وداعاً لدموع فراق الأهل...

دبي, الإمارات العربية المتحدة, عمل المرأة, السفر, زواج

17 يوليو 2013

لا توجد إحصائية رسمية بأعداد الفتيات العربيات المغتربات في دبي وأبو ظبي والإمارات بشكل عام، وإن كان البعض يرجح أن العدد قد يصل إلى أكثر من 300 ألف فتاة وجدن في الإمارات ودبي تحديداً الملاذ الآمن لأحلامهن في العمل والاستقرار، بعدما باتت الإمارات ملتقى جميع الجنسيات، والدولة الجاذبة لفتيات العرب لما لها من سمعة تكاد تتفوق على أوروبا في مستويات المعيشة والشعور بالأمان وغيره، فكان للفتيات نصيب الأسد في العمل داخل مدينة دبي العالمية التى تشهد طفرة اقتصادية على جميع الأصعدة، وفتحت أبوابها للعمل والاستثمار.


عشرات الأسئلة تقفز وراء الأسباب الحقيقية لتوافد الفتيات من كل الأقطار العربية للإقامة في دبي وأبو ظبي، ورغبتهن في النجاح والاستمرار فيها، خاصة أن قصص بعضهن تؤكد أن العريس المنتظر في بلدهن لم يعد حلماً بل السفر والاستقرار هنا، وأخريات نجحن بالفعل في إقامة حياة اجتماعية متكاملة وصداقات تغني عن الحياة التي كن يعشن فيها. بل الأغرب أن هناك الآلاف من قصص الحب التي تنمو في الغربة وتنتهي بالزواج، فيما تشكو فتيات عربات أخريات من العنوسة وارتفاع سن الزواج وغيره.

ومع حلول الإمارات في قائمة أكثر الوجهات اجتذابا للشباب العربي عموماً، وبحسب احدث استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «أصداء» أخيراً، تأتي تجربة معايشة الفتاة العربية لتجربة «الاغتراب في دبي» تحديداً، شديدة الاختلاف لاعتبارات كثيرة، لا تقتصر على ألق المدينة وزخمها، وما يترتب عليهما من اختلاف إيقاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بل لأن هنا مساحة حقيقية تمنح الفرصة لأن يغني الجميع «على ليلاه»، وأن يحمل عالمه الخاص، الذي قد يقترب من نسقه الاجتماعي المختلف من دولة إلى أخرى، أو أن ينصهر في إطار نسيج اجتماعي مختلف يحمل طابع تلك المدينة العالمية وألقها.

«لها» عايشت تجربة نماذج مختلفة لفتيات عربيات من جنسيات متنوعة يخضن تجربة الاستقرار في دبي، بعيداً عن أوطانهن الأصلية، ورغم أن لكل منهن حكاية وأحلاماً وطموحات مختلفة، إلا أنهن في الوقت نفسه يشتركن في الكثير من العوامل والثوابت التي يكشف عنها تفاصيل التحقيق، على النحو التالي:

الغربة هواية
الجزائرية سامية بو هراوة تؤكد أن جيلها من فتيات اليوم لسن متعلقات بالوطن الأم مثل الجيل السابق لأن فتيات اليوم مستقلات وأكثر انفتاحاً على العالم،  وحريصات على الثقافة والإطلاع الدائم والسفر حول العالم، وبالتالي رؤية الآخرين واكتساب الخبرات.
وتعتقد سامية أن الغربة أضحت بمثابة هواية الجيل الجديد، بل أن «السفر بالنسبة إلي هو حاجة  ومن أساسيات الحياة، لرؤية واكتشاف طرق أخرى في الحياة وثقافات جديدة ومختلفة. أما عند الأجيال السابقة فأني اعتقد أن السفر خاصة بالنسبة الى الفتيات كان نادراً». وتضيف: «بنات اليوم لديهن استعداد اكبر للهجرة والسفر وتحمّل تبعات ذلك مادياً ومعنوياً، وبالطبع تبقى معزّة الأهل والرغبة في رؤيتهم هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن أفتقده في تلك الحياة بعيداً عنهم. وفي المقابل كان انتقالي إلى دبي بحثاً عن حياة مهنية أفضل، وبالتالي كان هدفي الحصول على وظيفة مرموقة في شركة دولية كبرى، وهو ما أراه بمثابة إنجاز شخصي. ولكن بعد الحصول على الوظيفة الحلم أبدأ اليوم التفكير في موضوع فارس الأحلام والزواج، نعم أعمل بكل جد ولكن في ذهني أيضاَ العثور على زوج مناسب وتلك الخطوة أتركها للأيام والمستقبل، لأن دبي معروفة بسرعة إيقاع الحياة فيها ومعظم الرجال المغتربين هنا غير جادين وحضورهم هنا ليس للزواج بل للعمل والاستمتاع بالشمس والبحر والحفلات».

