«تنين» ينال «اللؤلؤة السوداء» و«ذيب» يُطارد «القط» في مهرجان أبو ظبي السينمائي

مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي,جوائز,فيلم

مايا بنّوت (أبو ظبي) 15 نوفمبر 2014

حققت اللغة السياسية الروسية غير المباشرة الفوز الأكبر في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، مع اختتام الدورة الثامنة وإعلان «عادل» ومنتظر لأسماء الفائزين بجائزة «اللؤلؤة السوداء» عن فئات الأفلام الروائية الطويلة وآفاق جديدة والوثائقية الطويلة، في قصر الإمارات. أتساءل أحياناً لمَ الأفلام «الجميلة» هي مأسوية وحزينة غالباً؟ وأدرك دائماً أن مساحة الفرح تتقلص في العالم وقد تتسع مع كاميرا ناجي أبو نوار التي تحرّرت في الصحراء أو ملامسة الجرح عبر اعتقال 18 بقرة تهدّد «الأمن القومي الإسرائيلي»  ربما....


الأفلام الروائية  روسية أولاً

فاز فيلم Leviathan «تنين» للروسي أندريه زفياكنتسف، الذي منحته لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان «كان» جائزة أفضل سيناريو، بجائزة «اللؤلؤة السوداء»، وهي أرفع جائزة في المهرجان. كما حصد بطله ألكسيه سيريبرياكوف جائزة أفضل ممثل. فبعيداً عن اللغة السياسية المباشرة، قدّم المخرج في فيلمه الروائي قراءته للمرحلة «البوتينية» التي تمضي عائدة باتجاه إرثها القيصري من خلال قصة عمدة مدينة في غرب روسيا وعائلة يريد امتلاك بيتها. فيما فاز فيلم روسي ثانٍ بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، «تجربة» للروسي ألكسندر كوت. وهو بالفعل «تجربة» ناجحة خصوصاً أن كوت قدّم للفن السابع فيلماً صامتاً، ما لم يحقّقه «الأب الروحي للسينما المستقلة» المخرج المصري أحمد بطوط بحواراته التلقائية في فيلم «القط» حتى مع بطليه عمرو واكد وفاروق الفيشاوي.

تألقت عن الفئة نفسها ثلاثة أفلام عربية، ولم يكن من بينها «القط» المصري بالتأكيد الذي أقحم فيه البطوط مشاهد أثقلت فيلمه بالرمزية من «اسطبل عنتر» إلى معبد أوزوريس «رئيس محكمة الموتى» في مصر القديمة والمستشفى الذي بُتر فيه قدما والد «قط»، مما أفقده واقعية القضية الجوهرية، خطف الأطفال وتجارة الأعضاء. هذه الأفلام هي، العراقي «ذكريات منقوشة على حجر» الذي استرجع معه المخرج الكردي شوكت أمين كوركي المجزرة التي ارتكبها صدام حسين بحق الكرد في إقليم كردستان عام 1988 في عملية «حملة الأنفال» والموريتاني «تمبوكتو» لعبد الرحمن سيساكو الذي اصطحب المشاهد إلى مالي حيث القوانين الطارئة والمتشددة التي تفرض منع التدخين والموسيقى وكرة القدم. وقد نال المخرج اللبناني غسان سلهب، الذي حضر بقوة في مسابقة «الأفلام الروائية»، جائزة أفضل مخرج من العالم العربي. بعد «الجبل» (2011)، نزل سلهب إلى «الوادي» ليروي قصة خراب جديدة لرجل فاقد للذاكرة يدخل مزرعة يقيم فيها تجار مخدرات لهم هواجسهم وينقطع انعزالهم عن الواقع حين تندلع الحرب وتنتقل المأساة الفردية إلى وجع جماعي، وتدور أحداث الفيلم الذي طالب المخرج «المتأثر بالشعر الياباني البسيط والعميق»، المُشاهد بتفكيك رمزياته. سلهب دافع عن التباس فيلمه قائلاً إن العمل الفني يجب ألاّ يكون «أسود وأبيض، وأسئلة وأجوبة بل تعقيدات محتملة خصوصاً حين تتعلق بالمكان الذي أعيش فيه». أضاف سلهب: «لا أقول فكرة محددة في فيلمي. لست من مروجي الرسالة الواضحة والواحدة في أفلامي. أحاول فقط طرح الأسئلة على الشاشة، قد أكون ذهبت إلى مكان سوداوي وغير واضح في السينما فما هو غريب في منطقتنا وفي لبنان خصوصاً أن الطقس اللطيف لكن الكارثة تتربص بهذه الروعة. وهذا التناقض موجود في الفيلم. أنا لا أصور فيلماً توثيقياً بالنهاية، وخيط المأساة حاضر في كل أفلامي. وبطل فيلم «الوادي» الذي فقد ذاكرته يمثل هذا الخيط لنفسه وللآخرين كغريب».

