.  أما المجتمع فرسالتنا له أن اتقوا الله في هذه الفئة، ولننظر نظرة ايجابية إليها، ولنقتنع بأن هذا الطفل ما هو إلا نتاج لأخطاء المجتمع. ولا يجوز أن نحاسب الطفل عما ارتكبه أبواه من خطيئة. أما الطفل المجهول الأبوين فأقول له ليس الفتى من قال كان أبي ...إن الفتى من قال ها أنا ذا.

 

CREDITS

تصوير : محمد يحيى