'عرائس السكر'... أول فيلم عربي يتناول حالة طفلة مصابة بمتلازمة 'داون'

سهير سرميني, ديانا فارس, سلمى المصري, نجلاء الخمري

15 أبريل 2013

مغامرة سينمائية فريدة سبقها الكثير من الجهد والبحث تخوضها السينما السورية عبر فيلم «عرائس السكر» الذي يتناول حالة طفلة مصابة بمتلازمة «داون» (منغوليا)، وقد أُسند الدور الرئيسي فيه للطفلة مروة الجابي المصابة حقيقة بمتلازمة «داون».  الفيلم الجديد من إخراج سهير سرميني، تأليف وحوار ديانا فارس، وتمثيل: سلمى المصري، لمى إبراهيم، نجلاء الخمري، عدنان أبو الشامات، غادة بشور، سامر كابرو، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
«
لها» تتعرّف إلى الفيلم وصنّاعه في هذه الجولة.


الكاتبة ديانا فارس

- ما سبب اختيار عنوان «عرائس السكر»؟ وهل سيحوي الفيلم مقاربة مباشرة له من خلال تفاصيله وأحداثه؟
 العنوان مستوحى من ملامح موجودة في قصة الفيلم، فهؤلاء الأطفال أشبه بعرائس السكر وفيهم ما هو حلو واستثنائي، وبالتالي الإسقاط في الفيلم ارتبط بفكرة أن هؤلاء الأطفال هم عرائس السكر وزينة الحياة والذين يمنحونها البركة. كما حضرت في ذهني قصيدة لنزار قباني يحكي فيها عن عرائس السكر وكيف كانت والدته تلفّها له، وفي الفيلم هناك طقس يومي بأن الطفلة مروة لا تنام حتى تلف لها والدتها عروسة السكر. فرأيت أن الأمر مرتبط بما هو أمومي خاصة أنها قصة ترصد علاقة طفلة مع أمها. ومن المعروف أن الأطفال المصابين بمتلازمة «داون» أكثر عاطفة من أي طفل طبيعي، ويتعلّقون بأهلهم بعاطفة فطرية واضحة.

- كيف تمت عملية البحث لتكون تفاصيل الحالة المطروحة في الفيلم واقعية؟
أي شيء تخوض فيه يحتاج إلى تحقيق وبحث علمي، ولتكتب دراما ينبغي أن تعرف هدفك والقضية الأساسية التي ستعمل عليها. وما حدث أن المخرجة سهير سرميني وبعد التجربة المشتركة التي جمعتنا في فيلم «لكل ليلاه»، كانت لديها الرغبة في تكرار التجربة معاً وطرحت فكرة إنجاز عمل عن ذوي الاحتياجات الخاصة، فوافقت وطلبت بعض الوقت لأن الأمر يحتاج إلى بحث علمي. وانطلقت بالسؤال والبحث والقراءة، كما ذهبنا أنا والمخرجة في الكثير من الجولات الاستطلاعية لنطلع على التفاصيل على حقيقتها، وبقينا أربعة أشهر في حركة مستمرة. وقد ذهبنا إلى جمعيات ودخلنا بعض منازل المصابين بمتلازمة «داون»، وحضرنا نشاطات خاصة بهم.

سعيت لدخول عالمهم واكتشفت أنهم أطفال طبيعيون، يتصرفون بعفوية وتلقائية، وبدأت أشعر بمعاناة الأهل وأتلمّس نظرة المجتمع إليهم المبنية على تراكمات اجتماعية لم تنتهِ بعد، فنظرة المجتمع هي الشفقة لا تطوير هذا الإنسان واحتواؤه ضمن مجتمع كامل. كما اكتشفت أن لديهم قدرات ذكاء خارقة، وهم يبدعون في مكان معين الأمر الذي وظّفته في الشخصية ليكون لديها مشروعها الخاص. وبعد البحث وجدت أن عالم المصابين بمتلازمة «داون» واسع جدا، ولكن يبقى الواقع أقسى بكثير مما طُرح في الفيلم.

- هل تمت استشارة اختصاصيين حول هذه الحالات؟
عندما بدأت كتابة النص قدّم لي الدكتور طريف بكداش الكثير من المعلومات القيمة، وتواصلنا لفترة مع جمعية الرجاء ومع مشرفة اختصاصية في النطق فرأينا من خلالها كيف يتم التعامل معهم وتعليمهم، وأثناء تصوير الفيلم كانت هناك مشرفة نفسية مرافقة للطفلة.

