أول عربية تحصل على وسام من الملكة إليزابيث الثانية نورية ناجي: صديقتي نقطة التحوّل وفتاة سبب قرار عملي مع الأطفال

نورية ناجي,الملكة إليزابيث الثانية,وسام,الأطفال

وداد البدوي (اليمن) 27 ديسمبر 2014

نورية ناجي من أهم الشخصيات اليمنية التي تؤدي  دوراً رائداً في العمل الخيري ويعتمد عليها لتقود تغييراً اجتماعياً لا يتوقف عند كفالة طفل مشرد بل يصل إلى إحداث تغيير في سلوكيات الأطفال. أسست وتدير منظمة الإغاثة والتعليم اليمنية وعملت من خلالها على إتاحة فرصة التعليم لأطفال الشوارع وأطفال من أسر فقير ة. كرّمتها الملكة البريطانيا إليزابيث الثانية بوسام الشرف (OBE) ولقب السيدة Dame فكانت المرأة العربية الأولى التي تحظى بهذا الوسام الرفيع، نتيجة ما تبذله من جهد إنساني يلامس المرأة والطفل. عادت أخيراً إلى اليمن لتستكمل مسيرتها الخيرية، وكان لـ «لها» هذا اللقاء الذي تحدثت فيه عن تكريمها وما تعانيه من مشاكل تعيق طموحها...


- كيف جاء اختيارك للتكريم من قبل الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا بوسام الشرف (OBE) ولقب السيدة عالية الشأن  Dame؟
أولاً كان شرفاً كبيراً تكريمي من قبل الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وكانت فرحتي غامرة عندما تم التواصل معي من السفارة البريطانية في صنعاء لإعلامي بالخبر وسررتُ بذلك، وعندها لم يكن لدي معلومات حول هذا الوسام ولمن يمنح، كنت فقط منشغلة بالعمل ومنهمكة فيه ولم أكن أسعى لأي تكريم أو جوائز. وأعتقد أن هذا التكريم جاء لما قمتُ به من أعمال خيرية في بريطانيا وفي اليمن. أنا لا أراها أعمالاً كبيرة ولا ترتقي إلى ما أطمح ولكن الحمد لله أن هنالك من يقدّر ما نقوم به ويهتم بجهودنا. وما أسعدني أكثر أنه تم اختياري لمنحي هذا الوسام من قائمة طويلة من الشخصيات التي تعمل في المجال الحقوقي والإنساني والخيري التي رشحت لنيل الوسام من جميع أنحاء العالم.

- ما هو شعورك لحظة التكريم؟
دخولي القصر وطقوس الاستقبال والتشريفات والاوركسترا العازفة ووقوفي أمام الملكة وإعلان اسمي و اسم اليمن لحظات لا أنساها في حياتي، خاصة أنني أول امرأة عربية تحظى بهذا التكريم الرائع الذي يتمّ بعد خمس سنوات من تتبع الشخصية المختارة ولا يتم على أساس ترشيحات ما واختيارات عشوائية، هذا بحسب ما عرفتُ بعد التكريم.

- هل دار حديث بينكِ وبين ملكة بريطانيا؟
أنا انبهرت من كون الملكة لديها إلمام بما أعمل وبتخصصي ومجالي وخلفية واضحة عن تفاصيل كثيرة، وسألتني عن الأطفال الذين نقدم لهم الرعاية وعن اليمن و ظروف البلد وتفاصيل دقيقة في هذا الجانب، مما يعكس إطلاع الملكة وإلمامها الواسع.

- هنالك عدد من النساء اليمنيات تم تكريمهن على مستوى عالمي وعربي، هل وجدت المرأة حقها في الداخل اليمني؟
أنا لم أسع إلى أي تكريم على المستوى المحلي أو الخارجي لأن هدفي تقديم خدمة لليمن لا أكثر، لكن من المؤسف أن يكون هنالك تكريم خارجي ولا يوجد من يهتم لإمركِ في الداخل. أنا هنا أتحدث عن التكريم الرسمي، رغم أن اهتمامي يتركز على  الأطفال وهم بالنسبة إلي أهم تكريم. فالشعور بأن ثمة تغييراً تقوم به في المجتمع وفي حياة الناس والأطفال هذا بحد ذاته يمنحني السعادة، وهو الفخر والتكريم الحقيقي.

- هل تغير التعامل معك على المستويين الرسمي والشعبي بعد تكريمكِ في بريطانيا؟
بعد عودتي من بريطانيا استدعاني فخامة رئيس الجمهورية وقام بتكريمي، ولم أشعر بأن هذا التكريم أهم لديّ من حب الناس وحديثهم معي في الشارع ومباركة البسطاء لي بهذا الوسام. أشكر الرئيس لتكريمه لي وقد استغلّيتُ الفرصة وطرحتُ عليه طلب تأمين مبنى للجمعية لإيواء الأطفال فيها لأن دفع مبالغ كبيرة للإيجارات أرهقنا. الرئيس وجه إلى المسؤولين بمنحنا المبنى ومازلنا نتابع الأمر، وأعتقد أننا في اليمن «شاطرين بكسر المجاذيف و الإحباطات حتى يصل الشخص إلى اقتناع فيترك كل شيء ويغادر البلد».

- تحملين الأمل وتصرين على النجاح. من أين تأتين بكل هذه الإرادة؟
طالما وهبنا الله الروح والحياة لا بد أن يكون هنالك أمل، وأعتقد أن حضوري مع الأطفال وهم يلعبون ويفرحون هو دافع كبير لي ويجعلني أشعر دائماً بالأمل أن غداً سيكون أفضل بهؤلاء الأطفال.