مستقلات مادياً ومعنوياً
اللبنانية نهال المقداد التي تعمل مديرة في شركة للشكولا، والتي انتقلت للعيش في دبي العام الماضي فقط، ترى أن الارتباط بين البيت والبلد والعائلة لا يتغير باختلاف الأجيال، لأن الإحساس لا يتغير وهو أشبه بالاستيقاظ صباحاً على رائحة قهوة الأم، أو الالتقاء بعد الظهر مع الصديقة المفضلة للثرثرة، وهي أشياء لا تتغير بفعل الزمن. كما أن بنات اليوم جعلن من التقدم المهني في الزمن الحالي من أولويات الحياة سواء كانت تلك الحياة في الغربة أو في البلد الأم، وهن يركزن على أن يكن النصف الأفضل في المجتمع، وهذا يدفعهن للاستقلال والعمل على تطوير مهاراتهن القيادية وتكوين دائرة اتصالات لازمة للتقدم في أي مجال، وتلك المهارات ستساعد لاحقاً في أن تكون أماً وزوجة عظيمة، وهو أمر أيضاً مهم لإعداد أولادها ليكونوا الجيل الجديد الذي يحتاجه العالم الآن.  لا تنكر نهال أن العيش في الغربة يقلل من فرص التعرف على الزوج المناسب، خاصة أن فتيات الاغتراب هن مستقلات ماديا ًومعنوياً، وهو شيء لا يفضله الرجل الشرقي، لأنه بطبيعته يحتاج الى الإحساس بأنه المسيطر، وأن المرأة تعتمد عليه تماماً. كما أن الغربة لا تتيح بشكل منصف فرص التقاء امرأة ورجل لديهما الثقافة والديانة والتربية نفسها والتفاهم.

فارس الأحلام أو الارتقاء المهني
وتتفق معها صديقتها اللبنانية رغيدة حاج عندما تقول: «الحنين إلي البلد الأم يختلف من إنسان إلى آخر ولا اعتقد أنها مسألة أجيال، والفارق الرئيسي الآن هو سهولة الاتصال بالبلد والأحباب كالانترنت والاتصالات الأرخص، وشركات الطيران الاقتصادية التي تتيح لنا السفر المنخفض التكلفة، وكلها عوامل  تهوّن الغربة الآن مقارنة بالأجيال السابقة. من قبل كان إيجاد فارس الأحلام يمثل الأولوية الوحيدة في حياة الفتيات، ولكن الآن أعتقد أن العثور عليه يتساوى في الأهمية مع التقدم في مجال العمل لأنهما يعطيان الفتاة فرصة التمسك بأحدهما إذا فشل الآخر، وبالتالي أرى أن معظم الفتيات يضعن التقدم المهني فوق إيجاد فارس الأحلام فقط عندما لا يجدن فارس الأحلام». رغيدة تؤكد أيضا أن الاغتراب لا يشكل عائقاً لإيجاد الزوج المثالي، لأن الزوج المثالي قد يكون مغترباً أيضاً، وتجمعهما الصدفة والقسمة والنصيب. وتضيف أن «الاعتقاد السائد بأن الرجال المغتربين يفضلون اللهو في الاغتراب، وعندما يرغبون في الزواج يذهبون الى بلدانهم الأصلية لإيجاد زوجة، قد يكون صحيحاً أحياناً، ولكني اعتقد أن الرجل الذي يفكر بتلك الطريقة ليس مؤهلا لأن يكون الزوج المثالي».