- ما سبب اختيار البيئة التي وجدت فيها الطفلة؟
عندما كتبت النص ركزت على تناول فئة معينة واستهدفتها، فهناك مستويات للأهالي الذين لديهم أطفال «داون»، هناك أهل أكاديميون ومتعلّمون يوجّهون طفلهم بشكل مختلف ويضعونه منذ البداية في مدارس متطورة ويغطون تكاليفها الباهظة، فيكون إدراكه مختلفاً وطريقة دمجه أسهل. وهناك أهل فقراء يعيشون في جهل وتخلّف فتجد ابنهم في الشارع أو حبيس الجدران يمنعون عنه الاختلاط مع الناس. أما الشريحة الوسطى الواعية التي لا تملك المال الكافي فنراها تعاني مع الطفل وتقدم له كل ما لديها من جهد لتساعده، فالأم في فيلم «عرائس السكر» هي المشرفة على ابنتها رغم أنها قد لا تستطيع أن تطورها كثيراً ولكنها تقدم لها جرعة حنان واهتمام، ولديها الرغبة في التطوير ولكن الإمكانات لا تسمح.

- هل يقدم الفيلم حلولاً للحالة التي يطرحها، أم يكتفي بتوصيفها؟
يعرض الفيلم مجموعة من المواضيع المترافقة والملاصقة للإناث المصابات بهذا المرض. ففيه عرض موثّق لواقع وتسليط للضوء عليه، وهو أقرب إلى أن يكون رسالة توجيهية للأهل كي لا ينبذوهم أو يخبئوهم ولا يقفلوا الأبواب عليهم أو يخجلوا منهم، فهم هبة من الله ويحمل عالمهم الكثير من الخصوصية. كما أن الفيلم رسالة إلى المجتمع ودعوة لاحتواء هؤلاء الأطفال، بمعنى أننا بدأنا الخروج من مفهوم الدمج إلى مفهوم آخر هو الاحتواء وليس الدمج فقط، فهم جزء منا وعلى المجتمع تحسين نظرته إليهم.

ويوجه الفيلم أيضاً رسالة إلى الجهات الوصائية التي استطاعت أن تحقق مشاريع وتنشئ لجاناً وجمعيات تهتم بهم وتؤسس مدارس خاصة لحالاتهم لتطوير الإدراك لديهم. ولكن تبقى هناك مشكلة الإقامة الداخلية لهم، لأنه بعد أن يفقدوا الأم والأب سيجد الكثير منهم مشكلة كبيرة لأن الأخوة قد لا يستطيعون القيام بهذا الدور الذي كان الأبوان يقومان به، ما يعرض الأطفال لحالة من النبذ الاجتماعي وعدم اهتمام أحد بهم. كما أن تهيئتهم تحتاج إلى كوادر، وإضافة إلى ذلك كله هم عرضة للتحرش.

- كيف تم تناول موضوع التحرش في الفيلم؟
هناك مشهد واحد، وقد طُلب التخفيف منه، لأنه كان قاسياً بشكل كبير.

- ما سبب تطرقك إلى هذا الموضوع؟ ألأنه موجود فعلاً أم لتحقيق نوع من الإثارة والأكشن في الفيلم؟
بدأنا بالفيلم من لحظة بلوغ الفتاة، أي من لحظة دخولها مرحلة تطور حالتها الأنثوية، وهي نقلة تتطلب أن يكون هناك تغيير فيزيولوجي في الجسم، وبالتالي التعامل سيكون مع عقل طفلة في جسد فتاة. وفي هذا السياق بات موضوع التحرش وارداً، وعندما كتبت مشهد الاغتصاب لم أكن قد وثقت الحقائق بعد، ولكن عندما وثقتها فوجئت بأن هناك ما هو أخطر خاصة أن ما يحكمهم هو الغريزة. وبالتالي القصد من المشهد لم يكن تجارياً وإنما فرضته طبيعة الموضوع المطروح وتم طلب التخفيف منه وسيأتي ضمن سياق الفيلم.