 

«القط» ينوء في أبو ظبي

رغم أن الممثل المصري القدير فاروق الفيشاوي قال بأن فيلم «القط»، الذي شارك في بطولته، «سيعيد السينما المصرية العربية إلى عهدها السابق» إلاّ أن المخرج ابراهيم البطوط رفض حتى مناقشة الالتباس الذي سألته عنه سيدة مصرية شاهدت العرض الأول للفيلم في أبو ظبي. فأجابها باستخفاف: «أنت محقة. ثمة تقصير في الفيلم». فأدى البطل الثاني للفيلم، عمرو واكد دور المدافع متوجهاً إلى السيدة: «هل سمعت بأسطورة إيزيس وأوزوريس؟ «ست» أخ أوزوريس قتله وقطّعه ورماه في أكثر من محافظة مصرية...». مصري ثانٍ سأل البطوط عن مشاهد «الخرابات» الموجودة في الفيلم، فأبدى استياءه الهادئ مجدداً. وهذه المرة دافع الفيشاوي عن الفيلم قائلاً: «الخرابات موجودة في مصر يا جماعة. وفي كل مناطق العالم ثمة أحياء متفاوتة المستوى. ثمة أحياء وثمة أموات». ومجدداً، وقفت سيدة مصرية قائلة للبطوط أن في تركيا مشاهد «أوحش» من مصر لكنهم لا يصورون أبداً ذلك في أعمالهم، فأجابها مستسلماً باختصار، لكن واكد أوضح لها أن الفيلم هو عن أطفال الشوارع الذين يتم اختطافهم. «كيف يمكن أن نصوّر عنهم فيلماً على البحر؟». يذكر أن العرض الأول لفيلم «القط» في أبو ظبي حضره حشد من أهل الفن لكن الضجة التي رافقت الحدث تلاشت لاحقاً.

 

«آفاق جديدة» في السينما لناجي أبو نوار

خرج فيلم «ذيب» للمخرج الأردني ناجي أبو نوار إلى الصحراء وإلى النور، وحصد جائزته الأولى من مهرجان البندقية أخيراً، ونال جائزة أفضل فيلم منافساً ثلاثة أفلام عربية وعالمية عن فئة «آفاق جديدة» في مهرجان أبو ظبي الدولي، إلى جانب جائزة الإتحاد الدولي لنقاد السينما fIPRESCI. وهذه الأفلام العربية هي، «صمت الراعي» للعراقي رعد مشتت و«من الألف إلى الباء» للإماراتي علي مصطفى و«الوهراني» للجزائري للياس سالم الذي استحق جائزة أفضل مخرج من العالم العربي حين أعاد بطله «جعفر» إلى صفوف حركة التحرير الجزائرية في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم. فيما عاد فيلم أبو نوار - الذي تسلّم جائزة «فاراييتي» لأفضل مخرج في العالم العربي في دورة المهرجان الحالية - إلى عام  1916 في شبه الجزيرة العربية حيث يعيش «ذيب» ابن شيخ القبيلة الذي يتنقل في الصحراء بعد وفاة والده ويتعلم من شقيقه المبادئ البدوية لكن حياته تتبدل بعد زيارة الضابط في الجيش البريطاني. حظي ناجي أبو نوار بإجماع إيجابي في المهرجان، ويبقى فيلمه أحد أكثر الأفلام العربية المتألقة في الدورة الثامنة من المهرجان. وبعد أن نال The Wonders «العجائب» جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان «كان»، فازت المخرجة الإيطالية أليتشه رورواتشر ب «اللؤلؤة السوداء» في أبو ظبي عن فيلمها الذي صوّر قصة عائلة من مربّي النحل في المنطقة الريفية التي ولدت فيها. وكما غالبية الأفلام الفائزة في أبو ظبي الحائزة على جوائز سابقة في مهرجانات عالمية، تلقى الموسيقي والمصوّر الألماني ديتريش بروغمان جائزة لجنة التحكيم الخاصة «دروب الصليب» بعد أن حاز «الدب الفضي» لأفضل سيناريو في الدورة 64 لمهرجان برلين السينمائي.