تصنع شخصية حقيقية
ياسمين العمراوي نموذج للمصرية الشابة البعيدة عن أهلها وهي تشعر بالحنين إلى أهلها كما كانت الأجيال السابقة، وتفتقد كما تقول الأهل والأصدقاء والأماكن التي تحب زيارتها، ولكنها تعتقد أنه من الأسهل الآن التعامل مع هذا الحنين لأن دبي مليئة بالمصريين، وبالتالي هناك مجتمع مصري متكامل يمكّنها من الشعور بأنها قريبة جدا من مصر. كما ساعدتها تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي على رؤية وسماع أهلها وصديقاتها بشكل شبه يومي، إلى جانب صديقاتها اللواتي تلتقيهن في دبي بشكل دائم على أن تشعر بأنها في بلدها الأم.
تؤكد ياسمين أن الاغتراب من أجل العثور على العمل المناسب والمحفز والذي يتيح فرص الترقي يتعارض مع فكرة أن الفتاة قد لا تجد الزوج المثالي، لأن هذا الزوج الحلم لا يرتبط بمدينة أو بلد معين لأنه نصيب، ويمكن أن تجده في أي مكان في العالم. ولكن ما قد يدفع الرجل للابتعاد عن فتيات اليوم وخاصة المغتربات هو قوة شخصيتهن واستقلالهن المادي وثقافتهن التي صنعتها خبرة حياتية لاكتشاف النفس والآخرين، وهي تجربة لم تتوافر حتى لهذا الرجل في بلده الأم.

الشعور بالغربة في الإمارات
«تجربتي الشخصية مع الغربة هي تجربة ناجحة بامتياز فقد عملت على بناء شخصيتي التي أنا عليها اليوم، تعرفت على أشخاص أثّروا كثيرا على حياتي بشكل ايجابي والتجارب التي مررت بها أوصلتني الى موقعي هذا وبنت شخصيتي، عملت على مساعدة عائلتي مادياً حتى اليوم بالإضافة الى مساعدة إخواني على إنهاء جامعاتهم مع أنني اصغر الأبناء في المنزل».
والكلام كان على لسان مايا الناصر، مسؤول أول في العلاقات العامة والاتصال في أبو ظبي للإعلام التي حضرت إلي الإمارات قبل 13 عاماً وتقيم في دبي، وكان هدفها منذ الصغر هو السفر واستكشاف العالم. بالإضافة الى بناء سيرة عمل تحلم بها أي فتاه طموحة، وكما تقول: «أنا بطبعي إنسانة أصمم دائما على النجاح في كل شيء، واكره الخسارة والشخصيات الضعيفة. الإنسان يصنع نفسه أينما كان، وفي الإمارات جميع الفرص والشركات المحلية والعالمية متاحة أمامك... واعتبرها فرصة للتقدم عنوانها «حدودي السماء» وليس هنا مكان للبكاء على الغربة. في الإمارات يوفرون الحياة الراقية والمجتمع الآمن، وشعبها يكرم الضيف فتشعر بأنه مرحب بك وبأنك محبوب من هذا العالم الصغير». 

وتوضح مايا الناصر وجهة نظرها بقولها: «لا اشعر بالغربة مطلقاً، والسبب يعود الى زيارتي لبلدي الأردن كل ثلاثة شهور تقريباً والعمل على ملء وقتي دائما بين العمل وممارسة هوايتي كالقراءة والسواقة، والصلاة طبعاً لكي أحافظ على التوازن في الحياة، وتمضية الوقت المتبقي مع أصدقائي، إلى جانب حرصي على تحسين نوعية العمل الذي أقدمها لرؤسائي في الشركة، بالإضافة الى البحث المتواصل عن كل الطرق لتساعدني على التقدم مهنيا في وظيفتي.
لدي العديد من الأصدقاء الذين اعتبرهم عائلتي وأحبائي ونمضي مع بعضنا أجمل الأوقات خلال عطلة نهاية الأسبوع. ولكن فترة الأعياد هي الفترة التي تشعرنا بالغربة – لأني افتقد فيها أجواء الاحتفالات المنزلية بالعيد، ووجود الحيوانات الأليفة تساعد المغترب على عدم الشعور بالغربة. ولدي قطتان تملآن البيت ضحكاً ولعباً طوال فترة وجودي فيه.

