محمد عبده: زمن الكلمة الجميلة ولّى

محمد عبده, arab idol2, إعتذار, التلفزيون السعودي, فتوى, تراث, مسلسل, خليجي, سالم الهندي, دبي, حفل غنائي

12 يوليو 2013

لا يمكن وصف الجلسة التي جمعت فنان العرب محمد عبده بالصحافة العربية في دبي أخيراً، مستبقة بيوم واحد الحفلة الكبيرة التي شهدت عودته لإحياء الحفلات، إلا انها كانت جلسة حميمة وخاصة، اتسع فيها صدر الفنان الكبير لكل الأسئلة، وأجاب عنها بمباشرة وشفافية، كما تحدث بصدق وعفوية عن تجربته الخاصة. ورغم ان الجلسة التي استضافها فندق «أرماني» في برج خليفة في دبي جاءت في سياق الإشارة أيضاً إلى أحدث ألبوماته «بعلن عليها الحب» وجمعته بالمدير العام لشركة روتانا للصوتيات بوصفها الشركة المنتجة للألبوم سالم الهندي، فإن سياق الحديث ابتعد تماماً عن الترويج للألبوم، إلى درجة أن عبده نفسه أكد انه لا يرى أن معظم أغانيه ترقى إلى تراثه الغنائي العريق، باستثناء أغنيتين، وهو التصريح الذي أكد للجميع أننا في صدد جلسة مختلفة فيها الكثير من البوح والشفافية.


تراث غنائي ومسلسل تلفزيوني

وجد محمد عبده صعوبة في أن يحدد أغاني بعينها هي الأكثر تقديراً لديه، مشيراً إلى أن مكتبته الخاصة تضم أكثر من 1500 أغنية، واختصاص 1 في المئة منها بالتقدير فقط، سيعني أننا أمام قائمة تطول لـ150 أغنية، مرحباً بفكرة تحويل سيرته الذاتية إلى عمل تلفزيوني، لكنه رشح أن يسند دوره في هذه الحالة إلى ممثل غير معروف، رافضاً ترشيح اسم معّين من الممثلين الموجودين في الساحة.

وأكد أن تيار الثقافة الدينية السائد لم يمنعه من الحرص على تعليم بناته فنون الموسيقى المختلفة، مضيفاً: «أفخر بأن كل بنت من بناتي تجيد العزف بمهارة على إحدى الآلات ما بين العود والبيانو والأورغ، وغيرها».

رغم ذلك أشار إلى أن «أروع الأغاني لأي فنان هي تلك التي يقترب فيها أكثر من حس الجمهور، ومجتمعه»، معترفاً بأن ثمة أغاني حظيت بتفاعل أكبر لهذا السبب، مثل «ليلة خميس»، «مالي ومال الناس»، «الأماكن»، وكلّها كانت لها مناسباتها الخاصة، مشيراً إلى أن «الأماكن» ترافقت مع أحداث أليمة عصفت بلبنان الذي دعا له بالأمن والاستقرار هو وسائر بلدان الوطن العربي في هذه المرحلة العصيبة. وأكد فنان العرب أن سبب عزوفه عن الظهور على شاشة التلفزيون السعودي هو «فتاوى تحريم الغناء»، متسائلاً: «كيف أظهر على شاشة مطرباً، وبعد دقائق يطل على المشاهد شخص ما يطلق فتاوى بتحريم الغناء على الشاشة نفسها؟»، وأضاف: «الساحة العربية أصبحت زاخرة بقنوات عديدة سواء شاملة أو متخصصة في الطرب والفنون، ولست مضطراً لمسايرة تلك التناقضات». وشدّد على ضرورة التفرقة في هذا السياق بين ما سماه «الغناء الماجن»، وسواه مما يُعلي قيم «الحب والخير والجمال»، مؤكداً أن كل الديانات والثقافات تستهجن النوع الأول، بما في ذلك الثقافة العربية قبل الإسلام، مضيفاً: «علينا أن نكون واضحين وصريحين مع أنفسنا ما إذا كنا نريد في إعلامنا الرسمي الفن أو اللا فن». ورأى عبده أن مفهوم «الفن الحرام» موجود وقائم، وتقدمه منابر ومؤسسات محسوبة على المشهد الثقافي أو الإعلامي العربي، معتبراً أنه امتداد عصري لشعر إثارة العصبيات القبلية والهجاء المقذع في الجاهلية، لكن يعاد إنتاجه الآن في سياق مغلوط، مؤكداً أن التفرقة بين الفن الراقي وسواه يجب أن تظل قائمة، محيلاً إلى الرفض الفني لما يسمى «شعر الجلطات».

