من أجل مواجهة خطر التطرّف والإرهاب، مثقفون ومفكرون عرب يجتمعون في مكتبة الإسكندرية

مواجهة التطرّف,استراتيجية عربية,مكتبة الإسكندرية,مستقبل الدول العربية,القمة العربية

طارق الطاهر (القاهرة) 29 يناير 2015

من أجل وضع استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرّف، استضافت مكتبة الإسكندرية أكثر من مئة مثقف ومفكر، لطرح الأفكار والرؤى حول هذه القضية الخطيرة التي تهدد مستقبل الدول العربية، وسيُرفع التقرير النهائي لهذا الاجتماع الى الرؤساء والملوك العرب في القمة العربية المقبلة.

المؤتمر كان فرصة كي تقدم مجموعة من المثقفين والكتّاب رؤاهم لمواجهة خطر الإرهاب. فمن لبنان أكد الكاتب الصحافي عبدالوهاب بدرخان أنه إذا كان العام 2013 في مصر عام انكشاف الإرهاب المتستر بعباءة الجماعات الاسلامية المصنّفة معتدلة، فإنني أزعم أن العام 2014، وبعد هذا الكم الهائل من الوحشية في قطع الرؤوس أو في سبي النساء ورجمهن والتنكيل بالأقليات الدينية، كان العام الذي وضعنا في مساءلة مع أنفسنا وهل يقع علينا جزء من المسؤولية، لأن هؤلاء المتطرفين من مخرجات مجتمعاتنا، ومساءلة مع من يقدمون أنفسهم كأصدقاء أو حتى كحلفاء، وهل هم شركاء حقيقيون في مواجهة الإرهاب أم إنهم لا يتوانون عن توظيفه في خدمة مصالحهم؟ كانت دول عربية عدة، ومنها خصوصاً مصر، طالبت بأن تكون هذه المواجهة وفقاً لاستراتيجية شاملة، ولا تزال الحرب الجارية حالياً تفتقد هذه الاستراتيجية. وعلى أي حال، تبقى هذه مهمتنا وواجبنا لأن المشكلة مشكلتنا، وهذا يعيدنا أيضاً إلى مؤتمرنا الذي حرص منظموه على إبلاغنا بأنهم يتطلعون إلى اقتراحات عملية يراد رفعها إلى القمة المقبلة.
كما قدم الأديب والكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي تجربة الجزائر في مواجهة الإرهاب والتطرف، مؤكداً ضرورة تبني دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي طالب بثورة دينية، مبيناً أن هذه الثورة مسألة حيوية، وتتطلب عملاً شاقاً في مناهج التعليم وأساليب الدعوة، إضافة الى ضرورة إعادة هيكلة العقل العربي والإسلامي بما يجعله قادراً على استيعاب الاختلاف مع الآخر، ولن يتحقق ذلك إلا بتضييق الفجوة بين المذاهب الإسلامية والتقريب بينها في الفتوى ومحو مسببات التطرف والغلو، وتبرئة الإسلام من تصرفات الموتورين والمحسوبين على فكره.
وفي كلمته، أكد الدكتور مصطفى الفقي أن التطرف ليس حكراً على دين أو بلد أو طائفة بعينها، وأنه ليس ظاهرة جديدة أو مفاجئة، وإنما له الكثير من الجذور والأسباب في مجتمعاتنا، أهمها افتقادنا التطبيق الصحيح لمفهوم «العدل الاجتماعي» وانتشار الجهل والفقر والظلم المجتمعي، بالإضافة إلى سوء إدارتنا لأزماتنا ومشكلاتنا المختلفة. وأهم هذه الأسباب، تهميش الشباب وضعف المنظومة التعليمية في بلادنا. كما وجّه الفقي نقداً لاذعاً الى الخطاب الديني الحالي وتقصير رجال الدين في توصيل صحيح الدين إلى عامة الناس، ودعاهم إلى التواصل مع الآخر ومحاورته وتطوير خطابهم الديني بما يناسب متطلبات المكان والزمان.
ومن الجزائر، يرى الكاتب الدكتور زبير عروس أن الفقر والجهل ليسا السبب الوحيد للتطرف، وإنما هناك خريجو جامعات ومثقفون يشكلون أعمدة التطرف الذي تجب مواجهته بالفكر وليس بالأمن فقط.
وطالب الناقد الدكتور يسري عبدالله بأن تكون مواجهة التطرف ضمن مشروع ثقافي وطني جامع، «مصري-عربي الملامح والهوى»، كما لا بد من مجابهة الأفكار الظلامية.
وبدوره، أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، إلى أهمية القضية المطروحة للنقاش باعتبارها من القضايا التي تؤرق المجتمعات العربية، وتشكل تهديداً خطيراً لنمائها واستقرارها وتطورها وتقدمها، وهو ما يجب مواجهته وإحباطه وعكس مساراته. فالغلو الديني والتطرف الفكري، ظلا المصدر الأساس لتفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي والمنبع الرئيس للعنف والإرهاب، وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ.
كما عرض مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين للنتائج الوخيمة المرتبطة بانتشار العنف والإرهاب، وضرورة مواجهته لضمان مستقبل الأوطان.
 أما السفيرة فاطمة الزهراء عثمان، التي ألقت كلمة السفير وزير الخارجية المصري سامح شكري، فقد نبهت الجميع إلى خطورة الأبعاد المختلفة لهذه القضية ومساندة وزارة الخارجية لما يسفر عنه المؤتمر.
وفي نهاية المؤتمر الذي حضر جلسته الافتتاحية محافظ الإسكندرية اللواء طارق المهدي، أصدر المثقفون والمفكرون مجموعة من التوصيات، منها «تصدي المؤسسات الدينية للمفاهيم التي تروّج في المجتمع خاصةً بين الشباب»، وفي مقدمها التفسيرات المشوهة لمفهوم الجهاد والردة ووضع المرأة، وكذلك الدعوة إلى تغيير الأوضاع القائمة على العنف والخروج عن دولة القانون والمؤسسات، والتوسع في إصدار الكتب والمؤلفات التي تدعم العقلانية والاستنارة، وتنشر الفكر النهضوي، وتحارب الخرافة والتطرف، وتفتح الأبواب للتفاعل الخلاّق مع منجزات الثقافة الإنسانية في العلوم الطبيعية والإنسانية، والدعوة إلى توحيد نظم التعليم – على الأقل في مرحلة التعليم الأساسي – ومنع الازدواجية بين تعليم مدني وآخر ديني أو أجنبي، لضمان تشكيل العقل العربي من دون تشرذم أو اضطراب، والاعتماد على التوازن المعرفي بين العلوم الطبيعية والإنسانية، وتربية وجدان النشء على تكوين المهارات الإبداعية والفنية، وترسيخ ثقافة الديموقراطية، وحضّ المؤسسات الإعلامية على الالتزام بالمواثيق المهنية والأخلاقية التي تتضمن الابتعاد من الخطابات المتعصبة، أو ترويج آراء من شأنها بث روح الفرقة والانقسام بين المواطنين، أو إثارة السجالات الدينية أو المذهبية، أو التنابذ السياسي أو القبلي أو العرقي.
هذا ومن المقرر أن توضع التوصيات كاملة أمام الرؤساء والملوك العرب في القمة العربية المقبلة، لإصدار قرارات ملزمة لجميع الدول في مواجهة الإرهاب والتطرف.