اعتقد أن هدف الفتيات في الماضي يختلف عن هدف فتيات هذا العصر – فنحن مطالبات مثل الرجال تماماً بتأمين التزامات الحياة ومساعدة الرجل بكل شيء  فلم تعد المرأة تجلس في البيت وتعتمد على الرجل ليقوم بمتطلبات المنزل. والشعور بالغربة لدى المرأة حاليا لا يختلف كثيراً عن شعور المرأة سابقا بالغربة، بالطبع فرص الزواج في البلد الأم تكون اكبر بسبب توافر الشباب والصبايا من الجنسية نفسها في مكان واحد. مثلاً نلاحظ أن الشباب المغتربين في الإمارات عندما يفكرون بالاستقرار والزواج يعودون الى أوطنهم ليختاروا زوجتهم. ربما الغياب عن الوطن الأم يلعب دوراً بسيطاً في هذا الموضوع ولكنه ليس مقياساً لعدم توافر فرص الزواج للفتاة في الغربة».

الزفاف بعيداً عن الأهل
الحب في زمن الغربة يبدو واضحاً في تجربة ماري منير وخطيبها مينا كيوان، وهما يستعدان الآن لحفل الزفاف الكبير الذي دعيا له كل الأصدقاء من داخل دبي، بل وستحمل الطائرات أهل العروس إلى الإمارات بعد أن فضلا أن يتم الزواج في دبي حيث تعارفا وصنعا قصة حبهما.

وتعمل ماري منير منسقة مبيعات في شركة ملاحية كبرى بدبي، بينما يعمل مينا كيوان في مجال العلاقات الإعلامية والتصوير، وقد حضرت ماري إلي دبي قبل عامين فقط للإقامة الدائمة والعمل بعيداً عن أسرتها في القاهرة، وهي تري أن دبي «عالم ساحر مليء بكل الأطياف والجنسيات، وتنوعه ذلك يجعل من الإمارة تجربة عالمية يصعب أن تشعر فيها بالغربة، لأنك ستجد هنا كل شيء، وهو ما تحقق لي فقد وجدت الحبيب زوج المستقبل، والعمل الجيد والمستقبل، ولهذا سيتم الزفاف قبل نهاية هذا العام على أرض دبي تتويجاً لهذا كله وحباً في دبي الساحرة».

ماذا ينقصني لأشعر بالغربة؟
عكس تجربة ماري ومينا كانت تجربة المغربية نجلاء العلوي التي تقيم في الإمارات منذ 12 عاماً كانت صعبة، فهي على حد قولها عانت في البداية من تجربة الغربة، ولكن طبيعة عملها كخبيرة تجميل والالتقاء بعشرات النساء يومياً أذابا هذا الشعور سريعاً، وبمرور السنوات ومع تكوين الصداقات أصبح الأمر هيناً، خاصة أنها كانت تسافر إلى المغرب كل سنة تحديداً لرؤية الأهل والأصدقاء.
نجلاء تستعيد تجربة زواج الغربة الفاشلة من شاب من غير جنسيتها والتي خاضتها قبل سنوات بعد شعورها بالوحدة القاتلة، وهنا تقول: «لا أنصح بالتعجل في هذا الأمر دون مشورة الأهل، وأفضل أن يكون الزوج من جنسية الزوجة حتى لا تحدث خلافات ثقافية أو اجتماعية أو غيره. ولهذا أتريث في خوض تجربة الزواج اليوم وبكل دقة». وتضيف: «الإمارات تحديداً ومنذ سنوات لا تشعر فيها بأي غربة، فنحن بفعل التقدم التكنولوجي الهائل هنا على اتصال يومي بالأهل. أما الأكل والمطاعم المغربية فهي متوافرة، وحتى الأغنية المغربية موجودة، فماذا ينقصني لأشعر بالغربة؟».

سيدات أعمال
جومانا سامي حايك مصممة أزياء لبنانية، عاشت في دبي فترة ليست بالقصيرة أكدت أن المدينة كما تراها تكاد تكون شبيهة بأميركا. قالت: «اختلفت الفتاة العربية عن الماضي حين كانت تتصف بالخجل والخوف من تحمّل المسؤولية والقدرة على الغربة والبعد عن أهلها، وأصبحت الآن المرأة العربية قادرة على تحمّل المسؤولية في شتى المجالات، وليس هذا فقط ولكنها أصبحت سيدة أعمال تستطيع إدارة شركات ومؤسسات وتنافس الرجل في مضمار العمل الآن».

