مهرجان الموسيقى العريقة ينجح في جذب عشاقه

مهرجان الموسيقى العريقة, فاس, أصالة نصري, عبير نعمة, باكو دي لوسيا, باتي سميث

27 يونيو 2013

ارتأى القيمون على مهرجان الموسيقى العريقة في مدينة فاس المغربية أن يحتفوا خلال أسبوع بالثقافة الأندلسية، وقد نظمت الدورة الـ 19 للمهرجان التي افتتحتها الأميرة للاسلمى، تحت رعاية العاهل المغربي محمد السادس، تحت شعار «فاس الأندلسية».
وتابعت الأميرة للا سلمى من المنصة الشرفية التي أقيمت بالفضاء التاريخي «باب الماكينة» الحفلة الافتتاحية للمهرجان التي كانت عبارة عن عرض شعري ورقص استعراضي وموسيقي حول الأندلس للمخرج أندريس ماران، أحد أشهر فناني الفلامنكو في العالم.
واقترح المنظمون برنامجا غنيا بمشاركة فنانين من مختلف بلدان العالم خاصة من المغرب ومصر وتركيا وموريتانيا واليونان وإسبانيا والبرتغال وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وجنوب إفريقيا والهند، وقُدّمت عروض في أعرق فضاءات فاس الزاخرة بعبق التاريخ والامتداد الحضاري.
وعاشت ساحة باب بوجلود، كل ليلة من ليالي مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، على إيقاع الحفلات الفنية والموسيقية التي تدخل في إطار ما يعرف بفقرات «المهرجان داخل المدينة»، وهي حفلات مفتوحة بالمجان.
ورافقت الحفلات الموسيقية معارض فنية وأنشطة تربوية للأطفال والشباب تشمل محترفات ثقافية ذات بعد تفاعلي.


رحلة أصالة

تمكنت الفنانة أصالة نصري، خلال حفلتها الفنية في مهرجان الموسيقى الروحية أن تحمل الجمهور الذي ضاقت به جنبات الفضاء التاريخي «باب الماكينة»، في رحلة روحية ممتعة إلى الشرق والشام تحديدا حيث المقامات والألوان الموسيقية العريقة والتجدد والتنوع في الألحان وضبط الأداء على إيقاع أنغام تأسر القلب وتسمو بالروح إلى مدارج الصفاء.

واستهلت أصالة، برفقة فرقتها الموسيقية بقيادة المايسترو يحيى الموجي، حفلها الفني بأغنية «مقولتليش» ذات الإيقاع الأندلسي المبهر والسريع شيئاً ما، والذي تحتل فيه الغيتار ونغماتها مساحات كبيرة مبدعة جملا موسيقية صغيرة ومتوثبة تزداد رونقاً وبهاء كلما امتزجت بأداء الفنانة أصالة نصري وبصولاتها الصوتية المدهشة.

وغنت الفنانة السورية «بناءً على رغباتك» لتنتقل بعد ذلك إلى تقديم أغان من ريبرتوارها الفني وسواه، من بينها أغنية «جوني مار» للفنانة المغربية نجاة اعتابو، وأعادت غناءها أسماء لمنور التي وصفتها بالصديقة العزيزة، قبل أن تنهي وصلاتها الغنائية بأغنية «سامحتك».

وكانت أصالة خاطبت الجمهور الذي لم يتوقف عن التصفيق لها والهتاف باسمها، قائلة «خلاص يا صبايا... من أحلى الأشياء التي بتخلينا نحب بعض شو، شو خلانا نحب بعض، شو خلانا عائلة واحدة، خلاني جزء من يومياتكم، وخلاكم مثل النجوم بالسما، ما بعرف شيء من غيرها، الموسيقى، اليوم راح نحتفل بالموسيقى، راح نرتفع بالموسيقى، كلنا بدنا نحييها، لأن هي المحبة الوحيدة، إلي ما حد يقدر يطالها، مهما حاولو...».