 

انكسار الحلم الرياضي و«حليب الانتفاضة» في الأفلام الوثائقية

فاز فيلم Virunga (بريطانيا والكونغو) بجائزة «اللؤلؤة السوداء»، وهو يكشف المؤمرات التي تستهدف أقدم محمية طبيعية أفريقية هي «فيرونغا» الواقعة شمال شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، لنهب ثرواتها النفطية والمعدنية وتصفيات ممنهجة لغوريلات الجبال. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، فذهبت إلى «الهدف المقبل من أجل الفوز» لمايك بريت وستيف جاميسن الذي تابع حالة فريق Samoa الأميركي مع انطلاق منافسات التأهل لمباريات كأس العالم 2014، وهو حامل لقب رسمي هو أسوأ فريق كرة قدم في العالم ولم يسجل سوى هدفين خلال 17 عاماً. فيما انعطف حارس مرمى المنتخب السوري للشباب لكرة القدم عبد الباسط الساروت عن حلمه الرياضي في فيلم «العودة إلى حمص» قسراً، حين سار في الحراك السلمي والاحتجاجات في حمص منتصف آذار/مارس عام 2011 ثم تحوّل إلى حمل السلاح. وقد نال المخرج الكردي طلال ديركي تنويهاً خاصاً عن  فيلمه التوثيقي الطويل الأول هذا. أما تعاونية «حليب الانتفاضة» التي تأسست خلال الإنتفاضة الفلسطينية الأولى عبر شراء  18 بقرة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فقد أدخلت المخرجين الفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كاون إلى «بيت ساحور» في الضفة الغربية معتمدين التحريك والمشاهد الحيّة والحس الطريف. فقد عنونا فيلمهما «المطلوبون 18»، تعبيراً على الواقعة التي انطلقا منها وهي اعتقال البقرات  بعد قيام الجيش الإسرائيلي بإغلاق المزرعة. وجعلت المأساة العربية الثانية والتي لا تعرف نهاية المخرجة ياسمين فضّة، التي نالت جائزة أفضل مخرجة من العالم العربي، تلجأ إلى ورشة عمل مسرحية «ملكات طروادة» التي شاركت فيها لاجئات سوريات في فيلمها «ملكات سورية» في مقاربة واقعية لما عاشته نساء طروادة السبايا. ونال فيلم «أم غايب» الوثائقي المصري جائزة fIPRESCI لمخرجته نادين صليب. واستحق العراقي سمير جائزة NETPAC (شبكة ترويج السينما الآسيوية) عن وثائقي «الأوديسا العراقية» الذي جمع فيه المخرج شمل عائلته بين موسكو وباريس وباريس وبغداد عبر لقطات لملمها بصعوبة، كما يبحث العراقي عن وطن في الذاكرة.

 

مروان حامد وكوريا الجنوبية يحميان الطفل

ترأس المخرج المصري مروان حامد لجنة تحكيم مسابقة جائزة حماية الطفل التي شاركت في عضويتها مواطنته وبطلة فيلمه «الفيل الأزرق»، الممثلة نيللي كريم. وقد فاز فيلم «في مكانها» للكوري ألبرت شين عن هذه الفئة التي استحدثها مهرجان أبو ظبي السينمائي بالشراكة مع مركز وزارة الداخلية لحماية الطفل. وهو فيلم شارك في مسابقة «آفاق جديدة» يتحدث عن تأجير الأرحام وقصة ثلاث نساء. وكان ثمرة «المحرم الإجتماعي» الذي تناوله، سجال كلامي عن الحمل في مطعم في كوريا الجنوبية استمع إليه المخرج.