فرص العمل أكبر للفتيات
السورية دينا عزت من عاشقات دبي بكل ما فيها، فهي مدينة كما تراها تضاهي أفضل مدن العالم، وأعطت مساحة كبيرة لحرية الفتاة التي تحلم بها، «وهذا ما أراه السبب الرئيسي لجذب الفتيات العربيات للإقامة في دبي، إلى جانب الناحية الاقتصادية التي نراها على أرض الواقع في شركات ومؤسسات عالمية ومحلية تستقبل الكثير والكثير من الفتيات العربيات». وأشارت إلى أن الإعلانات المبوبة في الصحف الإماراتية تركز دائماً على طلب الفتاة العربية لوظائف شاغرة، علماً أن الفتاة العربية دخلت كل الوظائف في مجالات الإدارة والاتصالات والهندسة والطب، وهو ما أراه دليلاً دامغاً على أن أبو ظبي ودبي تشجعان الفتاة العربية وأصبحت مطلوبة أكثر من الرجل في سوق العمل الإماراتي».

وكانت صدمتي
تشير ريهام النمر، وهي مصرية تعمل موظفة في دبي، إلى أن الإمارات أصبحت أكثر الدول الجاذبة للفتاة العربية، وهو ما تؤكده الإحصائيات، «يعود ذلك إلى الأمن والأمان اللذين نفتقدهما  في دولنا العربية الآن بسبب الربيع العربي الذي أصبحت إحدى أهم سلبياته هو فقدان الأمن وانتشار الجريمة وقمع الحريات، بينما دبي والإمارات عكس ذلك تماماً».
وتحكي قصة اغترابها بعد تخرجها من جامعة القاهرة وحصولها على بكالوريوس التجارة بدرجة جيد وصدمتها بقبول وظيفة نادلة في مطعم بالقاهرة، وهي الوظيفة الوحيدة التي كانت أمامها، ولكنها لم تشعر بأي راحة نفسية في تلك الوظيفة.  وتابعت حديثها: «وجدت فرصة للسفر إلى دبي للعمل في إحدى الشركات العقارية، وبالفعل قدّمت أوراقي وأجريت مقابلات شخصية ونجحت وسافرت الى بلاد كان أول انطباعي عنها أنها إحدى البلاد الأوروبية التي كنا نسمع عنها، فهي لا تختلف عنها مطلقاً. واليوم أتممت عامي الرابع في الشركة وأصبحت مسؤولة عن أحد أهم الأقسام الإدارية، فقد عملت بشهادتي الجامعية في بلدي الثاني الإمارات وكل الأمور مستقرة والحمد لله، فأين هي الغربة؟».

حتى في عمليات التجميل
المخرجة ومعدة البرامج الفلسطينية هبه الجرمي والمقيمة في أبوظبي منذ مولدها وعاشت أحلى لحظات حياتها فيها -على حد قولها-، أرجعت السبب الحقيقي إلى إقبال الفتيات العربيات على العمل في الإمارات ودبي تحديدا إلى الإمكانات التي تتمتع بها الإمارة الساحرة في كل مناحي الحياة، وصولاً إلى الإمكانات الطبية التي تحتاجها الفتاة العربية لإجراء عمليات التجميل والتي تمتاز بها دبي. وكما تقول: «رأيت بعينيّ العديد من المشاهير في مجال الفن قدموا الى دبي لإجراء عمليات تجميل وتخسيس وغيره، فهنا التفوق والتميز في كل شي وأنا فخورة كوني من المقيمين في إمارة أبو ظبي والتي تهتم بالمرأة عموماً عربية كانت أو مواطنة، ففي كل النوادي والمراكز والفنادق والجهات الحكومية مكان خاص للإناث، وهذا يعكس اهتمام المسؤولين في أبوظبي ودبي يكينونة السيدة العربية لتجد نفسها في إمارات تحترم فتيات العرب».

تجارة وسياحة
مريم عيسي أردنية ومسؤولة في شركة سياحة وسفر تقول إن الارتقاء بالحياة والحركة الثقافية في دبي «يقابله تطور هائل في قطاع السياحة. كما تشتهر دبي بالفعاليات الرياضية الدولية والمراكز التجارية الضخمة والعلامات التجارية الكبرى والشواطئ المشمسة والفنادق الفخمة ومزيج فريد من فن العمارة التقليدية والحديثة، وتعتبر مركزا للتجارة والسياحة في الشرق الأوسط. وتزخر المدينة بطبيعة متميزة مليئة بالحركة والنشاط ليلاً ونهاراً، وهي وسائل جذب لكل فتاة تبدأ أولى خطوات حياتها العملية. فمن الصعب مقارنة أي مدينة عربية بدبي العامرة بكل ما يشغل تفكير الفتيات العربيات من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية».