وأضاف: «الموسيقى لغة العالم التي لا تحتاج إلى ترجمة، ولا يمكن أن تحمل في ذاتها اي مضمون مسيء، وتتفاعل معها شتى الكائنات الحية، ويتعدى تأثيرها الكائن البشري». وأسف للمستوى المتدني الذي وصلت إليه الكلمة المغناة، مقراً بأن «زمن الكلمة الجميلة قد ولى»، و«أجد صعوبة كبيرة في العثور على كلمات على مستوى فني عال، وهذا هو أهم اسباب عزوفي عن الغناء بوتيرة ترضي الجمهور».


بين المسموع والمرئي

لم يتردد فنان العرب في الاعتراف بأن هذا الفقر الشديد في الكلمة الثرية جعله لا يضمن في ألبومه الجديد سوى أغنيتين على الأكثر يعدّهما في نطاق الأعمال الجيدة، من مجموع 9 أغان، مجيباً عن سؤال حول سبب إقدامه على تصوير الأغنيات التسع في الألبوم بطريقة «الفيديو كليب» لأول مرة في مشواره الفني بقوله: «من أجل اللي ما يشتري يتفرج»، قبل أن يستدرك أنه لا يقصد مضمون المعنى المعروف في العامية المصرية، لكنه أراد أن يتيح مزيداً من الفرجة لأعماله الغنائية التي تزخر مكتبة الأغاني بالمسموع منها في مقابل ندرة المرئي.

وجاءت مختلف إجابات عبده تفصيلية وقاطعة بعد سنوات المرض الذي أكد أنه لم يخش منه، كما أنه لم يخش من شائعات وفاته المتكررة في حد ذاتها مضيفاً: «ما يسيئني وأتحسب له في هذا الصدد أن يكون خبر وفاتي صحيحاً ذات مرة، فتختلط الحقيقة بالشائعة، ويغيّب عن العزاء في موتي أحبائي، وهذا حرمان وأذى شديد قد يتسبب به مروّجو تلك الشائعات المؤذية».

لكنه رأى ان مروّجي تلك الشائعات السخيفة في المقابل قدّموا له خدمة لم يتوقّعوها من خلال معايشته ووقوفه على محبة الناس له وحزنهم لفراقه، مضيفاً: «لا أعتقد أن من بين الأحياء من يقدّر له أن يلمس مقدار اللوعة على فراقه وهو لا يزال على قيد الحياة».

ورأى عبده الذي خاطبه الكثيرون في هذا اللقاء بكنيته «أبو عبدالرحمن»، أن بعض الشائعات الأخرى تبدو لأغراض شخصية يحاول فيها البعض دخول دائرة شهرة الفنان، مثل شائعات تطال خطبته أو زواجه السري من إحداهن، في إشارة إلى شائعة أطلقتها فنانة مبتدئة أكدت فيها زواجهما، فكان أن ادّعى عليها.

وتوقف أبو عبدالرحمن طويلاً عند ثنائية «الدين والفن»، مضيفاً: «نتائج الثقافة الدينية التي صنعها لنا البعض تبدو واضحة في ضعف الإعلام الحكومي السعودي، وهو ما جعل الصحف الحكومية تفقد ألقها، فصحيفة «أم القرى» على سبيل المثال لم يعد يلتفت إليها أحد إلا من أجل تمرير إعلان روتيني مثل التنازل عن رخصة تجارية وخلافه، فيما يعيش التلفزيون حالة من التخبط والتناقض في علاقته بالفن بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب الاستراتيجية المهنية».

ورفض الفنان السعودي القدير أن يزايد أحد على موقفه من تلفزيون بلاده مضيفاً: «لا يوجد فنان لا يريد أن يطوّر بلده ويشارك في نهضتها بأدواته، ومنذ انطلق التلفزيون السعودي ونحن نحارب ونضارب لإيجاد قدم راسخة لنا فيه، من منطلق الاقتناع بأن الفن ثقافة تصل بها إلى الشعوب الأخرى من دون تطرف أو عصبية، وخصوصاً في ما يتعلق بالموسيقى التي تمثّل أداة حقيقية  للتواصل مع ثقافات الأمم المختلفة، لكن انعدام الوضوح في علاقة تلك المؤسسات بالفن أصبح شديد الإرباك».

وانتقد عبده أيضاً علاقة المؤسسات التعليمية بالموسيقى في الوقت الحالي، مضيفاً : «من المؤسف أن مناهج الموسيقى التي استقرت في مناهجنا منذ فترة مبكرة تعاصر حصولي على الشهادة الابتدائية العام 1359هجرية ثم الدبلوم الصناعي الثانوي العام 63، وتمارس فعلياً ضمن حصص الأنشطة التي تأتي الموسيقى في صدارتها، لم تعد موجودة سوى نظرياً فقط، في صورة مقررات مكتوبة لا ممارسة، بسبب هذا الربط المغلوط بين الغناء والمجون».


