الدكتورة آمنة نصير: الصيام لا يعني الحرمان من الترفيه والزينة

الصيام, شهر رمضان, د. آمنة نصير

14 يوليو 2013

الإسلام دين يسر، لكن البعض حوّله إلى قيود وسلسلة من المحرمات، خاصة في الشهر الفضيل، بزعم الزهد والتقشف، والنساء يعانين أكثر من غيرهن من هذه القيود التي يتم إلصاقها بالدين ظلماً. «لها» التقت الدكتورة آمنة نصر، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، وحاورتها حول تلك القيود المزعومة وغيرها من القضايا الرمضانية المهمة.


يبالغ البعض في احتياطات الصيام حتى أنه قد يحرم نفسه من الترفيه والزينة بحجة أن رمضان شهر الزهد والتقشف فهل هذا المفهوم صحيح؟
الزهد أو التقشف لا يبيح تحريم الحلال أو التضييق على النفس حتى يصيبها الملل، لأنه من السمات الرئيسية التي تميز الإسلام وسطيته، فهو ليس مع اللهو والترفيه المستمر ونسيان العبادات ومكارم الأخلاق، وفي نفس الوقت لا يقر محاربة ما حلل الله من وسائل الترفيه والزينة، فقد قال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» آية 32 سورة الأعراف. لذلك حبس النفس عن الملذات الدنيوية الحلال ليس من الإسلام، وهذا ما يؤكده الحديث الشهير عن حنظلة بن الربيع الأسيدي قال: «كنا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت، فضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر، فذكرت ذلك له. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة، فقال: «مه؟» فحدثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا فعلت مثل ما فعل. فقال: «يا حنظلة، ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطريق».


الحبس في الاحوطيات

ماذا تقولين لمن أساؤوا فهم الدين وحولوه إلى مجموعة من «سد الذرائع والأحوطيات» ويريدون فرض هذا على غيرهم في الأسرة وخارجها ظانين أنهم كلما فرضوا على أنفسهم القيود كانوا أقرب إلى الله ليس في رمضان فقط بل طوال العام؟
أهدي هؤلاء الذين يحرمون زوجاتهم وأولادهم من الزينة والترفيه الحلال، هذا الحديث النبوي الذي يعترض فيه على أصحاب مثل تلك الأفكار في عصرنا، فقد قال الصحابي الجليل أنس بن مالك: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، أي شعروا أنها قليلة، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». أي أن التشدد حتى في العبادات وحرمان النفس والغير من الترفيه الحلال أمر مخالف لما جاء به رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.


رمضان والامتحانات

يأتي رمضان هذا العام وما زالت الامتحانات مستمرة في الشهادات العامة وبعض الكليات، وسيزداد الوضع في السنوات المقبلة. فهل الامتحانات تبيح الفطر خاصة أن كثيراً من الطلبة والطالبات لا يستطيعون التركيز بشكل كافٍ وهم صائمون؟
لا نستطيع إصدار حكم عام لكل الحالات، لأن المقدرة على تحمل الصيام تختلف من إنسان لآخر، وبالتالي فإن الحكم مرتبط بالحالة نفسها، فمن لا يستطيع الصيام مع الامتحانات لافتقاده القدرة الحقيقية على التركيز في المذاكرة أو الامتحانات، وصيامه يعرضه للخطر، فهنا يجوز له الفطر لأنه سيكون في هذه الحالة أقرب إلى المريض الذي يؤدي الصيام إلى ضرره أو هلاكه، إذا أصر عليه، فقال تعالى: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» آية 195 سورة البقرة . وقوله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار».


تحايل مرفوض

لكن بعض الممتحنين قد يتخذ من هذا التيسير مبرراً للفطر، حتى وإن كان قادراً على الصيام وذلك قياساً على فطر غيره ممن يؤدون الامتحانات؟
من يتحايل آثم شرعاً ويكون قد فرط في فريضة الصيام ولن يوفقه الله في امتحانه، لأن الله هو المطلع على خفايا الإنسان إذا كان قادراً على إتمام الصوم مع الامتحان أم لا، وهو سبحانه القائل: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وكل من يقوم بالامتحان أدرى بنفسه وقدرته على التحمل، لكن يجب التأكيد أنه على من يمتحن أن يبذل قصارى جهده حتى يصوم، فإن فشل فإن الله قد رخص له في الفطر، لأنه القائل: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» آية 286 سورة البقرة.