- لماذا توجهتِ إلى الأعمال الخيرية وتركتِ العمل في العقارات والأعمال؟
كان لدي صديقة مقربة جداً وهي بمثابة الأخت توفيت بعد صراع مع المرض ما جعلني أصاب بصدمة لوفاتها وتأثرتُ لمعاناتها، فتركت كل شيء للعمل كمتطوعة في المستشفى الذي كانت ترقد فيه خلال فترة مرضها، ومن هنا كانت بداية تحول أفكاري وتوجهاتي. والحمد لله استمريتُ في الأعمال الخيرية حتى الآن وأشعر بالسعادة لما أقوم به.

- الفرق كبير بين عالم الأعمال والأعمال الخيرية، كيف وجدتِ الفرق بين المجالين؟
حياة الأعمال و المال والشهرة والسفر مختلفة وحلوة، لكنّ ثمة شيئاً ما كان ينقصني في ظل كل هذا الزخم. ومن خلال الأعمال الخيرية وجدتُ نفسي ولم أشعر  يوما بالفراغ، والأجمل أن يكون الشخص في موقف يعطي فيه الآخرين دون مقابل أو  أجر، أن تنتشل طفلاً من الشارع وتعيده إلى صفوف التعليم. هذا أهم استثمار في الإنسان وتأهيله وتطويره.

- لماذا فكرة الاهتمام بالأطفال وبالذات أطفال الشوارع والأسر الفقيرة، ولماذا هذه الشريحة تحديداً؟
كانت الفكرة أن أقيم في اليمن داراً للعجزة ولكن وجدتُ أنه في اليمن لا يوجد من يتخلى عن كبار السن وأن الأهل يتمسكون بكبار السن. وبحثت طويلاً عن فكرة بديلة تدخل في إطار الاهتمام بالإنسان، إلى أن لفتت نظري فتاة صغيرة كانت تطلب معونه من الناس في الشارع العام. هنا وقفتُ وسألتها لماذا تطلبين المال من الناس فقالت : لأننا لا نملك المال والغذاء. وذهبنا نبحث عن هذه الأسرة فكانت الفتاة في الثامنة وتركت المدرسة للتفرغ لمهنة التسول. كانت هذه الفتاة نقطة التحول لي واتخذتُ قراراً بأن أهتم بهذه الشريحة من الأطفال و بدأتُ من هذه الفتاة وعملتُ على مساعدتها في الالتحاق بالتعليم وكبر المركز حتى أصبح كما هو اليوم.

- كم عدد الأطفال الملتحقين بالمركز الآن؟
لدينا 550 طفلاً وطفلة ولدينا قائمة انتظار  تصل إلى 300 طفل وطفلة لم نتمكن من استيعابهم لأن إمكاناتنا لا تسمح بذلك مع العلم، بأن عدداً كبيراً من الفتيات يتم سحبهن من المركز  بعد سن الثامنة عشرة سنة وتزويجهن ولم تتح لهن فرصة إكمال التعليم، والمجتمع اليمني لا يسمح لنا بالتدخل لإيقاف هذه الظاهرة ولا يوجد ما يلزم بضرورة أن تستكمل الفتاة تعليمها.

- ما العائق أمام عملكم؟
العائق الرئيسي هو عدم توافر مبنى يستوعب كل الأطفال الذين هم في قائمة الانتظار، وهذا الشيء يؤلمنا. ونسعى للحصول على مبنى يستوعب كل طموحنا وآمالنا وأطفالنا، العائق الآخر  هو عدم استجابة الجهات المعنية لشكاوى الفتيات ولا يوجد اهتمام لدى المعنيين بما تتقدم به الفتيات في الشكاوى أو المظلوميات.

- وجود كوادر أجنبية ألا يرتّب كلفة على المركز؟
عمل الكوادر الأجنبية في المركز يأتي وفقاً لاتفاقات تعاون مع جهات تعليمية في بريطانيا، وعملهم تطوعي ولا يكلف بل يعدّ إضافة نوعية للمركز ويجعل الأطفال يحتكون بثقافات أخرى ويتعلمون سلوكاً مدنياً قد يكون غير ممارس في الشارع اليمني. ولكن للأسف الأحداث الأمنية التي عصفت باليمن مؤخراً جعلت الكوادر الأجنبية تغادر ونعتمد الآن على كادر يمني.

- هل تغيّر سلوك الأطفال المستفيدين بالمقارنة مع ما كانوا عليه قبل التحاقهم بالمركز؟
بالتأكيد أصبح ثمة فرق ملحوظ وواضح على مستوى اهتمامهم بالتعليم وعلى مستوى تعلمهم مع من حولهم وعلى مستوى طريقة حياتهم. حتى نفسيتهم تغيرت كثيراً للأفضل وسلوكهم اليومي وتعاملهم مع الحيوانات والطيور ونظافة البلد وحب الوطن... وهذا أخذ وقتاً كبيراً لأن المدارس والأسر لا تهتم لسلوكيات الأطفال، وهذا جعل الأسر سعيدة ومسرورة لعملنا وتثق بنا وأصبحت هي من تأتي إلينا وتثني على دورنا.

- كيف تجدين المرأة اليمنية اليوم؟
رغم عدم وجود عدالة في إتاحة الفرص بشكل متكافئ فإن المرأة اليمنية قوية وحاضرة وطموحة رغم كل الظروف، وأنا أثق كثيراً بها وفخورة بها جداً.