لابلاند الفنلندية... ثلاثة أيام في عالم الإفتراض وتفاصيله ( الحلقة الثانية)

لابلاند,النروج,فنلندا,أوروبا,فندق / فنادق,الأكواخ,مغامرات,الغناء,سانتا كلوز,Smoke Sauna,السونا الدخانية

ديانا حدّارة (لابلاند– فنلندا) 09 نوفمبر 2014

في اليوم الرابع  من الرحلة، استيقظت عند السابعة صباحًا وخرجت إلى شرفة الكوخ الذي أنزل فيه، أستمتع بخرير النهر وحفيف الشجر ومشهد تسلل الغزلان بين الشجر الوارف. البرد هنا لذيذ، تشعر بأن نقاءه يخترق رئتيك بسلاسة ويرفع منسوب الأوكسيجين في رأسك فلا تشعر بتعب أو كسل بل بطاقة إيجابية تمنحك إياها الطبيعة بسخاء لا محسوب.


قرأت برنامج اليومين المتبقيين لي في هذا الفردوس الأرضي. اليوم الجمعة، البداية مع Gold Panning يليه ركوب ATV وركوب الخيل ثم زيارة لقرية سانتا كلوز وبعدها Smoke Sauna  وسباحة في النهر.
أمّا السبت فإبحار في نهر ليمونيوكيه Lemmenjoki ومشي في غابته، ومن ثم عشاء ومغامرة رؤية شمس منتصف الليل.   يومان مشحونان بالمغامرات!

بعد تناول الإفطار، ركبنا الحافلة متوجّهين نحو الغابة، حيث كانت تجربة استخراج الذهب في انتظارنا، ولكن هذه المرّة مع زوجين احترفا هواية التنقيب عن الذهب منذ نحو 40 عامًا جالا خلالها في بلاد المعمورة ولم يملاّ مثلي أنا التي بردت عزيمتي في الدقائق العشر الأولى.


ذرّة الذهب جالبة الحظ و مغامرة الـ ATV

في الغابة انقسمنا فريقين الأوّل ذهب في جولة برية على الـ ATV  فيما فريقنا انتعل الجزم ونزلنا إلى الجدول المائي وجلسنا لننزل الصواني المليئة بالتراب في الماء نتعلّم أصول استخراج الذهب من التراب الموحل... لاحظت السيدة يأسي وساعدتني في هزّ الصينية إلى أن استخرجت ذرّة ذهب، لا أعرف كيف ميّزت بريقه من التراب ولكن في النهاية فزت بذرّة الذهب التي وضعتها في أنبوب صغير من الماء، ممنية النفس بأنها جالبة للحظ.

بعدما انتهت جولة الفريق الأول، جاء دورنا على الـ ATV في مغامرة فريدة من نوعها نتحدّى فيها حفر الغابة وأقنيتها المائية، ونتجنب المنحنيات كي لا نصطدم بجذوع الأشجار الوارفة. ساعة من التجوال في غابة تشعر بأنها لا تنتهي، لكن مرشدينا كانا يعرفان كل مفترق وكل شجرة، والأهم كان يعرفان طريق العودة.

عدنا إلى جلسة الغداء وسط الغابة وحول النار، وكان يوسي قد حضّر لنا الغداء، وبرفقته سيدة من أصول سامية تتبختر بزيّها التقليدي وبدأت الغناء لنا، لم أفهم ترنيمها ولكن حدثتنا عن معنى الأغنية التي ألفتها ولحنتها بنفسها وكانت عن سيدة جميلة وغنية تبحث عن فارس أحلامها.
انتهى الغداء وعدنا للمشي في الغابة، ومررنا بالمشروع التوسّعي لمنتجع كاكسلوتانن حيث مزيد من الأكواخ الخشبية الجميلة ومزيد من الأكواخ الزجاجية الشتوية Igloo .
سألنا جوتي لمَ لا يستقبلون نزلاء في الإيغلو صيفًا! فأجابت ببساطة لأنهم سيتحمّصون مثل دجاج البروستد.