الغربة فكرة قديمة
عن حكايتها مع السفر والغربة قالت هبة حمدان التي تعمل في مجال العلاقات العامة والتسويق في دبي إن «الفكرة القديمة عن السفر والغربة لم تعد موجودة لدى الكثير من الشباب والفتيات حالياً، فالعالم كله أصبح مثل قرية أو مكان واحد، ووسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للإنسان أن يتحدث إلى من يرغب في أي مكان في العالم وفي أي وقت. كما أصبح من السهل السفر لرؤية الأهل والاطمئنان إليهم في زيارات سريعة  والعودة مرة أخرى. هذه العوامل جعلت الجيل الجديد أكثر انفتاحاً على اكتشاف حياة جديدة، والتعرف على ناس مختلفين والتواصل معهم بسهولة، وأكثر قدرة على تكوين علاقات وصداقات تعوضه عن عدم وجوده مع العائلة، بالإضافة إلى أن طبيعة الحياة ونمطها تغير، ففي كثير من الأحيان تعيش الأسرة في منزل واحد ولكن نادراً ما يجتمع كل أفرادها معاً بسبب ظروف العمل ومشاغل الحياة وارتباط كل منهم بحياته الخاصة».
وتضيف هبة أن فكرة الارتباط المبالغ فيه بمكان معين أو بأشخاص بعينهم لم تعد موجودة إلى درجة كبيرة، فما فائدة أن يعيش الإنسان في بلد أو مكان لا يجد فيه نفسه أو يحقق له ذاته، لذلك أصبح هناك اعتقاد لدى كثير من الشباب والفتيات أن الوطن هو المكان الذي يشعر فيه بذاته ويجد عملاً يناسبه وحياة يحبها وأشخاصاً يحبهم ويتأقلم معهم ويصبحون قريبين منه مثل عائلته تماماً. في مثل هذه الظروف لا مبرر لأن يشعر الإنسان بالغربة أو بالحزن.

نظرة المجتمع وزواج بعد غربة
أما سمر علي التي تعمل في مجال المحاسبة، فلها قصة مختلفة مع الغربة بدأت عندما سافرت إلى دولة خليجية للالتحاق بالعمل في إحدى الشركات الكبرى هناك، ولكنها لم تستطع الاستمرار طويلاً رغم تفوقها في العمل نتيجة كثرة المضايقات التي كانت تتعرض لها من المحيطين بها. وقالت: «خلال تجربتي في السفر اكتشفت أن المجتمعات العربية ما زالت تنظر إلى المرأة نظرة متدنية، وترفض نموذج المرأة الطموحة ذات الشخصية المستقلة، فالمرأة عليها أن تبذل مجهوداً مضاعفاً في  العمل حتى يعترف المحيطون بها بتفوقها وقدراتها. وحتى بعد الاعتراف يظل كثير منهم معترضين، ضمنياً، على أن تتولى مناصب قيادية لا لشيء سوى أنها امرأة. المشكلة الكبرى التي واجهتني كفتاة مغتربة هي نظرة بعض الرجال إليّ باعتباري صيداً يسهل الإيقاع به، وكأن أي فتاة تعيش بمفردها لا بد أن تكون متحررة وأن تقيم علاقات عاطفية مع كل من يطرق بابها، وهذه النقطة بالتحديد كانت سبباً لقرار إنهاء سفري وعودتي إلى بلدي. ولكن بعد فترة تلقيت عرضا جيداً للعمل في دولة الإمارات، فقررت إعادة تجربة السفر. ومنذ البداية حرصت على وضع حواجز صارمة في تعاملاتي مع المحيطين بي، وكنت أعيش في ما يشبه العزلة الاجتماعية. ولكن بعد فترة لاحظت أن زميلا لي في العمل يحاول التقرب مني فرفضت خوفاً من أن يكون مثل الآخرين الذين قابلتهم في تجربتي الأولى، ولكنه فاجأني برغبته في الارتباط الرسمي وتمسّكه بي. وبالفعل بعد فترة من التعارف تزوجنا وحالياً نعيش حياة هادئة وسعيدة».