- هل حققت التوازن بين الأبيض والأسود في الفيلم أم سيكون بلون واحد؟
بداية كان العمل مأساوياً لاحتوائه على جرعة كبيرة من الألم والدفق الإنساني، فخلال بحثنا أنا والمخرجة رأينا مآسيَ كثيرة رغبنا في عرضها كلها لنُحدِث نوعاً من الصدمة سعياً لتغيير قد يحصل، ولكن بعد ملاحظة اللجنة الفكرية في مؤسسة السينما حول هذه المسألة، حاولنا تدعيم خط كوميدي خفيف من خلال طفلة ال«داون»، خاصة أن هؤلاء الأطفال بطبيعتهم يحبون المرح والضحك.

-  كُتِب العمل لتصويره كفيلم تلفزيوني ولكن اليوم نراه وقد أصبح فيلماً سينمائيا، فكيف حدث ذلك؟
قبل ثلاث سنوات كان يُفترض أن يُنتج العمل في التلفزيون السوري، وقدم وقتها كفيلم تلفزيوني وتوقعنا ألا نواجه مشكلة في إنتاجه لأنه يحمل فكرة ورسالة، وهناك توجه عام لدعم ما يتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة، ففوجئنا بأن الإنتاج أُجل، فاتجهنا إلى جهات إنتاجية خاصة لكن العمل لم يشكل بالنسبة إليها هدفاً تجاريا، فتمت عرقلته مرة أخرى.

- ولكن القطاع الخاص سبق أن قدم أكثر من عمل عن ذوي الاحتياجات الخاصة حققت نجاحاً كبيراً.
قُدمت تلك الأعمال ضمن مسلسل من ثلاثين حلقة وفيه العديد من الخطوط الأخرى، أما حضور ذوي الاحتياجات الخاصة فيه فشكل خطاً من خطوطه الدرامية وبالتالي لم يؤثر كثيرا في موضوع التسويق، ولكن أن تقدم فيلماً عنهم فلن يكون ذلك من أولويات الجهات الإنتاجية في القطاع الخاص.

وما حدث، أن هناك إحدى الجهات أعربت عن رغبتها الدخول في إنتاجه وكان من الممكن أن تقدمه كإنتاج مشترك مع مؤسسة السينما، ولكن عندما تمت قراءة النص في مؤسسة السينما قررت أن تتصدى لإنتاجه بعدما شعرت بأن فكرته تخدم ما له علاقة بالخط الإنساني. وأعتبر أن المؤسسة كانت جادة أكثر من أي جهة أخرى في الاهتمام بالمشروع.

-  ما رهانك على جذب الجمهور؟
 نراهن على الجانب الإنساني والإحساس بما يقدَّم. كما أننا حاولنا ملامسة الشريحة العامة من المجتمع، وتناولنا ما له علاقة وثيقة بالواقع.


المخرجة سهير سرميني

- ما الجديد الذي يطرحه الفيلم حول حكاية مصابة بمتلازمة ال»داون»؟
قُدّمت متلازمة «داون» في أكثر من دراما عربية ومنها الدراما التلفزيونية السورية، لكنها تُقدم سينمائياً للمرة الأولى، ونطرح من خلال الفيلم تفاصيل أكثر عبر تناول حكاية فتاة بدأنا معها من سن البلوغ مؤكدين أنها طبيعية من الناحية الفيزيولوجية، لكن قد تجد ضعاف نفوس ينظرون إليها بشكل آخر. وسلّطنا الضوء على المعاناة التي تعيشها في البيئة والمدرسة والمجتمع.

تعيش الفتاة ضمن عائلة الوالد فيها متوفى ووالدتها تهتم بها إلى أبعد درجات الاهتمام، ولكن النكبة الكبيرة تحدث في حياتها عند فقدان الأم الراعي الوحيد لها. وبالتالي الأطفال المصابون بمتلازمة «داون» إن لم يكن أحد الوالدين موجوداً معهم فأين سيكونون؟ من خلال الفيلم نطرح هذا السؤال في النهاية، فالفيلم يحمل رسالة إنسانية هادفة ويقدم التوعية للمجتمع وللأهالي الذين لديهم أطفال مصابون بمتلازمة «داون»، خاصة أننا رأينا خلال البحث حالات لا إنسانية غير مطروقة سابقا، أحببنا إلقاء الضوء عليها.

- كيف تم انتقاء مروة الفتاة المصابة بمتلازمة «داون»؟
تم انتقائها بعد مشاهدة العديد من الحالات، فأثناء كتابة النص وخلال الجولات الميدانية التي قمت بها أنا والكاتبة ديانا فارس رأينا الكثير من الأطفال الذين لديهم هذه الحالة، وكانت مروة الأكثر إدراكاً وشعرت بأنه يمكنني التعامل معها وتطويعها كما أريد في الفيلم، وبقيت على تواصل معها منذ بداية كتابة النص أي منذ مدة سنتين ونصف سنة لأعمق العلاقة بيننا بشكل أكبر، مما انعكس بشكل إيجاباً على التصوير.

