من تعديلات بسيطة إلى تغيير جذريّ «إدمان» الموضة و«هوس» الشكل و«حبّ» الظهور

الموضة,التسوق,الإدمان

دينا الأشقر شيبان 29 نوفمبر 2014

لا يختلف إثنان على أنّ متابعة آخر صيحات الموضة والإهتمام بالشكل لا ينحصران في فئة عمريّة دون أخرى، كما يطال النساء والرجال سواسية. فقد بات «المظهر» لغة تَخاطب وتعبير عن الذات والشخصية والإنتماء. إذ يبذل المرء جهداً وافراً لمواكبة كلّ جديد، من ملابس بقصّات وموديلات وألوان عصرية، مروراً بالأحذية والحقائب الخاصة بالموسم، وصولاً إلى تسريحات الشعر وقصّاته وألوانه الملائمة، مع تقنيات التجميل والماكياج الحديثة. كما أنّ إقتناء أهمّ الأكسسوارات أمر لا بدّ منه أيضاً، من الموبايل (الجوّال) إلى المجوهرات والساعات وحتى السيارات وغيرها...
لكن متى يصبح هذا الأمر هدراً للوقت والطاقة والمال؟ ومتى يتخطّى خطوط المقبول وينقلب تبذيراً وهوساً وإدماناً؟


التسوّق متعة منقطعة النظير، وأفق غير محدود وهواية أساسية عند البعض وسبيل للإسترخاء وطريقة للتعبير عن الذات. ومع عصر التكنولوجيا والإنفتاح هذا، باتت الموضة العالمية في متناول الجميع، عبر التسوّق الإلكتروني وتصفّح مجلاّت الموضة ومتابعة البرامج التلفزيونية وولوج عالم التواصل الإجتماعي... فالترويج لمختلف الملابس والأكسسوارات والأحذية والمجوهرات والخدمات التجميلية وطرق تصفيف الشعر والماكياج وغيرها تعدّى أطر الإعتدال، إذ بات الشاغل الأوحد لدى فئة كبيرة من الناس.

من جهة أخرى، يشعر البعض بالحاجة الماسة إلى «حبّ الظهور» ولفت الأنظار ومتابعة الموضة بحذافيرها وإقتناء كلّ جديد ليكونوا السبّاقين. وهنا تتحوّل الهواية إلى هوس والمتعة إلى إدمان! فالإنجراف وراء الصيحات الحديثة والإنجرار وراء الموضة العمياء أمر لا يجوز لأسباب عديدة.

تتحدّث الإختصاصيّة في علم النفس زينة نجيم عن الهوس بالموضة والشكل، عارضة لأبرز الأسباب التي قد تدفع بالشخص إلى إدمان هذا النوع من الهوايات. كما تتطرّق خبيرة التجميل جمال زينون إلى مساوئ تطبيق الرائج وتقليد المشاهير عشوائياً.

موضة وهويّة

 تقول نجيم: «يمتاز كلّ بلد بهوية خاصة به، متجذّرة من ثقافة وتراث ومعتقدات، تتجلّى كلها في إتباع نمط معيّن وفريد من حيث الملبس والطعام واللغة والعادات. لكن مع الإنفتاح، تداخلت القيم والتقاليد، وسيطرت الموضة العالمية على نفحات الجمال الخاصة بكلّ مجتمع. فلا شيء يمنع من التعرّف على الخطوط العريضة للموضة في الثياب والشعر والتجميل عموماً وتطويعها لتناسب كلّ منطقة وسيّدة ومناسبة. تبقى اللمسة الخاصة بكلّ شخص هي ما يميّزه عن بقية الأفراد».

 تضيف: «في المقابل، إنّ التخلّي التام عن الشكل الطبيعي ورفض التقيّد ببعض الخطوط الحمراء والتغيير الجذري الذي قد يُقدم عليه البعض ما هو إلاّ دليل «تمرّد» على الحالة التي يعيشها ورغبة جامحة في لفت الأنظار من خلال التطرّف والمبالغة وحتى الإبتذال أحياناً». فمجاراة الموضة والإهتمام بالشكل هما من أسس الترتيب والجمال بشكل عام، ويجب بالتالي ألا يسيطرا على تفكير المرء بشكل متواصل، كما لا يجوز أن يكلّفاه الكثير من المال والوقت، إلى درجة أن يصبحا همّه الأبرز.

تسّوق وهواية

 توضح نجيم:»يُعتبر التسّوق هواية يُجمع عليها الكثيرون، خاصة من الجنس اللطيف، مهما تنوّعت الأذواق وإختلفت الأعمار والمستويات الإجتماعيّة والثقافيّة والإقتصادية. فهي باب يعرّفهنّ على الجمال والإبتكارات وكلّ ما من شأنه أن يسهّل عليهنّ الاعتناء بمظهرهنّ من الألف إلى الياء».