يوم في حياة مغتربة

  • قد لا تختلف التفاصيل كثيراً بين فتاة وأخرى في حياة الغربة فقد أتفقن جميعاً على أن يومهن يبدأ من التاسعة صباحاً في العمل وينتهي ما بين الخامسة والسادسة مساء، باعتبار أن معظمهن يعملن في القطاع الخاص، لأن وظائف الحكومة الاتحادية في الإمارات تكاد تكون قاصرة على مواطنات الإمارات.
  • معظمهن يتناولن الغداء في ساعة الراحة المخصصة بين الأولى والثانية ظهراً، وهناك شبه اتفاق على تناول وجبات جاهزة من مطاعم وجبات سريعة داخل المكاتب، إلا في ما ندر من باب التغيير.
  • اتفقت الآراء أيضاً على حرصهن على ممارسة الرياضة وأكثر من نصف من التقينهن يذهبن الى النادي الرياضي «الجيم» مساء، وبعدها إما العشاء في البيت، وإن كانت أكثرهن يذهبن للقاء الصديقات في دبي مارينا والممشى والمراكز التجارية المختلفة وحتى منازل بعضهن البعض. بينما تجتمع الشلة كاملة في عطلة نهاية الأسبوع.

وضاعت «تحويشة العمر» مع زوج نصّاب وخائن
لعل أشهر قصص «الدراما في الغربة» تلك التي تعرضت لها معلمة مصرية  قبل عدة سنوات، وكانت تلك الفتاة في بداية حياتها الزوجية عندما حضرت إلى الإمارات للعمل بنظام «الإعارة» وظلت لمدة أربع سنوات كاملة تكتفي بالسفر إلى مصر في إجازة لمدة شهرين في الصيف، لتتابع مع زوجها -الذي كان يبكي بالدموع على فراقها- مراحل بناء بيت الزوجية! والغريب أنه أقنعها بعد تلك السنوات الأربع بالعودة إلى الإمارات وتحويل العقد من الإعارة المنتهية إلي نظام العقد الشخصي، رغم أنه أقل مادياً من العقد السابق، حتى ينهيا عش الزوجية كاملاً. وبعد ثماني سنوات في الغربة عادت الزوجة الى العش المنتظر والزوج المتلهف لعودتها، لتجد زوجة أخرى وورقة طلاق بتاريخ قديم في انتظارها، وتحويشة العمر في جدران تحوي زوجها السابق وزوجته الجديدة!

220 جنسية
وضعنا تلك الآراء أمام الاختصاصية الاجتماعية واخترناها من الإناث لكي تنكشف لنا الصورة بمنظور المرأة كونها متخصصة ومقيمة في دبي، فقالت سحر البنداري إن اغتراب الفتيات أصبح ظاهرة موجودة بصورة واضحة في وقتنا الحاضر أكثر من الماضي بكثير، ففي الماضي لم تكن الفتاة تستطيع أن تعتمد على نفسها وكانت تحكمها العادات والتقاليد والخوف عليها من أسرتها كونها أنثى وكأنها تخاف من الذئاب الضالة، فكانت هناك قيود اجتماعية تكبّل الأنثى العربية. ولكن اليوم أصبحنا في عالم الانفتاح، وباتت الفتاة قادرة على الاعتماد على نفسها وحزم أمتعتها والسفر الى أي مكان، وتلقى الآن الفتاة التشجيع من والديها حتى تستطيع أن تكوّن شخصية مستقلة لها.
وأضافت البنداري: «الإمارات ودبي تحديدا من أهم الدول جذبا للفتاة العربية لأسباب عدة من أهمها أن أكثر من 220 جنسية من مختلف أنحاء العالم تستقر وتعمل وتستثمر في دبي. وهذا الخليط الاجتماعي الفريد تنفرد به دبي الإمارة الخليجية التي تنمو بسرعة الصاروخ، ففي فترة وجيزة لا تتعدى ربع قرن، تمكنت من أن تتحول إلى مدينة عالمية، بطراز عصري حداثي يعد نموذجاً عالمياً. لكنها أيضاً أرست دعائم ثقافية تناسب كونها مدينة عالمية تعبر عن طموح جميع سكانها، وتوفر لهم باختلاف هوياتهم مساحات للتعبير، وفضاءات للإبداع».