 

«تقدّم الدول يأتي من النقد اللاذع»

في تصريح خاص إلى «لها»، وجد حامد أن أهمية هذه الجائزة تكمن في مسألتين: «الاهتمام بالسينما كالوسيلة الأكثر تأثيراً في المجتمع، والاهتمام بالمشاكل المهملة «المسكوت» عنها». وقد لفت حامد إلى أن «المحرم الإجتماعي» العربي لا ينحصر في الدين والسياسة والجنس معتبراً أننا نحن العرب «ننظر إلى أنفسنا كالشعوب الأكثر تديناً والتي لا تخطئ ولا تقترف الجرائم. لدينا انكار دائم للحقيقة وقد يرفضها الجمهور أحياناً حين نقدمها في السينما وكأننا نشوه سمعة العرب. نحن لسنا كذك وبناتنا لسن دائماً كذلك». هذا ما قيل لي حين قدمت فيلميْ «ابراهيم الأبيض» و»عمارة يعقوبيان». تقدم الدول يأتي من النقد اللاذع والصريح وكأننا ننظر إلى المرآة. وحين نصنع جائزة لحماية الطفل هذا يعني أن الطفل بحاجة إلى حماية وأن الطفل في الوطن العربي بحاجة إلى رعاية حين ننظر إلى سورية والعراق وفلسطين، وتكفي حوادث السير التي تودي بحياة الأطفال في مصر».

 

نيللي كريم غائبة...

رغم أنها عضو في لجنة تحكيم مسابقة جائزة الطفل، لم تسرْ الممثلة المصرية نيللي كريم على البساط الاحمر كما فعلت في حفلة الافتتاح التي كرّمت المخرج الجزائري رشيد بو شارب بجائزة المنجز الإبداعي، وهو الذي استكشف بتألق العلاقة المعقدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في أفلامه منذ منصف الثمانينات.
 

4 أسئلة لجاي وايسبرغ الناقد السينمائي في مجلة Variety

إذا لم نضحك على وجودنا في هذا العالم، نكون فقدنا إنسانيتنا

1  ما هي النظرية الكامنة وراء انتقادك للأفلام السينمائية؟

عندما أشاهد فيلماً سينمائياً، أحاول أن أفهم ما يحاول المخرج فعله: هل يريد إخبار حكاية، وإذا كان الجواب نعم، هل نجح في جعل الحكاية واضحة؟ وإذا لم يكن الفيلم عبارة عن حكاية، لماذا، وما الذي يحاول المخرج قوله؟ هناك العديد من العوامل التي تدخل في الاعتبار: الإخراج، المونتاج، طريقة التمثيل. والموسيقى بالنسبة إليّ عامل مهم جداً: فهل تؤجج العواطف أو تعزز المشهد المعروض على الشاشة؟ هل يملك الفيلم رسالة اجتماعية؟ فإذا كان الفيلم يعبّر عن كراهية تجاه النساء، أو كان عرقياً، أو يتحدّث عن الفاشية، فإن نقدي سيكون لاذعاً حتماً.

 

2  حين تشاهد الأفلام العربية في مهرجان أبو ظبي للأفلام السينمائية، كيف تقوّم الدور الذي يؤديه المخرجون؟

أعتقد أننا نعيش لحظة رائعة في السينما الناطقة باللغة العربية. لا شك في أن هناك بعض الأفلام البالغة الأهمية- كما هي الحال في كل صناعة أفلام سليمة. إنما هناك أيضاً عدد متزايد من صانعي الأفلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين تأثروا بمجموعة من الأساليب السينمائية ويبحثون عن شكل هجين يكون وفياً لأصولهم وفي الوقت نفسه منفتحاً على الأنماط السينمائية الخارجية. وما هو رائع أيضاً أن عدد النساء المشاركات في صناعة الأفلام السينمائية في العالم العربي أكبر بكثير مما هو في الولايات المتحدة مثلاً.

 

 3 هل تسمّي لنا فيلماً لم يكن تفويته وارداً في هذه الدورة من مهرجان أبو ظبي السينمائي؟

من الأفلام المهمة التي لا يجدر تفويتها أذكر: «تمبوكتو» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو وهو من أهم المخرجين السينمائيين اليوم، «ذيب» وهو فيلم رائع وLeviathan و«سبات شتوي» للتركي نوري بيغلي جيلان...

 

4   ما رأيك في فوز فيلم «حمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود» بجائزة «الأسد الذهبي» وحضوره في مهرجان أبو ظبي السينمائي ضمن عروض السينما العالمية؟

أنا سعيد جداً لأن فيلم روي أندرسون فاز بجائزة «الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية. إنه فيلم راقٍ جداً، وقد لا يفهم الجميع حسّ الدعابة الموجود فيه، لكن هذا الفيلم هو مزيج نادر من السخافة المرحة والرسالة الباطنية العميقة: العالم هو مكان وحشي بطريقة لا توصف. علينا تذكر هذا الأمر على الدوام. لكن إذا لم نضحك على وجودنا في هذا العالم، نكون فقدنا إنسانيتنا.