وتوالت فقرات الحفلة الفنية بأداء الفنانة السورية لمجموعة من الأغاني من قبيل «ما بقاش أنا» و«إلى متى» و«لو مارجعتش».
وبلكنتها الشامية الجميلة كانت أصالة تسأل، بين الفينة والأخرى، الجمهور عن رغباته وما يود سماعه ليتجاوب معها ويطلب بعض أغانيها التي لا تتردد في أدائها كـ«يا مجنون» قبل أن تعرج على القدود الحلبية الشامية التي أبدعت خلالها في أداء مجموعة من المقطوعات الغنائية والموشحات التي شكلت على امتداد عقود موروثاً فنياً يختزل تفرد وخصوصية الموسيقى العربية كـ «يا مال الشام» وغيرها.

وكانت المفاجأة التي قالت الفنانة أصالة نصري، في ندوتها الصحافية، أنها حضرتها للجمهور عبارة عن قطعة موسيقية هيأتها بهذه المناسبة، وغنت فيها للفن باعتباره «بلسم للجراح»، كما احتفت فيها بكل أولئك الذين «يقدرون الأشياء» وبكل من «أبدع في الفن بمختلف تجلياته»، وقبل أن تنهي حفلها اعترفت الفنانة أصالة نصري، في بوح مع الجمهور، أنها كانت «مرعوبة وخائفة» حين صعدت إلى الخشبة لكن حرارة اللقاء والأجواء العامة للحفلة أنستها هذا الخوف وساعدتها على تجاوز «رهبة اللحظة».
وفي التفاتة لا يقوم بها إلا الكبار، طلبت الفنانة أصالة نصري من الجمهور، في ختام الحفلة، أن يسامحها على الهفوات البسيطة التي قد تكون حدثت لتنهي هذا العرس الفني بأغنية «سامحتك» مخلفة لدى الجمهور ذكرى لاتنسى.

وكانت الفنانة السورية أصالة قالت في لقاء صحافي عقد قبيل حفلتها الفنية اعتبرت أن مشاركتها في مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، هو بمثابة «جائزة كبرى تحصل عليها بعد سنين في خدمة الفن والأغنية العربية».

وعن وجودها في مدينة فاس العاصمة العلمية للمغرب، لفتت إلى أن كل التفاصيل التي تختزلها هذه الحاضرة العريقة من حيطان وسقوف ومحلات صغيرة ومآثر تاريخية وعمرانية «هي التفاصيل نفسها التي أسست حياتي السابقة وأنا أعشقها باعتباري عشت في البيئة نفسها في طفولتي».
من جهة أخرى، أكدت أن دور الموسيقى أضحى بفعل التطورات والتحولات التي يشهدها العالم وضمنه الوطن العربي مختلفاً عما كان عليه الأمر في السابق «فالموسيقى أصبحت الآن تشكل مخرجا وملاذا من الأزمات التي تخنقنا».

وأكدت أن الفنان «لديه دائما رسالة يؤديها وهي رسالة محبة وسلام وتسامح، لكن في بعض الأحيان تكون رسائلنا محكومة بظروفنا النفسية أو حتى الشخصية أو بالظروف العامة التي نجتازها، وبالتالي فإن رد فعل الفنان على الأحداث التي يعيشها تكون عبر الفن»، مشيرة إلى أن حفلتها في فاس تتضمن عدة رسائل تركز كلها على ضرورة التمسك بالمحبة والسلام.

الفنانة اللبنانية عبير نعمة أحيت حفلتين وتستعدّ لوثائقي
أحيت الفنانة اللبنانية عبير نعمة حفلتين، الأولى في متحف البطحاء، وقدمت خلالها طبقاً فنياً لتراتيل آرامية وسريانية وبيزنطية قديمة، فيما خصصت حفلتها الثانية للجمهور العريض للمهرجان، في ساحة باب بوجلود، حيث غنت الفنانة اللبنانية روائع من الطرب العربي الرصين.
وكشفت نعمة أنها ستعود إلى المغرب بعد فترة وجيزة لتصوير وثائقي عن الموسيقى الإثنية في جبال المغرب، برفقة آلان فيبير، المدير الفني لمهرجان فاس. وقالت: «المشروع الذي سأشتغل عليه بالمغرب اسمه «إثنوفوبيا موسيقى الشعوب».