- كيف تصفين التعاون بينك وبين الكاتبة ديانا فارس؟ وهل يرتقى إلى مستوى الشراكة؟
هناك شراكة بيننا وتوافق فكري وكأن عمل كل منا يكمل عمل الأخرى. وبعد الفيلم الأول «لكل ليلاه» وجدت أنه يمكننا عبر هذا الفيلم الإنساني الجديد أن نجد صيغة نوصل من خلالها ما نريد إيصاله،  فلم أفكر بأنني مخرجة أو بأنها كاتبة كما أنني لا أستأثر بالنص وإنما نتناقش لنصل إلى النتيجة الملائمة.

- أين تكمن خصوصية المكان الذي اخترته ليكون منزلاً لعائلة الطفلة؟
أفضل اختيار الأماكن الغنية التي يمكن توظيفها درامياً في عملي، والحالة التي نتناولها تعيش في حارة شعبية، وحتى الدرج الصعب في المنزل يضيف إلى معاناة الأم. وقد غيرت كثيراً في المنزل، فهناك جدران أزيلت ليكون أمامنا محور حركة داخل المنزل، واشتغلت على الحارة وهناك ربط مع الحارة الأخرى أيضاً.

 

الفنانة سلمى المصري

حول خصوصية مشاركتها في الفيلم تقول الفنانة سلمى المصري: «تشجعت لتأدية الدور لأن مخرجته سهير سرميني وكاتبته ديانا فارس، ودائماً تملك السيدات حساً مرهفاً في طرح مثل هذه القضايا، كما أن الفكرة جديدة لم يسبق أن طرحت في السينما السورية أو حتى في السينما العربية وفق هذا الشكل».

أما عن التحديات التي تعيشها «أم نديم» والملامح الرئيسة للشخصية، فتقول: «تعمل أم نديم في الخياطة لتعيل عائلتها، ولديها ابنة متزوجة وابن مسافر، وهي تعتمد على نفسها لتربي ابنتها المصابة بمتلازمة «داون» وتحبها حباً كبيراً جداً وتعاملها معاملة خاصة وتهتم بها إلى أقصى حد ممكن. فدائماً تقوى عاطفة الأم تجاه الابن المريض أو البعيد فتجدها تعامله كطفل وإن كان كبيراً لأن مشاعر الأم دائماً فياضة. وتدرك أم نديم أنه لو حصل لها شيء ما فلن تجد من يحتضن ابنتها كما كانت تفعل هي ما جعلها تخاف من المستقبل، لذلك كانت تفتش بشكل مستمر عن الأفضل لابنتها، حتى عندما ذهبت إلى معهد تأهيل ووجدت أنه أقل مما تريد رفضت لأنها أرادت وضعها في أحسن معهد تأهيلي رغم حالة الفقر التي تعيشها العائلة».

 

الفنانة نجلاء الخمري

تؤدي الفنانة نجلاء الخمري شخصية مفعمة بالإحساس والشفافية والأمل والإصرار، وهي بما تملك من غنى روحي داخلي تكاد تمثل الجيل الواعي.

هي المصورة الفوتوغرافية التي تصف كاتبة الفيلم ديانا فارس دورها بأنه «مهم لأنه يحمل رسالة إلى المجتمع، فكانت هي الشخصية المفتاح بالنسبة إلى الجيل الجديد والمجتمع السوري وشكلت الفتيل الذي يُحدث التغيير».

تستأجر المصورة الشابة استديو للتصوير في حارة شعبية وهي تعرف تماماً من هي الشريحة الاجتماعية الموجودة في الحارة، ومن خلال تعاملها مع الناس نراها إنسانة عملية وذكية ولطيفة، ومن شدة حساسيتها تكون أول من يلتقط حالة الطفلة مروة المصابة بمتلازمة «داون»، وتكتشف أن باستطاعتها تحريض ما بداخلها من إمكانات فتأخذ مروة باتجاه مشروعها وتساعدها على تنميته وتحقيقه على أرض الواقع. تتعرف المصورة على جارها الصيدلي ويشكلان ثنائياً متوافقاً متناغماً...