إلى قرية سانتا كلوز والإفتراض المتحوّل واقعًا

بعدما اجتزنا أروقة الغابة ودروبها سيرًا على الأقدام وصلنا أخيرًا إلى قرية سانتا كلوز، هنا كل شيء هادئ. عبرنا الجسر الخشبي ودرجاته وأعيننا تبحث عن أحلام الطفولة ننتظر خروج سانتا كلوز من منزله، رغم أننا ندرك أنه مجرّد أسطورة ابتُكرت قبل قرون. وأخيرًا ظهر سانتا كلوز مرحبًا بنا، سألته مازحة سانتا كلوز هل تحقق أمنياتي؟ فأجاب بصوت جهوري: «هل كنت فتاة صالحة خلال السنة؟، الجواب التقليدي لسانتا كلوز.
دعانا إلى منزله المؤلف من غرفة نوم وبهو استقبال يضم مدفأة ضخمة وصالون استقبال وشجرة زينة، ومكتب وضعت عليه رسائل الأطفال. وكما الأطفال تلقينا هدية سانتا كلوز بفرح وهي عبارة عن «بولوش» غزال الرنة.
جلنا في قرية سانتا كلوز وتعرفنا إلى محترفه الذي يصنع فيه الألعاب، ودخلنا إلى مرعى غزلانه التي كانت تسرح وتمرح في المرج الأخضر، ولا تأبه لوجودنا أو ربما تتغنج علينا ونحن نحاول التقاط صور بقربها.

بعد قرية سانتا كلوز توجهنا بعربة خيل  نحو مزرعة الخيول، حيث استقبلنا صاحبها، كنت متحمسة لركوب الخيل في الغابة ولكن هذه الحماسة فترت عندما عرفت أنه مجرد ركوب في مربض الخيل، والسبب أن عددنا أكبر من عدد الخيل الموجود في المزرعة، فعزفت عن الأمر رغم أن كثرًا من أفراد الفريق الصحافي تحمس للفكرة.


السونا الدخانية Smoke Sauna والقفز في نهر حرارة مياهه لا تتعدّى 9 درجات
لم أفكّر يومًا في أن أخوض تجربة سونا وأقفز في المياه الباردة... دخلنا سونا النساء فشعرنا جميعًا بأننا في إحدى حكايات الشرق في أوائل القرن العشرين، حين كانت الجدّات يخترن عرائس أبنائهن في الحمام، فيعاينّ جمالهن وشعرهن ولباقتهن، ومن ثم يقررن ما إذا كن يناسبن أبناءهن أم لا... دردشاتنا «السونية» طريفة، فكل واحدة كانت تتكلم على فائدة السونا وأهميتها للبشرة، لنبرر تعرّقنا ونقاوم حرارة المكان.
جميعنا كانت لدينا مخاوفنا من القفز في النهر، سبقتنا نانسي وجودي وسمعنا صراخهما من لسعة برد المياه، فلحقنا بهما أنا وروز - ماري وقفزنا كمن قفز في المجهول ولكن لا خوف من التماسيح لأنها لا تعيش في المنطقة القطبية الباردة بل تحتاج إلى المياه الدافئة.
شعرت في الثواني الأولى بأن البرد جمّد الدم في شرايني، لكن بعد لحظات شعرت بخدر وكأنني تعرّضت لعملية شد البشرة، مما جعلني أعيد الكرّة مرتين. اللافت أن السونا الدخانية والقفز في المياه الباردة تقليد يقوم به كل الفنلنديين، بل يكاد حمام السونا أن يكون موجودًا في كل بيت، ولعل هذا يفسر سرّ نضارة بشرتهم وشبابهم.
فقد أكدت لنا جوتي أنه يستحيل أن يخلو منزل، أقله في لابلاند، من حمام السونا. وفي الحقيقة أنني ندمت على عدم استخدام حمام السونا في كوخي في اليومين المنصرمين... بالفعل الإنسان عدو ما يجهل.