 تنقسم الآراء ما بين شراء الأساسيّ والضروري من ملبوسات وكريمات عناية وأحذية وأكسسوارات، إلى تدليل الذات بقطعة مجوهرات فريدة أو جلسة عناية أو قصّة مختلفة أو ملابس متميّزة لمناسبة معيّنة، وصولاً إلى الإدمان التام للتغيير وحبّ التجديد وضرورة التنويع ما بين الفصول والمناسبات من حيث اللون والشكل والنوعية والخدمات المتوافرة!

 تتابع نجيم: «يؤكّد روّاد الموضة أنّ مصدر راحتهم وهوايتهم المفضّلة ومصدر فرحهم هو التسوّق! وقد يصل الأمر بالبعض إلى النزول بشكل شبه يوميّ إلى الأسواق التجارية والتنقّل بين المحال والنظر إلى الواجهات والدخول للمفاصلة والشراء وتجربة الملبوسات أو لإبتياع كلّ موديل حديث أو إبتكار جديد، لأنه لا بدّ من أن يكونوا الأوائل في اللحاق بالموضة من كل جوانبها». وهذا أمر طبيعي تماماً ما لم يتخطَّ حدود المقبول، وما لم يؤثر سلبياً على الحالة الإقتصادية للشخص. فلا يجوز أن يعاني المرء من عواقب مادية جرّاء «هواية التسوّق» الخاصة به، في حال إنقلبت حاجة وضرورة...

بين المتعة والإدمان

 ترى نجيم أنّ «متابعة تفاصيل الموضة من شأنه أن يبعث شعوراً داخلياً بالفرح، عندما يقتني الشخص شيئاً لطالما تاق إليه. كما يولّد هذا الأمر طاقة ونشاطاً إذ يشعر المرء انه قد أنجز أمراً يعطيه إحساساً بالإكتفاء الذاتي والقوّة الداخلية».

لكن عندما تنقلب المتعة والهواية إلى عمل دائم، يصبح التسّوق هوساً والإهتمام بالشكل إدماناً.

وتضيف: «يُصنّف الشيء هوساً عندما يكون التعلّق به لا إرادياً، بمعنى أن يتحّكم في صاحبه ويسلبه إرادته. فالمبالغة بإعطاء الأهمية وإعتبار شيء من الكماليات، جوهرياً، يؤثر سلباً لا محالة على المرء. ذلك أنّ إعطاء اللبس والموضة والتجميل حجماً أكبر بكثير من الطبيعي ، وإعتبار أن نوعيّة حياة الفرد تتوقف عليها، وصورته الإجتماعية منوطة بها فقط، ينجم عن عدم توازن في شخصية الإنسان الذي يعتبر أنّ شكله الخارجيّ هو أساس وجوده وأهميّته بين الناس».

تتابع: «من المرجّح أن تكون خلفيّة هذه المشاعر في اللاوعي ناجمة عن الشعور بالنقص والدونية، ما يُترجم على أرض الواقع بالمبالغة في التعويض من خلال الإهتمام بالشكل والطلّة وحبّ الظهور والرغبة في لفت الأنظار، وإن عنى ذلك المبالغة أو الإبتذال أو الإثارة أو التغيير الجذريّ في الشكل، من دون الأخذ في الإعتبار ما يليق بالشخص وفق تكاوين جسمه وتقاسيم وجهه ولون سحنته وعمره ووضعه الإجتماعيّ وسواها». 

هوس مطلق

 تفسّر نجيم: «إنّ المهووسين بشكلهم الخارجي هم ضحيّة تربية وبيئة ومجتمع، يتعلّمون من خلالها أنّ المظاهر هي أساس الحكم على الناس، والشكل مقياس لأهمية الفرد ومكانته. فالإنسان الذي يشعر على الدوام بالحاجة إلى تأكيد الآخرين جماله وأناقته ويسعى لنيل الموافقة المستمرّة من الغير ويعتمد كلّيّاً على نظرة الآخر ليشعر بقيمته كإنسان، هو كائن ضعيف. إذ يتسلّح بالإعتناء المفرط بمظهره الخارجي، ليتمكّن من لفت النظر إليه، ليحسّ أنه ضمن المجتمع الذي يتقبّله ويحضنه». يكون هؤلاء الناس ضائعين في تحديد هويّتهم وشخصيّتهم، كونهم يبنون على تعويض النواقص الأخرى من خلال الشكل». وهذه الآفة نتيجة نظرة إجتماعية تعطي الأهمية المطلقة للمظهر وتركّز على القشور الخارجية، فلا يجوز لوم الشخص المهووس فقط، وإنما المجتمع برمّته.