الليالي الصوفية سفر روحاني
على غرار الدورات السابقة للمهرجان، خصصت الدورة الحالية برنامجاً صوفياً غنياً لجمهور «الليالي الصوفية» بمشاركة مجموعات إنشادية تمثل عدداً من الطرق الصوفية في المغرب.
وشهد فضاء الليالي الصوفية في دار التازي توافدا مكثفا للعاشقين المولعين بالأنماط الصوفية المتنوعة للمغرب، ويتميز جمهور الليالي الصوفية بالتنوع، فهو لا يقتصر على المغاربة، بل يضم مختلف الجنسيات، خاصة من السياح الغربيين الذين يعشقون هذه الأجواء.

عازف الغيتار الشهير باكو دي لوسيا يخطف الأنظار
لحظات لن تنسى مع عازف الغيتار الشهير باكو دي لوسيا الذي حلّق بأنغام آلته الموسيقية عاليا في سماء الفضاء التاريخي باب الماكينة، ناقلا الجمهور العريض إلى عوالم فن الفلامنكو، المتميّز بموسيقاه القوية وكلماته الصادحة ورقصته الساحرة.
تقاطر محبو باكو من مختلف الجنسيات، خاصة من إسبانيا. وأكد الفنان في فاس موهبته، ليس في الفلامنكو فحسب، بل في الأنواع الموسيقية الأخرى، كالجاز والموسيقى الكلاسيكية، بحيث أمتع الجمهور ببعض من مقطوعاته في مختلف الأنماط الموسيقية الجميلة.
وتتكوّن المجموعة الفنية لـباكو دي لوسيا من أمهر العازفين والمغنين: أنطونيو سانشيز، وأنطونيو سيرانو، وألان بريز، وبيرانها، ودوكونت، ودافيد دي جاكوبا، إلى جانب الراقص فاروكو.

باتي سميث تسترجع موسيقى الماضي
أسدل الستار في باب الماكينة على المهرجان بحفلة لإحدى ممثلات الأغنية الأميركية الفنانة باتي سميث. وكان جمهور المهرجان على موعد لاستكشاف مرحلة ثرية من تاريخ الولايات المتحدة الفني، خاصة تاريخ مدينة نيويورك التي كانت تعج بالتيارات الفنية والموسيقية التي عنوانها معاناة شباب عقدي الستينات والسبعينات.
وعكست الحفلة التي أحيتها تلك الازدواجية الثقافية التي تمثلها باتي سميث كفنانة تنهل من موسيقى الروك التي هي صورة للتناقض الإنساني باعتبارها تتأرجح باستمرار بين التمرد والعنف وبين والعدالة والتحرر من جذور موسيقى الكانتري التقليدية.
وأتحفت باتي سميث الجمهور بالعديد من الأغاني التي تحتفي بكل الإيقاعات والألوان الموسيقية التي رافقت التحولات التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقود الماضية.

فاس الوجه المشرق للثقافة الأندلسية
خلص المشاركون في منتدى فاس «إضفاء الروح على العولمة»، على هامش المهرجان، إلى أن الأندلس كانت لها القدرة خلال مراحل تطورها عبر التاريخ، على تكريس فضائل التعايش والتناغم بين مختلف الثقافات والديانات.
وأكد المشاركون في المنتدى، من سياسيين وعلماء وفنانين ومثقفين، أن مدينة فاس تمثل الوجه المشرق للثقافة الأندلسية، وهي التي احتضنت القيم الكونية التي خلّفتها هذه الحضارة وطوّرتها بفضل إسهامات كبار العلماء والمتصوفة والشعراء والمنشدين، مطالبين الأجيال الحالية بالحفاظ على هذا الإرث التاريخي وصَونه وجعله رافعة للتنمية.
وناقش المنتدى الذي تناول موضوع «الأندلسيات الجديدة: حلول محلية لاضطرابات عالمية»، محاور عدة من بينها محور «التحديات الجديدة للتنوع»، وهو المحور الذي تدخل فيه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، وأكد في مداخلة حول «الوحدة والتنوع»، أن أي محاولة للفصل بين المفهومين ستبوء بالفشل، لأن الواحدة منهما تكمل الأخرى.
كما تدخل في هذا المحور محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة المغربي، الذي توقف عند التداعيات الناتجة عن العولمة وما تقوم به وسائل الإعلام من محاولات لتكريس النمطية، مما يفرض على الجميع استعادة الوعي الوطني بأهمية المحافظة على التنوع وصَونه والدفاع عنه.