اليوم الأخير رحلة نهرية ومشي بري وغداء في الغابة ووداع لشمس منتصف الليل القطبي

عند الصباح ركبنا الحافلة متوجّهين نحو منطقة إيناري وتحديدًا إلى متنزّه نهر ليمونيوكيه الوطني National park Lemmenjoki حيث كانت في استقبالنا عائلة باليتو، وهي عائلة تنتمي إلى شعب سامي.
استقبلتنا كايا باليتو في بوتيكها الذي تعرض فيه مشغولاتها اليدوية من شالات وقطع ملابس وحلي كلها مشغولة من جلد الغزال وعظمه.
ويقال إن سكّان لابلاند يستفيدون من غزال الرنة بكل تفاصيله ما عدا الهواء الذي يتنفسّه الجلد للملابس اللحم للأكل القرون والعظم للحلي.... بدت السيدة كايا فخورة بما تنتجه يداها، واللافت أنها تعرف كثيرًا عن البلدان التي أتينا منها وتحديدًا البلاد العربية، فهي تشارك في معارض في دبي ودول الخليج.

وما هي دقائق حتى إنضم إلينا ابناها أصلاكAslak الذي كان معتمرًا قلنسوة تشير إلى أصوله السامية و نيل Nils- Heiki . رحبا بنا وسألانا عن استعدادنا لرحلة نهرية لن ننساها. ارتدينا جميعا سترات الوقاية من الغرق وتوزعنا في قاربين.
بدأت رحلتنا في نهر ليمونيوكيه، حيث الروائع الطبيعية تستريح على ضفّتي النهر، ولا شيء يعكّر صفو المياه العذبة التي يمكن شربها من دون تردّد.
تماشى القارب مع سريان الماء إلى أن وصلنا إلى عمق ضئيل فاضطرنا للنزول والمشي في الطبيعة وسط شجر الصنوبر الشاهق، على أن يلاقينا أصلاك في المحطة الثانية.

في دروب الغابة مشينا بموازاة النهر، كان هناك زوجان في عقدهما السادس يمشيان في الغابة غير آبهين بتعرجاتها وانحناءتها. ونحن عدنا وركبنا القارب مرة ثانية وهكذا إلى أن وصلنا إلى المحطة الأخيرة.
نزلنا متوجّهين نحو الشلال المائي العظيم رافاداس Ravadasحيث هدير المياه وهي تسقط في النهر مهيب. سارعنا إلى الشلال نتسلق صخوره بسرور غير آبهين بإمكان التزحلق، وصعدنا إلى أعلى صخرة ثم توجهنا سيرًا نحو النقطة الحرجية حيث سنتناول وجبة الغداء.
وحول النار وقدر الحساء الذي تناولناه في أوعية خشبية، حدثنا أصلاك عن النهر، وعن عائلته التي تربي غزلان الرنة أبًا عن جد، وهم يتركونها ترعى بحريّة وقد تبعد عن مزرعتهم عشرات الكيلومترات ولكنها تعود مع حلول الشتاء أمّا كيف يتعرفون إليها! فمن خلال الندبة التي يسمونها على آذانها.
اعترضت إحدى زميلات الرحلة على وجود البعوض، فكان جواب أصلاك المفاجئ أن البعوض ضروري ، فهو يقود قطعان الغزلان نحو الهضاب الأكثر برودة ونحو المستنقعات، فضلاً عن أنه سبب عودتها إلى مُزارعيها.


«إذا ما شربتِ من نهر ليمونيوكيه سوف تجدين شريك حياتكِ»... هكذا تقول الأسطورة
نصحنا أصلاك بالشرب من مياه النهر، فالأسطورة تقول إن من يشرب من مياه نهر ليمونيوكيه سوف يجد شريك حياته. ومعنى ليمونيوكيه نهر الحب بحسب شعب السامي، والنهر الدافئ بحسب اللغة الفنلندية.
في هذا المكان يبيت بعض هواة المشي أيامًا في الكوخ الوحيد الموجود على أن يتم الحجز مسبقًا. لم يبخل علينا نيل-هيكي بمقطوعة غنائية من تراث الشعب السامي، وأجمل ما في غنائه هو تماهيه بالطبيعة رغم أنني لم أفهم الكلمات، فالترنيم الملحمي والإيقاع الصوتي عبرا إلينا جميعًا من دون ترجمة.
أطفأ أصلاك النار وأعاد توضيب القدر وفناجين القهوة لنبحر في النهر مرة ثانية ونعود إلى إيناري. هذه المرة لم نتوقف فمنسوب النهر ارتفع وما عاد من الضروري تخفيف وزن القاربين.
جميل كيف أن سكان هذه المنطقة يستقبلونك ويودعونك بابتسامة، فكايا والدة أصلاك ونيل عادت واستقبلتنا بابتسامة واطمأنت إلى أننا أمضينا وقتًا رائعًا في أحضان النهر وغابته. وبالطبع شكرناها على الشوربة التي حضرتها لنا و كيك الشوكولا اللذيذ.