عذرية الأغنية الخليجية

ورأى فنان العرب أن ظاهرة إقدام فنانين غير خليجيين على غناء الأغنية الخليجية ظاهرة صحيّة، ومؤشراً لانتشارها بشكل أكبر على صعيد يتجاوز حيّزها المكاني، مضيفاً : «هذا المشهد إثراء للأغنية الخليجية، ومؤشر لأن هامتها تساوت بهامة الأغنية العربية»، مؤكداً أن هذا لا يتنافى مع تأكيده أنه «يجب على الأغنية الخليجية أن تحافظ على عذريتها، وألا تذهب بعيداً عن مكانها الأصلي». وحول سبب وجود ملحن وحيد بتوقيع «طلال» للأغاني التسع التي كتب كلماتها شعراء متعددون في أحدث ألبوماته «أعلنت عليها الحب» أشار عبده إلى أن «في واقع الأمر فإن 3 ملحنين وضعوا ألحان الأغاني التسع، لكن تمت الإشارة إلى اسم طلال فقط، تكريماً وتقديرا لذكرى الفنان الراحل طلال مداح».

رحابة محمد عبده اتسعت لجميع الأسئلة الموجهة بما في ذلك تلك التي جاءت ترويجية لأسماء بعينها، بل أن عبده استوجب تصفيقاً لحضور اللقاء الإعلامي عندما تعامل بهدوء مع أحدها الذي جاء بصيغة «أين أغاني محمد عبده من التعاون مع الملحن وليد فايد»!!، ليصرح: «الصحيح أن يكون السؤال معكوساً وهو : «الملحن وليد فايد أين هو من أعمال الفنان محمد عبده؟» .


الاعتذار عن «أراب آيدول» وسعادة سالم الهندي

وبسؤال الفنان عن أحدث المواقف الطريفة التي صادفته أشار إلى أنه اندهش كثيراً حينما وجد ردة فعل مرحبة من المدير العام لشركة روتانا للصوتيات سالم الهندي، باعتذاره عن عدم حضور الحلقة الأخيرة من برنامج «اراب أيدول» بعد إعلان استضافته، مضيفاً : «اختلط عليَّ الأمر ونسيت ان البرنامج يبث على «إم بي سي»، وليس «روتانا» المنافسة».

وكشف أنه اضطر إلى الاعتذار بسبب سوء تفاهم على موعد استضافته: «توقعت أن تكون الاستضافة الجمعة، وليس السبت الذي كنت مرتبطاً فيه بموعد مع الطبيب الذي كان يتهيأ في اليوم التالي مباشرة لتمضية إجازة خارج البلاد». ورفض عبده فكرة «اعتزال الطرب»، مضيفاً: «الفنان الحقيقي لا يعتزله فنه، فهو ليس لاعب كرة له عمر محدد مرتبط بلياقته البدنية، أو ممثل تنحسر عنه الأدوار بانحسار أضواء الشهرة، بل الفنان الحقيقي كلما كبر ازدادت موهبته نضجاً، ومن ثم ازداد ألقاً» .

ورفض أن يسمي خليفة له عن طريق تقليد «تسليم الشارة»، مضيفاً: «لا فنان يشبه آخر، وساحة الطرب العربي لن تعقر، وستظل ولّادة».


الكل إلا فنان العرب

واعترف سالم الهندي بأن «الشركة تتدخل في اختيارات الأغاني والألحان مع معظم الفنانين المتعاقدين معها باعتبارها جهة الإنتاج»، لكنه أكد أن درجة تدخل الشركة أو أي شخص يمثلها في اختيارات محمد عبده هي «صفر».

واشار إلى أن المشهد الفني افتقد الكثير بغياب عبده، مؤكداً أن «العمل مع تلك القامة الفنية يُشعر الجميع دائماً بأن كل ما يقدم من أجل الاستثمار الأمثل لتدفق عطائها الفني لن يتجاوز القصور».


محمد عبده يغرّد طرباً في حفلة دبي

أطلّ فنان العرب محمد عبده على محبيه من على خشبة مسرح مركز التجارة العالمي في دبي، بشموخ وحيوية الشباب ليغرد ويشجو طرباً لكل الآذان الشغوفة التي جاءت من مختلف الأقطار العربية لسماعه. على وقع تصفيق الجمهور دخل محمد عبده وكأنه عريس في ليلة عرسه، فغنّى «استحالة أنساك» لجمهور انتظره طويلاً، أتبعها بسلسلة من أغنياته القديمة والجديدة في ليلة ابتسم فيها القمر لصوت فنان العرب الذي جذب حضوراً جماهيرياً غفير جداً، بالإضافة إلى العديد من الفنانين وشخصيات إعلامية بارزة.