جنى فواز الحسن تكتب «طابق 99» بذاكرة الحرب اللبنانية

جنى فواز الحسن,طابق 99,ذاكرة الحرب اللبنانية,هويات,منشورات ضفاف والاختلاف,قصة حبّ

مايا الحاج 22 يناير 2015

مجد، رجل حمل جرح وطنه ندبةً في وجهه وعُطباً دائماً في ساقه. فلسطيني الجنسية، لبنانيّ المولد، أميركي المنشأ. خليط من الهويات جعل من حياته تسير عرجاء كمشيته هو. حياة تدور بين «قمة» تتجلّى في مكتب واسع يعمل فيه في الطابق 99، و«حفرة» تتمثّل في مخيّم فقير قضى طفولته فيه. أو بمعنى آخر بين مستقبلٍ باهر حققه في الولايات المتحدة، وماضٍ أليم عاشه في مخيّمي صبرا وشاتيلا البيروتيين. أمّا هيلدا، فهي شابة اختارت الهروب من إرث عائلة حزبية شاركت في الحرب الأهلية ضدّ الوجود الفلسطيني في لبنان. قصدت أميركا واختارت الرقص المعاصر مجال دراستها لعلّها تتمكّن بالفنّ من أن تتجاوز ماضٍ أثقل كاهلها مع أنها لم تكن شريكة فيه.
يلتقي مجد (الفلسطيني المسلم) وهيلدا (اللبنانية المسيحية)، بطلا رواية «طابق 99» للكاتبة اللبنانية جنى فوّاز الحسن الصادرة عن منشورات ضفاف والاختلاف في نيويورك، ليجد كلّ واحد منهما في الآخر وجه عدوّه المفترض وحبيبه المُحتمَل.
تقوم  رواية جنى الحسن على قصة حبّ بين راويين يُفرّقهما الماضي، ليجمعهما من ثمّ مصير واحد في غربةٍ تحوّلت إلى وطنٍ اختياري. هناك، يعملان معاً على تجاوز ذكرياتهما عن حرب سطت على طفولتهما وجرحت ذاكرتهما، رغم أنّ لا ذنب لهما فيها. يقيمان علاقة حسيّة يرممان عبرها جسور انقطعت بينهما، وبين ما يُمثّله كل واحد منهما. يستكملان حياتهما ويُخططان للصعود بها نحو مكانٍ أفضل، قد يتمثّل مجازاً بـ «طابق 99»، وهو العنوان الذي اختارته الحسن لروايتها. «من هنا، حين كنت أشاهد العالم من شرفة مكتبي الواقع في الطابق 99 من المبنى، بدا المخيّم غير موجود. وبدت فلسطين كبلاد ضائعة في الزحمة، بلاد لن يبلغني نداؤها، إن تجرأت على مناجاتي» (ص25).
 تتبدّل فضاءات الرواية بين نيويورك وبيروت وجبل لبنان وفلسطين ومخيّمي صبرا وشاتيلا، لترصد تنقّل شخصيات ممزقة، هاربة من ماضيها «المعروف» نحو بلاد غريبة «تُشرق فيها الشمس بالتساوي على الجميع». تمكّن مجد طوال سنوات من التغلّب على ذكرياته الأليمة، ومن أن يلهو بغربته وأن يستمتع بدوره كغريب يمشي بين الغرباء. لكنّ لقاءه بهيلدا أعاده إلى ذاته، إلى حقيقته، فتحولت الحبيبة إلى مرآة يتعرّى أمامها ويستفيض أمامها بمكنونات نفسه وتفاصيل ماضيه، هو الذي فقد في 16 أيلول/سبتمبر 1982، يوم مجزرة صبرا وشاتيلا، أمّه الحامل وشيئاً من جسده، وربما من إحساسه بإنسانيته. «كلّما رويت لها حادثة أو فكرة شعرت كأني أتعرّف على ذاتي للمرّة الأولى».
بعد تلك الحادثة (كان أهل هيلدا من ضمن المشاركين فيها) تغيّرت حسابات والد مجد الذي لم يبقَ متأملاً بعودة منتظرة إلى أرض ضاعت في فلسطين، بل قرّر أن ينجو بابنه الوحيد متجهاً نحو أميركا، حيث يعيش أقرباء له. فالحياة خارج «الأرض» (فلسطين) هي غربة، سواء أكانت في لبنان أم في أميركا.
لا تختار جنى الحسن الولايات المتحدة لتتغنّى بديمقراطية مفقودة في أوطاننا، إنما تصوّرها كبلد قوي قام أصلاً على مجازر ضدّ الهنود، ومازال لا يقبل بالضعفاء. هو لا يمنح فرصة النجاح الاّ للأقوياء مثل مجد الذي تغلّب على أوجاعه النفسية و«إعاقاته» الجسدية ووصل إلى منصب عالٍ خوّله العمل في الطابق 99، في مبنى «أمباير ستايت».
يُمسك بطلا الرواية بالسرد على مدار أكثر من مئتي وخمسين صفحة، لكنّ مجد هو من يفتتحه انطلاقاً من لحظة عودة هيلدا إلى وطنها بعدما قررت، على إثر علاقتها به، أن تكتشف حقيقة مشاركتة والدها وعمها «الشهيد» في الحرب اللبنانية، وعن دورهما في مجزرة صبرا وشاتيلا التي ما زالت تحفر في جسد حبيبها. لتُختتم الرواية بفصل ترويه هيلدا بصيغة المتكلم، نكتشف فيه أنّ والدها، الميليشياوي السابق قد تحوّل بعد سنوات من الحرب إلى زعيم بحقيبة وزارية مرموقة. ومن هنا تتولّد أسئلة لا تنتهي بنهاية الرواية: هل ينجلي تاريخ دموي بوجود رموزه الدائمين؟ وهل يُمكن لبنان أن يكون أكثر من ساحة مفتوحة على احتمالات الحرب في ظلّ تجدد صورة ماضيه في واقعه؟
❋ ضمّت القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2015 رواية «طابق 99»