«لا طبيعة لا مستقبل»... هكذا يفكر الشعب السامي

بدأ العد التنازلي لمشواري القطبي، فأثناء عودتنا مررنا بمتحف سييدا Siida الذي يحكي ثقافة شعب السامي في لابلاند الفنلندية.
كل شيء في هذا المتحف يعبر عن تمسك شعب السامي بأرضه وشغفه بالطبيعة، وكانت الصور التي تعرض التظاهرات ضد تغيير معالم الطبيعة ولعلّ لافتة NO Nature No Future أي «لا طبيعة لا مستقبل» تختصر كل حكاية هذا الشعب المتمسك بجذوره وأصوله وشغفه بالطبيعة وتقديره لأهميتها في حياة الإنسان، رغم أنهم أصبحوا قلة سكانية.

عند منتصف الليل ومع انتهاء العشاء الذي عوضنا فيه يوسي عن «الكينغ كراب» النروجي، بطبق كينغ كراب حقيقي، صعدنا إلى كونيسبا Kaunispaa  القمة التي زرناها في يومنا الأول في لابلاند لنتأمل شمس منتصف الليل.
مشهد مهيب لتداخل الأرجواني برمادية الغيوم، إنها الثانية عشرة منتصف الليل والشمس تتباهى بأنها لا تزال مشرقة غير آبهة لتواتر الليل والنهار.

انتهت ليلتي النهارية الأخيرة وشعرت بالحزن لرحيلي عن بلاد عرفتها في كتب الجغرافيا المدرسية ودهشت لعلمي أن في أقصى الكرة الأرضية بلادًا يتقاسم فيها الليل والنهار السنة بالتساوي منذ أن كانت الأرض.
سبعة أيام مشحونة بالمغامرات وجمال طبيعي حملني إلى عوالم متناقضة جيولوجيًا، كل شيء يعيش بسلام رغم ضوء النهار الطويل ولا ضوضاء تعكر صفو الطبيعة وساكنيها، ورغم الليل المديد لا عتمة يسكن الغموض في تفاصيلها، إنها بلاد تصالحت مع البرد بكل درجاته.

سوف أشتاق إلى غزلان الرنة التي ودعتني على طريقتها بالتبختر أمام شرفة كوخي الملكي وكأنها تتجسس علي، ولخرير النهر المجاور، ولجوتي التي بدت حزينة عندما ودعتنا صباحًا قائلة «سيعود المنتجع إلى الهدوء» ويوسي الذي مازحنا قائلاً: «عليكم العودة في كانون الأول /ديسمبر حين يحلّ الشتاء ولتناموا في الأكواخ الـIgloo الزجاجية وتخوضوا تجربة العتمة لستة أشهر وتشاهدوا بأم أعينكم أنوار الـشفق Auroras .

 

عناوين مهمة

Kakslauttanen Arctic Resort: http://www.kakslauttanen.fi/

Turkish Airlines: http://www.turkishairlines.com/

Finnair Air: http://www.finnair.com/INT/GB/home-page

Finnish Tourist Board: http://www.visitfinland.com/about-us/

Lemmenjoki: http://www.lemmenjoki.org/

http://kakslauttanen.kuvat.fi/kuvat/

http://www.kakslauttanen.fi/en/

CREDITS

شكر خاص : لمنتجع Kakslautanen Arctic resort وشركتي الطيران التركي والطيران الفنلندي على حسن الضيافة