 تضيف نجيم: «إنّ المبالغة في إستعراض الجسد والإفراط في تغيير الثياب وشكل الشعر والماكياج والخضوع لمختلف سُبُل التجميل غير الضروريّة والبذخ تتخطّى أطر الحفاظ على قدر من الأناقة والتميّز والجمال. فيكون هذا الشخص نافراً عن سواه، متأنقاً أكثر من اللزوم، يبالغ في جمع كلّ صيحات الموضة في طلّة واحدة ويسعى للظهور مهما كلّف الأمر».

فالإرتهان للموضة، بغضّ النظر عن عوامل العري واللياقة والذوق والمناسبة والمكانة والعمر وشكل الجسم، من شأنه أن «يبشّع» ويزيد القبح، لا الجمال!

تجميل وجمال

 تقول زينون: «الموضة تتجلّى في الأناقة والذوق المهذّب والهندام الراقي والطلّة المتكاملة والشكل المتناسق الخالي من الشوائب النافرة. فإذا أحسن المرء الإختيار ووفق بين ما يليق به وما هو على الموضة، أضفى على جماله جمالاً. من جهة أخرى، يسعى كثيرون إلى تحسين مقاييس الجمال الخاصة بهم، وذلك عبر الخضوع لمختلف التقنيات التي من شأنها إزالة الشوائب وإبراز المفاتن. فكلّ جلسات العناية بالبشرة، وإستخدام الفيلير والبوتوكس وتقنيات التقشير والليزر من شأنها أن تزيل الحبوب والبقع والكلف والدبوغات والتشققات والشعر الزائد والخسفات والتجوّرات. كما أنّ ماكنات التنحيف وشدّ العضل والتخلّص من الترهّل وصقل القوام وغيرها، تعمل على تحسين الشكل العام ونحت الجسم».  تضيف: «يجب تطبيق مختلف هذه الطرق عند الحاجة وبعد التشخيص الدقيق على أيدي إختصاصيين. لكن، عندما يتعلّق الأمر بالهوس بالشكل، نرى إقبالاً هائلاً على كلّ ما هو متوافر، سواء دعت الحاجة إليه، أو لا، وذلك للبقاء «روّاداً» في عالم التجميل». وكم من «جرائم» تُرتكب بإسم الجمال!

تجدر الإشارة، بحسب زينون «إلى أنّ المبالغة في الخضوع للتجميل تتخطّى أحياناً الحقن والماكياج، وصولاً إلى العمليات الجراحية غير الضرورية، التي قد «تشوّه» في معظم الحالات الشكل الطبيعي والجميل للمرء، كالإبتذال في تكبير حجم الثديين أو المؤخّرة، و شفط كمية فائقة من الدهون  أو المبالغة في حقن البوتوكس والفيلير أو التغيير الجذري في شكل الوجه». 

تقليد ومشاهير

 تتابع زينون: «في مجال عملنا، نصادف العديد من اللواتي يسعينَ للتشبه بالمشاهير «طبق الأصل»، بمعنى أن ترغب السيدة في تقليد شكل من تعتبرها «أيقونة الجمال» من حيث الماكياج ولون الشعر والتسريحة، وإن لم تكن تمتلك المقاييس الجمالية عينها. وهذا أقرب إلى «إستنساخ» منه إلى التجميل، بحيث لا يمكن تطبيق ما ترغب به، وهذا ما يحطّ من قدرهنّ ويقلّل من جمالهن». كما أنّ بعض «صيحات الموضة» حصرية للإستعراض والسجادة الحمراء والمناسبات الفخمة، ولا يجوز بالتالي تطبيقها في الحياة اليومية.

 تضيف: «أسوأ ما في الأمر هو أنّ تبالغ المرأة من غير وعي بالهوس بالطلّة والشكل والموضة، من دون محاولة معرفة ما يُرضيها. إنّ عقدة التشبه بالمشاهير وحبّ الظهور عبر المبالغة في العناية بالشكل يكونان للتعويض عن جوانب أخرى».

 تختم زينون: «إنّ الإقدام على خطوات جذريّة في التجميل أمر لا يتمّ التراجع عنه بسهولة، إذ يستغرق وقتاً أحياناً، ما ينعكس سلبياً على نفسيّة المرء. فالإقدام على «حلق الشعر بالكامل أو إعتماد قصّة شعر «جنونية» أو المبالغة في الحقن والتنفيخ أو التاتواج (الوشم) على الحاجبين والشفاه يأتي بنتائج شبه دائمة ومن الصعوبة  بمكان تغيير النتيجة الا بعد وقت طويل».