في ظل عدم وجود سن معينة لبداية صوم البنات فقد يسبب ذلك تراخي بعضهن لو من باب «الدلع» إلى تأخير الصوم رغم توافر شروطه التي قد يجهلنها وقول الأمهات لهن إنهن صغيرات، فماذا تقولين للبنات والأمهات؟
أنا مع الدلع الطبيعي للبنات، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى التفريط في فروض الدين، من الصلاة والصيام اللذين يتفقان في أن شروط التكليف بهما هي: الإسلام والعقل والبلوغ، ومن المعلوم أن البلوغ يحصل بالحيض أو الاحتلام، أو بلوغ خمسة عشر عاماً على أقصى تقدير، لهذا فإن الأم التي تتعامل مع بناتها بالعواطف بلا حدود، وتطبطب باستمرار، حتى لو كانت النتيجة جهل البنت بالدين وعدم صلاتها أو صومها، فهي أمٌّ آثمة شرعاً.

ما حكم الشرع في المرأة التي طهرت من الحيض أو النفاس بعد الفجر بدقائق؟ فهل يصح لها أن تنوي الصيام وتكمل بقية اليوم؟
لا يصح لها أن تنوي الصيام لأنه قد مضى وقت بدايته وهو الفجر وإن صامت لا يقبل صومها.

لكن هناك من يقول إن عليها الامتناع عن الأكل والشرب؟
إذا طهرت المرأة بعد طلوع الفجر مباشرة فإن للعلماء في إمساكها ذلك اليوم قولين، أولهما أنه يلزمها الإمساك بقية ذلك اليوم، لكنه لا يحسب لها، وذلك احتراماً للنظام السائد وهو امتناع المحيطين بها عن الطعام والشراب، وثانيهما أنه لا يلزمها أن تمسك بقية ذلك اليوم، لأنه لا يصح صومها.


الجهل بالدين

قد يسبب الجهل بأمور الدين أن تفطر المرأة كثيراً من الأيام التي يصعب عليها حصرها فماذا تفعل؟
الواجب على المسلمة قضاء كل الأيام التي تركت صيامها من رمضان بسبب الحيض أو النفاس أو المرض مثلاً، حتى لو تكرر ذلك منها عدة رمضانات، عليها أن تحصي الأيام التي أفطرتها وتصومها.

قد ينزل على الحامل نقطة دم واحدة فهل تكمل صومها أو تكون مفطرة؟
إذا كانت المرأة حاملاً ونزل منها الدم ولم يكن منتظماً انتظامه السابق على الحامل، فإن هذا الدم ليس بشيء، سواءً كان نقطة أو نقطتين أو دماً كثيراً، لأن ما تراه الحامل من الدم يعتبر دماً فاسداً.

إذا أحست المرأة بآلام الدورة الشهرية قبل المغرب بدقائق فما هو حكم صيامها؟
العبرة ليست بالإحساس بآلام الدورة بل بنزول الدم، فإذا أحست المرأة الصائمة الطاهرة بألم الحيض لكن الدم لم يخرج إلا بعد غروب الشمس، فإن صومها ذلك اليوم صحيح، أما إذا نزل الدم ولو قبل المغرب بدقيقة واحدة فلا يصح صومها، وعليها قضاء هذا اليوم في ما بعد.


الحامل والمرضع

هل إفطار الحامل أو المرضع في رمضان له ضوابط أم إنها في حالات محددة، وخاصة أن هناك من السيدات الحوامل والمرضعات من تفطر تلقائياً مع قدرتهن على الصوم؟
فطر الحامل أو المرضع في نهار رمضان ليس تلقائياً، وإنما يجب أن يكون لعذر وهو الخوف على نفسها أو حملها أو رضيعها خوفاً حقيقياً وليس مفتعلاً، فإن أفطرت لهذا العذر فهي في حكم المريض ووجب عليها قضاء الصوم، لقوله تعالى في المريض: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» آية 184 سورة البقرة.

إذا أفطرتا لعذر حقيقي فهل عليهما فيما بعد القضاء فقط أم تكتفيان بإخراج كفارة فقط؟
إن كان عذرهما الخوف على المولود فقد انقسم اجتهاد العلماء، فمنهم من قال: عليهما مع القضاء إطعام مسكين مع كل يوم من غالب قوت البلد، وقال علماء آخرون: ليس عليهما سوى القضاء على كل حال، لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة، وهذا ما نميل إليه، لأن فيه نوعاً من التيسير الذي يعد سمة أساسية من سمات الإسلام.

هل هناك شهور معينة من الحمل هي التي يجوز لها أن تفطر فيها؟
لم يحدد الشرع شهوراً معينة، وإنما وضع مواصفات أو علة معينة، إذا خافت الحامل على نفسها أو على جنينها ضرراً من الصيام في رمضان أفطرت وعليها القضاء.

هل هذا الحكم مقصور على البلاد الحارة التي يكون فيها إرهاق شديد للحامل أو المرضع أم إنه حكم عام حتى في البلاد الباردة؟
ليس هناك ارتباط معين لهذا الحكم بحالة الجو من الحرارة أو البرودة، فالمهم ما تتوقعه من الضرر أو الحرج وشدة المشقة، فقد قال الله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» آية 78 سورة الحج، وقوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» آية 185 سورة البقرة. ومن قواعد الفقه المعتبرة في تلك القضية «المشقة تجلب التيسير، وأنه كلما ضاق الأمر اتسع».

هناك من يقول إن أكل وشرب الحائض والنفساء علانية في نهار رمضان حرام شرعاً لأنهما لم تحترما مشاعر الصائمين والصائمات فهل هذا صحيح؟
ليس حراماً، لكن الأفضل شرعاً وعقلاً ولياقةً، أن تأكلا وتشربا في نهار رمضان سراً احتراماً لمشاعر الصائمين والصائمات، وفي الوقت نفسه حتى لا تؤثر سلباً على الأطفال الذين يعتادون على الصيام، فإذا رأوا أمهم أو أختهم تأكل أمامهم فهذا يقلل من عزيمة الصوم والإصرار على تحمل مشقة في نفوسهم.


مريض الزهايمر

مريض الزهايمر الذي لا يتذكر إن كان قد أكل أو شرب أم لا، فهل يصح صيامه؟
إن الله لطيف بعباده، فعليه أن يحاول التركيز قدر استطاعته، أما إن أكل أو شرب وهو لا يتذكر فإن الله غفور رحيم، ويمكنه قضاء ما أفطره فيما بعد، أما إذا كان مرضه مزمناً ولن يستطيع القضاء فعليه الكفارة.

من المتفق عليه أن صيام ستة أيام من شوال ثوابها عظيم، وتحرص عليها كثير من الزوجات ولكن هل من حق الزوج منع زوجته منها أم إنه يكون آثماً شرعاً لمنعه زوجته من نيل هذا الثواب العظيم؟
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات، ومنها ثواب صيام ستة أيام من شوال، التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». وفي رواية أخرى قال: «من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة».

لكنَّ كثيرين لا يفهمون كيف تعدل صيام ستة أيام بعد رمضان صيام السنة كلها فماذا تقولين عن ذلك؟
ذكر أهل العلم أن المسلمة أو المسلم يستكمل بصيام تلك الأيام الستة من شوال أجر صيام السنة كلها، وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها، فشهر رمضان يعدل عشرة أشهر، وكذلك هذه الأيام الستة تعدل شهرين، أي ستين يوماً، لقوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» آية 84 سورة القَصَص. فيكون المجموع سنة كاملة، كما ذكر العلماء أن صيام النفل قبل وبعد الفريضة يكمل به ما يحصل في الفرض من خلل ونقص، ذلك لأن الفرائض تجبر وتكمل بالنوافل يوم القيامة.

هل معنى هذا أن الزوج الذي يأذن لزوجته أن تصوم الستة من شوال أو غيرها من النوافل يكون مثاباً شرعاً؟
نعم، لأنه تنازل عن حقه في منع زوجته من صيام التطوع مما ساعد على الطاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دلَّ على خير، فله أجر فاعله».